موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة والفتاوى العلمية 58 - هل تجوز الوصية للوارث ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

س 58 : سألت أخت فاضلة من العراق : سؤال بخصوص من يوصي وهو في تمام صحته أن يعطي ما شاء ولمن شاء؟

ج 58 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث. رواه الترمذي وأبو داود، ورواه الدارقطني . وزاد : إلا أن يشاء الورثة . 
وقد اختلف الفقهاء في الوصية للوارث ؛ بِناء على أدلة قرروها في مذاهبهم - منها هذا الحديث -  على ثلاثة آراء :
الرأي الأول : ((منع الوصية للوارث مطلقاً)) 
 رأى المزني والظاهرية أنه لا تصح الوصية للوارث، ولو أجازها الورثة؛ لأن الله منع من ذلك، فليس للورثة أن يجيزوا ما أبطل الله على لسان رسوله، فإذا أجازوها، كان هبة مبتدأ منهم، لا وصية من الموصي؛ لأن المال حينئذ صار للورثة، فحكم الموصي فيما استحقوه بالميراث باطل، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام»  فليس لهم إجازة الباطل، لكن إن أحبوا أن ينفذوا الوصية من مالهم باختيارهم، فلهم التنفيذ، ولهم حينئذ أن يجعلوا الأجر لمن شاؤوا.
الرأي الثاني : ((إجازة الوصية للوارث مطلقًا))
رأى الشيعة الزيدية، والشيعة الإمامية، والإسماعيلية : أن الوصية للوارث جائزة بدون توقف على إجازة الورثة، لظاهر قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموتُ ـ إن ترك خيراً ـ الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، حقاً على المتقين} [البقرة:180/ 2] ونسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز. ورد عليهم بأن حديث ابن عباس صرح بنفي الجواز إلا إذا أجازت الورثة، وبأن الآية المذكورة منسوخة بالسنة، أو بآية الفرائض.
وأخذ قانون الوصية المصري لسنة 1946 (م 37) بهذا الرأي مخالفاً رأي جمهور الفقهاء. فأجاز الوصية للوارث في حدود الثلث من غير إجازة الورثة. والتزم القانون السوري (م 2/ 238) برأي الجمهور وهو أن الوصية للوارث لا تنفذ إلا إذا أجازها الورثة.
الرأي الثالث وبه نأخذ ((إجازة الوصة بشرط رضا الورثة))
وهو رأي الحنفية والشافعية والحنابلة. وكذلك قال المالكية. قالوا لا تمضي الوصية إلا برضا الورثة، ويشترط لصحة رضا الوارث أن يكون بالغا رشيدا، فمن كان صغيرا أو غير رشيد فلا عبرة برضاه، ويبقى حقه محفوظا، وإن رضي بعضهم وامتنع بعضهم مضت الوصية في نصيب من رضي فقط دون غيره . (1)
 ؛ لولاية المجيز على نفسه دون غيره . وهذا شرط لنفاذ الوصية عند الجمهور، فإنهم قرروا أن الوصية صحيحة لكن لا تجوز الوصية لوارث ولا تنفذ إذا لم يجزها الورثة . وقال المالكية: الوصية باطلة لحديث «لا وصية لوارث» فإن أجاز الورثة ما أوصي به للوارث أو الزائد على الثلث، فعطية مبتدأة منهم، لا تنفيذ لوصية الموصي. انتهى .
ويشترط لصحة الإجازة شرطان:
الأول ـ أن يكون المجيز من أهل التبرع عالماً بالموصى به: بأن يكون بالغاً عاقلاً غير محجور عليه لسفه أو عته أو مرض موت، وأن يكون عالماً بالموصى به، فلا تجوز إجازة صغير ومجنون ومريض مرض موت، ولا تصح إجازة وارث لم يعلم بما أوصى به الموصي. وقال الحنابلة: لو أجاز مريض فمن ثلثه .

الثاني ـ أن تكون الإجازة بعد موت الموصي: فلا عبرة بإجازة الورثة حال حياة الموصي، فلو أجازوها حال حياته، ثم ردوها بعد وفاته، صح الرد وبطلت الوصية، سواء أكانت الوصية للوارث، أم لأجنبي بما زاد عن ثلث التركة.
وفي الجملة كما ذكر ابن جزي: إذا أجاز الورثة الوصية بالثلث لوارث أو بأكثر من الثلث، بعد موت الموصي، لزمهم، فإن أجازوها في صحته لم تلزمهم، وإن أجازوها في مرضه ، لزمت من لم يكن في عياله ، دون من كان تحت نفقته . (2)

هذا ، وبالله التوفيق ، والله أعلى وأعلم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) للمزيد تابع الشبكة الإسلامية : http://fatwa.islamweb.net/fatwa/printfatwa.php?Id=121878&lang=A
(2) (الفقه الإسلامي وأدلته - د.وهبة الزحيلي (10 / 7476 : 7478) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©