موضوع عشوائي

آخر المواضيع

علم مصر الجديد



بسم الله الرحمن الرحيم
                                        علم مصر الجديد           
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبعد ...

بينما أقلب نظري في بعض الصفحات على الشبكة الدولية ، وجدت علم مصر بصورة جديدة ، العلم كما هو بألوانه الزاهية ، الأحمر في الأعلى ، والأسود في الأسفل ، وبينهما الأبيض ، لكن لم أر النسر الذي اعتدنا رؤيته ، فإذا بكلمة قد حلت محله ، فما هي هذه الكلمة ؟ إنها كلمة خلق الله من أجلها السماوات والأرض ، وما أرسل الله الرسل ، ولا أنزل الكتب ، وما قامت الحروب بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ، وما قامت سوق الجنة والنار ؛ إلا لتحقيق كلمة واحدة ، كلمة التوحيد ، الحسنة ، الحسنى ، القول الثابت ، الكلمة الطيبة ، كلمة التقوى ، لا إله إلا الله محمد رسول الله ، ثم سألت نفسي أما تستحق هذه الكلمة أن نهتم بها ، وأن نعمل من أجلها ، وأن نقوم بها حق القيام أفرادا وجماعات ، حكامًا ومحكومين . إن الله تعالى عليم خبير ، لم يخلق الخلق عبثًا ، ولم ولن يتركهم سدى ، بل خلقهم لغايتين : الغاية الأولى العبادة ، قال سبحانه : } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ، 

والغاية  الأخرى عمارة الأرض ، قال تعالى : هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ، ما ضر الناس لو استمعوا لكلام الله وأقاموه ؟! لقد رأينا أكثر البلدان الإسلامية تترنح بما فيها من فساد وخمور وفسق وفجور ، فبعض الدول تبيح الخمر ولا تجرم شاربها ، وبعضها يبيح الزنا ويحرم التعدد ، وبعضها يجمع بين المصيبتين ، ولا أكذب إن قلت إن بعض الدول صار فيها أوكار للدعارة ؛ للتكسب بالحرام ونشر هذا الوباء على الشبكة الدولية وغيرها .

وأما السرقة فحدث ولا حرج ، فالسارق إن قبض عليه وحوكم يسجن مدة محددة ثم يعود إلى مسرح الجريمة ؛ ليمارس هوايته وحرفته ، لقد رأينا العجائب في هذه القوانين الوضعية ، ولم لا وهي من وضع البشر ، وطبائع البشر تختلف عندما يشرعون لأنفسهم ، إذا كانوا يحبون الخمر كيف يحرمونها ؟! إذا كانوا يقرّون بالزنا والشذوذ كيف يحاربونهما ؟! هذه إطلالة عابرة على بعض النواحي الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية ، وإذا قلبت البصر في الأحوال الإجتماعية لأرتد إليك البصر خاسئا وهو حسير ، ترى بئرا معطلة وقصرا مشيدا ، ترى أقواما لا يجدون طعاما لبطونهم ، وبجوارهم أقوام لا يجدون بطونا لطعامهم .

وأما إذا انتقلنا إلى الحقل الإعلامي فلبئس الإعلام ، إعلام متحلل ، تمثيل محرم مشحون بالمخالفات الشرعية ، رقص وغناء وعقول هواء . وسائل الإعلام سخرت كل طاقاتها لتأليه الحكام وسحر الناس . وأما الزراعة فقد اعتمد الفلاح على الأسمدة التي تسمن الزروع وتسرع إنضاجها ، ثم بعد ذلك الفشل الكلوي وغيره من الأمراض التي لا عد لها ، لن استطرد كثيرا فكل شيء مشاهد ولا يحتاج إلى بسط كلام .

 وما أصابتنا هذه الفتن إلا بمخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله تعالى :- فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  ،  وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ". صحيح رواه ابن ماجة وغيره .

وأنتم تعلمون الصراعات التي تحتوش البلاد من أهل الأهواء وغيرهم ، وقد نهانا ربنا سبحانه وتعالى عن طاعة هؤلاء الغافلين ، فقال :

 وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ، وقد حذر الله تعالى نبيا كريما من أنبيائه من اتباع الأهواء ؛ فقال سبحانه : يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ . هؤلاء لهم عذاب شديد ؛ لأنهم ضلوا ، فما بال الذين يُضِلّون عن سبيل الله ؟! قال تعالى : الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ .
والشريعة الإسلامية شاملة وصالحة لكل زمان ومكان ، فليست ناقصة لنطلب استكمالها من شرائع أخرى من وضع البشر ، قال الله تعالى :  وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ، وقال سبحانه : وَلَا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا قراءة متواترة : ابن عامر الشامي .

ولا نريد أن نقيس مصر على المملكة العربية السعودية ، وإن كانت المصائب عندهم أقل ، وإن كنت قد حدثت من بعض من يعيش هناك أن البلاد تنعم برخاء وأمان بما يقيمون شرع الله ، ولكن لا ريب أن الشريعة لا تقام هناك بصورة نموذجية ، ولا بد من وجود بعض السلبيات العظيمة التي لا نقلل من شأنها ، وإذا أردنا أن نقيس مصر على المجتمع الفاضل الذي كان يعيش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجدنا فروقا كثيرة بيننا وبينهم بما استحدثه العصر ، لكن الأصول والثوابت واحدة ، وأحكام الله ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان ، وكل ما يحدثه الناس له أحكام في الشريعة الإسلامية ، وقد قام علماء الإسلام وفقهاؤه باستنباط الأحكام وترتيبها على كل ما يحدثه الناس ، وهناك ساحة مفتوحة للاجتهاد الفقهي بشروطه ولمن يملك أدواته .

 ظهرت طائفة تقول لا نريد مصر أن تكون إيرانا ثانية أو أفغانستان ثانية ، ونقول نحن لسنا شيعة كايران ، الحمد لله رب العالمين مصر قلعة من قلاع السنة ، وأما أفغانستان الدولة التي دكت بمئات الأطنان من القنابل والصواريخ بمرأى ومسمع العالم كله ، هذه الدولة المتمذهبة بمذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ، لم تكن يوما من الأيام دولة متشددة ، لقد مكثوا سنين يحاربون عدوهم من الملاحدة الروس حتى تفكك الاتحاد السوفيتي ، لقد كانت مصدر قلق لأعداء الله تعالى ، ولا نظام بغير سلبيات ، وعلى كل حال فإن مصر ليست كغيرها ، مصر مهبط الأنبياء وقبلة العلماء ، مصر بلد العلم والإيمان ، بلد المسجد والكنيسة ، ولن تسمح مصر أبدا لأي دولة خارجية أن تملي عليها شيئا ؛ فهي أعلم بما ينفعها ، ولها مقدراتها ومواردها الكافية لتطعم أبنائها ، ولا تتسول على موائد الشرق أو الغرب .

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن : ما المانع أن نطبق الشريعة الإسلامية بشمولها واتساعها واحترامها لأهل الكتاب في مصر ؟ هناك طائفة من العلمانيين يريدون أن يجعلوا مصر تركيا ثانية ، وقد فند العلماء حججهم وردّوا عليها قديما وحديثا ، ولم يحيروا جوابًا وبهتوا بما رأوا من عظمة هذا الدين وشموله ، ولم يبق منهم إلا من يجادل بالباطل ليدحض به الحق ، ولكن هذه الأباطيل لا تصمد أمام قذائف الحق ،  (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ) ، وأما النصارى فلقد سمعنا كلمة الأنبا شنودة قديما عن سماحة الإسلام وكيف عاش النصارى في أمن وأمان في ظل الإسلام وشريعته العادلة .

 سيظل التاريخ شاهدا على عظمة الشريعة الإسلامية وملائمتها لكل زمان ومكان ، وسترتفع راية الإسلام خفاقة في كل مكان شاء من شاء وأبى من أبى ، ومن انتفع بهذه الدعوة وانضوى تحت لوائها فهو في خير في الدنيا والآخرة ، ومن أعرض فلن يضر الله شيئا وإنما يضر نفسه . الإسلام لم يأت لينازع الملوك ملكهم ، وإنما جاء لغاية واحدة قالها أحد سفرائه العظام : " الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام " ، ولا شك أن تطبيق الشريعة - بإذن الله تعالى - سيكون له مردود طيب على البلاد والعباد ، كما قال الله سبحانه : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ ، خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا» حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره .

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم سببا لهذا الفتح المبين ، وأن يصلح العباد والبلاد ، رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . والحمد لله رب العالمين ،

وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .                                        مسلم ناصح أمين

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©