موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة العقود الذهبية في المتشابهات القرآنية - إن في ذلك لآية - إن في ذلك لآيات

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فيقول الناظم - غفر الله له - :
1- "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً" عِشرون ... لكل عبدٍ ، وما كان ، لقومٍ يعلمون
2-لكم ، لِمَن ، للمؤمنين ، لقوم يذَّكَّرُون ... وزِد ثلاثًا كآياتٍ تكون
3-لقومٍ : يتفكرون ، يسمعون ، يعقلون ... وخُصَّ نَحْلًا ، حَسنًا تَهُون
يقول إن قول الله - عَزَّ وجل -  ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة)) (1) وقعت في القرآن الكريم في عشرين موضعًا ، ولا جَرَمَ أنها من المواضع التي يكثر اشتباهها على حافظ القرآن الكريم ، لا سِيَّمَا مع أختها "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ" ، وقد وقعت تلك الأخرى  " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ" في القرآن الكريم في أربعة وعشرين موضعًا (2) ، وحتى يَسْهُلَ الأمر على حافظ القرآن الكريم قام الناظم بالتالي :
أولًا : صنع رابطًا ذهنيًا للمواضع الأقل ، وهي "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً" من خلال التنبيه على الكلمات التالية للجملة "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً" ، مثال "لكل عبدٍ" وقعت بعد "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً" كما في سورة سبأ آية 9 ، ولن تجد "لكل عبد" بعد "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات" ، وهكذا .
ثانيًا : قسم الجملتين إلى قسمين :
القسم الأول :  قسم افتراق  ؛ حيث تختلف فيه مواضع " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً" عن مواضع  "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ"من حيثُ الكلمات التي تلي مواضع " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً"، وهو كثير (16 موضعًا) وهي على ترتيب الناظم :
1-((أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)) (سبأ 9).
2-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 8) .
3-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 67) .
4-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 103) .
5-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 121) .
6-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 139) .
7-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 158) .
8-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 174) .
9-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الشعراء 190) .
10-((فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (النمل 52) .
11-((وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) (البقرة 248) .
12-((وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) (آل عمران 49) .
13-((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)) (هود 103) .
14-((وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)) (الحجر 76 ، 77) .
15-((خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)) (العنكبوت 44) .
16-((وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ)) (النحل 13) .
وهذا ما أشار إليه الناظم بقوله : 
1-"إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً" عِشرون ... لكل عبدٍ ، وما كان ، لقومٍ يعلمون
2-لكم ، لِمَن ، للمؤمنين ، لقوم يذَّكَّرُون ...

القسم الثاني : قسم اتفاق ؛ حيث تتفق فيه مواضع " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً" مع مواضع  "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ" ، وهو قليل ثلاث جمل في (4 مواضع) فقط ، وهي على ترتيب الناظم :
3-(( يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (النحل 11) .
2-(( ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) (النحل 69) .
3-((وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (النحل 65) .
4-(( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) (النحل 67) .
وهو ما أشار إليه الناظم - وفقه الله - بقوله :
2- ........................................وزِد ثلاثًا كآياتٍ تكون
3-لقومٍ : يتفكرون ، يسمعون ، يعقلون ...
والسؤال الآن : هل لاحظت شيئًا أيها القارئ الكريم ؟ 
من رحمة الله وتيسيره أن وقعت هذه الأربعة في سورة النحل ، فقوله - تعالى - ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) بإفراد ((لآيةً)) وقعت فقط في النحل في موضعين كما مَرَّ معنا ، بينما وقعت : ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))  بجمع ((لآياتٍ)) في مواضع أخرى في سور أخرى بخلاف النحل ، وهي (الرعد 3) ، و(الروم 21) ، و(الزمر 42) ، و(الجاثية 13) .
وكذا  : ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)) بإفراد ((لآيةً)) وقعت فقط في النحل في موضع فقط كما مَرَّ معنا ، بينما وقعت : ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ))  بجمع ((لآياتٍ)) في موضعين آخرين في سورتين أخريين بخلاف النحل ، وهما (يونس 67) و(الروم 23) .
 وأما قوله - تعالى - ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) بإفراد ((لآيةً)) فقد وقعت في (النحل 67) ، لكن شبيهتها ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) أيضًا وقعت في (النحل 12) ، و(الرعد 4) ، و(الروم 24) ، فكيف نحل هذا الإشكال ؟
الإجابة سهلة بإذن الله : نُمَيِّزُ موضع الإفراد بكلمة ((حَسَنًا)) التي لم ترد مع موضع الجمع .  
وقد أشار الناظم إلى ذلك بقوله :
وخُصَّ نَحْلًا ، حَسنًا تَهُون
أي تصير هذه العشرون هَيِّنَة أي سهلة عليك في الحفظ  ، قال في اللسان :
"الهَوْنُ: مَصْدَرُ هانَ عَلَيْهِ الشيءُ أَي خَفَّ. وهَوَّنه اللَّهُ عَلَيْهِ أَي سهَّله وَخَفَّفَهُ. وشيءٌ هَيِّنٌ، عَلَى فَيْعِلٍ أَي سَهْلٌ .." (3)  
وفي الذكر الحكيم : ((وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)) (الفرقان 63) أي برفق ولين ، وسكينة ووقار ، رويدًا رويدًا (4) ، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا» (5) .
إذن نخلص من ذلك إلى أن الأبيات المنظومة على بساطتها ترشد القارئ إلى كيفية تقييد المواضع المتشابهة بهذه الروابط الذهنية وتُسَهِّل ضبط المتشابهات بعون الله وتوفيقه ، هذا ، وبالله التوفيق ، والله أعلى وأعلم .
 نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، بإقامة حروفه وحدوده ، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه  ،  والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، ويرحم الله عبدًا قال "آمين".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) وإعراب "آيةً" و"آياتٍ" في كل الآيات ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً)) ،  ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ)) اسم إنَّ مؤخر منصوب ، وعلامة نصبه الفتحة في الأول "آيةً" ، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتح في الثاني "لآياتٍ" ؛ لأنه جمع مؤنث سالم ، واللام في كل الآيات "لآيةً" ، لآياتٍ" هي اللام المُزَحْلَقة ، وسميت هكذا "مزحلقة" ؛ لأن موضعها في الأصل في صدارة الجملة توكيدًا ، فلما دخلت "إنَّ" وهي أشد توكيدًا منها تقدمتها وزحلقتها للاسم أو للخبر ، وليس للخبر فقط كما توهم بعض المقبلين على النحو . انظر إعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش (1/ 369) .
(2) لم أذكر مواضع آيات الجمع بألفاظها ؛ حتى لا يتشعب الكلام على القارئ ، ويزداد الأمر صعوبة ، ولكن إن أردت مواضعها فهي :
 (( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) أربعة في (الرعد 3) ، و(الروم 21) ، و(الزمر 42) ، و(الجاثية 13) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)) اثنتان في (يونس 67)، و(الروم 23) .
و ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) ثلاثة في (النحل 12) ، و(الرعد 4) ، و(الروم 24) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)) أربعة  في (إبراهيم 5) ، و(لقمان 31) ، و(سبأ 19) ، و(الشورى 33) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) خمسة في (النحل 79) ، (النمل 86) ، و(العنكبوت 24) ، و(الروم 37) ، و(الزمر 52) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى)) اثنتان في (طه 54 ، 128) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)) واحدة في (الحجر 75) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ)) واحدة في (المؤمنون 30) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)) واحدة في (الروم 22) .
و((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ)) واحدة في (السجدة 26) .
 والله أعلم بمراده .

(3) لسان العرب لابن منظور (13/ 439) .
(4) انظر تفسير القرطبي (13/ 68) ، وزاد المسير لابن الجوزي (3/ 327) .
(5) صحيح ، رواه الترمذي (1997) (4/ 360) ، وابن وهب في جامعه (229) (1/ 332) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©