موضوع عشوائي

آخر المواضيع

نقولات وذكريات في فضل من علم الناس ومات 13 - شيخنا العالم عادل غنيمي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ... أما بعد فقد تلقيت ببالغ الأسى والحزن نبأ وفاة شيخنا وإمامنا العالم الفاضل عادل غنيمي محمد الباز شيخ مقارئ ديرب نجم - الشرقية - مصر ، والذي قضى نحبه أمس الأحد 28 ربيع الأول 1439 هـ الموافق 17 ديسمبر 2017 م بعد صلاة العصر في بلدتنا إكوه - ديرب نجم - الشرقية بعد ما يقارب من خمسين سنة قضاها في محراب القرآن تعلمًا وتعليمًا وإمامةً . وكان الموت فجأة بدون مرض ولا سبب آخر ، ذهب الشيخ إلى بعض طلابه ليعلمهم القرآن ، ثم صلى العصر ثم رجع إلى بيته ؛ ليسلم الروح إلى بارئها ، أسأل الله أن يجعل الجنة مأواه ، وأن يسكنه في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقًا .
لقد أكرمني الله - عز وجل - بالقراءة عليه والإفادة من علمه ، فقرأت عليه القراءات السبع كاملة سوى ورش ، وأجازني بها جميعًا ، كما قرأت عليه متن الشاطبية كاملًا ؛ فكان مثالًا للشيخ الرباني العامل بعلمه ، وسأذكر في هذا المقال الموجز بعض الوقفات المستفادة من حياة الشيخ ومجالسته ؛ لعلها تكون عونًا لي ولإخواني طلاب العلم في رحلتنا القصيرة في هذه الحياة :
1-التواضع . لقد عهدت شيخي - رحمه الله - متواضعًا لكل الناس ، "ومن تواضع لله رفعه الله" كما قال النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لي ذات يوم "يا شيخ إسماعيل ، ينبغي أن يتواضع الإنسان ؛ لأن هذا العلم الذي منحه الله إياه بكرمه وتوفيقه قد يسلبه منه في لحظة ؛ فيصبح لا شيء" . ولقد كتب لي شيخي - رضي الله عنه - الإجازة بالسبع بخط يده .
2-الصبر . كان شيخنا - أكرمه الله - يغدو إلى شيخه العلامة عبد السميع بسيوني كل يوم من إكوه إلى بهنيا (ما لا يقل عن 6 كيلو مترات) ماشيًا على الأقدام ؛ ليراجع الشاطبية والورد اليومي . وكان الشيخ يسمح له بقراءة ربع واحد فقط في اليوم ، وكان الشيخ يتركه كثيرًا في البيت ولا يقرئه ، ثم يقول له يا شيخ عادل أنا أفعل معك هذا لتتعلم الصبر . وكان - رحمه الله - صبورًا معي فكنت أقرأ عليه ما لا يقل عن ثلاث ساعات ، وهو منصت ومُرَحِّب . قلت (الشرقاوي) "ليت شعري ، هل يتعلم كثير من الطلاب المتعجلين اليوم هذه الفائدة ، إن الصبر مهارة تكتسب بالشدائد والانتظار ، وليس علمًا يكتب في الورق بالأحبار" يقول ربنا - سبحانه - : ((فاصبر صبرًا جميلًا)) ، ويقول - جل ثناؤه - : ((وجعلنا منهم إئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)) فمن أراد الإمامة في الدين فعليه بالصبر واليقين كما قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - . وعلى قدر الصبر يكون الثواب ، قال - تعالى - ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)) .
3-الأدب . كان - رحمه الله - متأدبًا بآداب القرآن ، جاءه أحد الناس يطلب أن يقرئ ابنته ؛ لتجتاز مسابقة قرآنية ، ثم قال أبوها لكن لا يمكن أن نتركك تجلس معها وحدك ، فغضب الشيخ وقال "عيب ، نحن أهل قرآن" كأن الشيخ يقول له "أي خاطر أو هاجس يخطر ببالك عن أهل القرآن فهو باطل لا تفكر فيه والهُ عنه ؛ لأن أهل القرآن مع الله ، والأصل أن تحضر مع ابنتك وقت الإقراء لا أن تخبرنا بما هو أولى .
4-الحزم . لاحظت الحزم في شيخنا مع طلابه فكان لا يجيز إلا المتقنين ، وقد رأيت بعيني من يختم عليه غيبًا بغير إتقان للتجويد ، ثم يقول له "جهز نفسك للختمة الجديدة مع إتقان التجويد" ، وربما قسا على بعض الطلاب بالضرب "فقسا ليزدجروا ، ومن يك حازمًا ... فليقسُ حينًا وحينًا يرحمُ " . وكان - رحمه الله - حازمًا مع بناته الصغيرات وبعض أقاربه في إلزامهم بحفظ المقرر . واستأذنته ذات يوم أن أقرأ عليه في يوم العطلة فقال "أنا آسف ، لا يمكن" ؛ لأنه إنسان منظم ، كل شيء له وقت .
5-التبسم وخفة الظل . كان - رحمه الله - بشوش الوجه ، ذا دعابة ولطف في أسلوبه ، كثير التبسم ، وهذه خصلة يفتقدها كثير من المقرئين اليوم ، فتراهم عابسين ، ولا تدري سبب العبوس ، يا أخي كلنا ذوو هموم وأشغال ، ولكن ما ذنب الطالب أن تحمله همومك ؟! ألا تكفيه همومه ؟! وصدق نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - حين قال "تبسمك في وجه أخيك صدقة" . ومن خلال تجربتي الإقرائية الناجحة بفضل الله لاحظت أن الطلاب يحبون الشيخ البشوش البَسَّام ، ويفرون من الغَضُوب العَبَّاس .
6-الكرم . وهذه خصلة عجيبة تميز بها شيخنا المبارك - عليه من الله سحائب الرحمة والمغفرة - فكنت كلما ذهبت إليه لأقرأ عليه يسألني "هل أفطرت يا شيخ إسماعيل ؟" أقول له "الحمد لله" يقول "لا بد أن تفطر" ويأمر زوجته بصناعة ما لذ وطاب ، ثم يقدمه لي بكل حب ، ويقول "تفضل يا مولانا" ، وكذلك الغداء إذا حضر وقته .
7-الزهد . كان - رحمه الله - زاهدًا في الدنيا ، وكل من خالطه يلاحظ هذا ، في مسكنه وفي مظهره ، وكان يصوم رجب وشعبان ورمضان ، ولا يفصل بينها إلا بيوم الشك (فيما أذكر ، والله أعلم) ، وقد كان والدي - رحمه الله - يفعل ذلك أحيانًا .
8-قيام الليل . كان يخصص وقتًا لقيام الليل ، وهذا لاحظته في أحد حواراته ، ولأجل هذا كان وجهه مضيئًا بالنهار ، كما في بعض الآثار "من طال قيامه بالليل حَسُنَ وجهه في النهار" .
9-تعهد القرآن وقوة الحفظ . كان - عفا الله عنه - يتعهد القرآن يوميًّا بورد (لم يذكره لي) ، فكان إذا قرأ في أي مقرأة أو مجلس يقرأ غيبًا ولا يمسك المصحف أبدًا مع حسن الصوت وجودة الأحكام ، كما كان يحفظ الشاطبية ، وقد حفظت من فمه بعض الشواهد - حينئذ - كان يستدل بها أثناء الإقراء .
10-التحري . وهذه خصلة نادرة في هذا الزمان ، فكنت إذا أخطأت في شيء أو سألته عنه يقول "انتظر" فيذهب ليفتح الكتاب ويتأكد ثم يجيبني ، ويقول لي "هذه أمانة ، لا بد من التأكد" ، ولا مانع عنده من تكرار هذا الفعل ، رضي الله عنه .
11-الرضا بالقضاء . أكرمه الله ببنتين ، وأثناء قراءتي عليه أكرمه الله ببنت ثالثة ، فقال لي الحمد لله أكرمني الله ببنت ثالثة ، وأثنى على الله خيرًا ، وفرح بذلك فرحًا شديدًا . أسأل الله أن يكلأ بناته وزوجه الكريم بحفظه الذي لا يرام ، وعينه التي لا تنام ، وأن يجزل له المثوبة والعطاء جزاء ما قدم للإسلام والمسلمين .

إن القلب ليحزن ، وإن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يىضى ربنا - سبحانه وتعالى - إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم ارحم شيخي وحبيبي وقرة عيني عادل غنيمي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناتك ، واجعله من رفقاء حبيبك المصطفى في الفردوس الأعلى ، والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .




مرفق صورة لقاء شيوخنا العلماء : د/سعيد صالح زعيمة (في الوسط) ، مع الشيخ عبد السميع بسيوني - رحمه الله - (عن اليمين) والشيخ عادل غنيمي - رحمه الله - (عن الجهة الأخرى) ، تم التقاط الصورة سنة 1431 هـ = 2010 م تقريبًا . أسأل الله أن ينفع بمن بقي من علمائنا ويجمعنا في الفردوس الأعلى مع إمام المقرئين سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©