موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة - س 50 : ما أنواع الإشمام ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

س 50 : من أخ موريتاني ، يقول : أريد تعرفا شاملا لأنواع الإشمام الثلاثة : في "تامنا" ، وفي الوقف ، وفي سيء وسيئت وأخواتها ؟

ج 50 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن الإشمام لغة من (شَمَّ) الشِّينُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى الْمُقَارَبَةِ وَالْمُدَانَاةِ. تَقُولُ شَمَمْتُ الشَّيْءَ فَأَنَا أَشُمُّهُ. وَالْمُشَامَّةُ: الْمُفَاعَلَةُ مِنْ شَامَمْتُهُ، إِذَا قَارَبْتَهَ وَدَنَوْتَ مِنْهُ. وَأَشْمَمْتُ فُلَانًا الطِّيبَ. (1) ، وتقول : شَمَمْتُ الشَّيْءَ أَشُمُّه، وأشْمَمْتُه، شَمّاً وشَمِيْماً، وتَشَمَّمَ تَشَمُّماً. والشَّمَمُ: القُرْبُ، والبُعْدُ، دارُهُ شَمَمٌ بالمَعْنَيَيْنِ جَمِيعاً وهو من الأضْداد. (2)
وأما الإشمام اصطلاحًا - عند القراء - فهو نوعان :
الأول : إشمام إشارة ، ويكون في أواخر الكلم إلا ما استثني ، ويكون في المرفوع والمضموم فقط ، وهو أن يشير القارئ بالضم بلا صوت عند الوقف ؛ لبيان حركة آخر الكلمة ، نحو : ((نصر الله والفتحُ)) وعند وجود حرف المد أو اللين قبله القصر والتوسط والمد نحو : ((نستعينُ ، خَيْرٌ)) ، قال الإمام الشاطبي - (ت 590 هـ) رحمه الله - بقوله :  وَالاِشْمَامُ إِطْبَاقُ الشِّفَاهِ بُعَيْدَ مَا ... يُسَكَّنُ لاَ صَوْتٌ هُنَاكَ فَيَصْحَلَا . (3)
، وقال الإمام ابن الجزري - (ت 833 هـ) رحمه الله - : وَأَشِمّ ... إِشَارَةً بِالضَّمِّ فِي رَفْعٍ وَضَمّ (4)
وكما رأينا فإن إشمام الإشارة في أواخر الكلم ولم يقع منه في وسط الكلم إلا كلمة واحدة ، وهي قول الله - تعالى -  : (( تَأْمَنَّا )) (سورة يوسف - صلى الله عليه وسلم - 11) ، وفيها الإشمام والاختلاس لكل القراء إلا أبا جعفر - فيقرأ بالإدغام المحض - ، قال الإمام ابن الجزري :
 تَأْمَنَّا أَشِمْ ... وَرُمْ لِكُلِّهِمْ وَبِالْمَحْضِ ثَرِمْ
وسبب الإشمام بيان أصل الكلمة ، وهو (تأمنُنَا) فتضم الشفتان أثناء الإدغام أو بعيده بقليل ، والمقدم هو الاختلاس ، وكلها لغات عربية صحيحة .  (5)
الثاني : إشمام صوت ، ويكون في أوائل الكلم وأوسطها ، وينقسم إلى قسمين : 
الأول :
خلط حرف بحرف مثل : ((الصراط)) في قراءة حمزة (6)
 ، وكيفية الإشمام هنا أن تخلط لفظ الصاد بالزاي وتمزج أحد الحرفين بالآخر بحيث يتولد منهما حرف ليس بصاد ولا بزاي ولكن يكون صوت الصاد متغلبا على صوت الزاي كما يستفاد ذلك من معنى الإشمام. وقصارى القول في ذلك أن تنطق بالصاد كما ينطق العوام بالظاء. (7)
والثاني : خلط حركة بحركة ، مثل : ((قيل ، غيض ، جيء ، حيل ، سيق ، سيء ، سيئت)) لأصحاب الإشمام فيها من القراء (8) وكيفية ذلك أن تحرك القاف من (قيل) والغين من (غيض) ، والجيم من (جيء) ، والحاء من (حيل) والسين من (سيق ، سيء ، سيئت) بحركة مركبة من ثلث الضمة ثم ثلثي الكسرة ؛ وذلك لأن أصل هذه الكلمات على الترتيب هو : (قُوِلَ ، غُيِضَ ، جُيِئَ ، حُوِلَ ، سُوِقَ ، سُوِءَ ، سُوِئَت) ، قال الإمام السخاوي - (ت  643 هـ) رحمه الله - في شرحه على الشاطبية (بيت 447 ، 448) : " أصل " قيل " : قُوِلَ ، استثقلت الكسرة في الواو فنُقلت إلى القاف ، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء ، وكذلك سيء وسيق وحيل أصلها سُوِئ ، وسُوِقَ ، وحُوِلَ, وأمّا غيض وجيء فهما من الياء ، استثقلت الحركة فيهما على الياء فنُقلت إلى ما قبلها والأصل : غُيِضَ وجُيِئَ. وإنّما كان هذا النقل بعد إزالة الضمة التي في أوائلها ، لأنّها لا تتحرك بالكسر ، وهي متحركة بالضم ، وذلك أنّهم استثقلوا الضمة وبعدها واوٌ أو ياء مكسورة فأزيلت. انتهى ، قلت والطريقة المتقدمة هي طريقة المشارقة وبها قرأت ، وتسمى بإشمام الإفراز ، وقد قال بها الإمام ابن الجزري ، وابن جني والجعبري والبنا الدمياطي ، وغيرهم ، وانتصر لها العلامة إبراهيم المارغني في كتابه النجوم الطوالع ص 193 وقال هذا هو الصواب .
، وأما الطريقة الأخرى فهي  أن يُنحى بكسرة فاء الفعل المنقولة من عينه نحو الضمة كما يُنحى بالفتحة من قوله ( من النار) و ( من نهار ) وشبههما إذا أريدت الإمالة المحضة نحو الكسرة ، وأن تميل الياء بعدها نحو الواو قليلاً إذ هي تابعة لحركة ما قبلها. وهي طريقة المغاربة وتسمى بإشمام الشيوع ، وقد قال بها الإمام الداني - (ت 444 هـ) - ، والسخاوي وأبو شامة والمالقي وغيرهم ، والخلاف سائغ ، قال الشيخ الضباع - (ت 1380 هـ) رحمه الله -  : الإشمام لغة عامة أسد وقيس وعقيل، وبها قرأ بعض القراء. وأكثرهم على إخلاص الكسر وهي لغة قريش وكنانة. وهناك لغة ثالثة لبعض العرب تحذف كسرة الواو، تضم الأول ضما خالصا، فتقول : قُوْل ولم يقرأ بها في المتواتر. اهـ . (9)
هذا ، وبالله التوفيق ، والله أعلم ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  انظر (معجم مقاييس اللغة للإمام أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبي الحسين (ت 395هـ) (3 / 175) .

(2)  انظر المحيط في اللغة للإمام إسماعيل بن عباد بن العباس، أبي القاسم الطالقاني، المشهور بالصاحب بن عباد (ت 385هـ) .
(3) متن الشاطبية = حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع للإمام القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرعيني، أبي محمد وأبي القاسم الشاطبي (ت 590هـ) (بيت 369) .
(4) منظومة المقدمة فيما يجب على القارئ أن يعلمه (الجزرية) للإمام شمس الدين أبي الخير ابن الجزري، محمد بن محمد بن يوسف (ت 833هـ) (بيت 105) . وخالف الإمام عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، أبو بشر، الملقب سيبويه (ت 180هـ) فأجاز الإشمام في كل المتحركات (انظر الكتاب 4 / 168) ، وقد قال في ذلك الإمام الشاطبي في الحرز :  371 - وَلَمْ يَرَهُ في الْفَتْحِ وَالنَّصْبِ قَارِئٌ ... وَعِنْدَ إِمَامِ النَّحْوِ في الْكُلِّ أُعْمِلَا ، والصواب في الرفع والضم فقط كما تقدم ،ويمتنع الروم والإشمام في هاء التأنيث  المربوطة الموقوف عليها بالهاء مثل (ورحمةُ) ، وضم ميم الجمع مثل (همُ) ، وعارض التحريك مثل (ولقدُ) ، وفي هاء الكناية مذاهب ثلاثة : الجواز مطلقًا ، والمنع مطلقًا ، والتفصيل ؛ فمنع المسبوقة بواو أو ياء مدية أو لينة أو ضمة أو كسرة وأجاز الباقي ، قال الشاطبي في الحرز :
 373 - وَفي هَاءِ تَأْنِيثٍ وَمِيمِ الْجَمِيعِ قُلْ ... وَعَارِضِ شَكْلٍ لَمْ يَكُوناَ لِيَدْخُلَا
374 - وَفي الْهَاءِ لِلإِضْمَارِ قَوْمٌ أَبَوْهُمَا ... وَمِنْ قَبْلِهِ ضَمٌّ أَوِ الْكَسْرُ مُثِّلَا

375 - أَوُ امَّاهُمَا وَاوٌ وَيَاءٌ وَبَعْضُهُمْ ... يُرَى لَهُمَا فِي كُلِّ حَالٍ مُحَلِّلَا
وقال ابن الجزري في الطيبة :
354 - وَعَنْ أَبِى عَمْرٍو وَكُوفٍ وَرَدَا ... نَصًّا وَلِلْكُلِّ اخْتِيَارًا أُسْنِداَ
355 - وَخُلْفُ هَا الضَّمِيرِ وَامْنَعْ فِى اْلأَتَمْ ... مِنْ بَعْدِ يَا أَوْ وَاوٍ اَوْكَسْرٍ وَضَمْ
356 - وَهَاءُ تَأْنِيثٍ وَمِيمُ الْجَمْعِ مَعْ ... عَارِضِ تَحْرِيكٍ كِلاَهُمَا امْتَنَعْ

(5) طيبة النشر (بيت 150) ، وانظر (البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة من طريقي الشاطبية والدُّرة للشيخ عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي  (ت 1403هـ) (1 / 161) .
(6) لحمزة بتمامه في الموضع الأول من الفاتحة ، ولخلف عن حمزة فقط في باقي القرآن ، وبخلف عن حمزة بتمامه من الطيبة في كل القرآن .
(7) البدور الزاهرة (1 / 15) .
(8) قال ابن الجزري في الطيبة  :
434- وَقِيلَ غِيضَ جِي أَشِمْ ... فِي كَسْرِهَا الضَّمَّ رَجَا غِنىً لَزِمْ
435 - وَحِيلَ سِيقَ كَمْ رَسَا غَيْثٌ وَسِي ... سِيئَتْ مَدًا رَحْبٍ غَلاَلَةٌ كُسِيِ
للمزيد صوتيًا تابع الرابط :  
    http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=75683
(9) بتصرف الإضاءة ص 66 .وراجع الموضوع بتوسع في الرابط إن شئت :
http://vb.tafsir.net/tafsir7318/#.VB9q_Fca4Sk

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©