موضوع عشوائي

آخر المواضيع

البرهان الساطع على سُنيّةِ ما قرأ به نافع

بسم الله الرحمن الرحيم
سائل يقول : ما الدليل على أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قرأ زمنًا طويلًا بالحرف الذي اختاره نافع فكانت قراءة نافع بذلك سُنَّةً ؟
أقول - مستعينًا بالله ، وبالله التوفيق - الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن القصة بدأت عندما زرت شيخنا العلامة د.عبد الصبور شاهين - ت 1431 هـ رحمه الله - في بيته سنة 1427 هـ = 2006 ميلاديًّا ، وسمعته يهاتف أحد تلاميذه بشأن الواقعة الشهيرة بين عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم بن حِزام - رضي الله عنهم - فما هي الواقعة ؟ (1)

قَالَ عمر - رضي الله عنه - : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَأَنِيهَا وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ - يعني الفرقان - عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا فَقَالَ لِي أَرْسِلْهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اقْرَأْ فَقَرَأَ قَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ لِي اقْرَأْ فَقَرَأْتُ فَقَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ . (2)
قال شيخنا - رحمه الله - : "وهشام بن حكيم بن حِزَام صحابي جليل أسلم هو وأبوه عام الفتح 8 هــ (في رمضان) مع الطلقاء" (3) ، وقال إنه كان يتمايل طربًا في مكتبته عندما فتح الله عليه بهذا الكشف الذي لم يسبق إليه ، فلما سألته قال اقرأ الكتاب وأنت تعرف ، رحمه الله رحمة واسعة  . 

وبعد رَدَحٍ من الزمن فتحت "تاريخ القرآن" للدكتور عبد الصبور شاهين رحمه الله صفحة (80 ، 81) وقرأت الكتاب ، فتبين لي ما أراده أستاذنا - رحمه الله - ، فهو يرجح بما فتح الله عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ القرآن الكريم على حرف واحد أكثر من إحدى وعشرين سنة ، ثم نزل القرآن بباقي الأحرف السبعة خلال آخر عامين من حياته صلى الله عليه وسلم ؛ تخفيفًا على أمته (وحدد ذلك سنة 9 هــ) ؛ إذ يستحيل أن يكون أمر عظيم كنزول الأحرف السبعة خافيًا على عمر بن الخطاب الذي كان يتابع الوحي يومًا يومًا وساعةً ساعة ، حال كون صحابي جليل جديد عالمًا بهذا الحدث الجلل ، قلت وهذا معنى قول الإمام مالك بن أنس - (ت 179 هـ) رحمه الله - : قراءة أهل المدينة سُنَّةٌ . قِيلَ لَهُ قِرَاءَةُ نَافِعٍ ؟ قَالَ : نعم ؛ أي أن أكثر قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت على الحرف الذي اختاره الإمام نافع المدني (4) وقرأ به بعد ذلك واشتهر به (5)
وأقول إن قراءة نافع من أحب القراءات إلى قلوب العلماء ، قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل – ت 290 هـ رحمه الله - ، سألت أبي – ت 241 هـ رحمه الله - : أيّ القراءة أحبّ إليك. قال : قراءة أهل المدينة - أي قراءة الإمام نافع- ، وقال إمام دار الهجرة مالك – ت 179 هـ رحمه الله – "قراءة نافع سنة" .

وما سطرته ورددته من سنية قراءة نافع كان بناءً على أدلة كثيرة ، وهأنذا أوجز بعضها :
1-كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من أكثر الناس ملازمةً لرسول الله – عليه الصلاة والسلام - كما شهد له علي بن أبي طالب (6) وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - ، ويقول عمر : "كَانَ لِي جَارٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ". (7)

 فكيف يخفى ذلك الأمر الجلل على عمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه - طوال هذه السنين ، ويعرفه صحابي جليل أسلم في أواخر الفترة المدنية ؟!
2-موافقة أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – لحرف ((كُذِّبوا)) (يوسف 110) بالتشديد ، وهو قراءة نافع والبصريين والمكي والشامي ، وردها قراءة ((كُذِبوا)) بالتخفيف كما ثبت في الصحيح (8) ، وهي قراءة الكوفيين وأبي جعفر : فعن عُرْوَةَ بن الزبير رضي الله عنه: أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ - (ت 58 هـ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتِ قَوْلَهُ: ((حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا)) (يوسف 110) أَوْ (كُذِبُوا) ؟ قَالَتْ : «بَلْ كَذَّبَهُمْ قَوْمُهُمْ» ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، وَمَا هُوَ بِالظَّنِّ، فَقَالَتْ: «يَا عُرَيَّةُ لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ» ، قُلْتُ: فَلَعَلَّهَا أَوْ كُذِبُوا، قَالَتْ: " مَعَاذَ اللَّهِ ، لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، وَأَمَّا هَذِهِ الآيَةُ، قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ، وَطَالَ عَلَيْهِمُ البَلاَءُ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَتْ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَظَنُّوا أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ كَذَّبُوهُمْ، جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ " . (9)
وسورة يوسف مكية إجماعًا كما هو مقرر عند المفسرين (10)  ، نزلت عام الحزن ، في السنة الثالثة قبل البعثة تقريبًا ؛ فهل يُعْقَل أن يخفي على أم المؤمنين وأحب النساء إلى رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كيفية قراءة كلمة قرآنية سمعتها من رسول الله – عليه الصلاة والسلام – تسع سنين على الأقل ؟! فلعلها لم تسمع (كذبوا) مخففة من فم النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة في آخر عامين أو سمعتها ونسيت ، فالله أعلم ، وهناك حُجَّة أخرى تُعَزِّزَ اختيار أم المومنين عائشة – رضي الله عنها - ، وهي أن جميع القراء اتفقوا على قراءة موضع الأنعام (35) ، وهو شبيه بموضع يوسف هكذا : ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا)) بالتشديد ، فكأنها رَدَّت ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه . (11)
3-كثرة شيوخ نافع (70 من التابعين) فهو أكثر القراء العشرة شيوخًا فيما نعلم ، وطول عمره (عاش حوالي 100 سنة ، أقرأ منها نيفًا وسبعين سنة تقريبًا) كان سببًا في شدة تحريه لما ينقل عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام - ، ولا يعني هذا بالضرورة أن القراءات الأخرى غير صحيحة ، أو غير مسنونة أو أن قراءة شيخه أبي جعفر ضعيفة ، حاشا لله ، وإنما هو تدقيق فوق التدقيق ، لأن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قد يفعل أشياء وتوصف بالسنية ، ولكنه يواظب على أشياء أخرى فيكون وصفها بالسنية أشد ، كالسنن المؤكدة وغير المؤكدة . (12)
4-معلوم عند كثير من الفقهاء ، لا سيما المالكية أن عمل أهل المدينة سنة ؛ لأنهم ينقلونه بالتواتر عن الصحابة المدنيين ، وهؤلاء الصحابة ينقلونه عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وقد قسم الباجي عمل أهل المدينة إلى قسمين من حيث النقلُ : قسم يحمل معنى التواتر (كالأذان والصاع ...) ، وقسم نقل عن طريق الآحاد أو ما أدركوه بالاستنباط والاجتهاد ، ولا ريب أن تلقي القرآن الكريم عن رسول الله – عليه الصلاة والسلام – من القسم الأول . (13)
5-أمر بدهي جدًّا أن يسعى نافع - رحمه الله - إلى طلب أكثر حرف واظب عليه النبي – عليه الصلاة والسلام – (طوال 21 سنة قبل حادثة إنزال الأحرف السبعة كما تقدم) كحرص الصالحين على السنة المؤكدة وتمسكهم بها أكثر من السنة غير المؤكدة ، وليس معنى ما ذكرناه أن نافعًا لم يقرأ إلا بحرف واحد ، بل قرأ بأكثر من الحرف ، واشتهر عنه هذا الاختيار المستقى من الحرف المدني وتواترت به الأسانيد .
6-هناك فرق كبير بين القراءة واللغة ، ولا يفيد ما تقدم ذكره أن قراءة نافع هي لغة أهل المدينة ، وأن النبي – عليه الصلاة والسلام – قرأ بلغتهم قبل أن يهاجر إليهم ؛ لأنه ليس من لوازم القرآن أن ينزل بلهجة القوم المنَزَّلِ عليهم ، وقد ذكرنا اختلاف العلماء في توجيه معنى الأحرف السبعة ، والراجح فيها ، وهذا يقتضي أن كل حرف يشتمل على هذه الاختلافات (الإعراب والإفراد والتثنية والجمع والتصريف واللغة والزيادة أو النقص والترتيب والقلب والإبدال) ، هذا على سبيل التغليب ، فقد تختلط بعض الاختلافات الحرفية بالحرف الواحد ، وفي نهاية المطاف يحكم عليها بأنها حرف واحد تغليبًا ، فنقول – والله أعلم – إن الحرف الأول الذي قرأ به النبي – عليه الصلاة والسلام – واحدًا وعشرين عامًا تقريبًا كان بلغة قريش كما صح عن عثمان أنه قال لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ - سعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث ، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم - : «مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ ..." . (14)   ولغة قريش هي أشمل لغات العرب وأكثرها انفتاحًا ، وهي تتناسب مع أهل مكة وأهل المدينة وكثير من العرب ، وكذا قراءة نافع أكثر القراءات أصولًا وفرشًا وانفتاحًا على لغات العرب ، وكان هذا الحرف كافيًا لأداء مهمة البلاغ ، ولكن النبي – صلى الله عليه وسلم – خشي التحريج على أمته ؛ لكثرتها وامتداد رقعتها ، فاستزاد حروفًا أخرى تخفيفًا عليهم كما ثبت في الصحاح ، والله أعلم .
7-أكثر حفَّاظ الصحابة – رضي الله عنهم - اقتصروا على بعض الأحرف السبعة (حرف أو حرفان ولم يجمعوا الأحرف السبعة) ، والملاحظ من خلال استقرا أسانيد القراءات التي بلغتنا عن هؤلاء الصحب – رضي الله عنهم – أن قراءة بعضهم ترتبط بالأماكن التي عاشوا فيها (15) .

 فمثلا :  أبو الدرداء – ت 32 هـ - عاش بالشام وأقرأ بها زمنًا ؛ فاشتهرت قراءته بالشام ، ثم نقلها لنا ابن عامر الشامي .
ويقل هذا الشرط في عبد الله بن السائب – ت ما بين 64 : 73 رضي الله عنه - عاش بمكة وأقرأ بها خمسًا وأربعين سنة ؛ فاشتهرت قراءته بمكة ، ثم نقلها لنا ابن كثير المكي  ، ونقل عنه القارئان البصريان أبو عمرو ويعقوب تفريعًا لا أصالة ، وهو من باب المزج الذي يفعله القراء أثناءَ عملية الاختيار . 
وإذا استقصيت أسانيد حفاظ الصحابة الذين نقلوا لنا القراءات - رضي الله عنهم - لوجدت أسماءهم تتكرر في أكثر القراءات  ؛ مما يدل على أن أكثرهم جمع الأحرف السبعة أو معظمها ، وبغض النظر هل عاشوا في المدينة بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أم لا  فإن قراءاتهم تنوعت ، فقرؤوا وأقرؤوا بأكثرَ من حرف ؛ فانتشرت قراءاتهم في الأمصار (وفاحت شذًا وقَرَنْفُلا) ، وسأركز في هذا البحث على صحابيين جليلين :
الأول : عُمَرُ بن الخطاب – ت 23 هـ رضي الله عنه – لأنه لازم رسول الله – عليه الصلاة والسلام - في مكة ثمان سنوات تقريبًا ، ولازمه في المدينة عشر سنوات .
والثاني : أبو هريرة – ت 59 هـ رضي الله عنه – لأنه نشأ في اليمن في قبيلة دَوْسٍ الأَزْدِية ثم أسلم وهاجر في أول السنة السابعة من الهجرة ، وقتَ غزوةِ خَيْبَرَ (محرم) ، ولازم النبي – عليه الصلاة والسلام – أربع سنوات تقريبًا في مكة .

 وكانت هذه الملازمة سببًا لشهادة النبي – عليه الصلاة والسلام – لهذين الصحابيين الجليلين بالعلم والحفظ ، فكان عمر أفقه الصحابة بعد أبي بكر ، وكان أبو هريرة راويةَ الإسلام الأول (5374 حديثًا) (16)
والآن نتابع هذه الجولة الإسنادية الإجمالية ، ثم لنا مع عمر وأبي هريرة – رضي الله عنهما – لقاء بعدها ، وبالله التوفيق : 
1-قراءة نافع تدور من الدرجة الأولى على عمر (وعنه عبد الله بن عياش) ، وأبي (وعنه ابن عباس وعبد الله بن عياش وأبو هريرة) ، وزيد  (وعنه ابن عباس وعبد الله بن عياش وأبو هريرة) .
2-قراءة أبي جعفر تدور على أبي (وعنه أبو هريرة وابن عياش وابن عباس) وزيد (وعنه ابن عباس وأبو هريرة) وعمر (وعنه ابن عياش) .3-قراءة ابن كثير تدور على أبي (وعنه عبد الله بن السائب وابن عباس) وزيد (وعنه ابن عباس) وعمر (وعنه عبد الله بن السائب) .
4-قراءة أبي عمرو تدور على أبي (وعنه ابن عباس وأبو هريرة) وزيد (وعنه ابن عباس) وعمر (وعنه أبو العالية وعبد الله بن عياش) وعليّ وعثمان وأبي موسى الأشعري (وعنه حِطَّان الرَّقاشي) وابن مسعود وأسانيد ابن كثير ونافع وأبي جعفر . 
5-قراءة ابن عامر تدور على أبي الدرداء وعثمان بن عفان فقط .
6-قراءة يعقوب تدور على أبيّ (وعنه ابن عباس وأبو العالية) وزيد (وعنه ابن عباس وأبو العالية) وعمر (وعنه أبو العالية) وأبي موسى الأشعري (حِطَّان الرَّقاشي) وابن مسعود وعثمان وعلي وأسانيد عاصم وأبي عمرو وأبي جعفر.
7-قراءة عاصم تدور على زيد وأُبَيّ وابن مسعود وعثمان وعليّ . 

8-قراءة حمزة تدور على عليّ (وعنه الحسين وأبو الأسود الدؤلي) وابن مسعود وأبي وزيد (وعنهما ابن عباس) وعثمان (وعنه أبو الأسود) .
 9-قراءة الكسائي تدور على ابن مسعود وعثمان وعليّ وعمر وأبيّ وزيد وإسناده كإسناد قراءة حمزة (لأنه شيخه وعليه اعتماده) وكإسناد عاصم فقد روى عنه الحروف بواسطة (شعبة بن عياش وأبي عمر الكوفي) ، وكإسناد نافع وأبي جعفر فقد روى الحروف عن كل منهما ، فروى عن نافع بواسطة (إسماعيل بن جعفر) ، وروى عن أبي جعفر بواسطتين (إسماعيل بن جعفر وعنه ابن وردان وابن جماز) .
10-قراءة خلف العاشر تدور على ابن مسعود وعمر وعثمان وعليّ وزيد وأبي وأسانيد نافع وأبي جعفر وعاصم وحمزة والكسائي (كل ذلك بالحروف) .
وخلاصة ما نقل عن الصحابة المذكورين - رضي الله عنهم - :
أولا : الصحابة الذين تلقوا عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – مباشرة : 

1-زيد (كل القراءات إلا ابن عامر) .
2– أبيّ (كل القراءات إلا ابن عامر) .
3– ابن مسعود (عاصم وحمزة والكسائي وخلف العاشر وأبو عمرو ويعقوب) .
4– أبو موسى الأشعري (البصريان) .
5- أمير المؤمنين عثمان (عاصم وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب وحمزة والكسائي وخلف العاشر) .
6– أمير المؤمنين عليّ (عاصم وحمزة والكسائي وخلف العاشر والبصريان) .
7– أبو الدرداء (ابن عامر) .
8– أمير المؤمنين عمر (المدنيان والبصريان والكسائي وخلف العاشر والمكي) . (17)
ثانيًا : الصحابة الذين تلقوا عن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – بواسطة : 

1-عبد الله بن السائب (ابن كثير ويعقوب وأبو عمرو "عن أبي وعمر" ) .
2– ابن عباس (ابن كثير ونافع "عن زيد" ، وأبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف العاشر"عن أبي" ، ويعقوب وأبو جعفر "عن أبي وزيد") .
3– الحسين (حمزة والكسائي وخلف العاشر "عن عليّ") .
4– عبد الله بن عياش (نافع وأبو جعفر "عن أبي" ، وأبو عمرو والكسائي وخلف العاشر ويعقوب) .
5– أبو هريرة (المدنيان والبصريان والكسائي وخلف العاشر ، وأكثرها تلقاها عن أُبَيِّ) . (18)
ملاحظات :
أ-نلاحظ أن زيدًا (شيخ المقرئين) وأبيًّا (سيد القراء) وابن مسعود (مقرئ الكوفة) وعلي ابن أبي طالب (أمير المؤمنين ، ت بالكوفة 40 هـ) من الذين جمعوا القرآن وأمر النبي – عليه الصلاة والسلام – بالأخذ عنهم كما في الأحاديث الصحيحة ، وأرى – والله أعلم – أن المقصود بهذه الأحاديث أنهم قرؤوا بكل الأحرف السبعة أو أكثرها ، ولعلك تلاحظ هذا من خلال ما نقل عنهم من قراءات الأمصار ، وثبت في روايات أخرى أن عثمان وعليًّا وأبا الدرداء وعمر وأبا هريرة وغيرهم كانوا من حفاظ القرآن ، وكأن هذه الروايات تشير إلى أخذهم بعض الأحرف السبعة لا جميعها ، وهذا ما لاحظناه من خلال هذا الاستقرا الإسنادي الموجز ، والله أعلم .
ب-فرق كبير بين القراءة والحرف ، فأكثر القراءات تشتمل على حروف ، وكل حرف فيه الأوجه السبعة المذكورة آنفًا في معاني الأحرف السبعة ، ولعلك تلاحظ هذا عندما تتتبع سير بعض القراء كأبي عمر البصري – رحمه الله - ، فتجده تلقى القرآن عن التابعين المتقنين من مكة والمدينة والبصرة وغيرهم ، ولعل التزام نافع – رحمه الله –بالتلقي عن التابعين المدنيين يكون مسوغًا لقولنا إن قراءة نافع يغلب عليها حرف واحد (وهو الحرف الأول الذي قرأ به النبي – عليه الصلاة والسلام -21 سنة تقريبًا) . (19) 

ج-نظرًا لشدة تحري نافع وتدقيقه فقد دخل اختياره الحرفي في أسانيد خمس قراءات : منها اثنتان متواترتان (أبو عمرو والكسائي) ، وثلاث مشهورة (أبو جعفر (من أصول طريقه) وخلف العاشر "من خلال نافع" ، ويعقوب "من خلال طريق شيخه أبي جعفر") ، ولا أظن أن أحدًا شاركه في هذا الأمر من القراء العشر . (20)
د-كثرة الاختلافات الحرفية بين أهل المصر الواحد (كالكوفة أو الشام ..) ناتجة عن تعدد مصادر القراءات واختلاف مشاربها قبل أن يقوم القارئ بعملية الاختيار والانتقاء ، ويروى في ذلك أن حفصًا قال لعاصم "أبو بكر يخالفني" (أحصاها البعض فكانت520 اختلافًا حرفيًّا) ، فقال عاصم : أقرأتك بما أقرأني أبو عبد الرحمن السُّلَمِي عن عليّ بن أبي طالب ، وأقرأته – يعني شعبة – بما أقرأني زِرُّ بن حُبَيْشٍ عن ابن مسعود . (21)
هـ-عدم ذكر أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – في الأسانيد لانشغاله في حياة النبي – عليه الصلاة والسلام – بمرافقته ومتابعته وتنفيذ أوامره ، ولأنه لا يصح أن يقرأ الصحابة على أبي بكر في حضور رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم - ، وكذا لانشغاله – رضي الله عنه – بأعباء الخلافة بعد وفاة النبي – صلوات الله وسلامه عليه - ، وهو نفس التعليل لقلة الأحاديث المروية عنه 142 حديثًا فقط . (22)  وأما عثمان – رضي الله عنه – فقد رويت عنه بعض قراءات الكوفة والبصرة والشام ؛ لأنه كان يزور الشام تاجرًا وفاتحًا ، ثم لانتقال بعض طلابه إلى شتى البلدان ، ولم يكثر أيضًا لانشغاله بأعباء الخلافة وأمره الطلاب أن يقرؤوا على غيره من الصحابة أو التابعين . وأما عليّ – رضي الله عنه - رغم انشغاله بأعباء الخلافة ومواجهة الفتن – فقد رويت عنه قراءات أهل الكوفة وبعض قراءات أهل البصرة ؛ لإقامته في الكوفة ونقله عاصمة الخلافة إليها ، وكان لإقرائه إشعاعات تجلت بعض أنوارها على البصرة (كما يظهر ذلك في أسانيد يعقوب) ، وما البصرة من الكوفة ببعيدة .
و-نلاحظ أن الحروف المروية عن أمير المؤمنين عمر (بلا واسطة) وعن أبي هريرة (بواسطة) تتفق في ست قراءات ، هي (المدنيان والبصريان والكسائي وخلف العاشر) ، منها ثلاث قراءات سبعية ، هي من أصح القراءات وأشدها تواترًا ، وهي قراءة نافع وأبو عمرو والكسائي ، ويزيد عمر على أبي هريرة بقراءة (ابن كثير المكي) . ولو راجعت معي العنصر (ج) لوجدت أن اختيار نافع دخل في ست قراءات (قراءته التي هي اختياره الجامع المحرر أولًا ، ثم اختيار شيخه (وهو أحد أصول اختياره) ، ثم أبو عمرو البصري ثم يعقوب البصري (من خلال اختيار شيخه أبي جعفر) ، ثم الكسائي ثم خلف العاشر) فهي نفس القراءات التي اتفق عليها أمير المؤمنين عمر وراوية الإسلام الأول أبو هريرة - رضي الله عنهما - ؛ فسبحان الله !
ز-كأن عمر استمسك بالحرف الذي سمعه وقرأه على رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – منذ إسلامه (أسلم عام 5 أو 6 من البعثة) في الفترة المكية وأكثر الفترة المدنية ، وهو لغة قريش التي قرأ بها النبي - صلوات الله وسلامه عليه - أكثر فترة البعثة ، وهو ذاته الحرف الذي قرأ به وحرره نافع بعد ذلك ، وهو مشابه لقراءة أهل مكة ، وإن المتتبع لأصول وفرش القراء نافع المدني وشيخه أبي جعفر المدني وابن كثير المكي لَيَعرفُ جيدًا هذا التشابه الشديد بينهم في صلة ميم الجمع (المكي وأبو جعفر وجهًا واحدًا وقالون بخلاف) وقد جمع أصولَهم وفرشَهم بعضُ الشيوخ والشيخات في كتب مستقلة ومصحف واحد للجمع بينهم في ختمة واحدة (أصحاب الصلة) ، ووافقهم ورش قبل همز القطع نحو (أنفسكم أفلا) ، ومن التعريف الجمال والمفسر وابن إسحاق ، والواسطي في ثلاثة مواطن : قبل همز القطع ، وعند ميم المثل : نحو (عليهم من) ، وقبل رؤوس الآي نحو (وهم يعلمون) ...... والتشابه بينهم أكثر من أن يحصى في هذه السطور المعدودة ؛ فليراجعه في مظانِّه من شاء . وبالله التوفيق .

ح-وكأن أبا هريرة تمسك بالكيفيتين : كيفية أداء رسول الله – عليه الصلاة والسلام – للآيات القرآنية أثناء حديثه الشريف قبل حادثة نزول القرآن على سبعة أحرف بسنتين ، وكذا كيفية الأداء بعدها (خلال سنتين تقريبًا حتى توفي رسول الله - عليه الصلاة والسلام -) ؛ فقد أسلم في السنة السابعة من الهجرة ، ومعلوم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مراعاة الخلاف وإجراء النصوص على ظواهرها دون تشنيع على المخالف كما في مسألة الجهر بالبسملة وغيرها (23) ، أضف إلى ذلك أنه قرأ بحروف جمعت منها ست قراءات بعد ذلك ، وهذا يعلل لنا وجود كثير من الأحاديث تنص على قراءة آيات قرآنية بغير قراءة نافع . والله أعلم .
 تطبيقات على ما تقدم من خلال الأحاديث الصحيحة التي تبين كيفية قراءات النبي - صلوات الله وسلامه عليه - وبعض أصحابه - رضي الله عنهم - :
 1-((ملِك)) (الفاتحة 4) .
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها - قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ يَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، ثُمَّ يَقِفُ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، ثُمَّ يَقِفُ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) .... (24)
-وعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها حكت دعاء النبي - عليه الصلاة والسلام - للاستسقاء - قالت : قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ...... قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَقْرَءُونَ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ لَهُمْ» . (25)
-وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - . (26) ورواها البعض عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (27) ولا مانع فقد عاصر اختلاف الأحرف السبعة كما تقدم .
قلت : قرأ ((ملِكِ)) بالحذف المدني والجمهور خلافًا لعاصم ويعقوب والكسائي وخلف العاشر .   
2-((ضُعْفٍ - ضُعْفٍ -  ضُعْفًا)) (الروم 54) .
-عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54] فَقَالَ: (مِنْ ضُعْفٍ) «قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ، فَأَخَذَ عَلَيَّ كَمَا أَخَذْتُ عَلَيْكَ» . (28)
 قلت : قرأ ((ضُعْفٍ - ضُعْفٍ -  ضُعْفًا)) (الروم 54) بضم الضاد المدني والجمهور خلافًا لحمزة وشعبة ، ولحفص الوجهان .
3-{هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] .
 -عَنْ شَقِيقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُ قَرَأَ {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] فَقَالَ: شَقِيقٌ: إِنَّا نَقْرَؤُهَا (هِئْتُ لَكَ) يَعْنِي فَقَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ «أَقْرَؤُهَا كَمَا عُلِّمْتُ أَحَبُّ إِلَيَّ» . (29)
قلت : قرأ {هَيْتَ لَكَ} [يوسف: 23] العراقيون (الكوفيون والبصريان) وهذا يتناسب مع ما قدمناه من إمامة ابن مسعود لقراء الكوفة وتأثر البصرة بها . 
وقرأ المدنيان وابن ذكوان عن الشامي ((هِيتَ)) . 
وقرأ ابن كثير المكي : ((هَيْتُ)) .
 وقرأ هشام عن الشامي  بوجهين : ((هِئْتَ)) (طريق الحُلواني) ، و((هِئْتُ)) (طريق الداجُوني) .
4-{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] ، {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] . 

-عن ابن عباس قال حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - في قصة إيلاء النبي - عليه الصلاة والسلام - من نسائه - قال عمر :  وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ آيَةُ التَّخْيِيرِ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] ، {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4] . (30) ورويت أيضًا ((أَنْ يُبَدِّلَهُ)) . (31)
 قلت : قرأ  ((يُبَدِّلَهُ)) بالتشديد المدنيان وأبو عمرو . وقرأ ((يُبْدِلَهُ)) بالتخفيف الباقون (يعقوب والكوفيون والشامي والمكي) .
وقرأ ((تَظَاهَرَا)) بتخفيف الظاء الكوفيون ، وقرأ الباقون بتشديدها ((تظَّاهَرَا)) ، وقد ثبت أن هذه الرواية وقعت بعد وفاة النبي - عليه الصلاة والسلام - بثلاث سنوات ونصف على الأقل ، وكان ابن عباس يود أن يسأل عمر - رضي الله عنهم - عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي - عليه الصلاة والسلام - حتى حجًّا معًا فقال : "كُنْتُ أُريدُ أنْ أسأَلَكَ ... يا أميرَ المُؤمِنينَ فكُنْتُ أهابُكَ" فقال - عمر - : "سَلْني عمَّ شِئْتَ فإنَّا لَمْ نكُنْ نعلَمُ شيئًا حتَّى تعلَّمْنا" ، قال فقُلْتُ : أخبِرْني عن قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4] مَن هما ... فساق الحديث . (32)
5-{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] .
-قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، " وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] وَآيَةُ الحِجَابِ ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ " (33)
قلت : قرأ {وَاتَّخِذُوا} [البقرة: 125] بكسر الخاء أبو جعفر المدني والجمهور خلافًا لنافع المدني وابن عامر الشامي ، فقد قرءا {وَاتَّخَذُوا} بالفتح .
وقرأ  ((إِبْرَاهِيمَ)) [البقرة: 125] المدني والجمهور . وقرأها ((إبرَاهَام)) الشامي بخلف عن ابن ذكوان .
وختامًا أقول : ليس معنى تفضيل قراءة نافع أن ثواب القارئ بها أكثر أو أقرب إلى الله (34) ، بل كل القراءات المتواترة والصحيحة تتعادل في الثواب (الحرف بحسنة ، والحسنة بعشر أمثالها) ، وفي كل الأحوال هذا البحث مجرد اجتهاد ظني سائغ – لا ينبني عليه عمل – ، وإنما قمت بإعداده للتدليل على ما ذهبت إليه ، بِنَاءً على ما توافر لدي من أدلة ، وقد يكون له وجه من الصواب أو حظٌّ من النظر ، فأسأل الله أن يجزيني أجرين إن أصبت ، وأجرًا إن أخطأت . والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أشرت إلى ذلك في المختصر المفيد (220 : 222) ومقدمة خلاصة ورش الأصول والفرش .
(2) صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (2287) (2/851) ، (4706) (4/1909) ، (4754) (4/1923) ، (6537) (6/2541) ، (7111) (6/2744) ، وَمُسْلِمُ (818) (1/560) .
(3) سير أعلام النبلاء للذهبي (3/44) . 

(4) وقال حمد بن عبد الله أبو العباس الطنافسي البغدادي: من أراد أحسن القراءات فعليه بقراءة أبي عمرو ، ومن أراد الأصل فعليه بقراءة ابن كثير ، ومن أراد أفصح القراءات فعليه بقراءة عاصم ، ومن أراد أغرب القراءات فعليه بقراءة ابن عامر ، ومن أراد الأثر فعليه بقراءة حمزة ، ومن أراد أظرف القراءات فعليه بقراءة الكسائي ، ومن أراد السنة فعليه بقراءة نافع . رواه الداني وأورده ابن الجزري في الغاية (1/ 75) .
(5) والإمام نافع المدني – (70- 169 هـ )- هو شيخ الإمام مالك - (93- 179 هـ) - ، قرأ عليه مالك ، وأقرأ مالك نافعًا الموطأ ، رغم أن نافعًا أكبر من مالك بثلاث وعشرين سنة ، فلم يتكبر نافع عن العلم ، فلله درهما رحمهما الله .  
(6) عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ، يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» . البخاري (3685) (5/ 11) ، ومسلم (2389) (4/ 1858) .
(7) مسلم (1479) (2/ 1111) .
(8) البخاري (3389) (4/ 150) .
(9) رواه البخاري (3389) (4/150) .
(10) (زاد المسير 2/ 411) .
(11) ويبقى أن نعرف علة هذه القراءة التي أنكرتها أم المؤمنين - رضي الله عنها - ، رُوِى عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الضمائر كلها ترجع إلى المرسل إليهم ، أي وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوا من النبوة وفيما يُوعِدُون به من لم يؤمن من العقاب ، وحكي أن سعيد بن جبير – (ت 95 هـ) لما أجاب بذلك قال الضحاك – (ت 105 هـ) - وكان حاضرا : لو رَحَلْتُ في هذه المسألة إلى اليمن كان قليلا . حسن ، رواه الطبري في التفسير (16/ 300) وحسنه الحافظ في الفتح (8/ 219) ، ، وانظر المهذب للدكتور محمد سالم محيسن - (ت 1422 هـ) رحمه الله - (2/58) . ورواه الطبري عن ابن عباس رأسًا في التفسير (16/ 296 : 300) والنسائي وصححه الحافظ في الفتح (8/ 369) . قلت "يا ليت طلاب العلم يدركون ذلك ، أن العلم لا يقاس بالشبر أو بالكيلو ، وإنما بالبركة والفهم . والله أعلم .
(12) انظر غاية النهاية لابن الجزري (2/ 330 : 334) ، والبسط للأستاذة سمر العشا (1/ 44) .
(13) للمزيد انظر رسالة مالك إلى الليث ، ترتيب المدارك وتقريب المسالك ج 1 من ص 41 : 43 ط . وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب ، عن رسالة أصول مالك للأستاذ الشيخ عبد الغفور الناصر رئيس المجلس العلمي المحلي بتطوان – المغرب (55 : 61) ، وإيصال السالك في أصول الإمام مالك للعلامة محمد الوُلاتي . ط . دار الرشاد الحديثة (ص 45) ، ورسالة الإمام ابن تيمية ، مجموع الفتاوى تحقيق: أنور الباز - عامر الجزار، دار الوفاء. ط: الثالثة (20/ 311 الشاملة) ، انظر عمل أهل المدينة بين مصطلحات مالك وآراء الأصوليين ص 124 ، 128 عن مقال "عمل أهل المدينة عند ابن تيمية" للأستاذ عصماني خالد منشور بشبكة الألوكة .
(14) صحيح ، الترمذي (3104) (5/ 284) وابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 1000) وغيرهما . 
(15) انظر خلاصة ورش مقدمة عن المصاحف العثمانية .
(16) تدريب الراوي للسيوطي (2/ 675) . 
(17) السلاسل الذهبية للعلامة د.أيمن سويد (519 ، 522) .
(18) للمزيد انظر البسط للأستاذة سمر العشا ج 1 (42 : 67) ، (117 : 177) ، والنشر لابن الجزري (1/ 99 : 198) . 
(19) انظر النشر (1/ 133) . 
(20) انظر السلاسل الذهبية للدكتور أيمن سويد (489 : 522) .  

(21) انظر البسط للأستاذة سمر العشا ج 1 (58) .  
(22) تدريب الراوي للسيوطي (2/ 677) .
(23) انظر المختصر المفيد ص (152) . 
(24) صحيح ، رواه الترمذي (2927) (5/ 185) وأبو داود (4001) (4/ 37) وغيرهما .
(25) حسن ، رواه أبو داود (1173) (1/ 304) . 

(26) مسلم (395) (1/ 296) .
(27) ابن حبان (776) (3/ 54) والبزار (8779) (15/ 284) .
(28) حسن ، رواه أبو داود (3978) (4/ 32) والترمذي (2936) (5/ 189) وغيرهما .
(29) صحيح ، رواه أبو داود (4004) (4/ 38) والبخاري (4692) (6/ 77) وغيرهما .
(30) مسلم (1479) (2/ 1105) .
(31) البخاري (402) (1/ 89) . 


(32) الطبراني في الأوسط (8764) (8/ 323) والبخاري بلفظ يقاربه (4915) (6/ 158) وغيرهما .
(33) البخاري (402) (1/ 89) . 
(34) وهذا في ذات الوقت لا يعني ترجيح قراءة على قراءة لأن كلًّا من عند الله ، وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ، وليس فيما ذكرنا تنقيص من قدرأي قراءة ، بل نحبها جميعًا بحمد الله ؛ لأنها كلام الله - تبارك وتعالى - دون استثناء ، والأمانة العلمية تقتضي أن أذكر أن بعض العلماء منعوا تجويد قراءة على أخرى - ولهم حقهم في ذلك - ، وقالوا لأن الجميع قرآن فقد يوقع ذلك فاعله تحت طائلة الإثم ، وهو قول أبي عمرو الزاهد وأبي جعفر النحاس وابن حبان وابن العباس أحمد بن يحيى ثعلب . ونقل الزركشي أن ممن قال بذلك أبا الحسن الأشعري والقاضي أبا بكر وأبا حاتم وابن حبان وغيرهم، وهو مذهب أبي حيان الذي ناضل عنه مراراً .‏ وللمزيد انظر مقال "كيف نتعامل مع القراءات القرآنية" للباحث الجزائري عبد الحليم بن محمد الهادي قابة ، منشور بملتقى أهل التفسير . 

الكــاتــب

    • مشاركة

هناك تعليق واحد:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©