موضوع عشوائي

آخر المواضيع

نصائح لطلاب العلم والدعاة إلى الله 8 - انظر حولك قبل أن تشتكي

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله  رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ،أما بعد ...
فكثير من الطلاب يشتكي من قلة العلماء والشيوخ الذين ينيرون له طريق العلم ويعينونه عليه ، وما وقع ذلك إلا لقِصَر نظرهم - هداهم الله - وعدم استعدادهم للتضحية في سبيل محبوبهم ، ومنهم من يشتكي الفقر ، ويزعم أنه يحجبه عن العلم ، وأقول :
"ما كان الفقرُ لِيمنعَ طالبَ العلم الناجز ... بل هو من أعظم الحوافز"
أولا : الواقع يشهد أن كثيرًا ممن منَّ الله - عز وجل - عليهم بالمال شُغِلُوا به عن طلب العلم ، فاعلم أن الوقت أثمن من الذهب ؛ لأن الذهب يأتي ويعود ، والوقت إذا مضى فلن يعود إلى يوم القيامة ، وكل يوم يمر عليك يدنيك من أجلك :
إنا لنفرح بالأيام نقطعها .... وكلَّ يوم مضى يدني من الأجل 
والعلم كثير والعمر قصير ؛ فاغتنم الساعات والدقائق واللحظات قبل أن ينتهي عمرك بغير زاد : (( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى )) (البقرة 197) .
 أيها المسافرون ...
أحكموا السفينة فإنّ البحر عميق , واستكثروا الزاد فإنّ السفر طويل , وخففوا الظهر فإنّ العقبة كؤود , وأخلصوا العمل فإنّ الناقد بصير  ...
 آهٍ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَوَحْشَةِ الطَّرِيقِ .
ثانيًا : لعل الله - تعالى - يمتحن طالب العلم ؛ ليعلم مدى صدقه فيما زعم من حرصه على طلب العلم ، فإن كنت صادقًا فما المانع من أن تطلب الموجود قبل أن تفكر في المفقود ؟! والموجود لديك مفقود لدى غيرك ، والمفقود لديك موجود لدى غيرك ، فلو كنت حيث المفقود لديك وصار لديك موجودًا لطلبت ما لدى غيرك مفقود ؛ ليصير لديك موجودًا ؛ فاختصر الطريق وانظر حولك قبل أن تنظر في محيط آخر بعيد عنك .
قال الله تعالى : " إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الأنفال 70).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ ..» . (1)
فلو فتش (2) الإنسان في مَن حَوْله لوجد علماء فضلاء ورجالا أكابر يرتحل الناس إليهم من كل البلدان ؛ لينهلوا من علمهم ، وهو في ذات الوقت لا يعرفهم ولا يعيرهم اهتمامًا ، بل ربما يقابلهم ويظن أنهم من أجهل الناس ، أقول :  
وغفلة الناس عن العلماء المحيطين بهم لها أسباب يطول بذكرها المقال ، أذكر منها اختصارًا :
1-اعتقاد الناس أن العالم لن يكون عالمًا معتبرًا إلا إن كان مشهورًا ، وهذا لا مستند له ، لا في العقل ولا في النقل ، بل ولا في العرف ؛ لأن كثيرًا من العلماء لا يظهرون أنفسهم للناس حُبًّا للخمول ، ومبالغةً في الإخلاص ، وإيمانًا وتسليمًا بقدر الله ؛ وأنه لو كان في نشرهم العلمَ في حيز معين خيرًا ليسر الله السبل لذلك .
2- إن الأصل أن العالم الرباني لا يدعو الناس لشخصه وإنما يدعوهم للمنهج القويم بغض النظر عن شخص قائلَه أو ناقلَه ؛ فهي دعوة ربانية لا شخصية ، وصدق من قال : "ما من موطن في الأرض إلا وفيه قائم لله بحق" وكأنه يتأول قول الله - تعالى - : ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)) (التوبة 33 ، الصف 9) .  
3-رسوخ صورة ذهنية عند كثير من الناس أن للعالم سنًا معينة (3) "بين 40 إلى 70 سنة" ، وملامحَ بدنية محددة "طويل القامة ، عريض المِنكَبَيْن ، كث اللحية ... إلخ" ، ويلبس ملابس معينة "عمامة أو غُتْرَة ... إلخ" ، ويسكن بيتًا معينًا ، وربما تتوافر كل الصفات السابقة في شخص ، هو أجهل الجهلاء ؛ ولأجل ذلك قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : "لا تنظروا للقائل وإنما انظروا للقول" .
فإذا علم الله صدقك وإخلاصك وإصرارك - يا رحمك الله - فلن يضيعك بل سيفتح لك أبواب العلم والفهم من حيث لا تحتسب ، وما ضَرَّ إن لم تجد مالا ، لكنك وجدت العلم ، أنسيت قول عَلِيٍّ - رضي الله عنه - : "العلم خير من المال ؛ لأن العلم يحرُسُك ، وأنت تحرس المال" .
مثال تطبيقي على ما سبق :
طالب علم لا يجد مالا ليسافر إلى مدينة ما ؛ ليطلب علم الفقه أو الحديث على شيخ معين ، نسأله سؤالا :
هل تحفظ القرآن الكريم ؟
فإن قال : نعم
نقول له : هل درست تفسيره ؟
فإن قال : نعم
نقول له : هل تعرف أسماء العلماء والشيوخ الذين يسكنون معك في نفس بلدتك ؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل قرأت ودرست عليهم جميعًا ؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل لديك مكتبة ورقية في البيت أو مكتبة الكترونية (كتب وتسجيلات وفيديوهات) عبر الإنترنت ؟
فإن قال : نعم 
قلنا له : هل قرأت أو سمعت أو شاهدت كل ما فيها ؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل تواصلت مع الشيوخ والعلماء الذين يدرسون عبر الإنترنت أو الهاتف لتحصل على العلم الذي تريد ؟
فإن قال : نعم 

قلنا له : هل كتبت كل ما درست على الشيوخ ومن الكتب؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل فهمت كل ما درست ؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل لخصت كل ما درست ؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل حفظت كل ما لخصت ؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل بَلَّغْتَ كل ما درست ؟
فإن قال : نعم

قلنا له : هل تدبرت القرآن الكريم امتثالًا لأمر الله - تعالى - ((كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)) (ص 29)؟
فإن قال : نعم
قلنا له : هل عملت بما علمت ؟
فإن قال : نعم 
قلنا له كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أفلحت إن صدقت ، وإن تصدق الله يصدقك .
فإن قال لا قلنا له :
 لو أنفقت من وقتك ومجهودك ومالك 3 % يوميًّا ؛ للتخصص في علم ما ، لصرت بعد 5 سنوات مرجعًا في هذا العلم .
أخي الكريم ، أختي الكريمة ... لك سنة أو ثلاث أو خمس سنوات تجلس على الإنترنت بالساعات ؛ فما هي حصيلة استفادتك من هذه النعمة ؟ للأسف إجابة أكثر الطلاب لا شيء ، اللهم إلا بعض الفوائد من باب الثقافة العامة من هنا أو هناك ، ولكن هل تأصلتم في علم ما ودرستموه دراسة وافية ؟!
يا طلاب العلم - رحمني الله وإياكم - الوقت هو الحياة ، لو بدأتم بابًا من العلم كل أسبوع ، وثابرتم وصبرتم ، أسبوع بعد أسبوع ، وشهر بعد شهر يوشك أن تنالوا بُغْيَتَكم وتتقنوا العلم الذي تحبون ، ألم تروا إعلانات لمجالس علمية مجانية ، ثم زهدتم فيها رغم أن لديكم وقتًا كافيًا لحضورها والإفادة منها ، وإذا ضاقت أوقاتكم يمكنكم أن تتابعوا تسجيلاتها ، وإذا اعترضتكم أسئلة فاسألوا فيها مدرس المادة أو غيره من المتخصصين ، لا تنتظروا الشيوخ والمدرسين أن يدعوكم لحضور هذه المجالس ؛ لأن العلم عزيز ، وهو مطلوب لا طالب . وإذا صدقت نواياكم وحفظتم أوقاتكم - والله - ستوفرون جُهْدًا جهيدًا ، وتحصُدون علمًا كثيرًا ، وأجرًا عظيمًا .
هيا ابدأ الآن أخي الفاضل ، هيا ابدئي الآن أختي الفاضلة ، ماذا تنتظرون ؟!
فكروا جيدًا في أحب العلوم إليكم ، ثم ضَعوا خُطَّة منهجية لدراسته بالوسائل المتاحة . تقبلوا تحياتي ، مع خالص دعائي لكم بالإخلاص والتوفيق والقبول .
هذا ، ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه ، وأن لا يجعل حظنا من ديننا الأقوال ،  وبالله التوفيق ، والله أعلم ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حسن ، رواه الطبراني في الأوسط (2663) (3/ 118) والبيهقي في الشُّعَب (10254) (13/ 236) وغيرهما .
(2) وهي من العامي الفصيح .
(3) السن التي بلغتها من العمر مؤنثة ، وكذا سِنُ الفم . للمزيد راجع المذكر والمؤنث لابن التُّسْتَري الكاتب (ت 361 هـ) ص (5) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©