موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الردود العلمية 1- بحث لطيف في الرد على عالم كريم من علماء المغرب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سلسلة الردود العلمية للشيخ إسماعيل الشرقاوي حفظه الله .

1- بحث لطيف في الرد على عالم كريم من علماء المغرب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

((وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ))
(هود : 88)

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبعد ...
فقد قابلت شيخا عالمًا فاضلًا من علماء القراءات بالمغرب ، والمغرب بلد القرآن من أحب البلاد إلى قلبي ، وهو بلد العلماء ، وإنما جئت المغرب متعلمًا لا عالمًا ، ودائما أقول العلم ثلاثة أشياء : تذكير للعالم وتنبيه للغافل وتعليم للجاهل مثلي ، وقد تميز المغرب الحبيب ببعض طرق القراءات السبع ؛ حيث لا تمر هذه الطرق بشيخ المحققين الإمام ابن الجزري رحمه الله ، وخاصة قراءة الإمام نافع فلهم فيها ما يسمى بالطرق العشرة ، وهذا ليس محل البحث ، أعود إلى هذا العالم الفاضل المتميز بهذه الطرق ، دارت بيني وبينه مناقشة عابرة لم تستغرق ثلاث دقائق ، أحببت فيها أن أسأل عن بعض الغرائب التي سمعتها من بعض القراء في المغرب ، وفي هذا البحث اللطيف ردود علمية وافية على إجابات الشيخ المكرم ، ويعلم الله أني أريد الوصول إلى الحق وإن كان على لسان غيري ، ولا أحب أن أُذْكَرَ لا بخير ولا بشر ، وإنما كتبت هذا من باب الأمانة العلمية ، ومعلوم أن خيانة أمانة العلم أشد من خيانة أمانة المال ، وهذا ظاهر لمن تدبر آيتي البقرة والنساء ، قال الله سبحانه :
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة : 174) ،
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء : 10) ، ويجول بخاطري الآن قول الإمام الشافعي رحمه الله : ما ناقشت أحدا إلا ودعوت الله أن يجري الحق على لسانه ، وعلى كل حال أرجو أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة .

حوار بين الأذانين
في بداية الحوار سلمت على الشيخ الكريم ، وذكرت اسمي من باب التعارف ، فذكر له أخ فاضل أني مجاز بالقراءات ، فسأله على من قرأت فذكرت أسماء بعض شيوخي ممن قرأت عليهم ختمة كاملة أو بعض القرآن وأجازوني ، وقلت : وما زلت أتعلم ،
فقال الشيخ الفاضل : طبعًا لا بد أن يتعلم المرء .
قلت : تتميزون بالطرق العشرة عن الإمام نافع ، وكذلك موريتانيا .
فقال الشيخ الفاضل : نعم لكن المغرب فقط ، موريتانيا لا .
قلت : هناك أخ - وذكرت اسمه - كان يقرأ معي بقراءة أبي عمرو ويعقوب وقرأ بالتسهيل مع إدخال أربع حركات في الهمزتين من كلمة (أعني لأبي عمرو نحو أأنذرتهم) فسألته عن ذلك قال هكذا قرأت على شيخي (وهو الشيخ الذي أكلمه) فقلت له لكن هذا ليس من طريق الشاطبية ، ربما هذا من طريق آخر كطريق ابن النفيس الذي لا يمر على ابن الجزري .
فقال الشيخ الفاضل : بل هذا من طريق الشاطبية ، وقد ذكره الإمام الشاطبي .
فتعجبت ثم قلت : كيف هذا ولم ينقله أحد من العلماء ، وليس في التيسير للداني .
فقال الشيخ الفاضل : الإمام الداني لم يذكر مقدار المد ، والإمام الشاطبي ذكر المد فقال :
وَإِنْ حَرْفُ مَدٍّ قَبْلَ هَمْزٍ مُغَيَّرٍ ... يَجُزْ قَصْرُهُ وَالْمَدُّ مَا زَالَ أَعْدَلاَ
تعجبت في نفسي ؛ فإن هذا الشاهد ليس في محله ، ومع ذلك قلت للشيخ نعم ، وبيني وبين نفسي قلت أتأكد ربما لم أنتبه لهذا البيت ، وكان ذلك بين أذان العشاء وإقامتها ، وعلى كل حال سأوضح محل البيت وشرحه لاحقًا .
نعود إلى الشيخ الفاضل ، قلت له وأيضا جلست مع الشيخ فلان صاحب كتاب كذا في ورش فقال نحن نقرأ (أألد) بالتوسط ، فقلت له وهذا ليس من طريق الشاطبية أيضًا ، ولم نقرأ به على شيوخنا ، ولم يذكر في التيسير .
فرد الشيخ الفاضل : لا بل من الشاطبية ؛ لأنه مثل البدل آمن أصلها أأمن .
فقلت : يا فضيلة الشيخ هذا ليس بدلا بل الهمزة الأولى همزة استفهام .
فرد الشيخ الفاضل قائلًا : لماذا ؟! بل هو بدل ، وفيه أيضًا الأوجه الثلاثة : القصر والتوسط والإشباع .
فقلت : لكن العلماء لم ينقلوا هذا كالشيخ عبد الفتاح القاضي وغيره .
فقال الشيخ الفاضل : ليس معنى عدم وجود النص أن القراءة بهذا خطأ ، ولكن هذه وجوه أدائية قرأ بها بعض الشيوخ ، ولا يوجد فيها نص .
فقلت : يعني هذه أمور اجتهادية أو قياسية ؟
قال الشيخ الفاضل : وجوه أدائية – ولا أذكر قال نعم أم لم يقل ، لو سجل الحديث سأعرف إن شاء الله – ثم قال : هناك فرق بين العلماء والقراء ، يعني الإخوة من مصر نقول لهم وجهًا ، فيقولون هذا لا يصح ؛ لأنهم لم يقرؤوا به أو ليس فيه نص ، فهل معنى هذا أنه خطأ ؟!
قلت : إن شاء الله نرجع إلى التيسير ، ونرى قال أم لم يقل .
فقال الشيخ الفاضل : التيسير لم يحدد ولم يذكر .
انتهى الحوار عند هذا القدر - وقد ذكرت ما تذكرت - ثم قال الشيخ أقم الصلاة .

أولا : تحرير موطن الخلاف.
1 – مقدار الفصل بين الهمزتين من كلمة لأبي عمرو من طريق التيسير والشاطبية إلا ما استثني .
2 – مقدار المد لورش من طريق الشاطبية في كلمة (أَأَلِدُ) (هود : 72) ، وكلمة (أأمنتم) (الملك : 16) ، وهل هذا مد بدل ؟


1 – مقدار الفصل بين الهمزتين من كلمة لأبي عمرو إلا ما استثني.


أنقل أولا عبارة الإمام أبي عمرو الداني من كتابه التيسير في القراءات السبع (ص31 ، 32) ، قال الإمام الداني رحمه الله :
بَاب ذكر الهمزتين المتلاصقتين فِي كلمة . اعْلَم أنهما إذا اتفقتا بِالْفَتْح نَحْو / ءأنذرتهم / و / ءأنتم أعلم / و / ءأسجد / وَشبهه فإن الحرميين وأبا عَمْرو وهشاما يسهلون الثَّانِيَة مِنْهُمَا وورش يبدلها ألْفَا وَالْقِيَاس أن تكون بَين بَين وَابْن كثير لَا يدْخل قبلهَا الْفَا وقالون وَهِشَام وأبو عَمْرو يدْخلُونَهَا وَالْبَاقُونَ يحققون الهمزتين فاذا اختلفتا بِالْفَتْح وَالْكَسْر نَحْو قَوْله / أإذا كُنَّا / و {أإله مَعَ الله} و / أإن لنا / وَشبهه فالحرميان وابو عَمْرو يسهلون الثَّانِيَة وقالون وأبو عَمْرو يدخلَانِ قبلهَا الْفَا وَالْبَاقُونَ يحققون الهمزتين وَهِشَام من قراءتي على أبى الْفَتْح يدْخل بَينهمَا ألْفَا وَمن قراءتي على أبي الْحسن يدخلهَا فِي سَبْعَة مَوَاضِع فِي الْأَعْرَاف {أئنكم} و {أئن لنا لأجرا} وَفِي مَرْيَم / أءذا مَا مت / وَفِي الشُّعَرَاء {أئن لنا لأجرا} وَفِي وَالصَّافَّات / أءنك / و {أئفكا} وَفِي فصلت {أئنكم} ويسهل الثَّانِيَة هُنَا خَاصَّة وإذا اختلفتا بِالْفَتْح وَالضَّم وَذَلِكَ فِي ثلاثة مَوَاضِع فِي آل عمرَان {قل أؤنبئكم} وَفِي ص / أءنزل عَلَيْهِ / وَفِي الْقَمَر / أءلقى الذّكر / فالحرميان وابو عَمْرو يسهلون الثَّانِيَة وقالون يدْخل بَينهمَا ألْفَا وَهِشَام من قراءتي على أبي الْحسن يُحَقّق الهمزتين من غير الف بَينهمَا فِي آل عمرَان ويسهل الثَّانِيَة وَيدخل قبلهَا الْفَا فِي الْبَاقِيَتَيْنِ كقالون وَالْبَاقُونَ يحققون الهمزتين فِي ذَلِك وَهِشَام من قراءتي على ابي الْفَتْح كَذَلِك وَيدخل بَينهمَا ألْفَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق .
وقال في سورة الأعراف : (في الحديث عن (ءامنتم)) : وَلم يدْخل أحْدُ مِنْهُم ألْفَا بَين الْهمزَة المحققة والملينة فِي هَذِه الْمَوَاضِع كَمَا أدخلها من أدخلها مِنْهُم فِي / ءانذرتهم / وبابه لكَرَاهَة اجْتِمَاع ثَلَاث الفات بعد الْهمزَة .
قلت - وقد وضعت خطوطًا تحت المواضع التي ذكر فيها الإمام الإدخال ومقداره ألف كما ذكر - : هذه نصوص صريحة في تحديد مقدار الفصل ، ومعلوم أن الألف تعادل حركتين كما ذكر كثير من المتأخرين ، وهو ما يعادل المد الطبيعي ، فإن قال قائل : فإن الإمام الداني قال (في نحو ءأنذرتهم) : وورش يبدلها الْفَا ، نقول هذا معلوم وظاهر للعلماء أنه يراد به المد المشبع ؛ وذلك أولا : لأن صاحب التيسير نفسه الإمام الداني رحمه الله ذكر في كتابه التحديد في الإتقان والتجويد (ص98) عند الكلام عن المد الطبيعي ومقدار فقال :
((ويقدرونه مقدار ألف إن كان ألفا ، ومقدار ياء إن كان ياءً ، ومقدار واو إن كان واوًا)) .
ثم تكلم عن الأطول من الطبيعي كالذي له سبب همز أو سكون كالمنفصل والمتصل لأصحاب التوسط والبدل (بدل ورش) والعارض للسكون وسماه المتكلف فقال : ((وحقيقة النطق بذلك أن تمد الحروف الثلاثة ضعفي مدهن في الضرب الأول ، والقراء يقدرون ذلك مقدار ألفين إن كان حرف المد ألفا ، ومقدار ياءين إن كان ياءً ، ومقدار واوين إن كان واوًا )) .
وأرى أنه من المحال أن يخالف شراح الشاطبية هذا ؛ لأن الشاطبية ما هي إلا اختصار لكتاب التيسير ومعه بعض الزوائد ، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي رحمه الله :
وَفي يُسْرِهَا التَّيْسِيرُ رُمْتُ اخْتَصَارَهُ ... فَأَجْنَتْ بِعَوْنِ اللهِ مِنْهُ مُؤَمَّلاَ
وَأَلْفَافُهَاً زَادَتْ بِنَشْرِ فَوَائِدٍ ... فَلَفَّتْ حَيَاءً وَجْهَهَا أَنْ تُفَضَّلاَ

فما من شارح إلا ويذهب إلى التيسير ليبين مقصود الشاطبي (ت 590 هـ) في النظم ، وهذا واضح في كل الشروح ، ومنها على سبيل المثال : كنز المعاني للإمام شعلة رحمه الله (ت 656 هــ) (ص 78) ، وإبراز المعاني للإمام أبي شامة رحمه الله (ت 665 هـ) ( ص 139) ، ومن المتأخرين العلامة عبد الفتاح القاضي رحمه الله (ت 1403 هــ) (ص 90) .
ثانيًا : لأن الداني تكلم عن البدل وشبيهه في التيسير (31) فقال : ءالهة / وَشبهه فان أهل الاداء من مشيخة المصريين الآخذين بِرِوَايَة ابي يَعْقُوب عَن ورش يزِيدُونَ فِي تَمْكِين حرف الْمَدّ فِي ذَلِك زِيَادَة متوسطة على مِقْدَار التَّحْقِيق واستثنوا من ذَلِك قَوْله / إسرائيل / حَيْثُ وَقع فَلم يزِيدُوا فِي تَمْكِين الْيَاء فِيهِ واجمعوا على ترك الزِّيَادَة اذا سكن مَا قبل الْهمزَة وَكَانَ السَّاكِن غير حرف مد ولين نَحْو / مسئولا / و / مذءوما / و / القرءان / و / الظمئان / وَشبهه وَكَذَلِكَ ان كَانَت الْهمزَة مجلبة للابتداء نَحْو {اؤتمن} / ائْتِ بقرءان / {ائْذَنْ لي} وَشبهه وَالْبَاقُونَ لَا يزِيدُونَ فِي اشباع حرف الْمَدّ فِيمَا تقدم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق .
فلو كان المقصود بالألف ثلاثة البدل لبين ذلك ونبه عليه كما ذكر وجه توسط البدل فقط لورش ، وإن كان لم يذكر لورش إلا هذا الوجه ، لكن الإمام الشاطبي رحمه الله قال :
وَمَا بَعْدَ هَمْزٍ ثَابِتٍ أَوْ مُغَيَّرٍ ... فَقَصْرٌ وَقَدْ يُرْوَى لِوَرْشٍ مُطَوَّلاَ
وَوَسَّطَهُ قَوْمٌ كَآمَنَ هؤُلَا ... ءِ آلِهَةً آتى لِلإِيمَانِ مُثِّلاَ

فزاد وجهين في البدل هما القصر والإشباع ، ثم استثنى فقال :
سِوى يَاءِ إِسْرَاءِيلَ أَوْ بَعْدَ سَاكِنٍ ... صَحِيحٍ كَقُرْآنٍ وَمَسْئُولاً اِسْأَلاَ
وَمَا بَعْدَ هَمْزِ الْوَصْلِ إيتِ وَبَعْضُهُمْ ... يُؤَاخِذُكُمُ آلآنَ مُسْتَفْهِماً تَلاَ
وَعَادً الأُولى وَابْنُ غَلْبُونَ طَاهِرٌ ... بِقَصْرِ جَمِيعِ الْبَابِ قَالَ وَقَوَّلاَ

فذكر أن بعض أهل الأداء استثنى يؤاخذكم ، وهذا يعني أن البعض الآخر لم يستثنها فأجاز فيها القصر والتوسط ، وهذا ليس صحيحا فإنه قد أُجْمِعَ على قصرها ، ثم قال :
وَعَنْ كُلِّهِمْ بِالْمَدِّ مَا قَبْلَ سَاكِنٍ ... وعِنْدَ سُكُونِ الْوَقْفِ وَجْهَانِ أُصِّلا
أي هذا هو المد اللازم كما قال الجمزوري رحمه الله :
ولازم عن السكون أصلا ... وصلا ووقفا بعد مد طولا
وبناءًا على ما تقدم يتضح للقارئ الكريم أن (ءأنذرتهم) تُقْرَأ برواية ورش من طريق الشاطبية في الوجه المقدم المروي عن المصريين بإبدالها حرف مد مشبعا بمقدار ثلاث ألفات يعني ست حركات ؛ إذ هو من قبيل اللازم ، والوجه الثاني المروي عن البغداديين هو التسهيل ، وقد أشار إلى ذلك الإمام الشاطبي بقوله :
وَقُلْ أَلِفًا عَنْ أَهْلِ مِصْرَ تَبَدَّلَّتْ ... لِوَرْشٍ وَفي بَغْدَادَ يُرْوَى مُسَهَّلاَ
وكذلك قال العلامة ابن الجزري رحمه الله :
ثَانِيهِمَا سَهِّلْ غِنَى حِرْمٍ حَلاَ ... وَخُلْفُ ذِي الْفَتْحِ لَوىَ أَبْدِلْ جَلاَ . خُلْفًا
فقدم وجه الإبدال مع الإشباع لورش من طريق الأزرق .
ثالثًا : هذه مقادير المدود عند الإمام الداني ومن وافقه في المتصل والمنفصل :
ذهب الإمام أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ، وَالْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْبَاذِشِ، وَغَيْرُهُمْ إلى أن للمد أربع مراتب: طولي لورش وحمزة وقدرت بثلاث ألفات كما سبق، وهذا في المتصل والمنفصل معا. الثانية دونها لعاصم وقدرت بألفين ونصف، وهذا في المتصل والمنفصل أيضا.
الثالثة دون الثانية لابن عامر والكسائي وخلف في اختياره وقدرت بألفين فقط وهذا في المتصل والمنفصل كذلك. الرابعة دون الثالثة وقدرت بألف ونصف وهذا في المتصل لقالون ودوري أبي عمرو وابن كثير والسوسي وأبي جعفر ويعقوب.
وأما في المنفصل فلا تتحقق هذه المرتبة إلا لقالون ودوري أبي عمرو على وجه المد لهما.
وانظر النشر (1/316) قال في النشر : وَلَيْسَ بَعْدَ هَذِهِ – يعني فويق القصر - الْمَرْتَبَةِ إِلَّا الْقَصْرُ، وَهُوَ تَرْكُ الْمَدِّ الْعَرَضِيِّ ا.هـ قلت : وهذا لا يكون في المتصل بحال من الأحوال ، مع العلم أن العمل عند العلماء والمحققين من أهل الأداء على ترك الفويقات ؛ فالمتصل ليس فيه إلا الإشباع والتوسط ، والمنفصل ليس فيه إلا القصر والتوسط والإشباع وفقا لمذاهب القراء ، وهذا كما حققه جماعة من العلماء منهم العلامة محمد إبراهيم سالم رحمه الله كما في أول فريدة الدهر .
وما سمعنا بأن أحدا من العلماء جعل كلمة (أأنذرتهم) من قبيل المد المتصل لنسهل وندخل أربع حركات أو ست ، وعلى كل حال هذا كلام إمام المحققين ابن الجزري في النشر (باب الهمزتين من كلمة ، قال : وقد ذكر أمثلة ، آخرها : (( (أَأَشْفَقْتُمْ) فِي الْمُجَادَلَةِ. فَاخْتَلَفُوا فِي تَخْفِيفِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَتَحْقِيقِهَا، وَإِدْخَالِ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا. فَسَهَّلَهَا بَيْنَ الْهَمْزَةِ وَالْأَلِفِ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالُونُ، وَرُوَيْسٌ، وَالْأَصْبَهَانِيُّ، عَنْ وَرْشٍ، وَاخْتُلِفَ عَنِ الْأَزْرَقِ عَنْهُ، وَعَنْ هِشَامٍ. أَمَّا الْأَزْرَقُ فَأَبْدَلَهَا عَنْهُ أَلِفًا خَالِصَةً صَاحِبُ " التَّيْسِيرِ "، وَابْنُ سُفْيَانَ وَالْمَهْدَوِيُّ وَمَكِّيٌّ وَابْنُ الْفَحَّامِ وَابْنُ الْبَاذِشِ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الدَّانِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمِصْرِيِّينَ عَنْهُ، وَسَهَّلَهَا عَنْهُ بَيْنَ بَيْنَ صَاحِبُ " الْعُنْوَانِ " وَشَيْخُهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَازِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا ابْنُ شُرَيْحٍ، وَالشَّاطِبِيُّ، وَالصَّفْرَاوِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. فَعَلَى قَوْلِ رُوَاةِ الْبَدَلِ يُمَدُّ مُشْبَعًا (يعني لورش من طريق الأزرق) ؛ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ...الخ .
وَفَصَلَ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ بِأَلِفٍ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَقَالُونُ، وَاخْتُلِفَ، عَنْ هِشَامٍ، فَرَوَى عَنْهُ الْحُلْوَانِيُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ الْفَصْلَ كَذَلِكَ. وَرَوَى الدَّاجُونِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ فَصْلٍ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْبَاقُونَ مِمَّنْ حَقَّقَ الثَّانِيَةَ أَوْ سَهَّلَهَا، وَانْفَرَدَ هِبَةُ اللَّهِ الْمُفَسِّرُ، عَنِ الدَّاجُونِيِّ، عَنْ هِشَامٍ بِالْفَصْلِ كَرِوَايَةِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْهُ، وَانْفَرَدَ بِهِ الدَّاجُونِيُّ عَنْ هِشَامٍ فِي: (أَأَسْجُدُ) ، وَكَذَلِكَ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ غَلْبُونَ، وَالْخُزَاعِيُّ عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، قَالَ ابْنُ الْبَاذِشِ: وَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ.
(قُلْتُ) : وَأَحْسَبُهُ وَهْمًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَقِيَ حَرْفٌ وَاحِدٌ يُلْحَقُ بِهَذَا الْبَابِ فِي قِرَاءَةِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَهُوَ (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) فِي يس، يَقْرَؤُهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّسْهِيلِ وَإِدْخَالِ أَلِفٍ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (1/ 363 ، 364) .
وقد ذكر العلامة القاضي تتمة مهمة في الوافي (ص 91) فقال :
لا يقال إن المد حين إدخال ألف الفصل بين الهمزتين من قبيل المد المتصل باعتبار تحقق حرف المد والهمز في كلمة واحدة ؛ لأنا نقول إن هذه الألف عارضة أتي بها في قراءة البعض لمجرد الفصل بين الهمزتين ، وتركت في قراءة البعض الآخر ؛ فنظرًا لعروضها في الكلمة في بعض قراءاتها لا يكون المد فيها من قبيل المد المتصل ، والله تعالى أعلم .
فضلًا عن أن سيدي الإمام المارغني التونسي رحمه الله (ت : 1349هـ) قال في كتابه (النجوم الطوالع على الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع) (ص 54) ، (وهو من أشهر كتب قراءة الإمام نافع في المغرب) :
((والوجهان مقروء بهما (أي لقالون : التسهيل فقط والتسهيل مع الإدخال) ، والمقدم المد ، وهو في جميع ذلك طبيعي بمقدار ألف على ما عليه جمهور أهل الأداء ، وحكى بعضهم الإجماع عليه وبه جرى عملنا ، ووجهه عدم الاعتداد بهذه الألف لعروضها وضعف سببية الهمز عن السكون ، وذهب جماعة إلى أن المد في ذلك متصل ، وهو خلاف المعول عليه .)) ا هــ .
رابعًا : البيت الذي استدل به الشيخ الفاضل للإمام الشاطبي رحمه الله :
وَإِنْ حَرْفُ مَدٍّ قَبْلَ هَمْزٍ مُغَيَّرٍ ... يَجُزْ قَصْرُهُ وَالْمَدُّ مَا زَالَ أَعْدَلاَ
هذا الشاهد ليس في محله ؛ فقد جاء هذا البيت في باب الهمزتين من كلمتين ، وقد أشار إلى هذا القاعدة أيضا الإمام ابن الجزري في طيبته في باب المد والقصر فقال :
وَالْمَدُّ أَوْلَى إِنْ تَغَيَّرَ السَّبَبْ * * * وَبَقِيَ اْلأَثَرُ أَوْ فَاقْصُرْ أَحَبْ
وهي تغير سبب المدّ سواء كان همزًا أو سكونا ، أما الهمز ففي الهمزتين من كلمتين ، نحو :- (هَـؤُلاء إِن) (البقرة : 31) قرأ قالون والبزي بتسهيل الهمزة الأولى - بين الهمز وبين الياء المدية - مع المد والقصر ، والهمز هو سبب المد ، وقد تغير الهمز بالتسهيل ، وبقي أثر الهمز حينئذ يكون المدّ مقدما وأولى لهما من القصر ، وقرأ أبو عمرو وقنبل ورويس بخلف عنهما بإسقاط الهمزة الثانية ، فعندهم يكون القصر مقدما وأولى ، وهذا معنى قوله :- ((أَوْ فَاقْصُرْ أَحَبْ)) أي القصر أولى لزوال أثر الهمز ،
وانظر : كنز المعاني للإمام شعلة رحمه الله (ت 656 هــ) (ص 80 ، 81) ، وإبراز المعاني للإمام أبي شامة رحمه الله (ت 665 هـ) ( ص 143) ، ومن المتأخرين العلامة عبد الفتاح القاضي رحمه الله (ت 1403 هــ) (ص 95) .
وكذلك تصح هذه القاعدة في وقف حمزة على :- (السُّفَهَاءُ) فالتسهيل بالروم مع المد أولى ، وعند الوقف بالإبدال يكون القصر أولى ، وأما إذا كان سبب المدّ السكون وطرأ تغيير للوصل في نحو :- ( الــم . اللَّهُ) (آل عمران : 2،1) فيكون لجميع القراء - إلا أبا جعفر – وجهان ؛ الأول : فتح الميم مع المدّ ؛ للأصل وعدم الاعتداد بعارض التحريك ، الثاني :- فتح الميم مع القصر ؛ للاعتداد بعارض التحريك وهو أولى، قال في النشر :- وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِوَرْشٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلى النَّقْلِ فِي (الم . أَحَسِبَ) (العنكبوت : 2،1) الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ بِالْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ . وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَرْكِ الْمَدِّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَّاسُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَيْرُونَ الْقَيْرَوَانِيُّ، عَنْ أَصْحَابِهِمَا، عَنْ وَرْشٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: وَالْوَجْهَانِ جَيِّدَانِ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَيْضًا أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمَهْدَوِيُّ . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ طَاهِرُ بْنُ غَلْبُونَ فِي " التَّذْكِرَةِ ": وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ حَسَنٌ غَيْرَ أَنِّي بِغَيْرِ مَدٍّ قَرَأْتُ فِيهِمَا، وَبِهِ آخُذُ. (قُلْتُ) (ابن الجزري) : إِنَّمَا رُجِّحَ الْقَصْرُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ السَّاكِنَ ذَهَبَ بِالْحَرَكَةِ (النشر :1/360،359) ، ونقول لو كانت هذه القاعدة تنطبق على مقدار الإدخال في نحو : (أأنذرتهم) لذكر ذلك الداني أو ابن الجزري أو الشاطبي أو غيرهم من أهل الأداء ، ولم ينقل إلينا شيء من هذا ، بل ثبت القصر فقط كما تقدم ؛ ولأن الألف المدخلة في (أأنذرتهم) ليست من قبيل المد المتصل ؛ لأنها عارضة كما سبق .
وخلاصة القول إنه لم يثبت عن أبي عمرو أنه سهل وأدخل بمقدار أربع حركات أو ست حركات في الهمزتين من كلمة في نحو : (أأنذرتهم) ؛ وإنما ثبت التسهيل وإدخال ألف واحدة فقط تمد بمقدار حركتين تحقيقًا من كتب أهل الأداء ، وبهذا قرأت على شيوخي الكرام ، والله أعلم .
وإذا كان ذلك كذلك فإننا نقول للشيخ الفاضل حفظه الله : من أين جاء هذان الوجهان في نحو (ءأنذرتهم) لأبي عمرو ، أعني التسهيل مع إدخال ألف بمقدار أربع حركات أو بمقدار ست حركات ؟!
حتى وإن قرأ بعض الشيوخ في المغرب بأحد هذين الوجهين (الإدخال مع التوسط أو الإشباع) فلا بد من مستند صحيح يدل على تواتره وصحة نقله إلى الإمام ابن الجزري أو الإمام الشاطبي أو الإمام الداني من كتبهم ؛ لأنه لا يصح أن نقرأ من طرقهم إلا بما قرأوا به ، وإلا لَفُتِحَ الباب على مصراعيه لإدخال وجوه جديدة لم تثبت عن السلف الصالح ، والعلم شيخ وطالب وكتاب ، ويروي أن ابن مسعود رضي الله عنه قال : القراءة سنة متبعة . نسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه ، وهو سبحانه الأعلم بالصواب .



2 – مقدار المد لورش من طريق الشاطبية في كلمة (أَأَلِدُ) (هود : 72) ، وكلمة (أأمنتم) (الملك : 16) ، وهل هذا مد بدل ؟
أولا : ما هو مد البدل ؟
هُوَ إِطَالَةُ الصَّوْتِ بِحَرفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمَدِّ الثَّلاثَةِ إِذَا كَانَ مُبْدَلاً بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ هَمْزٌ قَبْلَ حَرْفِ الْمَدِّ ، الأَمْثِلَةُ :  آمَنُواْ ، إِيمَاناً ، أُوتُواْ.وَسُمِّيَ بَدَلاً لإبْدَالِ حَرْفِ الْمَدِّ مِنَ الْهَمْزِ فَإِنَّ أَصْلَ ءَامَنَ : ( أَأْمَنَ ) بِهَمْزَتَيْنِ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ مَدًّا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا ، وَأَصْلُ إِيمَانًا : ( إِئْمَانًا ) بِهَمْزَتَيْنِ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ مَدًّا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا، وَأَصْلُ أُوتُوا : ( أُؤْتُوا ) بِهَمْزَتَيْنِ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ مَدًّا مِنْ جِنْسِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا .
،وَحُكْمُهُ الْقَصْرُ أَيِ الْمَدَّ بِمِقْدَارِ حَرَكَتَيْنِ لكل القراء إلا ورشًا من طريق الأزرق ؛ فإن له القصر والتوسط والإشباع
قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ :-
أَوْ قُـدِّمَ الْهَمْـزُ عَلَى المَـدِّ وَذَا .... بَـدَلْ كَآمَـنُـوا وَإِيمَـانًـا خُـذَا
قَالَ شَيْخُنَا د.سَعِيدُ بْنُ صَالِحٍ حَفِظَهُ اللهُ : " كَانَ مِنَ الأَوْلَى أَنْ يَقُولَ :
أَوْ أُبْدِلَ الْهَمْزُ حَرْفَ مَدٍّ وَذَا ....... بَـدَلْ كَآمَـنُـوا وَإِيمَـانًـا خُـذَا "
لِأَنَّهُ هُنَاكَ مِنَ الْكَلِمَاتِ مَا يَكُونُ هَمْزُهُ أَصْلِيًّا وَلَيْسَ مُبْدَلاً نَحْوَ : الْقُرْءَانَ كَمَا سيَأتِي فِي هَذِهِ التّتِمَّةٌ الْمُهِمَّةِ : هُنَاكَ مَدٌّ يُشْبِهُ مَدَّ الْبَدَلِ وَهُوَ مَا كَانَ حَرْفُ الْمَدِّ الْوَاقِعِ فِيهِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ لَيْسَ مُبْدَلاً مِنْ هَمْزَةٍ بَلْ هُوَ أَصْلِيٌّ نَحْوُ : مَئَابٍ ، لَيَئُوسٌ ، الْقُرْءَانَ ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ مِنْ حَيْثُ الْقَصْرُ وَصْلاً لكل القراء إلا ورشا من طريق الأزرق ، وَأَمَّا مَئَابٍ ، لَيَئُوسٌ ، الْقُرْءَانَ وَقْفًا فَتأْخُذُ حُكْمَ الْعَارِضِ لِلسُّكُونِ ، وقد تقدم النقل عن الإمام الداني في مد البدل فلا حاجة لإعادته ، وقال الإمام ابن الجزري رحمه الله في باب المد :
............................. وَأَزْرَقٌ إِنْ بَعْدَ هَمْزٍ حَرْفُ مَدْ
مُدَّ لَهُ وَاقْصُرْ وَوَسِّطْ كَنَأَى * * * فَاْلآنَ أُوتُوا إِيْ ءَءَامَنْتُمْ رَأَى

وما سمعنا بأن (أألد) من قبيل البدل كما قال الشيخ حفظه الله ، لأن همزة (ألد) من الأحرف الأربعة الزائدة في المضارع المجموعة في قول النحاة (أنيت) ، وجاء في كتاب الأفعال لابن القَطَّاع الصقلي : ولد: و "وَلَدتُ" كلَّ أنثى ولادة وولاداً (3/298) فلو قلنا إن (أألد) بدل لكانت الهمزة الأولى فيه أصلية والثانية مبدلة ، وبالتالي يقرأه جميع القراء كآمن أوتوا هكذا : (آلد) ، ولكن الحق الذي لا مرية فيه أن الهمزة الأولى همزة استفهام ، والثانية همزة المضارعة الزائدة ، ألا ترى كلمة (لَعِبَتْ) مثلا يقول المتكلم في المضارع (ألعبُ) ونعربها : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا ، وهكذا (وَلَدَتْ) فعل ماض ، وكذلك يقول المتكلم في المضارع (أَلِدُ) ثم تدخل همزة الاستفهام التعجبي فتصير : (أَأَلِدُ) فلا قائل بأن هذا من قبيل البدل .
وقد تقدم النقل عن الإمام الداني رحمه الله بالإبدال لورش :
((اعْلَم انهما اذا اتفقتا بِالْفَتْح نَحْو / ءأنذرتهم / و / ءأنتم أعلم / و / ءأسجد / وَشبهه فإن الحرميين وأبا عَمْرو وهشاما يسهلون الثَّانِيَة مِنْهُمَا وورش يبدلها الْفَا وَالْقِيَاس ان تكون بَين بَين ...الخ .)) وقد قال الشيخ المغربي الكريم إن الإمام الداني لم يذكر التسهيل ، وأقول : هذا خطأ لأنه قد ذكر التسهيل بقوله : فإن الحرميين وأبا عَمْرو وهشاما يسهلون الثَّانِيَة مِنْهُمَا ، ومعلوم أن الحرميين – من طريق التيسير والشاطبية – هما نافع بتمامه وابن كثير بتمامه أيضًا ، وكذلك في باب الهمزتين من كلمتين قال : الإمام الداني ذكر التسهيل فقط في التيسير ولم يذكر الإبدال ، وأقول نعم ولكنه ذكره في كتاب جامع البيان وَقَالَ: إِنَّهُ الَّذِي رَوَاهُ الْمِصْرِيُّونَ عَنْهُ أَدَاءً. ثُمَّ قَالَ: وَالْبَدَلُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، وانظر النشر (1/384 ، 385) فليس معنى عدم وجود نص أن نجتهد فنثبت وجوها لم يقرأ بها الأولون .
ونعود إلى كلام الداني هنا فنلاحظ دقة اختيار الإمام الداني للأمثلة ؛ فكل الأمثلة : (ءَأَنْذرتهم / و / ءَأَنْتم أعلم / و / ءَأَسْجد) لهمزتين مفتوحتين بعدهما ساكن ، وهذا فيه الإشباع للساكن اللازم ، كما تقدم ، وقال ابن الجزري في الطيبة : (( وَأَشْبِعِ الْمَدَّ لِسَاكِنٍ لَزِمْ ))
نعم لم يذكر الإمام الداني (أَأَلِدُ) (هود : 72) ، (أأمنتم) (الملك : 16) ؛ لندرتهما في القرآن الكريم ، والتيسير ما هو إلا كتاب مختصر في القراءات السبع ، فضلا عن أن القاعدة تقول لا يطول حرف المد إلا لساكن أو همز ، وهذه لام متحركة فلا سبب للتوسط أو الإشباع ، ومن الموافقات القدرية أن العلامة الشيخ عبد الفتاح القاضي نبه على ذلك في الوافي (84 ، 85) :((وإن كان بعد الهمزة المبدلة ألف متحرك ، وذلك في موضعين فقط (أَأَلِدُ) في هود ، (أأمِنتم) في الملك مدت الألف المبدلة من الهمزة مدًا أصليًا بمقدار حركتين ، ولا يصح أن يجعل مدها من قبيل مد البدل ؛ نظرًا لعروض حرف المد بسبب الإبدال . )) ا هـــ .
، وكذلك في البدور الزاهرة (ص 188) .
كما نبه على ذلك العلامة البنا الدمياطي في إتحاف فضلاء البشر (1/324) فقال :
((وقرأ "أألِدُ" بتسهيل الثانية وإدخال ألف قالون وأبو عمرو وأبو جعفر وهشام من طريق الحلواني غير الجمال, وقرأ ورش وابن كثير ورويس بتسهيلها بلا ألف ، وللأزرق وجه ثان وهو إبدالها ألفا مع القصر فقط ؛ لعروض حرف المد بالإبدال وضعف السبب بتقدمه ...إلخ))
وكذلك قال العلامة محمد إبراهيم سالم في فريدة الدهر(3/76) في (ءألد) :
وللأزرق وجه ثان وهو إبدالها ألفا مع القصر , لعروض حرف المد بالإبدال وضعف السبب بتقدم الهمز ، والأسهل أن يقال للالتقاء بمتحرك .)) اهــ
وما قال العلماء المذكورون هذا إلا اتباعًا لكلام إمام هذا الفن العلامة ابن الجزري رحمه الله في النشر ، وقد قدمت كلامهم عليه اضطرارًا اتمامًا للفائدة ، قال رحمه الله :
((تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ الْمَدِّ حَرْفُهُ، وَأَنَّ سَبَبَهُ مُوجِبُهُ.
(فَالشَّرْطُ) قَدْ يَكُونُ لَازِمًا فَيَلْزَمُ فِي كُلِّ حَالٍ نَحْوُ: (أُولَئِكَ، وَقَالُوا آمَنَّا، وَالْحَاقَّةُ) أَوْ يَرِدُ عَلَى الْأَصْلِ نَحْوُ: (وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، بِهِ إِلَيْكُمْ) . وَقَدْ يَكُونُ عَارِضًا فَيَأْتِي فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ نَحْوُ (مَلْجَأً) حَالَةَ الْوَقْفِ، أَوْ يَجِيءُ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ نَحْوُ (أَأَنْتُمْ) عِنْدَ مَنْ فَصَلَ، وَنَحْوُ (أَأَلِدُ، أَأَمِنْتُمْ مَنْ، وَمِنَ السَّمَاءِ إِلَى) عِنْدَ مَنْ أَبْدَلَ الثَّانِيَةَ، وَقَدْ يَكُونُ ثَابِتًا فَلَا يَتَغَيَّرُ عَنْ حَالَةِ السُّكُونِ، وَقَدْ يَكُونُ مُغَيَّرًا نَحْوُ (يُضِيءُ) ، وَ (سُوءَ) فِي وَقْفِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ، وَقَدْ يَكُونُ قَوِيًّا فَتَكُونُ حَرَكَةُ مَا قَبْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا فَيُخَالِفُ حَرَكَةَ مَا قَبْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ. وَكَذَلِكَ السَّبَبُ قَدْ يَكُونُ لَازِمًا نَحْوُ (أَتُحَاجُّونِّي)
وَ (إِسْرَائِيلَ) ، وَقَدْ يَكُونُ عَارِضًا نَحْوُ (وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ) حَالَةَ الْإِدْغَامِ وَالْوَقْفِ وَ (اؤْتُمِنَ) حَالَةَ الِابْتِدَاءِ. وَقَدْ يَكُونُ مُغَيَّرًا نَحْوُ (الم اللَّهُ حَالَةَ الْوَصْلِ) وَ (هَؤُلَاءِ إِنْ) حَالَةَ الْوَصْلِ عِنْدَ الْبَزِّيِّ وَأَبِي عَمْرٍو وَحَالَةَ الْوَقْفِ عِنْدَ حَمْزَةَ، وَقَدْ يَكُونُ قَوِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا، وَالْقُوَّةُ وَالضَّعْفُ فِي السَّبَبِ يَتَفَاضَلُ، فَأَقْوَاهُ مَا كَانَ لَفْظِيًّا، ثُمَّ أَقْوَى اللَّفْظِيِّ مَا كَانَ سَاكِنًا أَوْ مُتَّصِلًا وَأَقْوَى السَّاكِنِ مَا كَانَ لَازِمًا، وَأَضْعَفُهُ مَا كَانَ عَارِضًا. وَقَدْ يَتَفَاضَلُ عِنْدَ بَعْضِهِمْ لُزُومًا وَعُرُوضًا، فَأَقْوَاهُ مَا كَانَ مُدْغَمًا كَمَا تَقَدَّمَ وَيَتْلُو السَّاكِنَ الْعَارِضَ مَا كَانَ مُنْفَصِلًا، وَيَتْلُوهُ مَا تَقَدَّمَ الْهَمْزُ فِيهِ عَلَى حَرْفِ الْمَدِّ، وَهُوَ أَضْعَفُهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: اللَّفْظِيُّ أَقْوَى مِنَ الْمَعْنَوِيِّ؛ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ السَّاكِنُ أَقْوَى مِنَ الْهَمْزِ ; لِأَنَّ الْمَدَّ فِيهِ يَقُومُ مَقَامَ الْحَرَكَةِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ النُّطْقِ بِالسَّاكِنِ بِحَقِّهِ إِلَّا بِالْمَدِّ ; وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى مَدِّهِ قَدْرًا وَاحِدًا، وَكَانَ أَقْوَى مِنَ الْمُتَّصِلِ لِذَلِكَ، وَكَانَ الْمُتَّصِلُ أَقْوَى مِنَ الْمُنْفَصِلِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى مَدِّهِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ، وَلِاخْتِلَافِهِمْ فِي مَدِّ الْمُنْفَصِلِ وَقَصْرِهِ وَكَانَ الْمُنْفَصِلُ أَقْوَى مِمَّا تَقَدَّمَ فِيهِ الْهَمْزُ لِإِجْمَاعِ مَنِ اخْتَلَفَ فِي الْمَدِّ بَعْدَ الْهَمْزِ عَلَى مَدِّ الْمُنْفَصِلِ، فَمَتَى اجْتَمَعَ الشَّرْطُ وَالسَّبَبُ مَعَ اللُّزُومِ وَالْقُوَّةِ لَزِمَ الْمَدُّ وَوَجَبَ إِجْمَاعًا، وَمَتَى تَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا أَوِ اجْتَمَعَا ضَعِيفَيْنِ، أَوْ غُيِّرَ الشَّرْطُ أَوْ عَرَضَ وَلَمْ يَقْوَ السَّبَبُ - امْتَنَعَ الْمَدُّ إِجْمَاعًا، وَمَتَى ضَعُفَ أَحَدُهُمَا، أَوْ عَرَضَ السَّبَبُ، أَوْ غُيِّرَ - جَازَ الْمَدُّ وَعَدَمُهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنِهِمْ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي مُفَصَّلًا، وَمَتَى اجْتَمَعَ سَبَبَانِ عُمِلَ بِأَقْوَاهُمَا، وَأُلْغِيَ أَضْعَفُهُمَا إِجْمَاعًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْجَعْبَرِيِّ: إِنَّ الْقَوِيَّ يَنْسَخُ حُكْمَ الضَّعِيفِ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ مَسَائِلُ:
(الْأُولَى) : لَا يَجُوزُ مَدُّ نَحْوِ (خَلَوْا إِلَى، وَابْنَيْ آدَمَ) كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ لِضَعْفِ الشَّرْطِ بِاخْتِلَافِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهُ وَالسَّبَبُ بِالِانْفِصَالِ، وَيَجُوزُ مَدُّ نَحْوِ (سَوْءَةَ، وَهَيْئَةٌ) لِوَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِقُوَّةِ السَّبَبِ بِالِاتِّصَالِ كَمَا يَجُوزُ مَدُّ " عَيْنٍ " وَ " هَذَيْنِ " فِي الْحَالَيْنِ وَنَحْوِ: الْمَوْتِ، وَاللَّيْلِ وَقْفًا لِقُوَّةِ السَّبَبِ بِالسُّكُونِ.
(الثَّانِيَةُ) : لَا يَجُوزُ الْمَدُّ فِي وَقْفِ حَمْزَةَ وَهِشَامٍ عَلَى نَحْوِ (وَتَذُوقُوا السُّوءَ، وَحَتَّى تَفِيءَ) حَالَةَ النَّقْلِ إِنْ وُقِفَ بِالسُّكُونِ؛ لِتَغَيُّرِ حَرْفِ الْمَدِّ بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ إِذْ ذَاكَ حَرْفُ مَدٍّ قَبْلَ هَمْزٍ مُغَيَّرٍ ; لِأَنَّ الْهَمْزَ لَمَّا زَالَ حُرِّكَ حَرْفُ الْمَدِّ، ثُمَّ سَكَنَ حَرْفُ الْمَدِّ لِلْوَقْفِ، وَأَمَّا قَوْلُ السَّخَاوِيِّ: وَتَقِفُ عَلَى (الْمُسِيءُ) بِإِلْقَاءِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْيَاءِ وَحَذْفِ الْهَمْزَةِ، ثُمَّ تُسْكِنُ الْيَاءَ لِلْوَقْفِ وَلَا يَسْقُطُ الْمَدُّ ; لِأَنَّ الْيَاءَ وَإِنْ زَالَ سُكُونُهَا فَقَدْ عَادَ إِلَيْهَا - فَإِنْ أَرَادَ الْمَدَّ الَّذِي كَانَ قَبْلَ النَّقْلِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَدِّ الطَّبِيعِيِّ فَلَيْسَ بِجَيِّدٍ ; لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي إِسْقَاطِهِ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَدَّ الَّذِي هُوَ الصِّفَةُ اللَّازِمَةُ قَدْ عَادَ إِلَى الْيَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَالَةَ حَرَكَتِهَا بِالنَّقْلِ فَمُسَلَّمٌ ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِثْلَ (هُوَ وَهِيَ) فِي الْوَقْفِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ: (وَهُوَ بِكُلِّ، وَهِيَ تَجْرِي) ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي (لِيَسُوءُوا) ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ)) .
ثم قال ابن الجزري رحمه الله :
(( لَا يَجُوزُ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مَدُّ نَحْوِ (أَأَلِدُ، أَأَمِنْتُمْ مَنْ، وَ " جَاءَ أَجَلُهُمْ "، وَ " السَّمَاءِ إِلَى "، وَ " أَوْلِيَاءَ أُولَئِكَ ") حَالَةَ إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ حَرْفَ مَدٍّ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ مَدُّ نَحْوِ (آمَنُوا، وَإِيمَانٌ) وَأُوتِيَ لِعُرُوضِ حَرْفِ الْمَدِّ بِالْإِبْدَالِ، وَضِعْفِ السَّبَبِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الشَّرْطِ، وَقِيلَ: لِلتَّكَافُؤِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْدَالَهُ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَالْمَدُّ أَيْضًا غَيْرُ الْأَصْلِ، فَكَافَأَ الْقَصْرَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فَلَمْ يُمَدَّ، وَيَرِدُ عَلَى هَذَا طَرْدًا نَحْوُ (مَلْجَأً) فَإِنَّ إِبْدَالَ أَلِفِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَقَصْرِهِ إِجْمَاعٌ، وَيَرِدُ عَلَيْهِ عَكْسًا نَحْوُ (أَأَنْذَرْتَهُمْ، وَجَاءَ أَمْرُنَا) فَإِنَّ إِبْدَالَ أَلِفِهِ عَلَى غَيْرِ الْأَصْلِ وَمَدِّهِ إِجْمَاعٌ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْعَ مَدِّهِ مِنْ ضَعْفِ سَبَبِهِ لِيَدْخُلَ نَحْوُ (مَلْجَأً) لِضَعْفِ السَّبَبِ، وَيَخْرُجُ نَحْوُ (أَأَنْذَرْتَهُمْ) لِقُوَّتِهِ . )) النشر (1/352) .
توضيح لكلام ابن الجزري رحمه الله
1- سبب المد إما أن يكون لفظيا أو معنويا ، والسبب اللفظي كما هو مشهور موقوف على همز أو سكون مسجلا .
2- شرط المد هو حروف المد واللين الثلاثة : الواو المضموم ما قبلها ، والألف المفتوح ما قبلها ، والياء المكسور ما قبلها ، كذا حرفا اللين : الواو والياء الساكنتان المفتوح ما قبلهما . وقد جمع ذلك الشيخ الجمزوري رحمه الله فقال في التحفة :
وَالآخَرُ الْفَرْعِـيُّ مَوْقُوفٌ عَلَى ... سَبـَبْ كَهَمْزٍ أَوْ سُكُونٍ مُسْجَلاَ
حُــرُوفُـهُ ثَـلاَثَـةٌ فَعِيـهَا ... مِنْ لَفْظِ وَايٍ وَهْيَ فِي نُوحِيهَا
وَالْكَسْرُ قَبْلَ الْيَا وَقَبْلَ الْوَاوِ ضَـمْ ... شَــرْطٌ وَفَتْحٌ قَبْلَ أَلِفٍ يُلْتَزَمْ
وَالِّلينُ مِنْهَا الْيَا وَوَاوٌ سُكِّنَا ... إِنِ انْفِتَـاحٌ قَبْـلَ كُــلٍ أُعْلِنَـا

3-
(أَأَلِدُ) (هود : 72) ، (أأمنتم) (الملك : 16) :
شرط المد متحقق : وهو أن الهمزة الثانية من كلا الكلمتين (أَأَلِدُ) ، (أأمنتم) أبدلت ألفًا مدية ، وقد سبقت بحرف مفتوح (أَ) ، وأما سبب المد فغير موجود أو ضعيف ؛ وذلك لتحريك اللام ؛ فهو مد طبيعي لا يزيد على حركتين . والله أعلم .

وفي باب المد والقصر في سياق الكلام عن (آلآن) (يونس : 51 ، 91) قال الإمام ابن الجزري :
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِبْدَالِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْهَا الْأَلِفُ الْأُولَى وَفِي تَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ، إلى أن قال : وعلى الْقَوْلِ الْآخَرِ بِجَوَازِ الْبَدَلِ يَلْتَحِقُ بَابَ (آنْذَرْتَهُمْ، وَآلِدُ) لِلْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ، فَيَجْرِي فِيهَا حُكْمُ الِاعْتِدَادِ بِالْعَارِضِ، فَيُقْصَرُ مِثْلُ (أَأَلِدُ) وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ فَيُمَدُّ كَـ (آنْذَرْتَهُمْ) وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ (آمَنَ) وَشِبْهِهِ، فَذَلِكَ لَا يَجْرِي فِيهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَوَسُطٌ..إلخ)) النشر (1/357 ، 358) .
وقال في باب الهمزتين من كلمة :
((وَأَمَّا الَّذِي بَعْدَهُ مُتَحَرِّكٌ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ فِيهِ فَهُوَ حَرْفَانِ أَحَدُهُمَا (أَأَلِدُ) فِي هُودٍ، وَالْآخَرُ (أَأَمِنْتُمْ) فِي الْمُلْكِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَسْهِيلِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا، وَإِبْدَالِهَا، وَتَحْقِيقِهَا، وَإِدْخَالِ الْأَلِفِ بَيْنَهُمَا عَلَى أُصُولِهِمُ الْمُتَقَدِّمَةِ، إِلَّا أَنَّ رُوَاةَ الْإِبْدَالِ عَنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ وَرْشٍ لَمْ يَمُدُّوا عَلَى الْأَلِفِ الْمُبْدَلَةِ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْمَدِّ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ السَّبَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ مُبَيَّنًا فِي بَابِ الْمَدِّ.)) النشر (1/ 363 ، 364) .
ولا أنسى الإمام العلامة المتولي الملقب بابن الجزري الصغير رحمهما الله ، وكان من كبار علماء القراءات ومن أشد الناس اعتناءً برواية ورش ، وله فيها منظومات كثيرة ، قال في منظومته فتح المعطي وغنية المقري في شرح مقدمة ورش المصري (ص 23) :
وثانية من همزتين بكلمة ... فسهل ، وذات الفتح بالخلف أبدلا
سوى كآمنتم فلا بدل ، وفي ... أئمة الإبدال جاز عن الملا

وشرح ذلك العلامة المتولي رحمه الله فقال: ((يعني إذا اجتمع همزتان في كلمة نحو : (ءأنذرتهم ، ءألد ، ءأمِنتم ، أئفكا ، أئنكم ، أئمة ، أؤنبئكم ، ءأنزل ، ءألقي)) قرأ بتسهيل الهمزة الثانية فيها مطلقًا من غير فصل . ويزاد له في المفتوحة وجه ثان ، وهو إبدالها مدًا ، ويشبعه إن أتى بعده ساكن ، وإلا قصر )) ا هــ .
وانظر : كنز المعاني للإمام شعلة رحمه الله (ت 656 هــ) (ص 73) وفيه ذكر أن الإبدال عن سماع ، وإبراز المعاني للإمام أبي شامة رحمه الله (ت 665 هـ) ( ص 129) ، ومن المتأخرين العلامة عبد الفتاح القاضي رحمه الله (ت 1403 هــ) (ص 95) .
فضلًا عن أن سيدي الإمام المارغني التونسي رحمه الله (ت : 1349هـ) قال في كتابه (النجوم الطوالع على الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع) (ص 53) ، (وهو من أشهر الكتب في المغرب) :
فإذا وقع بعدها متحرك ، وذلك في موضعين أألد بهود ، وأأمنتم بالملك فليس إلا القصر ؛ لعدم الساكن بعدها ، وليست كألف آمنوا لعروضها بالإبدال وضعف السبب بتقدمه على الشرط ، وهذا هو التحقيق الذي قرأنا به وبه نقرئ ، خلافًا لمن جعلها كألف آمنوا فجوز فيها الأوجه الثلاثة )) ا هــ
ومما تقدم يتضح للقارئ الكريم أنه لا يصح لورش في كلمة (أألد) من طريق الأزرق كما في الشاطبية والتيسير والنشر إلا وجهان هما : تسهيل الهمزة الثانية ، وإبدالها حرف مد مع القصر فقط ، وبهذا قرأت ، والحمد لله رب العالمين ، ونقول لفضيلة الشيخ حفظه الله ونفع الله به – من باب الدين النصيحة – من أين جئتم بالوجهين الآخرين اللذين ذكرتَموهما في (أَأَلِدُ) : الإبدال مع التوسط والإشباع ، فإن كان هذا من طريق الشاطبية أو التيسير أو النشر نرجو ذكر المواضع التي حددت هذا الأداء ، والقراءة سنة متبعة ، وَمَا لِقِيَاسٍ فِي الْقِرَاءة مَدْخَلٌ . والله أعلم .

هذا ، وإن اقتنعتم - فضيلتكم - بما نقلت لكم فقبلتموه وأقرأتم به فجزاكم الله خيرا ، وكما قال بعض السلف الصالح : لا تنظروا إلى القائل ، وانظروا إلى قوله ، وإن لم تأخذوا بما رأيناه صوابًا تبقى أخوة الإسلام ، وهذا لا يقدح في علمكم وأدبكم ومقامكم الرفيع عندنا أجمعين ، فأنت من العلماء ونحسبكم كذلك ولا نزكي على الله أحدا ، زادكم الله علمًا وتوفيقًا ، أرجو أن تتقبلوا هذا البحث اللطيف بصدر رحب ، وقد سمعنا عنكم خيرًا كثيرا ، مع انتظاري تصويباتكم ؛ فإن وجدتم خطأً فبينوه لي ؛ لأتعلم من أخطائي – بارك الله فيكم - وأحب الناس إلي من أهدى إليّ عيوبي ، بارك الله فيكم وزادكم من فضله وكرمه ، ونسأل الله أن يجمعنا في جنات النعيم ، وصلّ اللهم وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©