موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة والفتاوى العلمية 62 - هل المسلم يحب الكافر ؟ وإذا كان لا فكيف أجاز له الشارع أن يتزوج يهودية أو نصرانية ؟

بسم الله الرحمن الرحيم 
س 62 : هل المسلم يحب الكافر ؟ وإذا كان لا فكيف أجاز له الشارع أن يتزوج يهودية أو نصرانية ؟
ج : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فهذه المسألة من أخطر المسائل ؛ لأنها تدخل تحت باب الولاء والبراء في عقيدة المسلم ، ولهذا سأوضح هذه القضية من خلال هذه النقاط المختصرة التالية  :
1-ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ما يدل على أنه لا ينبغي لمسلم أن يحب كافرًا ، في السِّلم والحرب ، على حد سواء ، ومن ذلك قول الله - تعالى - :
((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (المجادلة 22) . 
وقوله - جل ذِكْرُه - :
((قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)) (الممتحنة 4) .
وقوله - سبحانه - : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (التوبة 23) .
ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - :
«مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ» . (1)
2-لم ينهنا الله عن البر والقسط لغير المسلمين المسالمين ، الذين يسكنون بلادنا أو نسكن بلادهم ، يجاوروننا أو نجاورهم ، نتزوج منهم أو يشاء الله الهداية لنا دونهم ، وإنما نهانا الله عن البر والقسط لغير المسلمين الذين يحاربوننا ويحرصون على هدم ديننا وبلادنا وتدمير شبابنا وشيبنا ، قال الله - تعالى - :
((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)) (الممتحنة 8 ، 9) . 
قيل إنها نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العُزىَّ، قَدِمَت عليها المدينة بهدايا، فلم تقبل هداياها، ولم تدخلها منزلها، فسألت لها عائشة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، فأمرها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن تدخلها منزلها، وتقبل هديتها، وتكرمها، وتحسن إليها . (2)
إذن هذا بر وقسط عمليًا يخالطه حب فطري ، وليس من الحب أو الود الديني المنهي عنه .
3-يتأكد النهي عن موالاة وحب الكافرين قلبيًا ، من دون المؤمنين في الحرب ، ويزيد عليه النهي عن بِرِّهم عمليًا ، في آيات كثيرة ، منها هذه الآيات :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)) (الممتحنة 1) .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا)) (النساء 144) .
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) (المائدة 51) .
وقد نَقَّى الصحابة قلوبهم وجوارحهم من الوقوع في هذا المنزلق الخطير ، ولا أدل على ذلك من موقف الفاروق لما استشاره النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن أُسارى بدر ، قال له : "أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ، فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ، فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا" ؛ لأنه نظر إلى حرمة الود الديني ، لكن أبا بكر - رضي الله عنه - كان له رأي آخر ، قال : "يَا نَبِيَّ اللهِ ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ" (3) ؛ لأنه نظر إلى الحب الفطري ورجاء الخير لهم .
4-هناك فرق كبير بين حب الكافر (الوُدّ) (4) ، وبِره أو الإقساط إليه ، الحب المقصود هنا هو أمر قلبي ديني اختياري بخلاف الحب الفطري كما سيأتي بعد قليل  ، وأما البر أو القسط فهو أمر أخلاقي معاملاتي ، فأنا أتبسم في وجه الكافر ولكن قلبي يكرهه لكفره ، كما قال أبو الدرداء :  «إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ» . (5) 
ولعل ما يرفع الإشكال والإبهام في ذلك أن الإنسان روح وجسد ، والقلب يتعامل مع الروح ، وأما المخ والأعضاء فتتعامل مع البدن ، وبما أن روح الكافر نَجِسة خبيثة ، (6) ، ونجاسة روحه على مقدار كفره ، وبدنه طيب طاهر (عملا بقول جمهور الفقهاء بأن نجاسة الكافر معنوية لا حسية) (7)  والمسلم مأمور بمعاملة البدن بأفضل ما يكون (المعاملة الظاهرية) ، ومعاملة الروح بأسوء ما يكون (المعاملة الباطنية القلبية) على مقدار الكفر ، هذا في السِّلْم ، وأما في الحرب فيتفق الظاهر والباطن على كراهية الكافر بدنًا وروحًا .
وسواء في السلم أو الحرب لا يستطيع أحد أن يقطع بكون ذلك الكافر من أهل النار ، وإنما تُرْتَجى له الهداية والإسلام ، ومن ثَمَّ فإن علماءنا قالوا : ما دام الكافر حيًّا فلا نقول هو من أهل النار ، وإنما يعمل بعمل أهل النار ، وإذا كان فيه خير "في روحه" فسيأتي الله به ، ونرجو ذلك من الله حتى آخر لحظة من حياته ، والدليل على ما قدمناه أنه لما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلِيًّا - رضي الله عنه - إلى اليهود يوم خيبر ، قال له عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا؟ - أي مسلمين - فَقَالَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» . (أ)
ولعل سائلا يقول : "لماذا وردت أكثر النصوص الشرعية بكراهية الكافر دون تفصيل ؟!" والإجابة أيها القارئ اللبيب والسائل الحبيب والطالب النجيب تراها جلية في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ» . (8)  فالقلب للبدن كالعاصمة للمدن ، وإذا كان القلب هو الرئيس ، فإن المخ هو الوزير ، والأعضاء هم معاونوه ، ألم تر أن الحكم على ديانة الدولة بالإسلام أو الكفر لا يتوقف على ديانة ساكنيها - فربما بعضهم مسلمون وبعضهم كافرون - وإنما يُحْكَم عليها بالإسلام أو الكفر بِناءً على ديانة رئيسها ، فروح الكافر تسجد للأوثان وجسمه يسبح الرحمن ؛ لأنه يدخل تحت قول الله - تعالى - : ((تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)) (الإسراء 44) ، لكنه تسبيح خضوع (9) ، وإذا كان الكافر يسجد للصنم ، فإن ظله يسجد للصمد ، ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)) (الرعد 15) ، ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ)) (الحج 18) .
قوله - تعالى - : ((وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ)) يعني الكفار ، وهم يسجدون ، وسجودهم سجود ظلّهم ، كما قال مقاتل. (10) 

فالكون كله يسجد لله - عز وجل - ، وسجود الشمس الشروق والغروب ، وسجود المؤمن توحيد علام الغيوب ،  ومن ثَمَّ فإن الكافر - إنسيًا كان أو جِنِيًّا - هو عنصر شاذ مخالف لانسجام الكون في تسبيح الله . ولا يعتد بتوحيد البدن إلا بمواطأته الروحَ ، وإلا فالمنافقون موحدون .
5-يرد على بعض الناس حديث قيام النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مرت به جنازة يهودي ، وقد كان سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا» . (11)
واشتهر لدى بعض الناس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى لذلك ، ولا أعرف إسنادًا لهذا الكلام ، ثم إنهم اختلفوا في حكم القيام وعلته على أقوال كثيرة ، منها ما ذكره الحافظ ابن حجر - رحمه الله - 
1-تعظيمًا لفزع الموت ، كما في روايات أخرى للبيهقي ومسلم أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : "إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ"  ، وهُوَ مَصْدَرٌ جَرَى مَجْرَى الْوَصْفِ لِلْمُبَالَغَةِ وَفِيهِ تَقْدِيرٌ أَيِ الْمَوْتُ ذُو فَزَعٍ انْتَهَى وعند ابن ماجه والبزار بِلَفْظِ "إِنَّ لِلْمَوْتِ فَزعًا" . أخرجه بن ماجه وَعَن بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ قَالَ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ يَنْبَغِي لِمَنْ رَآهَا أَنْ يَقْلَقَ مِنْ أَجْلِهَا وَيَضْطَرِبَ وَلَا يَظْهَرُ مِنْهُ عَدَمُ الِاحْتِفَالِ وَالْمُبَالَاةِ .
2-إجلالًا للملائكة ، كما أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وأحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ" .

3-إعظاما لله ، كما روى أَحْمَد وابن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ "إِنَّمَا تَقُومُونَ إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النُّفُوس" ، وَلَفظ ابن حِبَّانَ "إِعْظَامًا لِلَّهِ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ" فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يُنَافِي التَّعْلِيلَ السَّابِقَ لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنَ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ.
4-تأذِيًا بريح اليهودي ، كما أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ إِنَّمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَذِّيًا بِرِيحِ الْيَهُودِيِّ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشٍ فَآذَاهُ رِيحُ بَخُورِهَا .
5-كراهيةَ أن تَعْلُوَ جثة اليهودي رأسه ، كما أخرجه الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَعْلُوَ رَأْسَهُ ، ثم قال ابن حجر : فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الْأُولَى الصَّحِيحَةَ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ أَسَانِيدَهَا لَا تُقَاوِمُ تِلْكَ فِي الصِّحَّةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي صَرِيحٌ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَسْمَعِ التَّصْرِيحَ بِالتَّعْلِيلِ مِنْهُ فَعَلَّلَ بِاجْتِهَادِهِ وَقد روى بن أبي شيبَة . (12)
6-أباح الله للرجل المسلم أن يتزوج المرأة الكتابية (اليهودية أو النصرانية) كما في قول الله - سبحانه وتعالى - :
 ((الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (المائدة 5) .
والحكم الشرعي كما تقدم هو الجواز وليس الوجوب ، ونكاح المسلمة أفضل بلا شك ، وقد ذهب بعض الصحابة كعمر بن الخطاب وابنه عبد الله إلى كراهة ذلك ، وتأولوه بأن الله - تعالى - أجاز لرجالنا أن يتزوجوا من نساء أهل الكتاب ، ولم يجز لرجالهم أن يتزوجوا من نسائنا ؛ فأين تذهب المسلمة ؟! وعمومًا الإجماع على جواز ذلك دون كراهة بشروط هي : 1-أن تكون المرأة الكتابية مؤمنة برب خلق الخلق ، وأرسل رسلا ، ويبعث الناس بعد الموت . 2-وأن تكون محصنة عفيفة . 3-وتستطيع أن تربي أبناء المسلم وتحفظهم . (ب)
 والذي نراه في حكمة ذلك - والله أعلم - أن أهل الكتاب من قبلنا (اليهود والنصارى) يتقاربون معنا ويتوافقون معنا في كثير من الأمور ، وأولها أنهم يقرون بوجود الله الخالق ، ويشهدون ببعثة الأنبياء والمرسلين مبشرين ومنذرين ،  فأراد الله - تبارك وتعالى - أن يكون زواج المسلمين من نسائهم سببا في إسلامهن ، ومعلوم أن المرأة تتأثر بزوجها أكثر مما تؤثر فيه لا سِيَّما إن كان متدينا وقوي الشخصية ، هذا بخلاف البوذية والهندوسية والمجوسية والملحدة فإنه لا توافق ولا تقارب بين أولئك والإسلام ، ولعل الإعراض عن أصحاب الديانات السابقة يكون زاجرًا لهم ليتعرفوا على الدين الصحيح ويدخلوه . والله أعلم . (ج)
7-لا تعارض بين النصوص الشرعية ؛ لأن الحب على نوعين : (ديني وفِطْرِي) ، وهذا أجمل ما قرأت في الموضوع :
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك - حفظه الله - :
الوُدُّ ، والمودة بمعنى المحبة ، والمحبة نوعان :
1- محبة طبيعية كمحبة الإنسان لزوجته ، وولده ، وماله .
وهي المذكورة في قوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [(21) سورة الروم] .
2- ومحبة دينية ؛ كمحبة الله ورسوله ومحبة ما يحبه الله ، ورسوله من الأعمال ، والأقوال ، والأشخاص .
قال تعالى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [(54) سورة المائدة] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ". (13)
ولا تلازم بين المحبتين بمعنى : أن المحبة الطبيعية قد تكون مع بغض ديني ، كمحبة الوالدين المشركين فإنه يجب بغضهما في الله ، ولا ينافي ذلك محبتهما بمقتضى الطبيعة ، فإن الإنسان مجبول على حب والديه ، وقريبة ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عمه لقرابته مع كفره قال الله تعالى : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء } [(56) سورة القصص]
ومن هذا الجنس محبة الزوجة الكتابية فإنه يجب بغضها لكفرها بغضا دينيا ، ولا يمنع ذلك من محبتها المحبة التي تكون بين الرجل وزوجه ، فتكون محبوبة من وجه ، ومبغوضة من وجه ، وهذا كثير ، فقد تجتمع الكراهة الطبيعية مع المحبة الدينية كما في الجهاد فإنه مكروه بمقتضى الطبع ، ومحبوب لأمر الله به ، ولما يفضي إليه من العواقب الحميدة في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [(216) سورة البقرة] .
ومن هذا النوع محبة المسلم لأخيه المسلم الذي ظلمه فإنه يحبه في الله ، ويبغضه لظلمه له ؛ بل قد تجتمع المحبة الطبيعية ، والكراهة الطبيعية كما في الدواء المر : يكرهه المريض لمرارته ، ويتناوله لما يرجو فيه من منفعة .
وكذلك تجتمع المحبة الدينية مع البغض الديني كما في المسلم الفاسق فإنه يحب لما معه من الإيمان ، ويبغض لما فيه من المعصية .
والعاقل من حكّم في حبه ، وبغضه الشرع ، والعقل المتجرد عن الهوى ، والله أعلم . (14)

قلت : ولعل القارئ الكريم يدرك الآن  كيف يكون من الأزواج والأولاد أعداءٌ للمسلم رغم أنه يحبهم الحب الفِطري ؟ 
قال الله - تباركت أسماؤه - :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) (التغابن 14) .
8-المسلم لا يحب المسلم لشكله ولا لونه أو طعمه أو رائحته ، وإنما يحبه ؛ لخصال يفعلها ، تلكم الخصال يحبها الله ورسوله ؛ فهي محبة مُسَبَّبَة عن حبه لله ورسوله ، ومن ثَمَّ فإن المسلم لا يكره الكافر لشكله ولا لونه أو طعمه أو رائحته، وإنما يكرهه ؛ لخصال يفعلها ، تلكم الخصال يكرهها الله ورسوله ؛ فهي كراهية مُسَبَّبَة عن كراهيته لله ورسوله ، ولا أدل من هذا الأثر : عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَصَابَ ذَنْبًا، فَكَانُوا يَسُبُّونَهُ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَجَدْتُمُوهُ فِي قَلِيبٍ أَلَمْ تَكُونُوا مُسْتخْرِجِيهِ؟» ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «فَلَا تَسُبُّوا أَخَاكُمْ وَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي عَافَاكُمْ» ، قَالُوا: أَفَلَا تَبْغَضُهُ؟ قَالَ: «إِنَّمَا أَبْغَضُ عَمَلَهُ، فَإِذَا تَرَكَهُ فَهُوَ أَخِي» . (15)
9-هل الكافر يكره الله ورسوله ؟
والإجابة : وما دليل محبته لله ؟! إذا كان يأكل خيره ويعبد غيره ، وما دليل محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! إذا كان يعصاه بل ويتهمه بالسحر أو الجنون أو الكذب ، ولا أدل على ذلك من قول الله - تعالى - :
((وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)) (المائدة 18) .
إن المحب لا يعذب حبيبه ، وأين دليل المحبة ، والله - تبارك وتعالى - يقول :
(( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)) (آل عمران 31 ، 32) .
10-بِناءً على ما تقدم فإن العقل السليم والفكر الرجح يقول : إن الصانع لا يكره صنعته لذاتها وإنما لانحرافها عن ما صنعت من أجله ، وكذلك ربنا - سبحانه وتعالى - لا يكره الكفار لذاتهم ، وإنما لانحرافهم لما خُلِقُوا من أجله ، فإن رجعوا إلى السراط المستقيم أحبهم الله وأحببناهم ، وقد أمرنا الله - تبارك وتعالى  - بذلك حين قال : ((فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (التوبة 11) . 
ولأنهم بشر فيهم نوازع الخير ونوازع الشر أمرنا الله بدعوتهم ، قال بعث بذلك موسى وهارون إلى فرعون وقومه فقال :
((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) (طه 43 ، 44) .
كما أمرنا الله - سبحانه - بتبليغهم كلامه ؛ لأنهم لا يعلمون :
((وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)) (التوبة 6) .
11-ليس معنى كراهيةِ المسلمِ الكافرَ أنه يجب عليه أن يقاتله أو يدبر له المكائد في السِّلْم ؛ لأنها ليست عداوة شخصية ، وإنما يدعو له بالهداية ويحرص على إرشاده إلى الإسلام ؛ لينجو من النار ، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصًا على هداية قومه ، قال الله - تعالى - : (( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)) (الكهف 6) ، ((لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 3) . قال المفسرون واللغويون : فلعلك مهلك نفسك، وقاتل نفسك . (16)
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» . (17)
 قال ابن العماد : لأخيه في الإنسانية (18) ، ولعله يتأول في ذلك قول الله - تعالى - : ((وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا)) (الأعراف 65) وأشباهها ، وقولَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع : ((كُلُّكُمْ لِآدَمَ ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ)) (19)

فالمسلم يحب الخير لكل الناس بلا استثناء ، وإن لم يحب المسلم الخير للكافر فلماذا يدعوه إلى الإسلام ؟!
12-ليس من العقل أو الحكمة أن يحب المسلم الكافر ، رغم أن الكافر يكره المسلم ويكره شعائر دينه ، بل ويرجو أن يرده عن الإسلام كما قال الله عز وجل - :
((وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (البقرة 109) ، وقال - سبحانه - :
((وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) (البقرة 217) ، وقال - جل شأنه - :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ . وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران 100 : 102)  .
 ، وإذا كان الله - تعالى - أنكر على بعض المسلمين حين أحبوا المنافقين كما في قوله - سبحانه - :
((هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (آل عمران 119) ، فإن إنكار الله - عز وجل - على حب الكافرين دون مواربة من باب أولى، وإلا فكيف تحب الله وتحب أعداءه في وقت واحد ؟!
أتُـحِبُّ أعدَاءَ الحَبِيب وَتَدَّعِـي ... حُبــــّاً لَــــهُ مَــا ذَاكَ فِي إمـــــكَانِ (20) 
وليس أصرحَ من قول الله اللطيف الخبير :
((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) (البقرة 120) . وأنا شخصيًّا أعرف بعض هؤلاء المنافقين الذين ظَلُّوا يتزلفون إلى النصارى أو اليهود حتى صاروا منهم ، وصرحوا بذلك كما قال الله - تبارك وتعالى - :
((لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)) (آل عمران 118) ، نسأل الله أن يثبتنا على الحق حتى نلقاه .
13-هناك فرق كبير بين مقام الأحكام الشرعية وبين مقام الدعوة إلى الله ، فحكم اليهود والنصارى وغير المسلمين عمومًا في الشريعة الإسلامية أنهم كفار ، والنصوص الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى ، وفي ذات الوقت هم أيضًا يكفرون بشريعتنا وديننا ، وكما نكره شعائر دينهم هم أيضا يكرهون شعائر ديننا ، وهذا أمر متعارف عليه بين البشر ، لكن مقام الدعوة يختلف عن ذلك ، فإننا عندما ندعو غير المسلمين من اليهود والنصارى - مثلا - نتألف قلوبهم ونغلب الترغيب على الترهيب ، ونقول : إنَّا نراكم بخير ، ونرجو لكم الخير ، ولعل الله أن يشرح صدوركم للحق ... إلخ ، ونقول : "يا أهل الكتاب" ، كما قال الله - تعالى - :
((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)) (آل عمران 64) ،
يذكرهم بأنهم أهل كتاب فرطوا فيه وضيعوا أحكامه وشرائعه ، وكما دعا يوسف - عليه الصلاة والسلام - صاحبَيْه في السِّجن قائلا :
(( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (يوسف 39 ، 40) .
نسأل الله أن يهدينا ويهدي بنا ، وأن يهدي كل مخالف للإسلام إلى ما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى سراط مستقيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
هذا ، وبالله التوفيق ، والله أعلى وأعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح ، رواه أبو داود (4681) (4/ 220) والطبراني في الأوسط (9083) (9/ 41) وغيرهما .
(2) زاد المسير (4/ 270) .
(3) رواه مسلم (1763) (3/ 1383) . 
(4) قال ابن فارس : (وَدَّ) الْوَاوُ وَالدَّالُ: كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى مَحَبَّةٍ. وَدِدْتُهُ: أَحْبَبْتُهُ. وَوَدِدْتُ أَنَّ ذَاكَ كَانَ، إِذَا تَمَنَّيْتَهُ، أَوَدُّ فِيهِمَا جَمِيعًا. وَفِي الْمَحَبَّةِ الْوُدُّ، وَفِي التَّمَنِّي الْوَدَادَةُ. وَهُوَ وَدِيدُ فُلَانٍ، أَيْ يُحِبُّهُ. مقاييس اللغة (6/ 75) ، وانظر زاد المسير (4/ 269 ، 270 ، 271) .
(5) ذكره البخاري في صحيحه (8/ 31) ورواه أبو نعيم في الحلية (1/ 222) والدينوري في المجالسة (1087) (3/ 479) .
(6) كما في حديث البراء بن عازِب الطويل ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في روح الكافر : "فَيَصْعَدُونَ بِهَا - أي الملائكة - فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا: مَا هَذِهِ الرُّوحُ الْخَبِيثَةُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا" . صحيح ، رواه ابن المبارك في الزهد (1219) (1/ 430) وابن مَنْدَه في الإيمان (1064) (2/ 962) وغيرهما .
(7) وسبب الخلاف قول الله - تعالى - : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)) (التوبة 28) ، قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - : "وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ الْمُشْرِكَ نَجَسُ الذَّاتِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ بِنَجَسِ الذَّاتِ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَحَلَّ طَعَامَهُمْ، وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ مَا يُفِيدُ عَدَمَ نَجَاسَةِ ذَوَاتِهِمْ، فَأَكَلَ فِي آنِيَتِهِمْ، وَشَرِبَ مِنْهَا، وَتَوَضَّأَ فِيهَا، وَأَنْزَلَهُمْ فِي مَسْجِدِهِ.  " . فتح القدير (2/ 399) ، وللمزيد تابع الروابط التالية :
http://vestidosdenoviachile.com/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%BA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84-/ 
(أ) رواه البخاري (4210) (5/ 134) ومسلم (2406) (4/ 1872) ، وقد اختلف الفقهاء في حكم الإغارة على المشركين قبل دعوتهم إلى الإسلام ، على ثلاثة مذاهب ؛ فالمذهب الأول: وجوب الإنذار مطلقاً، كما قال مالك وغيره .
المذهب الثاني يقول: لا يجب مطلقاً.
المذهب الثالث: يجب إن لم تبلغهم الدعوة، ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب ، وبه قال نافع مولى ابن عمر والحسن البصري والثوري والليث والشافعي وأبو ثور وابن المنذر والجمهور ؛ للمزيد تابع الرابط :
http://audio.islamweb.net/audio/Fulltxt.php?audioid=213819 
(8) رواه البخاري (52) (1/ 20) ومسلم (1599) (3/ 1219) .
(9) للمزيد تابع ما قاله العلامة الشوكاني في فتح القدير (3/ 274) ، وانظر الموضوع التالي :
http://vb.tafsir.net/tafsir44204/#.ViS1Pm73Rdk 
(10) زاد المسير (3/ 228) . 
(11) رواه البخاري (1312) (2/ 85) ومسلم (961) (2/ 661) .
(12) فتح الباري (3/ 180) . قال الشوكاني : "وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ حَبِيبٍ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْقِيَامَ لِلْجِنَازَةِ لَمْ يُنْسَخْ، وَالْقُعُودُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي إنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، فَمَنْ جَلَسَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَمَنْ قَامَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: إنَّ قُعُودَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَلنَّدْبِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا. قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إلَى اسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الرِّوَايَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ الْقِيَامَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ مَنْسُوخًا أَوْ يَكُونَ لَعِلَّةٍ، وَأَيُّهُمَا كَانَ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَرَكَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ وَالْحُجَّةُ فِي الْآخَرِ مِنْ أَمْرِهِ وَالْقُعُودُ أَحَبُّ إلَيَّ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا هُوَ الْحَقُّ ، وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يُشْرَعُ الْقِيَامُ لِجِنَازَةِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ كَمَا تَقَدَّمَ .ولمزيد من التفصيل تابع الرابط :http://islamqa.info/ar/145445
(ب) تابع ما قاله شيخ شيوخنا العالم الفاضل محمد صفوت نور الدين - رحمه الله - كما في الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=Mf7YE8Bkqes
(ج) وانظر زاد المسير (1/ 519) ، وللمزيد تابع الرابط :
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=69180 
(13) رواه مسلم (2586) (4/ 1999) . 
(14) للمزيد تابع الموضوعين التاليين :
.http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=141&s=5df6f81e3967671cbc7454bcd674adb6
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=279666
(15) رواه معمر بن راشد (20267) (11/ 180) وأبو داود في الزهد (232) (1/ 211) وغيرهما .
(16) زاد المسير (3/ 64) .
(17) روا ه البخاري (13) (1/ 12) ومسلم (45) (1/ 67)  .
(18) دليل الفالحين للصديقي الشافعي (3/ 26) .
(19) حسن ، رواه الأزرقي في أخبار مكة (2/ 121) والبيهقي في الشُّعَب (4773) (7/ 131) .
(20) كذا قال ابن القيم في نونيته ، وللمزيد تابع الرابط :
http://albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?ID=2785

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©