موضوع عشوائي

آخر المواضيع

تقاييد على كتاب الله المجيد - "وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ"

بسم الله الرحمن الرحيم

((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)) (الشورى 27).

الحمد لله  رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، رب أعوذ بك أن أقول زورًا أو أغشى فجورًا أو أكون بك مغرورًا ، أما بعد ...


فيقول الله – تعالى – : (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنفال 75 ، التوبة 115 ، العنكبوت 62 ،  المجادلة 7) علم الله شامل لكل المتحركات والسواكن ، ومحيط بكل الأمكنة والأزمنة ؛ فقد علم – سبحانه – ما كان (الماضي) ، وما يكون (الحال) ، وما سيكون (الاستقبال) ، وما لا يكون (المستحيل) ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون (فرضية حدوث المستحيل) ولهذا قال (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ)

  وجاء في الأثر  : "إِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْغِنَى وَلَوْ أَفْقَرْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْفَقْرُ. وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْتُهُ لَأَفْسَدَهُ الْغِنَى" . (1)
وبعد أن علم الله – عز وجل – ذلك كتبه ، ثم خلقه (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات 96)
فإذا آمن الإنسان بذلك استراح فلم يأس على ما فات ولم يفرح بما هو آت (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد 22 ، 23)
كل الأمور ستمر فلا تفرح بالحلو أو تبك على المر

وعَنْ صُهَيْبٍ - رضي الله عنه - أَنَّه قال صَلَّى بِنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ إِمَّا الظُّهْرُ وَإِمَّا الْعَصْرُ، فَلَمَّا سَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَيْنَا بِوَجْهِهِ ضَاحِكًا، فَقَالَ: «أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ ضَحِكْتُ؟» فَقَالَ الْقَوْمُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إِنَّ كُلَّ قَضَاءِ اللَّهُ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ قَضَى اللَّهُ لَهُ خَيْرًا لَهُ إِلَّا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ» . (2)
ولما تأملت الرزق وجدته نوعين : رزق إيجاب ورزق سلب ، ومن رزق الإيجاب : الصحة والمال والزوجة الصالحة ... إلخ ، ومن رزق السلب : ما يصرفه الله عنك من المصائب والمعايب . ورزق السلب في عيني أوسع فضلًا من رزق الإيجاب ؛ لأنه ما سلبك إلا ليعطيَك ، وما أفقرك إلا ليغنيَك ، وحجبه عنك ما تريد يحوجك إلى الركن الشديد ، وقليل يكفيك خير من كثير يطغيك (3) :
((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)) (التوبة 75 : 77)  .
 ولو علمتم الغيب لاخترتم الواقع (4) :  ((وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)) (الشورى 27) ؛  فلا تنظر إلى الظواهر بل أمعن في البواطن ، ولك في تفرد ((وَعَسَى)) (البقرة 216) نورٌ قد رسا ، وتبصر في قول الحبيب - عليه الصلاة والسلام - «اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا» (5) دُرًّا وياقوتًا ، وفي الحديث : "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ " (6) .
وفي هذا يقول سيدي ابن عطاء الله السكندري - ت 709 هـ رحمه الله - "ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، متى فتح لك باب الفهم في المنع عادَ المنعُ عين العطاء" (7) .
ولله دَرُّ من قال : عَسَى فَرَجٌ يَكُونُ عَسَى ... نُعَلِّلُ أَنْفُسًا بِعَسَى
فلا تجزع إذا حملت هماً يقطع النفسا ... فأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْمَرْءُ مِنْ فَرَجٍ إِذَا يَئِسَا (8)
ودمتم سالمين .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وإن كان الأثر ضعيف الإسناد إلا أنه صحيح المعنى  .
(2) حسن ، رواه البزَّار (2088) (6/ 15) والطبراني في الكبير (7317) (8/ 40) وغيرهما .

[3] ورد في بعض الأخبار النبوية والقدسية الضعيفة ، ومعناه صحيح .
[4] مقولة معناها صحيح باعتبار أن الإنسان يطلب شيئًا ويلح في الحصول عليه ، وقد حجبه الله عنه لحكمة لا يعلمها إلا هو ، وقد علم – سبحانه – أنه لو أعطى هذا العبد ما يريد كان نِقْمَةً عليه ، وهذا غيب ، فلو علم العبد هذا الغيب (بما يترتب على تحصيل مطلوبه) لاختار الواقع (بالرضا بما قسم الله) .  
(5) رواه البخاري (6460) (8/ 98) ومسلم (1055) (2/ 730) بلفظ «اللهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا» .
(6) رواه مسلم (2807) (4/ 2162) .
(7) الحكم العطائية رقم 83 ، 84 .
(8) مقامات القرني للشيخ الدكتور عائض القرني - حفظه الله - .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©