موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة والفتاوى العلمية (1 : 10)

س 1 : سؤال من الأخت الكريمة "أم أيمن المغربية" : هل يجوز القيام بأعمال معينة في دكرى المولد النبوي كتخصيص مثلا عدد معين من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ؟

ج 1 : بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين ، أما بعد ...
فقد قال الله تعالى : (( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) (آل عمران : 31) ؛ فموطن الكلام هنا هل ثبت هذا الفعل عن القرون الثلاثة الأولى ؟ ، وهي خير القرون ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ...) الحديث رواه البخاري (2652/3-171) ، ومسلم (2533/4-1963) ؛ نقول :
أولًا : لم يرد عن الصحابة ولا التابعين ولا تابعي التابعين - رضوان الله عليهم - الاحتفال بهذه المناسبة بتخصيص طعام معين أو ذكر معين أو صلاة معينة ، وإنما كانت حياتهم كلها احتفالا واحتفاءً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يحبونه أكثر من آبائهم وأبنائهم والناس أجمعين ، وهذا مقام اكتمال الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم : «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . رواه البخاري (15 /1-12) ومسلم (44/ 1-67) ، وعن
أَبِي عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآنَ يَا عُمَرُ» . رواه البخاري (6632 / 8-129) .

ثانيًا : إن أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي هم الفاطميون الشيعة في مصر ، ومما سطره المؤرخون في ذلك : أن الخلافة الفاطمية قامت في بلاد المغرب بفضل الداعي أبي عبد الله الشيعي الذي حل بمنازل قبيلة كتامة البربرية ، وجمع حوله الأنصار ، وأقنعهم بفساد الحكم الأغلبي ، وجاهر بدعوته الشيعية ، إلى أن تمكن من السيطرة على أفريقية ((تونس) عام 296 هـ ، وأعلن قيام الدولة الفاطمية .

وبعد أن أصبح عبيد الله المهدي (297 - 322 هـ) أول خلفاء الدولة الفاطمية فكر في غزو مصر ، وأرسل إليها حملتين بقيادة ابن القاتم ، الأولى سنة 302 هـ ، والثانية سنة 305 هـ ، ولكنهما فشلتا في تحقيق الغرض ، ثم أرسل الخليفة الفاطمي " المعز لدين الله " أمهر قواده "جوهر الصقلي" على رأس الحملة الثالثة لغزو مصر 358 هـ ، ونجحت هذه الحملة في السيطرة على مصر ، فبنى "الصقلي" مدينة القاهرة ، وبنى الجامع الأزهر حيث أقيمت الصلاة فيه لأول مرة في 7 رمضان سنة 361 هـ ، ومنع لبس السواد شعار العباسيين ، وحاول نشر الخضرة ، وهي لباس آل البيت ، وأمر أن يزاد في الأذان عبارة " حي على خير العمل " ، وبذلك يكون "الصقلي" قد مهد الطريق لانتقال الخليفة الفاطمي "المعز لدين الله" من المنصورية بالمغرب إلى القاهرة سنة 362 هـ ، ودخل "المعز لدين الله" ومعه توابيت آبائه ، وفي مدة مكثه بالقاهرة - ثلاث سنوات ثم مات - بذل نشاطًا كبيرًا في سبيل نشر التشيع ، وجند لذلك العلماء والشعراء ، واستحدث مناسبات متعددة تجددت فيها الدعوة الشيعية ، مثل : مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعلي وفاطمة والحسن والحسين - رضي الله عنهم ، وكذا عاشوراء وغيرها .

ثالثًا : اختلف المؤرخون في تحديد اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أقوال عدة ، منها 12 ربيع الأول ، وهو المشهور ، وذهب الفلكي المصري المعروف "محمود باشا الفلكي" في بحث له إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين (9 من ربيع الأول الموافق 20 من أبريل سنة 571 ميلادية).

رابعًا : لا مانع من إقامة الندوات العلمية والمجالس الحديثية في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لتبصير الناس بسنته وآدابه وشمائله وخصائصه وأخلاقه وغزواته وسيرته العاطرة الطيبة ، وأما إطعام الأولاد بما يسمونه حلوى المولد ، وما شابه ذلك ، فلا مانع من ذلك طوال العام ؛ للأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل إطعام الأهل والأولاد ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ» . رواه البخاري (56/ 1-20) ومسلم (1628/3-1250) ، وقال صلى الله عليه وسلم : «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ» . رواه مسلم (995/2-692) بشرط أن لا يخصص هذا بيوم مولده صلى الله عليه وسلم ، ولا يعتقد أنه سنة ، والله أعلم .
 
س2 : من الأخ الكريم "رحيل" من ألمانيا : إذا كانت والدة امرئ كافرة وهي تطلب من زوجة ولده أدوات الزينة ومكياج للتبرج ، هل ترفض إعطاء تلك الأشياء ؟ وأن ناولتها إياها هل تأثم الزوجة المسلمة ؟؟


ج2 : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...

فيقول علماء الأصول " النظر فى مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً " ، وبناءًا على هذه القاعدة لا يجوز بيع أو إهداء أو مناولة شيء من أدوات المكياج لمن تستخدمه في التبرج المحرم مسلمة كانت أو غير مسلمة ، ونعني بالتبرج المحرم تزين المرأة بالمكياج أو غيره ؛ لتمشي به خارج بيتها أو لغير زوجها ؛ لأن ذلك سيزيد الفتن في المجتمع ، ولا شك أن كلا من الفاعل والمشارك والمساعد ينال حظًا من الإثم ، قال الله سبحانه : ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ )) (المائدة : 2) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا » صحيح ، رواه مسلم (2674/ 4-2060) ، وأما إن كان ذلك التزين والتبرج في البيت أو للزوج فلا حرمة في ذلك فعلًا ، ومشاركةً ، ومساعدةً . والله أعلم .
 
س 3 : من الأخ الكريم "رحيل" من ألمانيا : سأقدم في شهر إلى بلدكم طلبًا للعلم ؛ فأي معاهد ومدارس تنصحني بها ؛ لأستفيد علمًا وأدبًا ؟
ج 3 : وأما سؤالك عن الدراسة في مصر - مرحبا بك وأهلا - فهناك مجالات كثيرة لطلب العلم الشرعي ، ولكن يحزنني أن أقول لك : إن الداعين إلى الأدب قبل العلم قليلون ، ومع ذلك أقول لك ينبغي أولا أن تحدد أي العلوم تريد ، وهل ستمكث مدة يسيرة (شهر كما فهمت أم سنوات؟) ، وعلى كل حال يمكنك الحضور لعلماء الأزهر الشريف في الجامع الأزهر بالقاهرة ، وكذلك هناك مجموعة من العلماء المتقنين في المنصورة والإسكندرية وكفر الشيخ يمكنك الحضور لهم والدراسة على أيديهم في المساجد أو في البيوت أحيانًا ، وأما إن أردت الدراسة النظامية - وهي عامرة بالفوائد والتأصيلات العلمية الشرعية واللغوية - فيمكنك الإلتحاق بجامعة الأزهر الشريف - حسب مستواك عندما تتقدم لذلك - أو تلتحق بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة ، وفقكم الله للعلم النافع والعمل الصالح . والسلام عليكم ورحمة الله .
 
س 4 : من الأخ الكريم محمود فؤاد من مصر : أجمع العشر الصغرى وأعي أوجه واختلافات القراء من حيث القراءة ، ولكن مشكلتي في ترتيب أوجه القراء من حيث الاندراج ، من يندرج ومن يتوافق ومن ينتظر وهكذا ؛ فهل عندكم من حل مثالي لتلك المشكلة تكونوا مشكورين مأجورين ؟

ج 4 : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...

فقد جرت العادة عند أئمة القرآن قديمًا أن يفردوا القراءات قبل أن يجمعوا كما قال الإمام ابن الجزري - رحمه الله - في النشر : " وَكَانُوا يَقْرَءُونَ عَلَى الشَّيْخِ الْوَاحِدِ الْعِدَّةَ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَالْكَثِيرَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ كُلُّ خَتْمَةٍ بِرِوَايَةٍ لَا يَجْمَعُونَ رِوَايَةً إِلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ عَصْرِ الدَّانِيِّ وَابْنِ شَيْطَا الْأَهْوَازِيِّ وَالْهُذَلِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ظَهَرَ جَمْعُ الْقِرَاءَاتِ فِي الْخَتْمَةِ الْوَاحِدَةِ وَاسْتَمَرَّ إِلَى زَمَانِنَا وَكَانَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ عَادَةُ السَّلَفِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ هُوَ الْأَخْذُ بِهِ وَالتَّقْرِيرُ عَلَيْهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ.
وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ فُتُورُ الْهِمَمِ وَقَصْدُ سُرْعَةِ التَّرَقِّي وَالِانْفِرَادِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشُّيُوخِ يَسْمَحُ بِهِ إِلَّا لِمَنْ أَفْرَدَ الْقِرَاءَاتِ وَأَتْقَنَ مَعْرِفَةَ الطُّرُقِ وَالرِّوَايَاتِ، وَقَرَأَ لِكُلِّ قَارِئٍ خَتْمَةً عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يَسْمَحْ أَحَدٌ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ، أَوِ الْعَشْرَةِ فِي خَتْمَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا أَحْسَبُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ حَتَّى إِنَّ الْكَمَالَ الضَّرِيرَ صِهْرَ الشَّاطِبِيِّ لَمَّا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّاطِبِيِّ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِ قِرَاءَةً وَاحِدَةً مِنَ السَّبْعَةِ إِلَّا فِي ثَلَاثِ خَتَمَاتٍ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ قِرَاءَةَ ابْنِ كَثِيرٍ مَثَلًا يَقْرَأُ أَوَّلًا بِرِوَايَةِ الْبَزِّيِّ خَتْمَةً ثُمَّ خَتْمَةً بِرِوَايَةِ قُنْبُلٍ ثُمَّ يَجْمَعُ الْبَزِّيَّ وَقُنْبُلَ فِي خَتْمَةٍ هَكَذَا حَتَّى أَكْمَلَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ خَتْمَةً، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا رِوَايَةُ أَبِي الْحَارِثِ وَجَمَعَهُ مَعَ الدُّورِيِّ فِي خَتْمَةٍ، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقْرَأَ بِرِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فَأَمَرَنِي بِالْجَمْعِ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى (سُورَةِ الْأَحْقَافِ) تُوَفِّي رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ إِلَى زَمَنِ شُيُوخِنَا الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَرَأَ عَلَى التَّقِيِّ الصَّائِغِ الْجَمْعَ إِلَّا بَعَدَ أَنْ يُفْرِدَ السَّبْعَةَ فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ خَتْمَةً وَلِلْعَشَرَةِ كَذَلِكَ . " (النشر 2/195) . وهذا ما أشار إليه رحمه الله في طيبته فقال :

وَقَدْ جَرَى مِنْ عَادَةِ الأَئِمَّهْ * * * إِفْرَادُ كُلِّ قَارِىءٍ بِخَتْمَهْ
حَتَّى يُؤَهَّلُوا لِجَمْعِ الْجَمْعِ * * * بِالْعَشْرِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِالسَّبْعِ

وأما موضوع كيفية الجمع فقد ذكر المذهبين الإمام ابن الجزري - رحمه الله - في النشر فقال :
" لِلشُّيُوخِ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِالْجَمْعِ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمْعُ بِالْحَرْفِ، وَهُوَ أَنْ يَشْرَعَ الْقَارِئُ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِذَا مَرَّ بِكَلِمَةٍ فِيهَا خُلْفٌ أُصُولِيٌّ، أَوْ فَرْشِيٌّ أَعَادَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ بِمُفْرَدِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُسَوَّغُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَقَفَ وَاسْتَأْنَفَ مَا بَعْدَهَا عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَإِلَّا وَصَلَهَا بِآخِرِ وَجْهٍ انْتَهَى عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْفٍ فَيَقِفُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِكَلِمَتَيْنِ كَمَدٍّ مُنْفَصِلٍ وَالسَّكْتِ عَلَى ذِي كَلِمَتَيْنِ وَقَفَ عَلَى الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ وَاسْتَوْعَبَ الْخِلَافَ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَا بَعْدَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمِصْرِيِّينَ، وَهُوَ أَوْثَقُ فِي اسْتِيفَاءِ أَوْجُهِ الْخِلَافِ وَأَسْهَلُ فِي الْأَخْذِ وَأَحْضُرُ، وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ رَوْنَقِ الْقِرَاءَةِ وَحُسْنِ أَدَاءِ التِّلَاوَةِ.
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي الْجَمْعُ بِالْوَقْفِ، وَهُوَ إِذَا شَرَعَ الْقَارِئُ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَدَّمَهُ لَا يَزَالُ بِذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْفٍ يَسُوغُ الِابْتِدَاءُ مِمَّا بَعْدَهُ فَيَقِفُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْقَارِئِ الَّذِي بَعْدَهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ خَلْفَهُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا يَزَالُ حَتَّى يَقِفَ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَفْعَلُ بِقَارِئٍ قَارِئٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخُلْفُ، وَيَبْتَدِئَ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْفِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّامِيِّينَ، وَهُوَ أَشَدُّ فِي الِاسْتِحْضَارِ وَأَشَدُّ فِي الِاسْتِظْهَارِ وَأَطْوَلُ زَمَانًا، وَأَجْوَدُ إِمْكَانًا، وَبِهِ قَرَأْتُ عَلَى عَامَّةِ مَنْ قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِصْرًا وَشَامًا، وَبِهِ آخُذُ وَلَكِنِّي رَكَّبْتُ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَذْهَبًا، فَجَاءَ فِي مَحَاسِنِ الْجَمْعِ طِرَازًا مُذَهَّبًا. فَابْتَدِئْ بِالْقَارِئِ وَانْظُرْ إِلَى مَنْ يَكُونُ مِنَ الْقُرَّاءِ أَكْثَرَ مُوَافَقَةً لَهُ فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَى كَلِمَتَيْنِ بَيْنَ الْقَارِئِينَ فِيهَا خُلْفٌ وَقَفْتَ وَأَخْرَجْتَهُ مَعَهُ ثُمَّ وَصَلْتَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْوَقْفِ السَّائِغِ جَوَازُهُ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخِلَافُ، وَلَمَّا رَحَلْتُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَجْمَعُونَ بِالْحَرْفِ كَمَا قَدَّمْتُ أَوَّلًا فَكُنْتُ أَجْمَعُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِالْوَقْفِ وَأَسْبِقُ الْجَامِعِينَ بِالْحَرْفِ مَعَ مُرَاعَاةِ حُسْنِ الْأَدَاءِ وَكَمَالِ الْقِرَاءَةِ وَسَأُوَضِّحُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَمْثِلَةٍ يَظْهَرُ لَكَ مِنْهَا الْمَقْصُودُ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ ." (النشر 2/ 201 - 202) ، وهذا ما أشار إليه في طيبته فقال :

وَجَمْعُنَا نَخْتَارُهُ بِالْوَقْفِ * * * وَغَيْرُنَا يَأْخُذُهُ بِالْحَرْفِ
بِشَرْطِهِ فَلْيَرْعَ وَقْفًا وَابْتِدَا * * * وَلاَ يُرَكِّبْ وَلْيُجِدْ حُسْنَ اْلأَدَا
فَالْمَاهِرُ الَّذِي إِذَا مَا وَقَفَا * * * يَبْدَا بِوَجْهِ مَنْ عَلَيْهِ وَقَفَا
يَعْطِفُ أَقْرَبًا بِهِ فَأَقْرَبَا * * * مُخْتَصِرًا مُسْتَوْعِبًا مُرَتِّبَا

وعلى كل حال لا مانع من ترك الترتيب ؛ إذ الهدف هو الإتيان بالقراءات أصولا وفرشًا ، ويدخل في هذا الباب السماع والقراءة بشرط الإتقان ، وهذا ما يسميه العلماء بالتلقي ، وهو منزلة أعلى من القراءة المجردة ، وقد ذكر العلماء أن وجهًا يغني عن وجه ، فلا بد من الإتيان بكل الطرق لا كل الوجوه ، ومثال ذلك : قالون من طريق أبي نشيط ، له أربعة أوجه : إسكان وصلة ميم الجمع ، وعلى كل قصر وتوسط المد المنفصل ، وجه واحد يغني عن الباقي بشرط الإتقان ، مثال آخر : ورش من طريق الشاطبية ، له في البدل ثلاثة أوجه : قصر وتوسط وإشباع ، وله في اللين المهموز وجهان : توسط وإشباع ، وله في ذوات الياء الفتح والتقليل ، وجه واحد يغني عن كل هذا بشرط الإتقان ، كما قال شيخنا الدكتور سعيد صالح حفظه الله :

لا أوجه في التيسير ... بل وجه واحد . توسط بدل ولين وقللا .
وقد أجمعت الأمة على أن جمع القراءات لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبناءًا على ما تقدم نقول للسائل الكريم : هناك مصنفات طيبة في هذا الباب ، يمكنك الاستعانة بها ، منها : البسط في القراءات العشر (الصغرى) للأستاذة سمر العشا ، وقد سارت على الجمع بترتيب القراء كما رتبهم الإمامان الشاطبي وابن الجزري في الحرز والدرة ، مع الأدلة من الشاطبية والدرة ، للتحميل :
، وكتاب جامع القراءات العشر (الصغرى) للشيخ عبد الحميد شانوحة - حفظه الله - ، وقد ذكر فيه الأدلة من الشاطبية والدرة والطيبة للتحميل :
 http://aldorwalmorgan.com/books.htm
، وكذلك هناك كتاب المنح الإلهية في جمع القراءات السبع من طريق الشاطبية للأستاذ خالد العلمي ، ولكنه إلى سورة الأنعام فقط ، للتحميل :
 https://archive.org/details/waq38375
، وقد طالعت مصحفًا مطبوعًا في مصر بحجم كبير أيضًا لجمع القراءات العشر الصغرى ، قدم له شيخ المقارئ المعصراوي ، ولا أذكر اسم مصنفه ، وفقكم الله . والله أعلم .
 
س 5 : من الأخت الكريمة أم حذيفة من الإمارات : هل كفارة اليمين هي إطعام مساكين أم إخراج مال و إن كان مال ما هي القيمة ؟
ج 5 : بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...
فقد شرع الإسلام كفارة اليمين ؛ لما يصيب المسلم من لغو أثناء كلامه في المعاملات اليومية ، كما قالت عائشة رضي الله عنها : {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] قَالَتْ: " أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ : لاَ وَاللَّهِ ، بَلَى وَاللَّهِ " ، رواه البخاري (6663 / 8-135) ، وأحيانا يعقد المسلم اليمين بقلبه على أمر ما ثم يبدو له أن يتحلل منه ؛ فخفف الشارع عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيَتْرُكْ يَمِينَهُ»رواه مسلم (1651/ 3-1273) ، ورواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ» وَفِي البَاب عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ الكَفَّارَةَ قَبْلَ الحِنْثِ تُجْزِئُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لَا يُكَفِّرُ إِلَّا بَعْدَ الحِنْثِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إِنْ كَفَّرَ بَعْدَ الحِنْثِ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ الحِنْثِ أَجْزَأَهُ . (سنن الترمذي 1530/ 4-107) ، وأصل الأحكام في كفارة اليمين المنعقدة قوله سبحانه : ((لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) (المائدة : 89)
فالكفارةَ اللازمة لليمين المنعقدة المحنوث فيها هي : إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا يطعم المسلم أهله في القدر أو من جنس الطعام ، ليس بأفضل الطعام ولا بأخسِّه كما ذكر المفسرون .
قال الإمام ابن الجوزي الحنبلي رحمه الله : " فأما إِطعام المساكين ، فروي عن ابن عمر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، والحسن في آخرين: أنّ لكلّ مسكين مدّ برّ، وبه قال مالك، والشافعي. وروي عن عمر، وعليّ، وعائشة في آخرين: لكلّ مسكين نصف صاع من بُرّ، قال عمر، وعائشة: أو صاعاً من تمر، وبه قال أبو حنيفة . "
ومقدار الصاع عند الامام أبي حنيفة يساوي: ثمانية أرطال ؛ أي 3.25 كيلو جرام ، ونصفه : 1.625 .
وأما الجمهور فالصاع يساوي عندهم خمسة أرطال وثلث ؛ أي 2.04 كيلو جرام ، ونصفه : 1.02 .
ومقدار المد عند الحنفية :رطلان بالعراقي ؛ أي 812.5 جراما.
وعند الجمهور: المد يساوي رطلا وثلثا بالعراقي ؛ أي 510 جراما. (انظر الأنيس للأستاذ نبيل الموصلي) .
قال ابن الجوزي : " ومذهب أصحابنا (الحنابلة) في جميع الكفارات التي فيها إِطعام، مثل كفارة اليمين، والظهار، وفدية الأذى، والمفرّطة في قضاء رمضان، مُدّ بُرٍّ، أو نصف صاع تمر أو شعير. ومِنْ شرط صحة الكفارة، تمليك الطعام للفقراء، فإن غدَّاهم وعشَّاهم، لم يجزئه، وبه قال سعيد بن جبير، والحكم، والشافعي. وقال الثوري، والأوزاعي: يجزئه، وبه قال أبو حنيفة، "
(3) قال الإمام القرطبي في «تفسيره» 6/ 277: قال مالك: إن غدّى عشرة مساكين وعشاهم أجزأه. وقال الشافعي: لا يجوز أن يطعمهم جملة واحدة، لأنهم يختلفون في الأكل، ولكن يعطي كل مساكين مدا. وروي عن علي: لا يجزئ إطعام العشرة وجبة واحدة. يعني غداء دون عشاء، أو عشاء دون غداء حتى يغدّيهم ويعشيهم. قال أبو عمر: وهو قول أئمة أهل الفتوى بالأمصار. وانظر ما ذكره 6/ 276.
قال : " ولا يجوز صرف مدّين إلى مسكين واحد "
وقال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» 13/ 513: المكفّر لا يخلو من أن يجد المساكين بكمال عددهم، أو لا يجدهم، فإن وجدهم لم يجزئه إطعام أقل من عشرة في كفارة اليمين، ولا أقل من ستين في كفارة الظهار، وكفارة الجماع في رمضان وبهذا قال الشافعي وأبو ثور. وأجاز الأوزاعي دفعها إلى واحد. وقال أبو عبيد: إن خص بها أهل بيت شديدي الحاجة جاز. وقال أصحاب الرأي: يجوز أن يرددها على مساكين واحد في عشرة أيام إن كانت كفارة يمين، أو في ستين إن كان الواجب إطعام ستين مسكينا. ولا يجوز دفعها إليه في يوم واحد. وحكاه أبو الخطاب عن أحمد اه ملخصا. وانظر القرطبي 6/ 278.
قال : "ولا إخراج القيمة في الكفارة، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: يجوز."
وقال الإمام الموفق (ابن قدامة) رحمه الله في «المغني» 13/ 511: لا يجزئ في الكفارة إخراج قيمة الطعام، ولا الكسوة، في قول إمامنا ومالك والشافعي وابن المنذر، وهو الظاهر من قول عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي. وأجازه الأوزاعي وأصحاب الرأي . انتهى .
الخيار الثاني : أن يكسو عشرة مساكين ، كل واحد منهم ثوبًا واحدًا (مذهب ابن عباس، ومجاهد، وطاوس، وعطاء، والشافعي) ، أو ثوبين (مذهب أبي موسى الأشعري، وابن المسيّب، والحسن، وابن سيرين، والضحاك) ، أو ثلاثة : إِزار ورداء وقميص (مذهب ابن عمر) ، أو ثوبًا جامعًا كالملحفة (مذهب إبراهيم النخعي) أو كسوة تجزئ فيها الصلاة (مذهب مالك) ، قال الإمام ابن الجوزي الحنبلي رحمه الله : " ومذهب أصحابنا : أنه إِن كسا الرجل، كساه ثوباً، والمرأة ثوبين، درعاً وخماراً، وهو أدنى ما تُجزئ فيه الصلاة.
الخيار الثالث : (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ، وهذا لا وجود له الآن بعد أن حرر الإسلام العبيد .
فمن لم يستطع أداء أحد الخيارين الأول والثاني (الإطعام أو الكسوة) فيمكنه التكفير بالصوم كما قال الله سبحانه : ((فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ))
"وفي تتابع الثّلاثة أيام ، قولان: أحدهما: أنه شرط، وكان أُبيّ، وابن مسعود يقرآن: «فصيام ثلاثة أيام متتابعات» وبه قال ابن عباس، ومجاهد، وطاوس، وعطاء، وقتادة، وأبو حنيفة، وهو قول أصحابنا (في رواية أحد الروايتين عن أحمد) والثاني: ليس بشرط، ويجوز التفريق، وبه قال الحسن، ومالك. وللشافعي فيه قولان". (زاد المسير 1/ 579 - 580) . والله أعلم .
 
س 6 : من الأخت مريم من المغرب .
السلام عليكم شيخنا ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء على جهودكم وبارك فيكم
وأود منكم التوجيه والنصح فيما يخص من لا يستطيع الجمع بين دراسة علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبلاغة ودراسة علم القراءات بما في ذلك حفظ متونها ، فأيهما يجعله أولا ؟ مع العلم أن اهتمام النساء بدراسة القراءات في بلدنا المغرب قليل جدا ،
وهل حفظ متن الشاطبية ضروري لضبط هذا العلم؟
أرجو من الله أن أتلقى منكم جوابا رفع الله قدركم .

ج6 : بسم الله الرحمن الرحيم
وعَليْكُمُ السّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ - أهلا بكم .
أولا : جزاكم الله خيرا على حسن ظنكم بي ، وشكر الله لك اهتمامك بهذه العلوم .
ثانيًا : القرآن أولا قبل كل شيء إتقانًا وحفظًا إن استطعت ، وفي الحديث :
عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ حَدَّثَنَا: «أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ» ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ قَالَ: " يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ [ص:127]، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ - ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ - فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ: مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ، وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا ". رواه مسلم ، ومعني الحديث :
أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا فإذا زال أول جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله فإذا زال شيء آخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة وهذه الظلمة فوق التي قبلها ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجمر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى التنفط
كما قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله ، ومحل الشاهد من الحديث كما قال علماؤنا
قوله عليه الصلاة والسلام ( فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ) فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم علموا من القرآن ومن السنة فحفظوا الأمانة بذلك ؛ لأن العلم يحجز الإنسان عن الخيانة والمعاصي عموما ، فإن وقع في معصية فإنما يكون ذلك بجهالة كما قال سبحانه :
(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ
..) الآية (النساء : 17)
فينبغي على طالب العلم أن يخلص النية لله أولا ثم يقدم القرآن والسنة على غيرهما من العلوم ؛ لأنهما الوحي العظيم والنور المبين ، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما قال حدثنا وأخبرنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين
ومن هنا نقول للأخت السائلة :
ابدأي بإتقان تلاوة القرآن الكريم وفهم معانيه قدر المستطاع ، ولو بتفسير مختصر ، ثم انتقلي إلى السنة فادرسي منها ما تقيمين به الواجبات دون توسع ، ثم بعد ذلك اختاري ما شئت من علوم وفنون ، وبإذن الله سيسهل عليك فهمها ؛ لأن كل هذه العلوم متشعبة عن القرآن والسنة . وأما سؤالك الثاني عن حفظ الشاطبية ؛ فأقول ليس حفظ المتن شرطًا في فهمه ، فكم من حفاظ لها لا يفهمون منها شيئا ، ولكن الفهم
يتأتى بعد توفيق الله من خلال الشروح ومتابعة الشيوخ ، وأفضل شروحها وأشهرها (الوافي) للعلامة عبد الفتاح القاضي رحمه الله ، وإن كانت همتك تعلوا للحفظ
فاحفظي متن طيبة النشر للإمام ابن الجزري ؛ فإنه شامل للقراءات العشر الصغرى والكبرى (980 طريقًا) وعدد أبياته 1015 بيتًا فقط ، وهو المنتهى في علم فرش وأصول القراءات ، بخلاف الشاطبية في القراءات السبع (من 14 طريق) وعدد أبياته 1173 بيتًا
وليس معنى هذا أني أقلل من شأن الشاطبية ؛ فشأنها عظيم ، ويمكنك متابعتها مع طيبة النشر شرحًا ومدراسة لا حفظًا
؛ اختصارًا للوقت. وثقي تمامًا أن دراسة علم القراءات مع معرفة علل القراءات وتوجيهها يفتح لك آفاقًا رحبة في فهم علوم اللغة العربية . والله أعلم .
ومن خلال هذه الرسالة أدعوك للالتحاق بجامعة الدرة المضية العالمية للعلوم العربية والإسلامية ؛ فإن فيها منهجية سهلة للإحاطة بأصول العلوم مع التوسع في بعضها في عامين دراسيين ، وقد مضى من العام الأول أربعة شهور ، وفقكم الله ونفع بكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 
س 7 : من أخت من مصر .
هل يجوز لابنة ان تأخذ من مال أبيها دون علمه في حين أنها تعمل موظفه وهو لا يعطيها مصروف لكونها موظفه ولا تعطيه مرتبها بأول كل شهر وهي ميسورة الحال ولكن تريد أن تأخذ من ماله لتدخر من مالها أو لتتصدق من مالها ؟
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...
فقد شرع الإسلام للمرأة أن تأخذ من مال من يجب عليه نفقتها كزوجها أو والدها بشرطين ، الأول : إن كان شحيحًا ، والثاني : إن كانت - وأولادها - في حاجة إلى هذا المال ؛ وذلك لما رواه البخاري ومسلم
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قَالَتْ هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا؟ قَالَ: «خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ»، لكن إن لم يكن للأخت الكريمة حاجة للمال كما ظهر من السؤال أنها امراة عاملة وتتقاضى راتبًا ، وبناءً عليه لا يجوز أن تأخذ من ماله للصدقة أو غيرها إلا بإذنه ، والله أعلم .
 
س 8 : من الأخ رحيل من ألمانيا ، شيخ، لعلك قد سمعت عن الوقائع التي حصلت في ألمانيا من قبل حزب انتخابي قاموا بمظاهرات ضد المسلمين. وكان مما فعلوه أن رفعوا ألواح برسوم كاريكاتورية يستهزؤون بالنبي صلى الله عليه وسلم. وطبعا كان الغرض منهم أن يستفزوا المسلمين. فدعا بعض المسلمين إلى الدفاع عن الرسول وفعلوا أشياء كتدمير السيارات وأصابوا بعض الشرطيين بالسكين ورموا بالأحجار حتى شنت الصحافة حربا ضد هؤلاء فما الحكم في مشاركات مثل هذه المظاهرات بغرض الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، خاصة أن عاقبة هذا الأمر أنه سيشدد على المسلمين ويضيق عليهم .
ج 8 : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...
فقد ظهر من كلام الأخ الحبيب أن هذه المظاهرات مليئة بالمنكرات التي رفضها الإسلام دين السلام ، وقد قال علماؤنا مر بالمعروف بمعروف وانه عن المنكر بغير منكر ، فإذا ثبت أن في هذه المظاهرات مصلحة للدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن هذه المصلحة المفترضة ستؤدي إلى التشديد على المسلمين ، واتخاذ إجراءات صارمة بصورة رسمية ضد الجالية الإسلامية في ألمانيا من قبل الحكومة ، أو بصورة غير رسمية من خلال المضايقات من بعض أتباع الأديان الأخرى ، وهذه مفسدة كبرى ، وقد قرر علماء الأصول أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ، وعليه فيحرم المشاركة في هذه المظاهرات الضارة .

كما أحب أن أبين للسائل الكريم أن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بالدفاع عن رسوله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته ، كما قال سبحانه :
((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)) (36 الزمر) يعني رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم كما قرأها الجمهور إلا حمزة والكسائي وخلف وأبو جعفر فبالجمع (عِبَادَهُ) يعني الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وقال عز من قائل : ((إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)) (38 الحج) كما قرأها البصريان والمكي ، والباقون (يُدَافِعُ) .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل مع هذه الأمور بتلقائية ويسر كما روى الحاكم والأزرقي وغيرهما عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] أَقْبَلَتِ الْعَوْرَاءُ أُمُّ جَمِيلِ بِنْتُ حَرْبٍ وَلَهَا وَلْوَلَةٌ وَفِي يَدِهَا فِهْرٌ وَهِيَ تَقُولُ: مُذَمَّمًا أَبَيْنَا وَدِينَهُ قَلَيْنَا وَأَمْرَهُ عَصَيْنَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا رَآهَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ تَرَاكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا لَنْ تَرَانِي» وَقَرَأَ قُرْآنًا فَاعْتَصَمَ بِهِ كَمَا قَالَ: وَقَرَأَ {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] فَوَقَفَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي. فَقَالَ: لَا وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ مَا هَجَاكِ. فَوَلَّتْ وَهِيَ تَقُولُ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي بِنْتُ سَيِّدِهَا . خبر صحيح .
وإني لأدعو الإخوة المسلمين والأخوات المسلمات في ألمانيا وغيرها من دول الغرب إلى العمل بالقرآن الكريم ، وسنة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم ، مع الدعوة إلى هذا الدين العظيم بالأخلاق الطيبة والمعاملة الحسنة ، ثم الاعتصام بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا ؛ فإننا منصورون بفضل الله ثم بوحدتنا وتفرق أعدائنا ، وما غلبنا إلا بفرقتنا ووحدتهم ، والله أسأل أن يهدي قلوبكم ، ويثبت ألسنتكم ، ويجري الخير على أيديكم ، وبالله التوفيق . والله أعلم .
  

س 9 : من الأخ الفاضل زكرياء توناني من الجزائر الشقيق ، يقول :

هل يجوز في الكلمة التي فيها ياء زائدة، نحو (دعوة الداع) عند ورش، أن نقف على تلك الكلمة بالروم؟ وكيف يتم ذلك؟ فقد ذكر أحد الشيوخ عندنا جواز ذلك وقال: إن كلمة (ربنا وتقبل دعاء) لورش، يصح الوقف فيها بالروم، مع ثلاثة البدل ، وقرأها لي، باختلاس حركة الهمزة مع المد ولكن استغربتها فما قولكم؟

ج 9 : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...
فنعم صحيح يجوز الروم وقفا - لا الاختلاس - في ما كان فيه ياء زائدة وصلا ، والفرق بينهما واضح ، الروم النطق بثلث الحركة ، والاختلاس النطق بثلثي الحركة ، الروم يكون في المرفوع والمضموم والمجرور والمكسور ، وأما الاختلاس فيعم الجميع في أماكن معينة في روايات معينة ،
والروم لايكون إلا في الوقف والاختلاس يكون في الوصل والوقف ، ومواضع الروم أوسع من مواضع الاختلاس ؛ لتعلق الأول - الروم - بأواخر الكلم بضوابطه المعروفة إلا في كلمة {تأمنا} ففيها روم ثلث ضمة النون بعد فك الإدغام لجميع القراء إلا أبا جعفر فله الإدغام المحض كما قال ابن الجزري رحمه الله : تَأْمَنَّا أَشِمْ ... وَرُمْ لِكُلِّهِمْ وَبِالْمَحْضِ ثَرِمْ
وأما ثلاثة البدل للأزرق في (دعائي) فهو صحيح وصلا لا وقفًا ، والله أعلم .

س 10 : من الأخ الفاضل زكرياء توناني من الجزائر الشقيق ،

لو أقرأ شيخ مجاز طالبا، فقرأ عليه ختمة كاملة وصحح له أخطاءه، ولكن لما اختبره في الأحكام نظريا وجده غير متقن، فهل يحق له أن يجيزه بالقراءة فقط دون الإقراء؟
أحد الإخوة أنكر أن توجد إجازة بالقراءة فقط دون الإقراء، وقال لي: إذن ما فائدتها؟
وقد سألت الشيخ سعيد صالح زعيمة في المساء، فقال لي: يصح.
فهل يوجد من أهل العلم من أنكر الإجازة بالقراءة فقط
وبعبارة أخرى: هل يصح إنكار هذا النوع من الإجازة بحجة أنها لم توجد عند الأوائل؟
وهل صحيح: أنها لا توجد عندهم؟
وأعتذر عن الإزعاج، والله يثيبكم ويعلي قدركم في الدارين .


ج 10 : الحمد لله رب العالمين الرحمن خلق الإنسان علمه البيان ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، وبعد ...
فقد جرت عادة القراء المتقنين قديما وحديثا أن يتلقوا القرآن الكريم مشافهة عرضا وسماعا مع التدقيق والتصحيح ؛ حتى يصلوا إلى درجة الإتقان مع معرفة أصول وقواعد هامة لا تنفك عن هذا العلم ، وقد عبر عن هذا الإمام ابن الجزري في مقدمته فقال : وَبَعْدُ إِنَّ هَذِهِ مُقَدِّمَهْ ... فِيمَا عَلَى قَارِئِهِ أَنْ يَعْلَمَهْ
إذْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ مُحَتَّمُ ... قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوَّلاً أَنْ يَعْلَمُوا

مَخَارِجَ الْحُرُوفِ وَالصِّفَاتِ ... لِيَلْفِظُوا بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ
مُحَرِّرِي التَّجْوِيدِ وَالمَوَاقِفِ ... وَمَا الَّذِي رُسِّمَ فِي المَصَاحِفِ

مِنْ كُلِّ مَقْطُوعٍ وَمَوْصُولٍ بِهَا ... وَتَاءِ أُنْثَى لم تكن تكتب بتا ، وبناءًا عليه أقول وبالله التوفيق إجازة القراءة فقط لم أسمع بها لا عند السلف ولا الخلف ، وبعض الشيوخ يقولون بإجازة القرآن رواية وسماعًا ، وكل هذه أمور ما أنزل الله بها من سلطان ، وإن دلت على شيء فإنما تدل على تساهل الشيوخ في هذا الشأن ؛ مما أدى إلى ظهور جيل من القراء غير المتقنين فضلوا وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ، فضلا عن تساهل كثير من الشيوخ في إجازة القراءة والإقراء بنية التشجيع أو جمع المال أو غيرها من النوايا التي لا يعلمه إلا الله ، فإلى الله المشتكى . ويكفينا أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد على مر العصور والأزمان الذي حفظ في السطور والصدور ، رسما وأداءًا ، وقديما قالوا :

من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة ... يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم
ومن يك آخذا للعلم من صحف ... فعلمه عند أهل العلم كالعدم
وأما سؤالك عن من أنكر هذا من أهل العلم ، فأقول من ذا الذي لم ينكر هذا من أهل العلم المعاصرين ، هذا جبل الإقراء العلامة أيمن سويد لو سألتموه أو غيره فلا أظن أنك ستجد من يخالف هذا القول إلا أن يكون شيخا متساهلا ، أقول نعم إجازة القراءة فقط لا قيمة لها ، ولم ترد عن أحد من السلف الصالح ، والله أعلم .

 
 
 
 
 
 

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©