بسم الله الرحمن الرحيم . آية وحكمة
((إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا))(الكهف 10 ، 11) .
المؤمن حصيفٌ فَطِن ؛ إذا أقبلت الفتن أوى وصبر واعتزل البشر ، فإن أدبرت رجا وشكر وللخير نَشَر ؛ فهو هيِّنٌ ليِّن (1) ؛ ألم تر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَالخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ المُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ، لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً» . (2) ، و قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فِي الْعُزْلَةِ رَاحَةٌ مِنْ خَلِيطِ السُّوءِ» ، وقال ابْنُ إِبْرَاهِيم : «لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُزْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّكَ لَا تَجِدُ أَعْوَانًا عَلَى الْغِيبَةِ لَكَفَى» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الخَطَّابِيُّ : صَدَقَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ جَالَسَ النَّاسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَعَاشَرَهُمْ إِلَّا قَلَّتْ سَلَامَتُهُ مِنَ الْغِيبَةِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهِمُ الْيَوْمَ أَنْ يَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَأَنْ يُشْبِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْ يَتَمَضْمَضُوا بِذِكْرِ الْأَعْرَاضِ وَيَتَفَكَّهُوا بِهَا وَيَتَنَقَّلُوا بِحَلَاوَتِهَا فَإِمَّا أَنْ يُسَاعِدَهُمْ جَلِيسُهُمْ عَلَى إِثْمٍ وَتَرْكِ مُرُوءَةٍ وَإِمَّا أَنْ يُخَالِفَهُمْ عَنْ قِلًى وَشَنَآنَ فَمُجَالَسَتُهُمْ دَاءٌ يُعْدِي يَضُرُّ وَلَا يُجْدِي. قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُزْلَةِ إِلَّا السَّلَامَةُ مِنْ آفَةِ الرِّيَاءِ وَالتَّصَنُّعِ لِلنَّاسِ وَمَا يَدْفَعُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ إِذَا كَانَ فِيهِمْ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُدَاهَنَةِ مَعَهُمْ" . (3)
قلت : وكان ممن اعتزلوا الناس واشتغلوا بالعلم وتفرغوا له :
1-الإمام ابن جرير الطبري - ت 310 هـ رحمه الله - ، مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة .
وحدث عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني في كتابه المعروف «كتاب الصلة» وهو كتاب وصل به تاريخ ابن جرير: أن قوما من تلاميذ ابن جرير حصلوا أيام حياته منذ بلغ الحلم الى أن توفي وهو ابن ست وثمانين، ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار منها على كل يوم أربع عشرة ورقة، وهذا شيء لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق.".
ومن بركات عزلته : جامع البيان ، وتاريخ الأمم والملوك ، وله مذهب فقهي في ثلاثة وثمانين كتابًا اندثر . (4)
2-الإمام جمال الدين ابن الجوزي - ت 597 هـ رحمه الله - ومن بركات عزلته :
أنه كان ذا حظٍ عظيم، وصيت بعيد في الوعظ ، يحضر مجالسه الملوك، والوزراء وبعض الخلفاء، والأئمة والكبراء، وقيل إنه حضر في بعض مجالسه مائة ألف. وقال : «كتبت بأصبعي ألفي مجلد ، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفًا» . (5)
3-الإمام جلال السيوطي - ت 911 هـ - وبحثت كثيرًا عن أثارة من علم أنه تزوج فلم أجد ، ومن بركات عزلته :أنه صنف 725 مصنفًا.في شتى العلوم ، ومن أطرفها "منهل اللطايف في الكنافة والقطايف" (6). نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ " . رواه أحمد (3937) (7/ 52 ، 53) وأبو بكر ابن أبي شيبة (409) (1/ 272) وغيرهما ، وهو حسن بشواهده كما قال فريق الشيخ شعيب الأرنؤوط .
(2) رواه البخاري (5643) (7/ 114) وفي رواية أخرى له "وَمَثَلُ الكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ" ومسلم (2810) (4/ 2163) وفي رواية أخرى قبله "وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ، لَا تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ" [ش (الأرز) قال العلايلي في معجمه الأرز جنس شجر حرحي من فصيلة الصنوبريات واحدته أرزة وليس هو الشربين ولا الصنوبر كما وقع في الأصول القديمة وعند من جاراها والأرز من أثمن الأشجار وأعظمها يعلو قرابة (70 - 80) قدما وأغصانه طويلة غليظة تمتد أفقيا من الجذع وكثيرا ما يبلغ محيط جذع الشجرة عشرين قدما أو يزيد يفوح من قشره وأغصانه عبير هو أزكى من المسك (تستحصد) أي لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه] كذا قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله - .
(3) العزلة للخطابي (12 ، 26) .
(4) كنت قد جمعت بعضًا من سيرته - رحمه الله - فراجعها إن شئت في الرابط :
http://zdnyilma.blogspot.com/2014/08/blog-post_19.html
(5) نقلا عن الموسوعة العربية العالمية : http://www.mawsoah.net
(6) مكتبة الجلال السيوطي - أ.أحمد الشرقاوي .
((إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا))(الكهف 10 ، 11) .
المؤمن حصيفٌ فَطِن ؛ إذا أقبلت الفتن أوى وصبر واعتزل البشر ، فإن أدبرت رجا وشكر وللخير نَشَر ؛ فهو هيِّنٌ ليِّن (1) ؛ ألم تر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَالخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ، تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ المُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ، لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً» . (2) ، و قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فِي الْعُزْلَةِ رَاحَةٌ مِنْ خَلِيطِ السُّوءِ» ، وقال ابْنُ إِبْرَاهِيم : «لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُزْلَةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّكَ لَا تَجِدُ أَعْوَانًا عَلَى الْغِيبَةِ لَكَفَى» قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الخَطَّابِيُّ : صَدَقَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ جَالَسَ النَّاسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَعَاشَرَهُمْ إِلَّا قَلَّتْ سَلَامَتُهُ مِنَ الْغِيبَةِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهِمُ الْيَوْمَ أَنْ يَقَعَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ وَأَنْ يُشْبِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْ يَتَمَضْمَضُوا بِذِكْرِ الْأَعْرَاضِ وَيَتَفَكَّهُوا بِهَا وَيَتَنَقَّلُوا بِحَلَاوَتِهَا فَإِمَّا أَنْ يُسَاعِدَهُمْ جَلِيسُهُمْ عَلَى إِثْمٍ وَتَرْكِ مُرُوءَةٍ وَإِمَّا أَنْ يُخَالِفَهُمْ عَنْ قِلًى وَشَنَآنَ فَمُجَالَسَتُهُمْ دَاءٌ يُعْدِي يَضُرُّ وَلَا يُجْدِي. قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعُزْلَةِ إِلَّا السَّلَامَةُ مِنْ آفَةِ الرِّيَاءِ وَالتَّصَنُّعِ لِلنَّاسِ وَمَا يَدْفَعُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ إِذَا كَانَ فِيهِمْ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمُدَاهَنَةِ مَعَهُمْ" . (3)
قلت : وكان ممن اعتزلوا الناس واشتغلوا بالعلم وتفرغوا له :
1-الإمام ابن جرير الطبري - ت 310 هـ رحمه الله - ، مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة .
وحدث عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني في كتابه المعروف «كتاب الصلة» وهو كتاب وصل به تاريخ ابن جرير: أن قوما من تلاميذ ابن جرير حصلوا أيام حياته منذ بلغ الحلم الى أن توفي وهو ابن ست وثمانين، ثم قسموا عليها أوراق مصنفاته، فصار منها على كل يوم أربع عشرة ورقة، وهذا شيء لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق.".
ومن بركات عزلته : جامع البيان ، وتاريخ الأمم والملوك ، وله مذهب فقهي في ثلاثة وثمانين كتابًا اندثر . (4)
2-الإمام جمال الدين ابن الجوزي - ت 597 هـ رحمه الله - ومن بركات عزلته :
أنه كان ذا حظٍ عظيم، وصيت بعيد في الوعظ ، يحضر مجالسه الملوك، والوزراء وبعض الخلفاء، والأئمة والكبراء، وقيل إنه حضر في بعض مجالسه مائة ألف. وقال : «كتبت بأصبعي ألفي مجلد ، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفًا» . (5)
3-الإمام جلال السيوطي - ت 911 هـ - وبحثت كثيرًا عن أثارة من علم أنه تزوج فلم أجد ، ومن بركات عزلته :أنه صنف 725 مصنفًا.في شتى العلوم ، ومن أطرفها "منهل اللطايف في الكنافة والقطايف" (6). نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ " . رواه أحمد (3937) (7/ 52 ، 53) وأبو بكر ابن أبي شيبة (409) (1/ 272) وغيرهما ، وهو حسن بشواهده كما قال فريق الشيخ شعيب الأرنؤوط .
(2) رواه البخاري (5643) (7/ 114) وفي رواية أخرى له "وَمَثَلُ الكَافِرِ كَمَثَلِ الأَرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حَتَّى يَقْصِمَهَا اللَّهُ إِذَا شَاءَ" ومسلم (2810) (4/ 2163) وفي رواية أخرى قبله "وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ، لَا تَهْتَزُّ حَتَّى تَسْتَحْصِدَ" [ش (الأرز) قال العلايلي في معجمه الأرز جنس شجر حرحي من فصيلة الصنوبريات واحدته أرزة وليس هو الشربين ولا الصنوبر كما وقع في الأصول القديمة وعند من جاراها والأرز من أثمن الأشجار وأعظمها يعلو قرابة (70 - 80) قدما وأغصانه طويلة غليظة تمتد أفقيا من الجذع وكثيرا ما يبلغ محيط جذع الشجرة عشرين قدما أو يزيد يفوح من قشره وأغصانه عبير هو أزكى من المسك (تستحصد) أي لا تتغير حتى تنقلع مرة واحدة كالزرع الذي انتهى يبسه] كذا قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله - .
(3) العزلة للخطابي (12 ، 26) .
(4) كنت قد جمعت بعضًا من سيرته - رحمه الله - فراجعها إن شئت في الرابط :
http://zdnyilma.blogspot.com/2014/08/blog-post_19.html
(5) نقلا عن الموسوعة العربية العالمية : http://www.mawsoah.net
(6) مكتبة الجلال السيوطي - أ.أحمد الشرقاوي .
ليست هناك تعليقات: