بسم الله الرحمن الرحيم
1- "سَبَّحَ للهِ مَا" فِي : الْكَثِيرْ ... صَفُّ حَدِيدِ بَنِي النَّضِيرْ
"يُسَبِّحُ للهِ مَا" بِلَا تَهَاوُنْ ... فِي الْجُمُعَةِ يَحْدُثُ التَّغَابُنْ
حـَدِيدٌ بِـــ"مَا" وَاحِدَهْ ... هُدِيتَ حُزْهَا فَائِدَهْ
مَاضٍ مُضَارِعٌ مَضَى ... فَسَبِّحَنْ نِلْتَ الرِّضَى
أَوَ مَاضٍ مُضَارعٌ أَمَرْ ... فَسَبِّحَنْ رَبَّ الْبَشَرْ
رُتِّبَ تَوْقِيفًا بِلَا اخْتِلَالِ ... فُسُبْحَانَ رَبِّي ذِي الْجلال
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح أبيات الْمُسَبِّحَات
قال الناظم غفر الله له "سَبَّحَ للهِ مَا" فِي : الْكَثِيرْ" أي أن قول الله تعالى "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا" هي الأكثر في القرآن الكريم مقارنةً مع غيرها من صيغة الماضي والأمر والمصدر ، وذلك في فواتح السور ؛ وتفصيل ذلك أن قول الله تعالى ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)) أول سور الصف والحديد وبني النضير أي الحشر سميت بذلك أيضًا ؛ لما ذكر فيها من قتال يهود بني النضير (ربيع الأول 4 هـ) .
ويلاحظ أن مطلع سورتي الحشر والصف هو ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) بتكرار ((ما)) الموصولية بمعنى الذي ، وأما مطلع سورة الحديد فهو ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) بـ ((ما)) واحدة فقط .
قال الزجاج رحمه الله (ت 311 هـ) : لا اختلاف بين أهل اللغة أن التسبيح هو التنزيه لله تعالى عن كل سوء.
"والتَّسبيح ورد فى القرآن على نحو من ثلاثين وجهاً. ستَّة منها للملائكة، وتسعة لنبينّا محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأَربعة لغيره من الأَنبياء، وثلاثة للحيوانات والجمادات، وثلاثة للمؤمنين خاصّة. وستَّة لجميع الموجودات." (بصائر ذوي التمييز للفيروزأبادي 2/285)) .
"قوله تعالى: {سَبَّحَ للَّهِ} وكذلك فى الحَشْر، والصَّفِّ، ثمّ {يُسَبِّحُ} فى الجمعة والتَّغابن. هذه كلمة استأْثر الله بها، فبدأَ بالمصدر فى بنى إِسرائيل؛ لأَنه الأَصل، ثمّ بالماضى؛ لأَنَّه أَسبق الزَّمانين، ثمَّ بالمستقبل، ثم بالأَمر فى سورة الأَعلى؛ استيعاباً لهذه الكلمة مِن جميع جهاتها. وهى أَربع: المصدر، والماضى، والمستقبل، والأَمر للمخاطب.
قوله: {مَا فِي السماوات والأرض} وفى السّور الخمس {مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} إِعادة (ما) هو الأَصل. وخُصّت هذه السّورة بالحذف؛ موافقة لما بعدها. وهو {خَلْقُ السماوات والأرض} وبعدها {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} ، لأَنَّ التَّقدير فى هذه السّورة: سبّح لله خَلْق السماوات والأَرض. ولذلك قال فى آخر الحشر بعد قوله: {الخالق البارىء المصور} {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض} أَى خَلْقُها." كذا قال الفيروزأبادي رحمه الله (817 هـ) (بصائر ذوي التمييز للفيروزأبادي 1/454) ، قلت (الشرقاوي) : وهو نفس كلام الكرماني رحمه الله (ت 505 هـ) في أسرار التكرار (1 / 232 ، 233) .
قول الناظم "يُسَبِّحُ للهِ مَا" بِلَا تَهَاوُنْ"
أي يسبح لله كل المخلوقات كما أخبر سبحانه في أول سورتي الجمعة والتغابن : ((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)) ، "بلا تَهَاوُنْ" أي بلا تساهل يقال "هان عليه ذلك: سَهُلَ ، وتهاونت به، واستهنت به استهانةً. (أساس الزمخشري (ت 538 هـ) 2/383) ، وفي الذكر الحكيم ((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )) أي أن الإِعادة أهون عليه من البداية، وكُلُّ هيِّنٌ عليه، قاله مجاهد (ت 104 ساجدًا) ، وأبو العالية (ت 90 هـ) .(زاد المسير لابن الجوزي (ت 597 هـ) 3/420).
فكل ما في الكون يسبح لله كما قال سبحانه : ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)) (الإسراء 44) ، ولا يتساهلون في تنفيذ أمر الله بالتسبيح ، فهم مجبولون على الطاعة إلا من عصى من الإنس والجن فهو شاذ مخالف لما حوله في الكون ، حتى قيل إن الكافر يسجد للصنم وظله يسجد للصمد ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )) ، وسواء كان المقصود بالسجود امتثالَ الأمر أو سجود بأسلوب لا نعلمه ولا تطيقه عقولنا القاصرة ، أو هما معًا ، نقول ما يبدو لنا ونراه بأعيننا أن تسبيحَ الشمس الشروق والغروب وتسبيحَ المؤمن توحيدُ علام الغيوب" ، والله أعلم .
ثم قال وفقه الله " فِي الْجُمُعَةِ يَحْدُثُ التَّغَابُنْ" أي إذا جاء يوم الجمعة فإن التغابن يقع فيه أكثر الناس ، من الغَبْنِ ، وهو فوْتُ الحظِّ أو ضعفُ الرأي ، كما قال الله تعالى عن يوم القيامة ((يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ)) (التغابن 9) ، وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ)) .رواه البخاري (6412) (8/88) .
وهذا واقع مشاهد فإن أكثر الناس ينامون نهار الجمعة لاتخاذه عطلة في أكثر الدول الإسلامية ، وليس هناك نص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونه عيدًا ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» . حسن رواه ابن ماجه (1098) (1/349) ، والطبراني في الأوسط (7355) (7/230) وغيرهما .
؛ فعن عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ (ت 68 هـ) : {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ» . صحيح رواه الترمذي (3044) (5/250) ومحمد بن نصر المَرْوَزِي في تعظيم قدر الصلاة (354) (1/352) وغيرهما ، ويُروَى مثلُه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ت 23 هـ) ، وهل يلزم من الأعياد تعطيل الأعمال ؟! وقد قال الله تعالى في يوم الجمعة : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (الجمعة 9) فأثبت انشغال المؤمنين بالبيع والشراء قبل أذان الجمعة ، ثم قال عز وجل : ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (الجمعة 10) فحث على مواصلة العمل باجتهاد بعد صلاة الجمعة ؛ لأن الإسلام دين العمل : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (التوبة 105) .
وكذلك يُغْبَنُ الكثير بإغفالهم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضيعون فضلا عظيمًا ونورا مبينا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» . صحيح رواه أبو داود (1047) (1/275) والنسائي (1374) (3/91) وغيرهما .
وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ» ، قَالَ أُبَيٌّ (ابن كعب رضي الله عنه ت 30هـ) : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» . قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» . حسن رواه الترمذي (2457) (4/636) ومحمد بن نصر المَرْوَزِي في قيام الليل (1/95) وغيرهما .
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» . رواه مسلم (384) (1/288) .
قال الناظم عفا الله عنه : ((الْحـَدِيدُ بِـــ"مَا" وَاحِدَهْ))
أي كما تقدم افتتحت سورة الحديد بـ ((ما)) واحدة فقط : ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))
ثم قلت : ((هُدِيتَ هَذِهِ فَائِدَهْ)) دعاء للقارئ الكريم بالهداية ، ولزوم السراط المستقيم ، هذه فائدة لئلا تلتبس عليك الأمور فتخلط بين سورة الحديد وسورتي الصف والحشر ، ورَسَمْتُ ((فَائِدَهْ)) بالهاء بلا نقط للفظ والوزن .
ثم قلت : ((مَاضٍ مُضَارِعٌ مَضَى ... فَسَبِّحَنْ نِلْتَ الرِّضَى))
أو ((أَوَ مَاضٍ مُضَارعٌ أَمَرْ ... فَسَبِّحَنْ رَبَّ الْبَشَرْ))
وهذا ترتيب عجيب فإن المصدر جاء أولا في سورة الإسراء أو بني إسرائيل ، و" "سبحانَ" علم جنس للتنزيه والتقديس وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحانه أو سبحت الله سبحان أي فهو مفعول مطلق – مصدر - ومعناه ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص ولذا لا يستعمل إلا فيه تعالى ".(إعراب القرآن لمحيي الدين درويش (1/81) ، (5/388)) .
وقد ذهب نحاة البصرة إلى أن المصدر هو الأصل ، وأن الفعل مشتق منه ؛ لأن المصدر يدل على حدث بمعنى ثابت في ذاته غيرَ مقترن بزمن ، وأما الفعل فهو يدل على حدث وزمان مخصوص، فكان مشتقا وفرعا على المصدر كلفظ: ضارب ومضروب، ولأن المصدر له معنى واحد ، بخلاف الفعل إذ تتعدد معانيه بتعدد أزمنته ، والاشتقاق يراد لتكثير المعاني . إلى غير ذلك من الأدلة ، وهو القول الراجح خلافا لنحاة الكوفة الذين ذهبوا إلى العكس . (انظر مسائل خلافية في النحو للعُكْبُري ت 616 هـ - المسألة السادسة) .
ثم يلي المصدرَ في الرتبة الفعلُ الماضي ثم المضارع ثم الأمر
"والماضي يحصل قبل أن تتكلم ، وأما المضارع فزمنه الحال والاستقبال فهو يضارع لحظة التكلم ويمتد لما بعدها ، وقالوا إن من أسباب تسميته مضارعا أيضًا أنه يضارع الاسم ، فنجد أن المضارع حركاته وسكناته مثل حركات وسكنات الاسم يعني اسم الفاعل من نفس المادة ، يضرب تصير ضارب ، يض متحرك وساكن ، وضا متحرك وساكن ، رِب : رِب هي نفسها ، فضارع الاسم في الحركات والسكنات ، وقالوا لأنه أشبه الاسم ، والأصل في الأسماء الإعراب ، بينما الأفعال الأصل فيها البناء وشذ عنها المضارع فأصبح الأصل فيه الإعراب ؛ لأنه أصبح في بنيته أشبه بالاسم الذي من شأنه أن يعرب ، وسمي بذلك أيضا مضارعا ،وسبب ثالث لتسميته مضارعا أنه يشبه الاسم في وقوعه صفةً وصلة وخبرا وحالا ، وأصل المضارعة أن يَشْرَبَ الفصيلان من ضرع واحد ، والضَّرع بفتح الضاد وسكون الراء - مَدَرُّ اللبن من إناث الحيوان ، فسُميت المشابهة مضارعة وهذا رأي سيبويه والبصريين عامة. (الكتاب 1/13-14 والإنصاف المسألة73 ) .
وقيل: سُمي مضارعاً ؛ لضعفه عن رتبة الاسم في الإعراب ، أُخذَ من قولهم: رجلٌ ضَرعٌ ، أي ضعيف .
أما الأمر فهو فعل – تطلب - كُلْ أو اجلس أو اذهب لن يتلقى منك السامع الأمر إلا بعد أن تنتهي من الكلام ؛ ولذلك هو للزمن المستقبل . " (مختصر تيسير النحو لشيخنا العلامة محمد عبد الرحيم جاد بدر الدين مع حاشية الشرقاوي بتصرف)
فتامل الترتيب العجيب :
المصدر (سُبْحَان) في أول الإسراء وهي أول السور السبع : قال الله تعالى : ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))
ثم تأتي سورة الحديد والحشر والصف بالفعل الماضي :
قال الله تعالى : ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) أول الحديد .
((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) أول الحشر والصف .
ثم تأتي سورتا الجمعة والتغابن بالفعل المضارع (يُسَبِّحُ) على الترتيب ، قال الله تعالى :
((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ))
((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
وإذا علمت أيها المسلم أن "سبحان" بالمصدر ، وأن الكَوْنَ "سبَّح لله" في الماضي ، وأن الكون "يُسَبِّحُ لله" في المضارع ، فـ(سَبِّحْ) بالأمر ، قال الله سبحانه :
((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)) ، وهذا هو معنى قول الناظم :
((مَاضٍ مُضَارِعٌ مَضَى ... فَسَبِّحَنْ نِلْتَ الرِّضَى
أَوَ مَاضٍ مُضَارعٌ أَمَرْ ... فَسَبِّحَنْ رَبَّ الْبَشَرْ))
والتسبيح له فضل عظيم ، منها اختصارًا :
1- أنه المنجي بإذن الله من الفتن والبلايا ؛ فهو الذي أنجى يونس عليه السلام من ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت :((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) )) (سورة الأنبياء) وتؤكد هذا آيات الصافات :
((وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) )) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ " . صحيح رواه الترمذي (3505) (5/529) ، وأحمد (1462) (3/66) وغيرهما .
وفي حديث آخر قال صلوات ربي وسلامه عليه : "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " . رواه البخاري (6406) (8/86) ، (6682) (8/139) ، (7563) (9/162) وبه ختم صحيحه ، ورواه مسلم (2694) (4/2072) .
2- أنه يُنَشِّطُ النفسَ ويُقَوِّي الجسم ؛ فعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا - أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا - فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» . رواه البخاري (5361) (7/65) .3- أنه سبب في مغفرة الذنوب ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ " . رواه البخاري (6405) (8/86) ومسلم (2691) (4/2071) .4- أنه يفرج الكروب ، ألا ترى أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) )) الْحِجْر ، ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) )) (سورة طه) .5- أنه من أفضل الزاد للآخرة ، قال الله سبحانه : ((الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)) (سورة الكهف 46)((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا)) (سورة مريم 76) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " . حسن رواه النسائي في الكبرى (10617) (9/313) ، والطبراني في الدعاء (1682) (1/480) .
وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم ، أنزل الله عليه سورة النصر :
((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) )) قال ابن عباس وعمر رضي الله عنهم : «أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ» . رواه البخاري (3627) (4/204) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ . رواه البخاري (817) (1/163) ومسلم (484) (1/350) .
أي ما جاء في سورة النصر من قول الله تعالى ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3))) ، والله أعلم .
ثم قال الناظم غفر الله له :
رُتِّبَ تَوْقِيفًا بِلَا اخْتِلَالِ ... فُسُبْحَانَ رَبِّي ذِي الْجِلال
أي إن علمت أيها القارئ الكريم ما تقدم من هذه الدلائل الباهرة على إحكام هذا الكتاب ((الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) (هود 1) فاعلم يقينا أن الله رَتَّب هذا الكتاب العظيم : ترتيب الكلمات (بلا خلاف) ، وترتيب الآيات (بلا خلاف) ، وترتيب السور (بخلاف والراجح التوقيف) ، وهو المصحف الذي بين أيدينا اليوم ، والمشهور بمصحف زيد بن ثابت رضي الله عنه (ت 45 هـ) ، وكان هذا الترتيب لحكم جليلة ، عَلِمَهَا من عَلِمَهَا وجَهِلَهَا من جَهِلَهَا ، منها الاتصال والتناسب الشديد بين أواخر السور وأوائلها .
وهذا بحث مختصر في ترتيب القرآن الكريم للعلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ت 1421 هـ) :
" ترتيب القرآن : تلاوته تاليا بعضه بعضا حسبما هو مكتوب في المصاحف ومحفوظ في الصدور .
وهو ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ترتيب الكلمات بحيث تكون كل كلمة في موضعها من الآية ، وهذا ثابت بالنص والإجماع ، ولا نعلم مخالفا في وجوبه وتحريم مخالفته ، فلا يجوز أن يقرأ : الله الحمد رب العالمين بدلا من (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2) .
النوع الثاني : ترتيب الآيات بحيث تكون كل آية في موضعها من السورة ، وهذا ثابت بالنص والإجماع ، وهو واجب على القول الراجح ، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن يقرأ : مالك يوم الدين الرحمن الرحيم بدلا من : (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:3) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة:4) ففي صحيح البخاري (4530) (6/29) أن عبد الله بن الزبير قال لعثمان بن عفان رضي الله عنهم في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) (البقرة: من الآية 240) قد نسختها الآية الأخرى يعني قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة: من الآية 234) وهذه قبلها في التلاوة قال : فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟ أَوْ تَدَعُهَا؟ قَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ» .
وروي الإمام أحمد (399) وأبو داود ( 786) والنسائي (8007) والترمذي (3086) من حديث عثمان رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء ، دعا بعض من كان يكتب،فيقول ، ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا .
النوع الثالث : ترتيب السور بحيث تكون كل سورة في موضعها من المصحف ، وهذا ثابت بالاجتهاد فلا يكون واجبا وفي " صحيح مسلم " (772) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : أنه صلى الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران ، وروي البخاري (1/154 كتاب الأذان - بَابُ الجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ) تعليقا عن الأحنف : أنه قرأ في الأولى بالكهف ، وفي الثانية بيوسف أو يوسف أو يونس، وذكر أنه صلى مع عمر بن الخطاب الصبح بهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) : " تجور قراءة هذه قبل هذه ، وكذا في الكتابة . ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها ، لكن لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان رضي الله عنه ، صار هذا مما سنة الخلفاء الراشدون ، وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب أتباعها " أهـ" . (أصول في التفسير للعلامة ابن عثيمين (23 : 25) ) .
قلت (الشرقاوي) : وقد ذكر الإمام السيوطي رحمه الله (ت 911 هـ) القولين في النوع الثالث وانتهى إلى ترجيح القول بأن ترتيب السور توقيفي واستدل على ذلك بأدلة كثيرة (الإتقان 1/216 : 224) ، وله كتاب في ذلك باسم "تناسق الدرر في تناسب السور" ، وقد صنف عدد من العلماء في هذا الباب ، منهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي رحمه الله (ت 885هـ) ، له تفسير عظيم سماه "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" ويكثر فيه من ذكر التناسب ، وللعلامة عبد الله بن صديق الغماري رحمه الله (ت 1413 هـ) "جواهر البيان في تناسب سور القرآن" ، وللدكتور محمد بن عمر بازمول حفظه الله (عالم معاصر ، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) كتاب "علم المناسبات في السور والآيات" .
((فُسُبْحَانَ رَبِّي ذِي الْجِلال)) أي العظمة ، قال الخليل (ابن أحمد الفراهيدي 170 هـ) : "جَلَّ في عَيني أي عَظُمَ، وأجلَلتُه أي أعظمتُه" . (العين 6/17) .
نسأل الله أن يكرمنا ببركات القرآن الكريم في الدنيا والآخرة ، وصلِّ اللهم وسلّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبالله التوفيق .
1- "سَبَّحَ للهِ مَا" فِي : الْكَثِيرْ ... صَفُّ حَدِيدِ بَنِي النَّضِيرْ
"يُسَبِّحُ للهِ مَا" بِلَا تَهَاوُنْ ... فِي الْجُمُعَةِ يَحْدُثُ التَّغَابُنْ
حـَدِيدٌ بِـــ"مَا" وَاحِدَهْ ... هُدِيتَ حُزْهَا فَائِدَهْ
مَاضٍ مُضَارِعٌ مَضَى ... فَسَبِّحَنْ نِلْتَ الرِّضَى
أَوَ مَاضٍ مُضَارعٌ أَمَرْ ... فَسَبِّحَنْ رَبَّ الْبَشَرْ
رُتِّبَ تَوْقِيفًا بِلَا اخْتِلَالِ ... فُسُبْحَانَ رَبِّي ذِي الْجلال
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح أبيات الْمُسَبِّحَات
قال الناظم غفر الله له "سَبَّحَ للهِ مَا" فِي : الْكَثِيرْ" أي أن قول الله تعالى "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا" هي الأكثر في القرآن الكريم مقارنةً مع غيرها من صيغة الماضي والأمر والمصدر ، وذلك في فواتح السور ؛ وتفصيل ذلك أن قول الله تعالى ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ)) أول سور الصف والحديد وبني النضير أي الحشر سميت بذلك أيضًا ؛ لما ذكر فيها من قتال يهود بني النضير (ربيع الأول 4 هـ) .
ويلاحظ أن مطلع سورتي الحشر والصف هو ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) بتكرار ((ما)) الموصولية بمعنى الذي ، وأما مطلع سورة الحديد فهو ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) بـ ((ما)) واحدة فقط .
قال الزجاج رحمه الله (ت 311 هـ) : لا اختلاف بين أهل اللغة أن التسبيح هو التنزيه لله تعالى عن كل سوء.
"والتَّسبيح ورد فى القرآن على نحو من ثلاثين وجهاً. ستَّة منها للملائكة، وتسعة لنبينّا محمّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأَربعة لغيره من الأَنبياء، وثلاثة للحيوانات والجمادات، وثلاثة للمؤمنين خاصّة. وستَّة لجميع الموجودات." (بصائر ذوي التمييز للفيروزأبادي 2/285)) .
"قوله تعالى: {سَبَّحَ للَّهِ} وكذلك فى الحَشْر، والصَّفِّ، ثمّ {يُسَبِّحُ} فى الجمعة والتَّغابن. هذه كلمة استأْثر الله بها، فبدأَ بالمصدر فى بنى إِسرائيل؛ لأَنه الأَصل، ثمّ بالماضى؛ لأَنَّه أَسبق الزَّمانين، ثمَّ بالمستقبل، ثم بالأَمر فى سورة الأَعلى؛ استيعاباً لهذه الكلمة مِن جميع جهاتها. وهى أَربع: المصدر، والماضى، والمستقبل، والأَمر للمخاطب.
قوله: {مَا فِي السماوات والأرض} وفى السّور الخمس {مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض} إِعادة (ما) هو الأَصل. وخُصّت هذه السّورة بالحذف؛ موافقة لما بعدها. وهو {خَلْقُ السماوات والأرض} وبعدها {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض} ، لأَنَّ التَّقدير فى هذه السّورة: سبّح لله خَلْق السماوات والأَرض. ولذلك قال فى آخر الحشر بعد قوله: {الخالق البارىء المصور} {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض} أَى خَلْقُها." كذا قال الفيروزأبادي رحمه الله (817 هـ) (بصائر ذوي التمييز للفيروزأبادي 1/454) ، قلت (الشرقاوي) : وهو نفس كلام الكرماني رحمه الله (ت 505 هـ) في أسرار التكرار (1 / 232 ، 233) .
قول الناظم "يُسَبِّحُ للهِ مَا" بِلَا تَهَاوُنْ"
أي يسبح لله كل المخلوقات كما أخبر سبحانه في أول سورتي الجمعة والتغابن : ((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)) ، "بلا تَهَاوُنْ" أي بلا تساهل يقال "هان عليه ذلك: سَهُلَ ، وتهاونت به، واستهنت به استهانةً. (أساس الزمخشري (ت 538 هـ) 2/383) ، وفي الذكر الحكيم ((وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ )) أي أن الإِعادة أهون عليه من البداية، وكُلُّ هيِّنٌ عليه، قاله مجاهد (ت 104 ساجدًا) ، وأبو العالية (ت 90 هـ) .(زاد المسير لابن الجوزي (ت 597 هـ) 3/420).
فكل ما في الكون يسبح لله كما قال سبحانه : ((وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)) (الإسراء 44) ، ولا يتساهلون في تنفيذ أمر الله بالتسبيح ، فهم مجبولون على الطاعة إلا من عصى من الإنس والجن فهو شاذ مخالف لما حوله في الكون ، حتى قيل إن الكافر يسجد للصنم وظله يسجد للصمد ((وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )) ، وسواء كان المقصود بالسجود امتثالَ الأمر أو سجود بأسلوب لا نعلمه ولا تطيقه عقولنا القاصرة ، أو هما معًا ، نقول ما يبدو لنا ونراه بأعيننا أن تسبيحَ الشمس الشروق والغروب وتسبيحَ المؤمن توحيدُ علام الغيوب" ، والله أعلم .
ثم قال وفقه الله " فِي الْجُمُعَةِ يَحْدُثُ التَّغَابُنْ" أي إذا جاء يوم الجمعة فإن التغابن يقع فيه أكثر الناس ، من الغَبْنِ ، وهو فوْتُ الحظِّ أو ضعفُ الرأي ، كما قال الله تعالى عن يوم القيامة ((يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ)) (التغابن 9) ، وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ)) .رواه البخاري (6412) (8/88) .
وهذا واقع مشاهد فإن أكثر الناس ينامون نهار الجمعة لاتخاذه عطلة في أكثر الدول الإسلامية ، وليس هناك نص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كونه عيدًا ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ، جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ» . حسن رواه ابن ماجه (1098) (1/349) ، والطبراني في الأوسط (7355) (7/230) وغيرهما .
؛ فعن عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ (ت 68 هـ) : {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] وَعِنْدَهُ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: لَوْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ عَلَيْنَا لَاتَّخَذْنَا يَوْمَهَا عِيدًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ» . صحيح رواه الترمذي (3044) (5/250) ومحمد بن نصر المَرْوَزِي في تعظيم قدر الصلاة (354) (1/352) وغيرهما ، ويُروَى مثلُه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ت 23 هـ) ، وهل يلزم من الأعياد تعطيل الأعمال ؟! وقد قال الله تعالى في يوم الجمعة : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)) (الجمعة 9) فأثبت انشغال المؤمنين بالبيع والشراء قبل أذان الجمعة ، ثم قال عز وجل : ((فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (الجمعة 10) فحث على مواصلة العمل باجتهاد بعد صلاة الجمعة ؛ لأن الإسلام دين العمل : ((وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (التوبة 105) .
وكذلك يُغْبَنُ الكثير بإغفالهم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيضيعون فضلا عظيمًا ونورا مبينا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» . صحيح رواه أبو داود (1047) (1/275) والنسائي (1374) (3/91) وغيرهما .
وفي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم : «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ» ، قَالَ أُبَيٌّ (ابن كعب رضي الله عنه ت 30هـ) : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ» . قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: النِّصْفَ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قَالَ: قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ» . حسن رواه الترمذي (2457) (4/636) ومحمد بن نصر المَرْوَزِي في قيام الليل (1/95) وغيرهما .
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» . رواه مسلم (384) (1/288) .
قال الناظم عفا الله عنه : ((الْحـَدِيدُ بِـــ"مَا" وَاحِدَهْ))
أي كما تقدم افتتحت سورة الحديد بـ ((ما)) واحدة فقط : ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))
ثم قلت : ((هُدِيتَ هَذِهِ فَائِدَهْ)) دعاء للقارئ الكريم بالهداية ، ولزوم السراط المستقيم ، هذه فائدة لئلا تلتبس عليك الأمور فتخلط بين سورة الحديد وسورتي الصف والحشر ، ورَسَمْتُ ((فَائِدَهْ)) بالهاء بلا نقط للفظ والوزن .
ثم قلت : ((مَاضٍ مُضَارِعٌ مَضَى ... فَسَبِّحَنْ نِلْتَ الرِّضَى))
أو ((أَوَ مَاضٍ مُضَارعٌ أَمَرْ ... فَسَبِّحَنْ رَبَّ الْبَشَرْ))
وهذا ترتيب عجيب فإن المصدر جاء أولا في سورة الإسراء أو بني إسرائيل ، و" "سبحانَ" علم جنس للتنزيه والتقديس وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحانه أو سبحت الله سبحان أي فهو مفعول مطلق – مصدر - ومعناه ما أبعد الذي له هذه القدرة عن جميع النقائص ولذا لا يستعمل إلا فيه تعالى ".(إعراب القرآن لمحيي الدين درويش (1/81) ، (5/388)) .
وقد ذهب نحاة البصرة إلى أن المصدر هو الأصل ، وأن الفعل مشتق منه ؛ لأن المصدر يدل على حدث بمعنى ثابت في ذاته غيرَ مقترن بزمن ، وأما الفعل فهو يدل على حدث وزمان مخصوص، فكان مشتقا وفرعا على المصدر كلفظ: ضارب ومضروب، ولأن المصدر له معنى واحد ، بخلاف الفعل إذ تتعدد معانيه بتعدد أزمنته ، والاشتقاق يراد لتكثير المعاني . إلى غير ذلك من الأدلة ، وهو القول الراجح خلافا لنحاة الكوفة الذين ذهبوا إلى العكس . (انظر مسائل خلافية في النحو للعُكْبُري ت 616 هـ - المسألة السادسة) .
ثم يلي المصدرَ في الرتبة الفعلُ الماضي ثم المضارع ثم الأمر
"والماضي يحصل قبل أن تتكلم ، وأما المضارع فزمنه الحال والاستقبال فهو يضارع لحظة التكلم ويمتد لما بعدها ، وقالوا إن من أسباب تسميته مضارعا أيضًا أنه يضارع الاسم ، فنجد أن المضارع حركاته وسكناته مثل حركات وسكنات الاسم يعني اسم الفاعل من نفس المادة ، يضرب تصير ضارب ، يض متحرك وساكن ، وضا متحرك وساكن ، رِب : رِب هي نفسها ، فضارع الاسم في الحركات والسكنات ، وقالوا لأنه أشبه الاسم ، والأصل في الأسماء الإعراب ، بينما الأفعال الأصل فيها البناء وشذ عنها المضارع فأصبح الأصل فيه الإعراب ؛ لأنه أصبح في بنيته أشبه بالاسم الذي من شأنه أن يعرب ، وسمي بذلك أيضا مضارعا ،وسبب ثالث لتسميته مضارعا أنه يشبه الاسم في وقوعه صفةً وصلة وخبرا وحالا ، وأصل المضارعة أن يَشْرَبَ الفصيلان من ضرع واحد ، والضَّرع بفتح الضاد وسكون الراء - مَدَرُّ اللبن من إناث الحيوان ، فسُميت المشابهة مضارعة وهذا رأي سيبويه والبصريين عامة. (الكتاب 1/13-14 والإنصاف المسألة73 ) .
وقيل: سُمي مضارعاً ؛ لضعفه عن رتبة الاسم في الإعراب ، أُخذَ من قولهم: رجلٌ ضَرعٌ ، أي ضعيف .
أما الأمر فهو فعل – تطلب - كُلْ أو اجلس أو اذهب لن يتلقى منك السامع الأمر إلا بعد أن تنتهي من الكلام ؛ ولذلك هو للزمن المستقبل . " (مختصر تيسير النحو لشيخنا العلامة محمد عبد الرحيم جاد بدر الدين مع حاشية الشرقاوي بتصرف)
فتامل الترتيب العجيب :
المصدر (سُبْحَان) في أول الإسراء وهي أول السور السبع : قال الله تعالى : ((سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))
ثم تأتي سورة الحديد والحشر والصف بالفعل الماضي :
قال الله تعالى : ((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) أول الحديد .
((سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) أول الحشر والصف .
ثم تأتي سورتا الجمعة والتغابن بالفعل المضارع (يُسَبِّحُ) على الترتيب ، قال الله تعالى :
((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ))
((يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))
وإذا علمت أيها المسلم أن "سبحان" بالمصدر ، وأن الكَوْنَ "سبَّح لله" في الماضي ، وأن الكون "يُسَبِّحُ لله" في المضارع ، فـ(سَبِّحْ) بالأمر ، قال الله سبحانه :
((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)) ، وهذا هو معنى قول الناظم :
((مَاضٍ مُضَارِعٌ مَضَى ... فَسَبِّحَنْ نِلْتَ الرِّضَى
أَوَ مَاضٍ مُضَارعٌ أَمَرْ ... فَسَبِّحَنْ رَبَّ الْبَشَرْ))
والتسبيح له فضل عظيم ، منها اختصارًا :
1- أنه المنجي بإذن الله من الفتن والبلايا ؛ فهو الذي أنجى يونس عليه السلام من ظلمات بعضها فوق بعض ، إذا أخرج يده لم يكد يراها ، ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت :((وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) )) (سورة الأنبياء) وتؤكد هذا آيات الصافات :
((وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) )) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ " . صحيح رواه الترمذي (3505) (5/529) ، وأحمد (1462) (3/66) وغيرهما .
وفي حديث آخر قال صلوات ربي وسلامه عليه : "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " . رواه البخاري (6406) (8/86) ، (6682) (8/139) ، (7563) (9/162) وبه ختم صحيحه ، ورواه مسلم (2694) (4/2072) .
2- أنه يُنَشِّطُ النفسَ ويُقَوِّي الجسم ؛ فعَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا» فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا - أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا - فَسَبِّحَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ» . رواه البخاري (5361) (7/65) .3- أنه سبب في مغفرة الذنوب ؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ " . رواه البخاري (6405) (8/86) ومسلم (2691) (4/2071) .4- أنه يفرج الكروب ، ألا ترى أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) )) الْحِجْر ، ((فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) )) (سورة طه) .5- أنه من أفضل الزاد للآخرة ، قال الله سبحانه : ((الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً)) (سورة الكهف 46)((وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا)) (سورة مريم 76) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ " . حسن رواه النسائي في الكبرى (10617) (9/313) ، والطبراني في الدعاء (1682) (1/480) .
وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم ، أنزل الله عليه سورة النصر :
((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) )) قال ابن عباس وعمر رضي الله عنهم : «أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ» . رواه البخاري (3627) (4/204) .
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " يَتَأَوَّلُ القُرْآنَ . رواه البخاري (817) (1/163) ومسلم (484) (1/350) .
أي ما جاء في سورة النصر من قول الله تعالى ((فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3))) ، والله أعلم .
ثم قال الناظم غفر الله له :
رُتِّبَ تَوْقِيفًا بِلَا اخْتِلَالِ ... فُسُبْحَانَ رَبِّي ذِي الْجِلال
أي إن علمت أيها القارئ الكريم ما تقدم من هذه الدلائل الباهرة على إحكام هذا الكتاب ((الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)) (هود 1) فاعلم يقينا أن الله رَتَّب هذا الكتاب العظيم : ترتيب الكلمات (بلا خلاف) ، وترتيب الآيات (بلا خلاف) ، وترتيب السور (بخلاف والراجح التوقيف) ، وهو المصحف الذي بين أيدينا اليوم ، والمشهور بمصحف زيد بن ثابت رضي الله عنه (ت 45 هـ) ، وكان هذا الترتيب لحكم جليلة ، عَلِمَهَا من عَلِمَهَا وجَهِلَهَا من جَهِلَهَا ، منها الاتصال والتناسب الشديد بين أواخر السور وأوائلها .
وهذا بحث مختصر في ترتيب القرآن الكريم للعلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله (ت 1421 هـ) :
" ترتيب القرآن : تلاوته تاليا بعضه بعضا حسبما هو مكتوب في المصاحف ومحفوظ في الصدور .
وهو ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ترتيب الكلمات بحيث تكون كل كلمة في موضعها من الآية ، وهذا ثابت بالنص والإجماع ، ولا نعلم مخالفا في وجوبه وتحريم مخالفته ، فلا يجوز أن يقرأ : الله الحمد رب العالمين بدلا من (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة:2) .
النوع الثاني : ترتيب الآيات بحيث تكون كل آية في موضعها من السورة ، وهذا ثابت بالنص والإجماع ، وهو واجب على القول الراجح ، وتحرم مخالفته ولا يجوز أن يقرأ : مالك يوم الدين الرحمن الرحيم بدلا من : (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الفاتحة:3) (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (الفاتحة:4) ففي صحيح البخاري (4530) (6/29) أن عبد الله بن الزبير قال لعثمان بن عفان رضي الله عنهم في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ) (البقرة: من الآية 240) قد نسختها الآية الأخرى يعني قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) (البقرة: من الآية 234) وهذه قبلها في التلاوة قال : فَلِمَ تَكْتُبُهَا؟ أَوْ تَدَعُهَا؟ قَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ» .
وروي الإمام أحمد (399) وأبو داود ( 786) والنسائي (8007) والترمذي (3086) من حديث عثمان رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء ، دعا بعض من كان يكتب،فيقول ، ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا .
النوع الثالث : ترتيب السور بحيث تكون كل سورة في موضعها من المصحف ، وهذا ثابت بالاجتهاد فلا يكون واجبا وفي " صحيح مسلم " (772) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : أنه صلى الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران ، وروي البخاري (1/154 كتاب الأذان - بَابُ الجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ) تعليقا عن الأحنف : أنه قرأ في الأولى بالكهف ، وفي الثانية بيوسف أو يوسف أو يونس، وذكر أنه صلى مع عمر بن الخطاب الصبح بهما .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) : " تجور قراءة هذه قبل هذه ، وكذا في الكتابة . ولهذا تنوعت مصاحف الصحابة رضي الله عنهم في كتابتها ، لكن لما اتفقوا على المصحف في زمن عثمان رضي الله عنه ، صار هذا مما سنة الخلفاء الراشدون ، وقد دل الحديث على أن لهم سنة يجب أتباعها " أهـ" . (أصول في التفسير للعلامة ابن عثيمين (23 : 25) ) .
قلت (الشرقاوي) : وقد ذكر الإمام السيوطي رحمه الله (ت 911 هـ) القولين في النوع الثالث وانتهى إلى ترجيح القول بأن ترتيب السور توقيفي واستدل على ذلك بأدلة كثيرة (الإتقان 1/216 : 224) ، وله كتاب في ذلك باسم "تناسق الدرر في تناسب السور" ، وقد صنف عدد من العلماء في هذا الباب ، منهم على سبيل المثال لا الحصر الإمام إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي رحمه الله (ت 885هـ) ، له تفسير عظيم سماه "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" ويكثر فيه من ذكر التناسب ، وللعلامة عبد الله بن صديق الغماري رحمه الله (ت 1413 هـ) "جواهر البيان في تناسب سور القرآن" ، وللدكتور محمد بن عمر بازمول حفظه الله (عالم معاصر ، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) كتاب "علم المناسبات في السور والآيات" .
((فُسُبْحَانَ رَبِّي ذِي الْجِلال)) أي العظمة ، قال الخليل (ابن أحمد الفراهيدي 170 هـ) : "جَلَّ في عَيني أي عَظُمَ، وأجلَلتُه أي أعظمتُه" . (العين 6/17) .
نسأل الله أن يكرمنا ببركات القرآن الكريم في الدنيا والآخرة ، وصلِّ اللهم وسلّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبالله التوفيق .
ليست هناك تعليقات: