موضوع عشوائي

آخر المواضيع

نصائح لطلاب العلم 9 - لا تكن كتابًا مفتوحًا ونصيحة للمتعلقين بالمعازف

بسم الله الرحمن الرحيم
أختي الكريمة طالبة العلم ، أخي الكريم طالب العلم ، لا يكن أحدكم كتابًا مفتوحًا ، كل الناس يقرؤونه ويقلبون صفحاته ويعرفون تفاصيله ، سواء كان ذلك بقص تفاصيل حياتك الشخصية على من عرفت أو من لم تعرف ، بلسان الحال أو المقال (ومنه الفيس بوك والتويتر) ؛ فإن طالب العلم يَلْزَمُهُ ما لا يَلْزَمُ غيرَه ، وإذا كان المسلم العامِّي يحترز من الناس أن يطلعوا على كل أخباره وأسراره فأنت - رحمني الله وإياك - أولى بذلك .
ومن الآثار السلبية لهذا الانفتاح الزائد :
- تضييع الوقت في ما لا يفيد ، بل ربما يضر، وما ذلك إلا لغياب فقه الأولويات عند كثير من طلاب العلم ، وغياب الشيخ المربي الناصح ، وعناد هؤلاء الطلاب ومكابرتهم من جهة أخرى .
- إغفال حق القرآن والعلم الشريف .
- أن الناس يتناقلون أسرارك بعد أن صارت أخبارًا دُوَلِية .
- أشار بعض إخواننا إلى وقوع الحسد عن بعد ، وهذا لا أقول به ؛ إذ يشترط في وقوع الحسد لقاء الحاسد والمحسود ، عافانا الله وإياكم من شرور الحاسدين والحاقدين .
 - أن كلامك لا يكون له تأثير كبير في قلوب الناس ؛ لأنهم أخذوا انطباعًا معينًا من خلال شيء شخصي أو عائلي نشرته ، وهنا يصدق فعل إمام الأدب في عصره مالك بن أنس - ت 179 هـ رحمه الله - الذي ما كان يكثر من مخالطة الناس وإطلاعهم على خبايا حياته ، وقد اشتهر عند المحدثين جوابه الشافعيَ لما سأله : "كم سِنُّك ؟" فقال مالك - رحمه الله - : "أقبل على شأنك ، ليس من المروءة إخبار الرجل عن سنه ، فإن كان كبيرًا استهرموه ، وإن كان صغيرا استحقروه" ، ونظم بعض الشعراء ما يُحْتَرَزُ من ذكره فقال :
احفظ لسانك لا تَبُح بثلاثة ................ سنٍ ومالٍ ما استطعتَ ومذهبِ
فعـلى الثلاثة تبتلى بثلاثة ................ بـمموّه وممخـرق ومـكذبِ (*)


 بل من إخلاصه - رحمه الله ، نحسبه كذلك والله حسيبه ، ولا نزكي على الله أحدًا - أنه كان إذا عمل خيرًا لم يطلع عليه إلا الله لا يخبر به أحدًا (1) ، قال لتلميذه النجيب الفقيه محمد بن إدريس الشافعي - ت 204 هـ رحمه الله - "إذا عملت شيئًا لله فلا تطلع عليه أحدًا" قال الشافعي : "فعرفت بم رفع الله قدر مالك" .
ولما ألف الامام مالك موطأه شرع كثير من العلماء في تأليف مثله ، فقيل للإمام أتعبت نفسك بتأليف هذا الكتاب وها قد ألف الناس مثله فقال ستعلمون ... لا يقبل من هذه الكتب إلا ما أريد به وجه الله تعالى، فبعد زمن قليل ما عرف شيء من تلك الكتب، كأنها ألقيت في البئر.
فرفقًا بأنفسكم يا طلاب العلم ، أو كلما عملتم خيرًا في السر نشرتموه في العلانية ؟!
اسمعوا قول نبيكم وحبيبكم الحريص عليكم : 
 «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا» . (2)
 وما ذكرته - بشأنكم يا طلاب العلم - لا يمنع من مساحة متسعة للمرح البريء والفكاهة الصادقة ، كما علمنا الله - تعالى - في كتابه : (( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)) (القصص 77) ، وكما أرشدنا حبيبنا - صلى الله عليه وآله وسلم - : "ساعةً وساعةً" . (3)
قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ الدَّوَامُ (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) أَيْ سَاعَةً كَذَا وَسَاعَةً كَذَا يَعْنِي لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُنَافِقًا بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ عَلَى الْحُضُورِ وَفِي وَقْتٍ عَلَى الْفُتُورِ فَفِي سَاعَةِ الْحُضُورِ تُؤَدُّونَ حُقُوقَ رَبِّكُمْ وَفِي سَاعَةِ الْفُتُورِ تَقْضُونَ حُظُوظَ أَنْفُسِكُمْ" . (4)
قال أبوالدرداء رضي الله عنه يقول: إني لاستجم لقلبي بالشيء من اللهو، ليكون أقوى لي على الحق .
ونسب لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قوله : "روحوا القلوب ساعة فإنها إذا

 كرهت عميت".

 وعن قسامة بن زهير قال : روحوا القلوب تعي الذكر . (5)
فرح وحزن
فرحت كثيرًا لما علمت بإسلام امرأة أمريكية كانت تعمل في مجلة إباحية ، وحزنت لما علمت أنها ما زالت تعزف على "الدرامز" (وهي مجموعة من الطبول) (6) ؛ لأنها من خطوات الشيطان وشعار أهل الفسق والفجور(7) ، وهو صوت شيطاني يستخف به الشيطان بني آدم ، كما قال الله - عز وجل - :
((وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)) (الإسراء 64)  قال مجاهد (8)  : "صوته الغناء والمزامير" (9) .
ونحن نحسن الظن بأختنا الكريمة أنها تلقت فتوى بجواز المعازف من بعض الحَزْمِيَّة (10) ، نرجو الله أن يعافينا من الإصرار على المعصية ، قال الله - تعالى - : ((وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)) (آل عمران 133 : 135) ، وقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : "وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (11)
قال العلماء : "صاحب المعصية المصر عليها يُخشى عليه – عند أهل السنة – سوء العاقبة، لأن المعاصي عندهم هي بريد الكفر، والإكثار من مقارفة المعاصي قد يؤدي إلى الوقوع في الكفر والردة والعياذ بالله" (12) . 
فيا طلاب العلم لا تتبعوا زلات العلماء ؛ فإن من تتبع زلات العلماء تزندق ، ورحم الله ابن القيم إذ يقول :
 "حُبّ الكِتاب وحُبّ ألْحَان الغناء *** في قلب عَبْد ليس يَجْتَمِعانِ" (13)
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علمًا ، ويجعله حجة لنا لا علينا ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) للمزيد راجع الرابط :
http://majles.alukah.net/t10329/ 
(1) للمزيد تابع الرابط :
http://ar.islamway.net/article/29621/%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87 
(2) صحيح مرفوعًا ، وحسن لغيره موقوفًا ، رواه الترمذي (1997) (4/ 360) والطبراني في الأوسط (3395) (3/ 357) وغيرهما .
(3) عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ، قَالَ: - وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ؟ يَا حَنْظَلَةُ قَالَ: قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَا ذَاكَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالْجَنَّةِ، حَتَّى كَأَنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ، عَافَسْنَا الْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ  رواه مسلم (2750) (4/ 2106) وفي لفظ  "وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ، حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ" . مسلم (2750) (4/ 2107) ، ورواه الترمذي (2514) (4/ 666) بزيادة «لَوْ تَدُومُونَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ فِي مَجَالِسِكُمْ، [ص:667] وَفِي طُرُقِكُمْ، وَعَلَى فُرُشِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ، وهو صحيح كما ذكر العلامة الألباني - رحمه الله - ، ومعلوم أنا نعتمد تصحيحاته ، وتصحيحات العلامة الشيخ شعيب الأرناؤوط وغيره من أساطين هذا العلم - حفظ الله الأحياء ورحم الله الأموات - .
(4) تحفة الأحوذي للعلامة المباركفوري (7/ 184) .

(5) للمزيد تابع الرابط :
   http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=129613
(6) للمزيد تابع الرابط :
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D9%82%D9%85_%D8%B7%D8%A8%D9%88%D9%84
(7) للمزيد تابع الرابط :
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&lang=&Option=FatwaId&Id=5282 
(8) الإِمَامُ، شَيْخُ القُرَّاءِ وَالمُفَسِّرِيْنَ، رَوَى عَنِ: ابْنِ عَبَّاسٍ - فَأَكْثَرَ وَأَطَابَ - وَعَنْهُ أَخَذَ القُرْآنَ (عرضه عليه 30 مرة) ، وَالتَّفْسِيْرَ، وَالفِقْهَ. وروى عن غيره من الصحابة ، ولقي الله ساجدًا سنة 104 هـ - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - سير أعلام النبلاء (4/ 449) ، وانظر :
http://www.alquran.ma/Article.aspx?C=5641
(9) زاد المسير (3/ 37) .
(10) نسبةً للإمام أبي محمد ، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري الأندلسي - ت 456 هـ رحمه الله -  انظر الأعلام للزِّرِكْلِي (4/ 254) ، وهو من القلائل الذين خرقوا الإجماع وأجازوا المعازف ، والرجل على فقهه وعلمه لا يؤخذ كل كلامه على عواهله ، هناك مسائل مخالفة وأخرى شاذة ، صدق من قال فيها "ليس من الحزم اتباع ابن حزم" ، ومن الطرائف ما كتبه أحد منتقدي الحزمية ؛ لتعصبهم لآرائه وكأن كل العلماء أخطؤوا وهو الذي أصاب المِفْصَل ، فقال ساخرًا "كلٌّ يؤخذ منه ويترك إلا ابن حزم"، وعن الحكمة من تحريم المعازف اقرأ مشكورًا ما في الرابط التالي :
http://www.saaid.net/Doat/assuhaim/fatwa/226.htm
(11) صحيح ، رواه البخاري في الأدب (380) (1/ 138) وأحمد (6540) (11/ 99) وغيرهما .
(12) للمزيد تابع الموسوعة العَقَدِية للدرر السنية :
http://www.dorar.net/enc/aqadia/3395 
(13) النونية "الكافية الشافية" (1/ 326) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©