موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة والفتاوى العلمية (21 : 30)

س 21 سألت أخت من فلسطين المحتلة : جمع عثمان رضي الله عنه للقرآن في مصحف كتب ما يحتمله الرسم الواحد مثلا فتبينوا فتثبتوا دون نقط ، كلمة ووصى وأوصى هل كتب القراءتين أم ماذا ؟

ج 21 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فهذه مقدمة مهمة لفهم قضية جمع القرآن الكريم ورسم المصاحف العثمانية :
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الوَحْيَ - قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ (أي اشتد) يَوْمَ اليَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ (أي حفظة القرآن) فِي المَوَاطِنِ (مواضع معارك المسلمين) ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ القُرْآنَ "، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لاَ يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، وَلاَ نَتَّهِمُكَ، «كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ، قُلْتُ: «كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ (جمع رقعة وهي القطعة من ورق أو جلد ونحو ذلك) وَالأَكْتَافِ (جمع كتف وهو عظم عريض يكون على أعلى الظهر) (وفي لفظ واللِّخافِ أي الخزف) ، وَالعُسُبِ (جمع عسيب وهو جريد النخل العريض) وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128] إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا القُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ . رواه البخاري (4679) (6/71) ، وفي لفظ آخر له ، قال زيد رضي الله عنه : فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا .رواه البخاري (7191) (9/74) .
هذا الحديث يجسد مرحلتين في جمع القرآن الكريم :
المرحلة الأولى في جمع القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم : فقد ثبت في الصحيح «أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ يُعَارِضُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بِالقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ قَدْ عَارَضَه بِهِ العَامَ الأخير مَرَّتَيْنِ . الحديث (رواه البخاري 6285 – 8/64) ، وقد دون الصحابة رضوان الله عليهم هذه العرضة الأخيرة على الرقاع والأكتاف واللِّخَاف والعُسُب كما حفظها بعضهم في صدورهم .
المرحلة الثانية في عهد أبي بكر رضي الله عنه : ويمتد عهد خلافته من عام 11 -13هـ ، لمدة سنتين وبضعة أشهر ، حيث بويع بالخلافة قبل دفن جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم وتوفي رضي الله عنه بالمدينة في شهر جمادي الآخرة سنة 13هــ .
وقد بدأ أبو بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم في مصحف واحد (سنة 12 هـ ) بمشورة عمر رضي الله عنه وبتكليف أبي بكر زيدًا بن ثابت رضي الله عنهما وكان لا يقبل إلا ما كتب أمام الرسول
صلى الله عليه وسلم وبإملاء منه ، وكان زيد نفسه من كُتَّاب الوحي .
(2) ما كان محفوظاً لدى الصحابة ، وكان هو من حفاظه في حياته رضي الله عنه . وكان لا يقبل شيئاً من المكتوب ، حتى يتيقن أنه :
أ**- وأنه مما ثبت في العرضة الأخيرة ، ولم تنسخ تلاوته .
ب- مما كتب بين يدي الرسول
صلى الله عليه وسلم وذلك بشهادة شاهدين عدلين .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (المراد بالشاهدين : الحفظ والكتابة).
قال العلامة السخاوي رحمه الله : رجلان عدلان يشهدان على أنه كتب بين يدي رسول الله
صلى الله عليه وسلم أو أنه من الوجوه السبعة التي نزل بها القرآن . (جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين للسندي 19 : 21 بتصرف) .
قال عليٌّ رضي لله عنه : «أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الْمَصَاحِفِ أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ» .
(المصاحف لابن أبي داود 1/49) .

"وقد قوبلت تلك الصحف التي جمعها زيد بما تستحق من عناية فائقة ، فحفظها أبو بكر عنده مدة حياته ، ثم حفظها عمر بعده حتى شهادته ، ثم حفظتها أم المؤمنين حفصة بنت عمر بعد وفاة والدها ، حتى طلبها منها عثمان رضي الله عنه
ليستنتسخ منها مصاحفه اعتماداً عليها ، ثم ردها إليها إيفاء بالعهد الذي أعطاها إياه ، فلم تزل عندها حتى أرسل إليها مروان بن الحكم حينما ولي المدينة فأبت ، ثم لما توفيت رضي الله عنها سنة 45هــ ، حضر مروان جنازتها ، ثم طلب من أخيها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فبعث بها إليه فأخذها مروان وأمر بإحراقها ". (جمع القرآن الكريم في عهد الخلفاء الراشدين للسندي 21 : 22 بتصرف) .
وقد كان ترتيب المصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه حسب الآيات كما علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل على نفس ترتيب مصحف زيد الذي نراه الآن ، وفي عهد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه (13 هـ : 24 هــ) كان بعض الصحابة يكتبون المصاحف في عهد عمر رضي الله عنه على ترتيب ابن مسعود ، وعلى ترتيب أُبَيٍّ ، وعلى ترتيب عليٍّ (حسب أسباب النزول) رضي الله عنهم .
المرحلة الثالثة : جمع القرآن على عهد عثمان رضي الله عنه : يبدأ عهد عثمان رضي الله عنه بعد استشهاد عمر
رضي الله عنه في : غرة محرم عام : 24 هـ ، حيث بويع بالخلافة بعد دفن عمر بثلاث ليال ، وقد اتسعت الفتوحات في زمنه رضي الله عنه ففي عهده فتحت الري ، وحصون كثيرة من الروم ، وتوسع في المسجد النبوي ، وفتحت الأندلس ، واصطخر ، وبلاد كثيرة من خراسان ، ونيسابور ، وطوس وسرخس ومرو وبيهق وغيرها من البلاد وكثر العمران ، وتفرق المسلمون في أرجاء البلاد الإسلامية وأقطارها ، ونشأ جيل جديد ، وطال عهد الناس بالرسول والوحي ، وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام ، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة ، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة ، بصورة فتحت باب الشقاق والنزاع في المسلمين في أمر القراءة ، أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، بل كان هذا الشقاق أشد (سنة 25 هــ تقريبًا) ، روى البخاري في صحيحه عن ابن شهاب الزهري عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُ: أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمَانِ، قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ، وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ العِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي القِرَاءَةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ، قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الكِتَابِ اخْتِلاَفَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ: «أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي المَصَاحِفِ، ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ» ، فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ "، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: «إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ» فَفَعَلُوا حَتَّى إِذَا نَسَخُوا الصُّحُفَ فِي المَصَاحِفِ، رَدَّ عُثْمَانُ الصُّحُفَ إِلَى حَفْصَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ أُفُقٍ بِمُصْحَفٍ مِمَّا نَسَخُوا، وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ القُرْآنِ فِي كُلِّ صَحِيفَةٍ أَوْ مُصْحَفٍ، أَنْ يُحْرَقَ . (البخاري 4987 – 6/183) . [وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: وَاخْتَلَفُوا يَوْمَئِذٍ فِي التَّابُوتِ وَالتَّابُوهِ، فَقَالَ النَّفْرُ الْقُرَشِيُّونَ: التَّابُوتُ، وَقَالَ زَيْدٌ: التَّابُوهُ، فَرُفِعَ اخْتِلَافُهُمْ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: اكْتُبُوهُ التَّابُوتَ، فَإِنَّهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ] . (المصاحف لأبي بكر بن أبي داود 1/ 88 ، والترمذي في السنن بسند صحيح (3104 – 5/284) ، وغيرهما .
وبعد أن تم لأمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه وأد هذه الفتنة العمياء ، وكتب الصحابة برعاية هذه اللجنة المؤتمنة ستة مصاحف على الراجح – مرتبةً على الأسلوب الذي نراه الآن - ثم أمسك عنده مصحفين (المدني العام ، والمدني الخاص وهو المصحف الإمام) وأرسل عثمان رضي الله عنه أربعة مصاحف لأربعة أمصار مكة ، والشام والكوفة ، والبصرة ، وأرسل مع كل مصحف قارئًا ليكون الرسم ملائما لقراءة هذا المصر ، والقارئ معلمًا ناطقًا متقنًا لهذه القراءة كما تلقاها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
، ورحم الله الإمام الشاطبي الذي لخّص ذلك كله في عقيلة أتراب القصائد فقال :
وَكُلَّ عَامٍ عَلَى جِبْرِيلَ يَعْرِضُهُ ...وَقِيلَ آخِرَ عَامٍ عَرْضَتَيْنِ قَرَا
إِنَّ الْيَمَامَةَ أَهْوَاهَا مُسَيْلِمَةُ الْـ ...ـكَذَّابُ فِي زَمَنِ الصِّدِيقِ إذْ خَسِرَا
وَبَعْدَ بَأْسٍ شَدِيدٍ حَانَ مَصْرَعُهُ ...وَكَانَ بَأْساً عَلَى الْقُرَّاءِ مُسْتَعِرَا
نَادَى أَبَا بَكْرٍ الْفَارُوقُ خِفْتُ عَلَى الْـ ...ـقُرَّاءِ فَادَّرِكِ الْقُرْآنَ مُسْتَطِرَا
فَأَجْمَعُوا جَمْعَهُ فِي الصُّحْفِ وَاعْتَمَدُوا ...زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْعَدْلَ الرِّضَى نَظَرَا

فَقَامَ فِيهِ بِعَوْنِ اللهِ يَجْمَعُهُ ...بِالنُّصْحِ وَالْجِدِّ وَالْحَزْمِ الَّذِي بَهَرَا
مِنْ كُلِّ أَوْجُهِهِ حَتَّى اسْتَتَمَّ لَهُ ...بِالأَحْرُفِ السَّبْعَةِ الْعُلْيَا كَمَا اشْتَهَرا
فَأَمْسَكَ الصُّحُفَ الصِّدِيقُ ثُمَّ إِلَى الْـ ...ـفَارُوقِ أَسْلَمَهَا لَمَّا قَضَى الْعُمُرَا
وَعِنْدَ حَفْصَةَ كَانَتْ بَعْدُ فَاخْتَلَفَ الْـ ...ـقرَّاءُ فَاعْتَزَلُوا فِي أَحْرُفٍ زُمَرَا
وَكَانَ فِي بَعْضِ مَغْزَاهُمْ مُشَاهِدَهُمْ ...حُذَيْفَةٌ فَرَأَى فِي خُلْفِهِمْ عِبَرَا
فَجَاءَ عُثْمَانَ مَذْعُوراً فَقَالَ لَهُ ...أَخَافُ أَنْ يَخْلِطُوا فَأَدْرِكِ الْبَشَرَا

فَاسْتَحْضَرَ الصُّحُفَ الاُولَى الَّتِي جُمِعَتْ ...وَخَصَّ زَيْداً وَمِنْ قُرَيْشِهِ نَفَرَا
عَلَى لِسَانِ قُرَيْشٍ فَاكْتُبُوهُ كَمَا ...عَلَى الرَّسُولِ بِهِ إِنْزَالُهُ انْتَشَرَا

فَجَرَّدُوهُ كَمَا يَهْوَى كِتَابَتَهُ ... مَا فِيهِ شَكْلٌ وَلاَ نَقْطٌ فَيَحْتَجِرَا
وَسَارَ فِي نُسَخٍ مِنْهَا مَعَ الْمَدَنِي ...كُوفٍ وَشَامٍ وَبَصْرٍ تَمْلأُ البَصَرَا
وَقِيلَ مَكَّةَ وَالْبَحْرَيْنِ مَعْ يَمَنٍ ... ضَاعَتْ بِهَا نُسَخٌ فِي نَشْرِهَا قُطَرَا

قيل إن هذه المصاحف كتبت على أوراق ، وسبحان الله فقد ضاعت كل هذه المصاحف الأصول ، وحفظ الله القرآن في السطور والصدور بضبطه ونطقه وأحكامه .
قال العلامة محمد محمد محمد سالم محيسن رحمه الله :
فالكلمات التي اشتملت على أكثر من قراءة ، وخلوها من النقط والشكل يجعلها محتملة لما اشتملت عليه من قراءات ، كتبوها برسم واحد في جميع المصاحف ، وذلك نحو : يعلمون ، تعلمون بالياء ، والتاء ، ثم ذكر هذا المثال : (فتبينوا ، فتثبتوا) انتهى (تاريخ القرآن 108) ، قلت :
وقد وقع هذا في كثير من الحروف الخلافية ، قال الإمام الشاطبي رحمه الله :
فَجَرَّدُوهُ كَمَا يَهْوَى (أي عثمان) كِتَابَتَهُ ... مَا فِيهِ شَكْلٌ وَلاَ نَقْطٌ فَيَحْتَجِرَا
وتفصيل القول في القراءتين :
"فَتَبَيَّنُوا"
"فَتَثَبَّتُوا" أنها وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات في موضعين (النساء 94) ، (الحجرات 6) قرأها حمزة والكسائي وخلف العاشر "فَتَثَبَّتُوا" من التَّثَبُّت ، وأصله من الثبات وعدم الاضطراب ، ويعني التأكد وترك الاستعجال ، وقرأها الباقون كحفص "فَتَبَيَّنُوا" من التَّبَيُّن ، وأصله من البيان والوضوح ، ويعني التأكد من الأمر قبل الإِقدام عليه . 
وأما أيهما يكون أولا التثبت أم التبين أم يكونان معا في وقت واحد ، فالاحتمالات الثلاثة واردة عقلا ونقلا ، وإن كنت أرجح أن يقع التثبت أولا قبل التبين ؛ كما لو رأيت ساعةَ حائط تهتز في مكانها وتضطرب يمينا ويسارا ، فإنه لا يمكنك معرفة التوقيت بالضبط على تلك الحال مع الاضطراب والاستعجال ، وإنما تنتظر حتى تثبتَ الساعة أولا ثم تستوضح ما فيها من التوقيت بعد الثبات . والله أعلم .  
قال العلامة محمد محمد محمد سالم محيسن رحمه الله :
أما الكلمات التي ورد فيها أكثر من قراءة وتجريدها من النقط والشكل لا يجعلها محتملة لما ورد فيها من القراءات فلم يكتبوها برسم واحد في جميع المصاحف ، وإنما كتبوها في بعض المصاحف برسم يدل على قراءة ، وفي بعضها برسم آخر يدل على القراءة الأخرى ، مثال ذلك :
قوله تعالى : ((وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ)) (البقرة 132) ، كتب في بعض المصاحف ((وَوَصَّى)) بواوين من غير ألف بينهما ، وفي البعض الآخر ((وَأَوْصَى)) بإثبات ألف بين الواوين . انتهى (تاريخ القرآن 108) .
قلت والإثبات ((وَأَوْصَى)) قراءة المدنِيَيْن والشامي ، وهي هكذا في مصاحفهم العثمانية ، وقرأ الباقون - الكوفيون والبصريان والمكي - : ((وَوَصَّى)) بالحذف ، وهي هكذا في مصاحفهم العثمانية ، قال صاحب العقيلة :
أَوْصَى الْإِمَامُ مَعَ الشَّامِي وَالْمَدَنِي .
قال الإمام الهروي رحمه الله : "الوصية مأخوذه من وَصَيْتُ الشيء أُصِيهِ إذا وَصَلْتُه ، وسميت الوصية وصية ؛ لأن الميت لما أوصى بها وصل ما كان فيه من أمر حياته بما بعده من أمر مماته . قال ذو الرُّمَّةِ:
نَصِي الليلَ بالأَيام : أي نَصِلُ الليلَ بالأيام
(الزاهر 1/181) ،
قال علماء التوجيه :
((وَأَوْصَى)) فعل ماض متعدي بالهمزة يدل على حدوث الوَصِيَّةِ والوَصَاةِ. وأما ((وَوَصَّى)) فهو فعل ماض متعدي بالتضعيف ، يدل على المبالغة وتكرار حدوث الوصية ، قلت : ولهذا لم تأت الوصايا العشر في آخر سورة الأنعام (151 : 153) إلا بالتشديد (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ، قال الخليل : "أما الوَصِيَّةُ بعدَ الموت فالعالي من كلام العرب أوصَى ويجوز وَصَى " . (العين 7/177) ، قلت : والتخفيف "وَصَى" لغة ثالثة ، ولكن لم ينزل بها القرآن الكريم .
والله أعلم . نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
س 22 سألت أخت من السعودية : هل يجوز للمرأة أن تقرأ على شيخ ؟
ج 22 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد ...
فلا شَكَّ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ أُمِرَتْ بِالسَّتْرِ وَالْعَفَافِ ، وَنُهِيَتْ عَنْ الْظُهُورِ وَالْخُضُوعِ ، وَلَكِّنْ إِذَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ مُسْلِمَةً أَنْ تَقْرَأَ عَلَى شَيْخٍ - عَالِمٍ بِالتَّجْوِيدِ - مُشَافَهَةً أَوْ عَنْ بُعْدٍ ؛ لِتَصْحِيحِ تِلاوَتَهَا أَوْ تَلَقِّى الإِجَازَةِ عَنْهُ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ ، وَغَابَتِ الْخُلْوَةُ ، وَصَانَتِ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا مِنَ الْخُضُوعِ ، وَهَكَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ الرَّجُلِ عَلَى امْرَأَةٍ عَالِمَةٍ بِالتَّجْوِيدِ ؛ وَذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ مِنْ تَعَلُّمِ الصَّحَابَةِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَثَبَتَ عَنِ الْحَافِظِ بْنِ حَجَرَ الْعَسْقَلانِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ شَيْخَات يَأْخُذُ علم الحديث عَنْهُنَّ : فاطمة بنت المُنْجا التنوخية ، وفاطمة بنت محمد بن عبد الهادي وأختها عائشة كما ذكر في كتابه الذي ذكر فيه شيوخه وشيخاته «المجمع المؤسس بالمعجـم المفهرس» . وَفِي عَصْرِنَا هَذَا قَرَأَ الْكَثِيرُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الشَّيْخَةِ : أُمِّ السَّعْدِ ، وَكَانَتْ مِنَ الْعَالِمَاتِ بِالْقِرَاءَاتِ رَحِمَهَا اللهُ . وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ عَالِمَاتٌ بِالتَّجْوِيدِ فَذِهَابُ النّسَاءِ إِلَيْهِنَّ أَحَقُّ ، وَتَرْتِيلُهُنَّ عَلَيْهِنَّ أَفْضَلُ. وَاللهُ أَعْلَمُ .


(الإمتاع بفتاوى التلاوة والاستماع ، رسالة ملحقة بكتاب المختصر المفيد في علم التجويد ص 180 ، 181) .
س 23 : سألت أخت من فلسطين المحتلة ، سمعت أن التَّحَسُّسِ بمعنى البحث عن الأخبار الحسنة ، والتَّجَسُّسِ : البحث عن الأخبار السيئة فما صحة هذا القول ؟

ج 23 : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن المتدبر للنصوص القرآنية والنبوية ليجد اختلافًا كثيرًا بين معنى الكلمتين "التحسس" و "التجسس" ، ففي سورة يوسف قال يعقوب عليه السلام لبنيه ((يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)) (يوسف 87) قال أبو عبيدة: «تحسسوا» أي: تخبَّروا والتمِسوا في المظانّ. فان قيل: كيف قال: «من يوسف» والغالب أن يقال: تحسست عن كذا؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري: أحدهما: أن المعنى: عن يوسف، ولكن نابت عنها «من» كما تقول العرب: حدثني فلان من فلان، يعنون عنه. والثاني: أن «مِن» أوثرت للتبعيض، والمعنى: تحسَّسُوا خبراً من أخبار يوسف. (زاد المسير 2/466) .
، وفي الآداب القرآنية اللطيفة في ثنايا سورة الحجرات يقول مولانا سبحانه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)) (الحجرات 12)
قال المفسرون: التجسس: البحث عن عيب المسلمين وعوراتهم فالمعنى: لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه ليطَّلع عليه إِذ ستره الله. وقيل لابن مسعود: هذا الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً، فقال: إِنا نُهينا عن التجسس، فإن يَظهرْ لنا شيء نأخذْه به. (زاد المسير 4/152) .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين اللفظين فقَالَ: ((إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا)) الحديث رواه البخاري (5143) (7/19) ، ومسلم (2563) (4/1985) .
قال د/مصطفى ديب البغا : (فتحسسوا) من التحسس وهو طلب الخبر بالحاسة أو هو تفعل من الإحساس وهو المعرفة. (تجسسوا) من التجسس وهو البحث عن العورات والسيئات. (تحسسوا) من التحسس وهو طلب معرفة الأخبار والأحوال الغائبة عنه.
قال الإمام الخطابي رحمه الله : "وأما التَّحَسُّس بالحاء فقد اختلفوا في تفسيره فَقَالَ بعضهم هُوَ كالتَّجَسُّسِ سواء وقرأ الحسن {وَلاَ تَحَسَّسُوا} ويقال خرج القوم يتحسُّسُون الأخبارَ ويتحسَّبون ويتَنَحَّسُون أي يطلبونها ويسألون عنها وقال الشاعر:
تَجَنَّبْتُ سُعْدَى رَهْبَةً أن يُشِيد بي ... إذا زُرتُ سُعدَى الكَاشِحُ المتحَسِّسُ
ومنهم مَنْ فَرَّق بينهما ، روى الْوَلِيدُ عن الأَوزاعِيّ عن يَحْيَى بن أبي كَثير أنَّه قَالَ التّجَسُّسُ البَحثُ عن عورات المسلمين والتحسس الاستماع لحديث القوم ، وكان أبو عمر يقول التَّحَسُّسُ بالحاء أن يطلبه لِنفسِه ، والتجسس أن يكون رسولًا لغيره وكان يقول في الفرق بين النَّمّام والقَتَّات والقَسَّاس نحوا من ذَلِكَ ، قَالَ النّمام الَّذِي يكون مع القوم يتحدثون فَيَنُمُّ حديثَهم ، والقَتَّات الَّذِي يَتَسَّمع عَلَى القوم وهم لا يعلمون ثُمَّ يَنُمّ حَديثهم ، والقَسَّاسُ الَّذِي يَقُسُّ الأَخبَار أي يسأل الناسَ عنها ثُمَّ يَنثوها عَلَى أصحابها سمعتُه يقول ذَلِكَ". (غريب الحديث 1/84) .
وبناءً على ما تقدم يمكننا القول بأن التحسس عام يرد في الخير والشر ، والأغلب أنه في الشر ، وذكره من يعقوب عليه السلام كان على سبيل االاستقصاء لإدراك خبر الخير ، وليس التخبر بما يضر ، وأما التجسس فهو خاص بالشر فقط ، ومع ذلك فقد أجاز الشارع الحكيم تجسس المسلم على عدوه في الحرب ، والحرب خُدْعَةٌ ، والله أعلم .
س 24 : سألت أخت من المغرب : لماذا جاء اللفظ القرآني "ثُوِّبَ" في آخر سورة المطففين "هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ" (المطففين 36) ؟

ج 24 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فلعل الأخت السائلة تشير إلى ما اشتهر على ألسنة العوام من أن الثواب يكون على الخير فقط ، والواقع أن أصل "ثواب" كما قال ابن فارس : هُوَ الْعَوْدُ وَالرُّجُوعُ. يُقَالُ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ. وَالْمَثَابَةُ: الْمَكَانُ يَثُوبُ إِلَيْهِ النَّاسُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125] . قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: مَثَابَةً: يَثُوبُونَ إِلَيْهِ لَا يَقْضُونَ مِنْهُ وَطَرًا أَبَدًا.
وَالثَّوَابُ مِنَ الْأَجْرِ وَالْجَزَاءِ أَمْرٌ يُثَابُ إِلَيْهِ. وَيُقَالُ إِنَّ الْمَثَابَةَ حِبَالَةُ الصَّائِدِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا فَلِأَنَّهُ مَثَابَةُ الصَّيْدِ، عَلَى مَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّشْبِيهِ. قَالَ الرَّاجِزُ:
مَتَى مَتَى تُطَّلَعُ الْمَثَابَا ... لَعَلَّ شَيْخًا مُهْتَرًا مُصَابَا
يَعْنِي بِالشَّيْخِ الْوَعِلَ يَصِيدُهُ. وَيُقَالُ إِنَّ الثَّوَابَ الْعَسَلُ ; وَهُوَ مِنَ الْبَابِ، لِأَنَّ النَّحْلَ يَثُوبُ إِلَيْهِ. قَالَ:
فَهُوَ أَحْلَى مِنَ الثَّوَابِ إِذَا ... ذُقْتَ فَاهَا وَبَارِئِ النَّسَمِ
قَالُوا: وَالْوَاحِدُ ثَوَابَةٌ. وَثَوَابٌ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الطَّوَاعِيَةِ، فَيُقَالُ: " أَطْوَعُ مِنْ ثَوَابٍ ". قَالَ:
وَكُنْتُ الدَّهْرَ لَسْتُ أُطِيعُ أُنْثَى ... فَصِرْتُ الْيَوْمَ أَطْوَعَ مِنْ ثَوَابِ . (مقاييس اللغة 1 / 394 ، 395) .
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: أَثابَهُ اللهُ مَثُوبةً حَسَنَةً. ومَثْوَبةٌ، بِفَتْحِ الْوَاوِ، شَاذٌّ، مِنْهُ. وَمِنْهُ قراءَةُ مَن قرأَ: لمَثْوَبةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ. وَقَدْ أَثْوَبه اللهُ مَثْوَبةً حسَنةً، فأَظْهر الْوَاوَ عَلَى الأَصل. وَقَالَ الْكِلَابِيُّونَ: لَا نَعرِف المَثْوَبةَ، وَلَكِنِ المَثابة. وثَوَّبه اللهُ مِن كَذَا: عَوَّضه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. واسْتَثابَه: سأَله أَن يُثِيبَه. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ التَّيِّهانِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَثِيبُوا أَخاكم أَي جازُوه عَلَى صَنِيعِهِ. يُقَالُ: أَثابَه يُثِيبه إِثابةً، وَالِاسْمُ الثَّوابُ، وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ والشرِّ، إِلَّا أَنه بِالْخَيْرِ أَخَصُّ وأَكثر استِعمالًا. (لسان العرب 1 / 244 ، 245) .
وقال الشهاب في شرح الشفا : "والأجر والثواب بمعنى واحد ، وقد يفرق بينهما بأن الأجر ما كان في مقابلة العمل ، والثواب ما كان تفضلًا وإحسانا من الله تعالى ، ويستعمل كل منهما بمعنى الآخر" .
ويكفي أن نسوق في هذا المقام كلام العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله ، قال رحمه الله :
"فَالْمَعْنَى فَقَدْ جُوزِيَ الْكُفَّارُ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ النِّدَاءِ الَّذِي يُعَلَّقُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ مِنْ قَبِيلِ الطَّلَبِ فَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخِطَابِ.

وَالْخِطَابُ بِهَذَا الِاسْتِفْهَامِ مُوَجَّهٌ إِلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ بَلْ إِلَى كُلِّ مَنْ يَسْمَعُ ذَلِكَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ.
وثُوِّبَ أُعْطِيَ الثَّوَابَ، يُقَالُ: ثَوَّبَهُ كَمَا يُقَال: أثابه، إِذا أَعْطَاهُ ثَوَابًا.

وَالثَّوَابُ: هُوَ مَا يُجَازَى بِهِ مِنَ الْخَيْرِ عَلَى فِعْلٍ مَحْمُودٍ وَهُوَ حَقِيقَتُهُ كَمَا فِي «الصِّحَاحِ» ، وَهُوَ ظَاهِرُ «الْأَسَاسِ» وَلِذَلِكَ فَاسْتِعْمَالُهُ فِي جَزَاءِ الشَّرِّ هُنَا اسْتِعَارَةٌ تَهَكُّمِيَّةٌ.
وَهَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الرَّاغِبُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إِذْ قَالَ: إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي جَزَاءِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. أَرَادَ إِنَّهُ يُسْتَعَارُ لِجَزَاءِ الشَّرِّ بِكَثْرَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ عَلَاقَةٍ وَقَرِينَةٍ وَهِيَ هُنَا قَوْلُهُ:
الْكُفَّارُ مَا كانُوا يَفْعَلُونَ كَقَوْلِ عَمْرِو بْنِ كُلْثُومٍ:
نَزَلْتُمْ مَنْزِلَ الْأَضْيَافِ مِنَّا ... فَعَجَّلْنَا الْقِرَى أَنْ تَشْتُمُونَا
قَرَيْنَاكُمْ فَعَجَّلْنَا قِرَاكُمْ ... قُبَيْلَ الصُّبْحِ مِرْدَاةً طَحُونًا

وَمِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ((فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)) [الانشقاق: 24] .
وَمَا كانُوا يَفْعَلُونَ مَوْصُولٌ وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِفِعْلِ ثُوِّبَ إِذْ هُوَ مِنْ بَابِ أَعْطَى.
وَلَيْسَ الْجَزَاءُ هُوَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بَلْ عَبَّرَ عَنْهُ بِهَذِهِ الصِّلَةِ لِمُعَادَلَتِهِ شِدَّةَ جُرْمِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَوْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ: مِثْلَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ بَاءُ السَّبَبِيَّةِ، أَيْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ.
وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مُحَسِّنُ بَرَاعَةِ الْمَقْطَعِ لِأَنَّهَا جَامِعٌ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ. (التحرير والتنوير 30 / 215 ، 216) . وبالله التوفيق ، والله أعلم .
س 25 سأل أخ من الجزائر : لماذا ذكرت بعض الأفعال قبل مؤنث مثل قوله تعالى : ((جاءكم بينة)) ، ((تداركه نعمة من ربه)) ، ((وقال نسوة)) ، ((جاءه موعظة)) وغيرها في القرءان ؟

ج 25 : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان على يوم الدين ، أما بعد ...
فقد ذكر علماؤنا رحمهم الله أن المؤنث ينقسم باعتبار معناه إلى :
1-"مؤنث حقيقي"، وهو: ما يتناسل فيلد أو يبيض ، مثل : هند ، دجاجة ، بقرة .
2- مؤنث غير حقيقي "مجازي" ، وهو ما كان مؤنثا لكنه لا يلد ولا يبيض ، مثل: أرض، شمس ، الدار ، النار ، ومن المؤنث المجازي اسم الجنس" كشجر، "واسم الجمع المعرب" : كقوم ونسوة، وجمع التكسير "كأعراب، وهنود" "لكونها في معنى الجماعة ، والجماعة مؤنث مجازي .
وينقسم المؤنث باعتبار لفظه إلى :
1-"مؤنث لفظي" ، وهو: ما كان مشتملا على علامة تأنيث ظاهرة ، سواء أكان دالا على مؤنث أم مذكر، مثل : فاطمة، وحمزة، ومعاوية، وشجرة، وسلمى، وخضراء.
وأشهر علامات التأنيث في الاسم هي التاء المربوطة التي أصلها الهاء في مثل: أمينة، وشجرة ... وألف التأنيث المقصورة في مثل: دنيا، وريا- وعليا- والممدودة في مثل: خضراء، وبيضاء وأربعاء. وهناك علامات أخرى تلي تلك، كالكسرة في مثل الضمير، "أنت"،..... ونون النسوة في مثل: "أنتن".
2-"مؤنث معنوى" ، وهو ما كان لفظه خاليا من علامة مع دلالته على التأنيث ... نحو: زينب، وشمس، وأرض . (النحو الوافي مذيلا بالحاشية لعباس حسن 1/163 بتصرف يسير) .
وقد ذكر النحاة حالات إسناد المؤنث ، فقالوا يَجِبُ تأنيث الفعل:
1-إذا كان الفاعل حقيقي التأنيث ، وغَيْرَ مُنْفَصِل عَنِ الْفِعْلِ. مثل : سافرتْ فاطمةُ ،
تعودُ زينبُ ، ولا يصح نحو : سافر فاطمة إلا شذوذًا ، قال ابن مالك :
والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضمير ذي المجاز في شعر وقع
2- إذا كانَ الْفَاعِلُ ضَميراً يعود على مؤنث مَجازِيِّ التَّأْنيثِ. مثل : الشَّمْسُ تَطْلُعُ ، الْحَرْبُ انْتَهَتْ.

ويجوز تأنيث الفعل وتذكيره :
1-إذا كان الفاعل حَقِيقيَّ التَّأْنِيثِ ، وكان مَفْصُولاً عَنْ فِعْلِه.
سَافَرَتِ الْيَوْمَ فَاطِمةُ أوْ سَافَرَ الْيَوْمَ فَاطِمةُ.
تَعُودُ غَداً زَيْنَبُ أوْ يَعُودُ غَداً زَيْنَبُ.

2-إذا كان الفاعل اسْماً ظاهِراً مَجَازِيَّ التَّأْنِيثِ ، نحو : تَطْلُعُ الشَّمْسُ أوْ يَطْلُعُ الشَّمْسُ ، انْتَهَتِ الْحَرْبُ أوْ انْتَهَى الْحَرْبُ ، نحو: {وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} " [القيامة: 9] ، ولو ورد: "وجمعت"، بالتاء، لم يمتنع . (النحو الواضح لعلي الجارم ومصطفى أمين 2/ 87 ، 88 بتصرف يسير) .
3-إِذَا كانَ دالًا على جمع ، وفيه تفصيل ، قال العلامة ابن مالك رحمه الله :
والتاء مع جمع سوى السالم من ... مذكر كالتاء مع إحدى اللَّبِن
والحذف في "نِعْمَ الفتاةُ" استحسَنوا ... لأن قصد الجنس فيه بَيِّنُ

قال العلامة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله :
الاشياء التي تدل على معنى الجمع ستة أشياء، الأول: اسم الجمع نحو قوم ورهط ونسوة (اسم الجمع ما ليس له واحد من لفظه) ، والثاني: اسم الجنس الجمعي نحو روم وزنج وكَلِم (وهو ما تضمن معنى الجمع دالا على الجنس ، ويفرق بينه وبين مفرده بتاء في آخره نحو بِطيخ بطيخة ، تمر تمرة ، وكذلك بياء نحو روم روميّ ، زنج زنجيّ) ، والثالث: جمع التكسير لمذكر نحو رجال وزيود (وهو ما دل على أكثر من اثنين وتغيرت صورة مفرده) ، والرابع: جمع التكسير لمؤنث نحو هنود وضوارب (وهو ما دل على أكثر من اثنتين وتغيرت صورة مفرده) ، والخامس: جمع المذكر السالم نحو الزيدين والمؤمنين والبنين (وهو ما سَلِمَ مفرده) ، والسادس: جمع المؤنث السالم نحو الهندات والمؤمنات والبنات (وهو ما سَلِمَ مفرده) ، وللعلماء في الفعل المسند إلى هذه الاشياء ثلاثة مذاهب:
المذهب الاول: مذهب جمهور الكوفيين، وهو أنه يجوز في كل فعل أسند إلى شئ من هذه الاشياء الستة أن يؤتى به مؤنثا وأن يؤتى به مذكرا، والسر في هذا أن كل واحد من الأشياء الستة يجوز أن يؤول بالجمع فيكون مذكر المعنى، فيؤتى بفعله خاليا من علامة التأنيث، وأن يؤول بالجماعة فيكون مؤنث المعنى، فيؤتى بفعله مقترنا بعلامة التأنيث، فنقول على هذا: جاء القوم، وجاءت القوم، وفي الكتاب العزيز (وقال نسوة في المدينة) وتقول: زحف الروم، وزحفت الروم، وفي الكتاب الكريم: (غلبت الروم) وتقول: جاء الرجال، وجاءت الرجال، وتقول: جاء الهنود، وجاءت الهنود، وتقول جاء الزينبات، وجاءت الزينبات، وفي التنزيل: (إذا جاءك المؤمنات) وقال عبدة بن الطبيب من قصيدة له:
فبكى بناتي شَجوَهُنَّ وزوجـتي ... والأقربون إلـــيَّ ثُمَّ تَصـدَّعوا ، وتقول: جاء الزيدون، وجاءت الزيدون، وفي التنزيل: (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) وقال قُرَيْطُ بن أُنَيْفٍ أحد شعراء الحماسة: لو كنتُ مِن مَازِنٍ لم تَسْتَبِحْ إِبِلِي * بنو الَّلقِيطَةِ مِن ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَا.

والمذهب الثاني: مذهب أبي علي الفارسي ، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في جميع هذه الانواع، إلا نوعا واحدا، وهو جمع المذكر السالم ، فإنه لا يجوز في الفعل الذي يسند إليه إلا التذكير، وأنت لو تأملت في كلام الناظم لوجدته بحسب ظاهره مطابقا لهذا المذهب، لأنه لم يستثن إلا السالم من جمع المذكر.
والمذهب الثالث: مذهب جمهور البصريين ، وخلاصته أنه يجوز الوجهان في أربعة أنواع، وهي: اسم الجمع، واسم الجنس الجمعي، وجمع التكسير لمذكر، وجمع التكسير لمؤنث، وأما جمع المذكر السالم فلا يجوز في فعله إلا التذكير، وأما جمع المؤنث السالم فلا يجوز في فعله إلا التأنيث، وقد حاول جماعة من الشراح كالأشموني أن يحملوا كلام الناظم عليه، فزعموا أن الكلام على نية حذف الواو والمعطوف بها ، وأن أصل الكلام " سوى السالم من جمع مذكر ومن جمع مؤنث " ولكن شارحنا (ابن عقيل) رحمه الله لم يتكلف هذا التكلف، لأنه رأى أن لظاهر الكلام محملا حسنا، وهو أن يوافق مذهب أبي علي الفارسي، فاحفظ هذا التحقيق واحرص عليه، فإنه نفيس دقيق قلما تعثر عليه مشروحا مستدلا له في يسر وسهولة.
(حاشية منحة الجليل على شرح ابن عقيل 2/94 ، 95) (وانظر شرح الألفية للأشموني 1/401) .
بقي أن نشير إلى بعض الأغراض البلاغية من التذكير والتأنيث : ذكر الإمام الفراء وغيره من أئمة اللغة أن الغرض من تذكير الفعل الدلالة على التقليل ، والتأنيث للتكثير .
مثال 1 : قال الله تعالى :
((فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى)) (آل عمران 39) نلاحظ كلمة (الملائكة) جمع تكسير ومؤنث لفظي مجازي .
قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر ((فَنَادَاهُ الْمَلَائِكَةُ)) بتذكير الفعل (مع وجوب الإمالة) ؛ على معنى الجمع . وقرأ الباقون ((فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ)) بتأنيث الفعل على معنى الجماعة .
مثل 2 : قول الله تعالى لأمهات المؤمنين رضوان الله عليهن :
((وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)) (الأحزاب 31)
نلاحظ الآية التي قبلها ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ)) كلمة (نساء) جمع تكسير لمرأة من غير لفظها ، وهو مؤنث لفظي مجازي .
قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر ((وَيَعْمَلْ صَالِحًا)) بياء التذكير ؛ على إسناد الفعل (يَعْمَل) إلى لفظ "مَنْ" ، وقرأ الباقون ((وَتَعْمَلْ صَالِحًا)) بتاء التأنيث ؛ على إسناد الفعل (تَعْمَل) إلى معنى "مَنْ" ، وهنَّ النساء أمهات المؤمنين . (المهذب في القراءات العشر – د/محمد محمد محمد سلم محيسن رحمه الله بتصرف 2/253 ، 1/113) . هذا ، وبالله التوفيق ، والله أعلم .
س 26 تكميلي للسؤال السابق سأل الأخ الجزائري : في الآية ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ الى آخر الاية (البقرة 74) . ورد لفظ منه بالتذكير مع أنه راجع على مؤنث مع ذكر منها ؟

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن كلمة حجارة جمع كثرة ، والتاء للتأنيث وليست للمبالغة في الوصف كما ذكر ابن سِيدَه وغيره ، أو اسم جمع كما ذكر ابن عاشور في التحرير والتنوير (30/550) ومن وافقه ، وهذا اختصار مُسْتَفَادٌ لمعرفة جمع القلة وصيغة منتهى الجموع وجمع الكثرة واسم الجمع ، قال ابن مالك في جموع القلة :
أَفْعِلَةٌ أَفْعُلٌ ثُمَّ فَعْلَهْ ... ثَمَّتَ أَفْعَالٌ جُمُوعُ قِلَّهْ
أَفْعِلَةٌ مثل أطعمة ، أبنية ، أَفْعُلٌ مثل أنفس ، أبحر ، فِعْلَةٌ مثل صبية ، فتية ، أَفْعَالٌ مثل أثواب ، أبيات ، أحجار .
وأما صيغة منتهى الجموع فهي كل جمع يكون فيه بعد الألف حرفان أو ثلاثة تتوسطها ياء ساكنة ، مثل دراهم ، قوافل ، مساجد ، دنانير ، مصابيح ، وأوزانه حوالي تسعة عشر ،
ونلاحظ منعه من الصرف للوزن كما ذكر ابن هشام موانع الصرف فقال :
وَزْنُ الْمُرَكَّبِ عُجْمَةٌ تَأْنِيثُها عَدْلٌ وَوَصْفُ الْجَمْعُ زِدْ تَأْنِيثًًا
وأما جموع الكثرة فهي سبع عشرة صيغة ، وتعرف بأنها ما ليس على وزن جمع القلة أفعلة أفعل فعلة أفعال ، وليس كصيغة منتهى الجموع .
هذا وقد اختار العلامة ابن عقيل في شرحه أن ما سوى الأبنية الأربعة للقلة هو جمع كثرة ، قال : "قد يستغنى ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة كرجل وأرجل وعنق وأعناق وفؤاد وأفئدة وقد يستغنى ببعض أبنية الكثرة عن بعض أبنية القلة كرَجُل ورِجَال وقلب وقُلُوب". قال ابن مالك :
وَبَعْضُ ذِي بِكَثْرَةٍ وَضْعاً يَفِي……كَأَرْجُلٍ وَالْعَكْسُ جَاءَ كَالصُّفِي (شرح الألفية لابن عقيل 4 / 114 ، 115) .
وأما اسم الجمع فهو الاسم الدال على جمع ولا واحد له من لفظه ، مثل جيش وقبيلة وإبل وغنم، فيعود عليه الضمير مفرداً مراعاة للفظة، أَو جمعاً مراعاة لمعناه مثل (جيشكم ظافر أَو ظافرون). لكن يثنى ويجمع كأَنه مفرد فنقول جيشان وقبائل ، كما ذكر العلامة الأفغاني في الموجز ، وأما تعريف سيبويه رحمه الله - وبه أخذ الجمهور - فيقول : ((اسم الجمع هو الاسم الذي لم يكسر عليه واحده للجمع مثل صحب فهي عنده اسم جمع لأن مفرده صاحب ولم يكسر لجمع ، خلافًا للأخفش الذي قال صحب جمع صاحب لأخذه بتعريف آخر مخالفًا للجمهور)) ؛ وعبارة سيبويه تحتمل لـحجارة أن تكون اسم جمع
كما في الآية 74 سورة البقرة . ((الحْجِارَةِ ... منه ، منها)) .
وقال ابن سِيدَه :
" الحجَرُ: الصَّخْرَة، وَالْجمع أحجارٌ واحجُرٌ، فِي الْقَلِيل، قَالَ ابْن هرمة:
والحِجْرُ والبَيْتُ والأستارُ حِيزَ لكُمْ ... ومَنْحَرُ البُدْنِ عندَ الأحْجُرِ السُّودِ
وَالْكثير، حِجارٌ وحِجارَةٌ، قَالَ:
كَأَنَّهَا من حِجارِ الغيلِ ألْبَسَها ... مضارِبُ الماءِ لوْنَ الطُّحلبِ اللَّزِب
وَفِي التَّنْزِيل: (وقودُها النَّاس والحجارةُ) قيل: هِيَ حِجَارَة الكبريت، ألحقوها الْهَاء لتأنيث الْجمع، كَمَا ذهب إِلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ فِي البعولة والفحولة." (المحكم والمحيط الأعظم 3/65) ، (وانظر المخصص 5/71) ، وقال العلامة الزبيدي :
ورُوِيَ عَن أَبي الهَيثمِ أَنه قَالَ: العرَبُ تُدْخِلُ الهاءَ فِي كلِّ جَمْعِ على فِعال أَو فُعُولٍ؛ وإِنما زادوا هاذه الهاءَ فيا، لأَنه إِذا سُكِتَ عَلَيْهِ اجتمعَ فِيهِ عِنْد السَّكْتِ ساكِنانِ، أَحدُهما الأَلفُ الَّتِي آخر حرفٍ فِي فِعال، وَالثَّانِي آخِرُ فِعال المَسْكُوت عَلَيْهِ، فَقَالُوا: عِظَامٌ وعِظَامَةٌ (تاج العروس 10/538) .
وبناءً عليه نقول إن قُصِدَ لفظ الجمع ذُكِّرت هاء الكناية ((من الحجارة لما يتفجر منه)) ، وإن قُصِدَ معنى الجماعة أُنِّثت ((وإن منها)) ، فالتذكير يدل على التقليل ((وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ)) ، والتأنيث يدل على التكثير :
((وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)) على سبيل المجاز العقلي كما قال البعض أو على الحقيقة كما قال مجاهد : كل حجر يتفجر منه الماء، وينشق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل ، فمن خشية الله .
والله أعلم .
 
س 27 ، سأل أخ من المغرب : من فضلك لماذا الإمالة في : تُدْعَى - تُتْلَى ؟؟ جزاك الله خيرا .

ج 27 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...

فهذه خلاصة باب الفتح والإمالة وبين اللفظين لورش من طريق الشاطبية :

1-قرأ ورش ذوات الياء - في كل القرآن إلا رءوس آى إحدى عشر سورة سيأتي حكمها - بوجهين الفتح والتقليل ، وهي على وزن فَعْلَى أو فِعْلَى أو فُعْلَى أو فُعَالَى أو فَعَالَى أو يائية الرسم (غَيْرَ لَدَى زَكَى عَلَى حَتَّى إِلَى) ، وأكثر ذوات الياء تعرف بأن ترد الفعل إليك فإن كان يائيا فثم الوجهان ، وأن تثني الاسم فإن كان يائيا فثم الوجهان ، فإن كانت الأسماء أو الأفعال واوية فالفتح فقط .

2- قرأ ورش بقصر البدل مع توسط اللين مع فتح ذوات الياء وجهًا واحدًا ، وقرأ بتوسط البدل مع توسط اللين مع تقليل ذوات الياء وجهًا واحدًا ، وقرأ بإشباع البدل مع توسط وإشباع اللين مع فتح وتقليل ذوات الياء ، والتحريرات غير ذلك زيادةً في الإتقان .

3- قرأ ورش بتقليل الألفات المتطرفة الواقعة بعد راء مفتوحة وجهًا واحدًا مثل (اشترى ، ترى ، وترَاهم) إلا (أَرَاكَهُمْ) (الأنفال 43) فله فيها الوجهان الفتح والتقليل .

4- قلل ورش الألفات الواقعة قبل راء متطرفة مكسورة وجهًا واحدًا مثل (الدارِ ، نارِ ، كفّارٍ ، أبصارِهم) إلا (الجارِ) (النساء 36) ، (جبارِينَ) (المائدة 22 ، الشعراء 130) فله فيهما الوجهان الفتح والتقليل .

5- قلل ورش هذه الكلمات (كافرين ، الكافرين) ، (التوراة) حيث وقعت وجهًا واحدًا .

6- قلل ورش كلمة (رءا) حيث وقعت وبعدها متحرك بتقليل الراء والهمزة وجهًا واحدًا وصلا ووقفا مثل (رءاها) ، (رءا كوكبا) ، وأما إن جاء بعدها ساكن كهمز الوصل مثل (رءا الشمس) فإنه يفتح الحرفين وصلًا ، ويقللهما وقفًا (رَءَا).

7-لذوات الياء وذوات الواو من رءوس آي السور الإحدى عشر أحكام خاصة ، وهي (النَّجْمِ طَهَ اقْرَأَ مَعَ الَ ... قِيَامَةِ اللَّيْلِ الضُّحَى الشَّمْسِ سَأَلْ عَبَسَ وَالنَّزْعِ وَسَبِّحْ) فله في ذوات يائها وواوها ورائها التقليل وجهًا واحدًا إلا ما كان في آخره (هــا) وليس رائيا ففيه الوجهان الفتح والتقليل ، وأما ما كان في آخره (هــا) وكان رائيا ففيه التقليل فقط وجهًا واحدًا ، وهو (ذِكْرَاهَا) (النازعات 43) .

8- قرأ ورش بتقليل حروف (حُرِّيَهْ) من الحروف المقطعة إلا أول "سورة يس" فلا تقليل فيها ، وإلا ها (طه) فإنه يميلها إمالة كبرى ، ولا يميل غيرها في كل القرآن .

، وبناءً على ما تقدم أقول للأخ الحبيب ، تُدْعَى ، وتُتْلَى تندرج تحت باب ذوات الياء ليس من باب رد الفعل إلى المتكلم ؛ لأن "دَعَا" واوية : "دعوتُ" ، ومن نافلة القول ما قاله ابن منظور :
"وَيُقَالُ: دَعَوْت اللَّهَ لَهُ بخَيْرٍ وعَليْه بِشَرّ. والدَّعْوة: المَرَّة الواحدةَ مِنَ الدُّعاء؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فَإِنَّ دَعْوتَهم تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ أَي تحُوطُهم وتكْنُفُهم وتَحْفَظُهم؛ يُرِيدُ أهلَ السُّنّة دُونَ البِدْعة. والدُّعَاءُ: وَاحِدُ الأَدْعِيَة، وأَصله دُعاو لأَنه مَنْ دَعَوْت، إِلَّا أَنَّ الْوَاوَ لمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الأَلف هُمِزتْ. وَتَقُولُ للمرأَة: أَنتِ تَدْعِينَ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَانِيَةٌ: أَنت تَدْعُوِينَ، وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنتِ تَدْعُينَ، بِإِشْمَامِ الْعَيْنِ الضَّمَّةَ، وَالْجَمَاعَةُ أَنْتُنَّ تَدْعُونَ مِثْلُ الرِّجَالِ سَوَاءً .

وتَداعى القومُ: دَعَا بعضُهم بَعْضًا حَتَّى يَجتمعوا؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهُوَ التَّدَاعِي. والتَّدَاعِي والادِّعَاءُ: الاعْتِزاء فِي الْحَرْبِ، وَهُوَ أَن يَقُولَ أَنَا فلانُ بنُ فُلَانٍ، لأَنهم يَتداعَوْن بأَسمائهم. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا بالُ دَعْوى الْجَاهِلِيَّةِ؟

هُوَ قولُهم: يَا لَفُلانٍ، كَانُوا يَدْعُون بعضُهم بَعْضًا عِنْدَ الأَمر الْحَادِثِ الشَّدِيدِ. وَمِنْهُ حَدِيثِ
زيدِ بنِ أَرْقَمَ: فَقَالَ قومٌ يَا للأَنْصارِ وَقَالَ قومٌ: يَا للْمُهاجِرين فَقَالَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: دَعُوها فَإِنَّهَا مُنْتِنةٌ.
وَقَوْلُهُمْ: مَا بالدَّارِ دُعْوِيٌّ، بِالضَّمِّ، أَي أَحد. قَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ مِنْ دَعَوْت أَي لَيْسَ فِيهَا مَنْ يَدعُو لَا يُتكَلَّمُ بِهِ إلَّا مَعَ الجَحْد؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ تَدَّعُون (بسورة الملك) بِمَعْنَى تَدْعُون، وَمَنْ قرأَ تَدْعُون، مُخَفَّفَةً، فَهُوَ مَنْ دَعَوْت أَدْعُو، وَالْمَعْنَى هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ وتَدْعُون اللَّهَ بتَعْجيله، يَعْنِي قَوْلَهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ تَدَّعُون فِي الْآيَةِ تَفْتَعِلُونَ مِنَ الدُّعَاءِ وتَفْتَعِلون مِنَ الدَّعْوَى، وَالِاسْمُ الدَّعْوى والدِّعْوة، قَالَ اللَّيْثُ: دَعا يَدْعُو دَعْوَةً ودُعاءً وادَّعَى يَدَّعي ادِّعاءً ودَعْوَى. وَفِي نَسَبِهِ دَعْوة أَي دَعْوَى. والدِّعْوة، بِكَسْرِ الدَّالِ: ادِّعاءُ الوَلدِ الدَّعِيِّ غَيْرَ أَبيه. يُقَالُ: دَعِيٌّ بيِّنُ الدِّعْوة والدِّعاوَة. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الدَّعْوة فِي الطَّعَامِ والدِّعْوة فِي النَّسَبِ. ابْنُ الأَعرابي: المدَّعَى المُتَّهَمُ فِي نسَبه، وَهُوَ الدَّعِيُّ. والدَّعِيُّ أَيضاً: المُتَبَنَّى الَّذِي تَبَنَّاه رجلٌ فَدَعَاهُ ابنَه ونسبهُ إِلَى غَيْرِهِ" . (لسان العرب 14/258 وما يليها) .

وفي "تلا" قال ابن منظور :
"وتَلَوْته تُلُوّاً: تَبِعْتُهُ. يُقَالُ: مَا زِلْتُ أَتْلُوه حَتَّى أَتْلَيْته أَي تَقَدَّمْته وَصَارَ خَلْفِي. وأَتْلَيْته أَي سَبَقْتُهُ. فأَما قِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ تَلَيها فأَمالَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، فَإِنَّمَا قرأَ بِهِ لأَنها جاءَت مَعَ مَا يَجُوزُ أَن يُمَالَ، وَهُوَ يَغْشَيها وبَنَيها، وَقِيلَ: مَعْنَى تَلَاهَا حِينَ اسْتَدَارَ فَتَلَا الشمسَ الضياءُ والنورُ. وتَتَالَت الأُمورُ: تَلَا بعضُها بَعْضًا. وأَتْلَيْتُه إِيَّاهُ: أَتبَعْتُه". (14/102)
وقال : "قِيلَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (في الحديث) وَلَا تَلَيْتَ : وَلَا تَلَوْتَ أَي لَا قرأْتَ وَلَا دَرَسْت، مِنْ تَلا يَتْلُو، فَقَالُوا تَلَيْتَ بِالْيَاءِ ليُعاقَبَ بِهَا الياءُ فِي دَرَيْتَ، كَمَا قَالُوا: إِني لآتِيهِ بالغَدَايا والعَشايا، وَتُجْمَعُ الْغَدَاةُ غَدَوات، فَقِيلَ: الغَدايا مِنْ أَجل العَشايا لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ؛ قَالَ: وَكَانَ يُونُسُ يَقُولُ إِنما هُوَ وَلَا أَتْلَيْتَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، مَعْنَاهُ أَن لَا تُتْلِيَ إِبلُه أَيْ لَا يَكُونُ لَهَا أَولاد تَتْلُوهَا؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما هُوَ لا دَرَيْتَ ولا اتَّلَيْتَ عَلَى افْتَعلت مِنْ أَلَوْتَ أَي أَطقت وَاسْتَطَعْتَ، فكأَنه قَالَ لَا دَرَيْت وَلَا اسْتَطَعْتَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: والمحدِّثون يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ
وَلَا تَلَيْتَ ، وَالصَّوَابُ وَلَا ائْتَلَيْتَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا قرأْت أَي لَا تَلَوْتَ فَقَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ مَعَ دَرَيْتَ". (14/104) .

فالكلمتان (تُدَعى ، تُتْلَى) وإن كانتا واويتين أصلًا ، فإنهما تندرجان تحت باب ذوات الياء رسمًا ، من باب ما بياء رسمه كما تقدم ، والله أعلم .
س 28 : سأل أخ من ألمانيا : شيخنا هل يجوز للمرأة أن تتفرج على مقاطع مشتملة على رياضات بدنية تمارسها النساء في الشاشة مع الملاحظة أنهن أي الممثلات يلبسن ثيابًا ضيقة وقصيرة ؟

ج 28 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فهذه مقدمة هامة لإدراك أبعاد الحكم الشرعي :
إن الإسلام دعا المرأة إلى غض البصر والمبالغة في التستر ، قال الله سبحانه : ((وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) (النور 31)
قال الإمام ابن الجوزي الحنبلي رحمه الله :
قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ في «من» قولان: أحدهما: أنها صلة. والثاني:
أنها أصل، لأنهم لم يؤمروا بالغض مطلقاً، وإنما أمروا بالغض عما لا يحلُّ.

وفي قوله تعالى: وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قولان: أحدهما: عما لا يحل لهم، قاله الجمهور.
والثاني: عن أن تُرى، فهو أمر لهم بالاستتار، قاله أبو العالية، وابن زيد.
قوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى الغض وحفظ الفروج أَزْكى لَهُمْ أي خير وأفضل إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ في الأبصار والفروج.
ثم أمر النساء بما أمر به الرجال.
قوله تعالى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ أي: لا يظهرنها لغير مَحْرَم. وزينتهن على ضربين: خفية كالسّوارين والقرطين والدّملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهر وهي المشار إليها بقوله تعالى: إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وفيها سبعة أقوال :
أحدها: انها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود وفي لفظ آخر قال هو الرداء.
والثاني: أنها الأكفّ، والخاتم والوجه. والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والرابع: القُلْبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة. والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد. والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن. والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك.
قال القاضي أبو يعلى: والقول الأول أشبه، وقد نص عليه أحمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر «2» ، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، مثل ان يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصّة فأما النّظر إليها لغير عذر، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها ، وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن. فان قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها؟! فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه .
قوله تعالى: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ وهي جمع خِمار، وهو ما تغطى به المرأة رأسها، والمعنى:
وليُلْقِين مَقانِعَهن عَلى جُيُوبِهِنَّ ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن. وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وإبراهيم النخعي، والأعمش: «على جِيوبهن» بكسر الجيم، (قلت : وهي قراءة ابن ذكوان وابن كثير وحمزة والكسائي وشعبة بخلف عنه) وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ يعني:
الخفية، وقد سبق بيانها إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن.
قوله تعالى: أَوْ نِسائِهِنَّ يعني: المسلمات. قال أحمد:
لا يحل للمسلمة ان تكشف رأسها عند نساء أهل الذمة واليهودية والنصرانية لا تقبِّلان المسلمة .

قوله تعالى: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ قال أصحابنا: المراد به: الإماء دون العبيد. وقال أصحاب الشّافعيّ: يدخل فيه العبيد، يجوز للمرأة عندهم أن تظهر لمملوكها ما تظهر لمحارمها، لأنّ مذهب الشّافعيّ رضي الله عنه أنه مَحْرم لها، وعندنا أنه ليس بمحرم، ولا يجوز أن ينظر إلى غير وجهها وكفّيها، وقد نصّ أحمد على أنه لا يجوز أن ينظر إلى شعر مولاته. قال القاضي أبو يعلى: وإنما ذكر الإماء في الآية، لأنه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء، لأن الذين تقدم ذكرهم احرار، فلما ذكر الإماء زال الإشكال.
قوله تعالى: أَوِ التَّابِعِينَ وهم الذين يتبعون القوم ويكونون معهم لإرفاقهم إياهم، أو لأنهم تشؤوا فيهم. وللمفسرين في هذا التابع ستة أقوال: أحدها: أنه الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، قاله قتادة، وكذلك قال مجاهد: هو الأبله الذي يريد الطعام ولا يريد النساء. والثاني: أنه العِنِّين، قاله عكرمة. والثالث: المخنث، كان يتبع الرجل يخدمه بطعامه، ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن، قاله الحسن. والرابع: أنه الشيخ الفاني. والخامس: أنه الخادم، قالهما ابن السائب.
والسادس: أنه الذي لا يكترث بالنساء، إما لكبر أو لهرم أو لصغر، ذكره ابن المنادي من أصحابنا.
قال الزجاج: «غير» صفة للتابعين. وفيه دليل على أن قوله: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ معناه: غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ فالمعنى: ولا يبدين زينتهن لمماليكهن، ولا لتُبَّاعِهن، إلا أن يكونوا غير أولي الإربة، والإربة: الحاجة، ومعناه: غير ذوي الحاجات إلى النساء .
قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ قال ابن قتيبة: يريد الأطفال، بدليل قوله تعالى: لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ أي: لم يعرفوها .
قوله تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ أي: بإحدى الرجلين على الأخرى ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أنّ عليها خلخالين . (زاد المسير 3 / 389 : 292) .
هذا وإن كانت عورة المرأة المسلمة مع المسلمة ما بين السرة والركبة كما قال جمهور الفقهاء وهو الأصح عند الحنفية [المبسوط للسرخسي 10/254، مواهب الجليل 2/180، المجموع شرح المهذب 3/167،الروض المربع 1/332] ، وفي رواية عن أبي حنيفة أنه قال بأن عورة المرأة مع المرأة كعورة المرأة مع محارمها الرجال ، فلا ترى منها أختها المسلمة إلا مواضع الزينة فتنظر إلى الرأس والوجه والعنق والعضد والساق.[البحر الرائق 8/219] .
ثم إنهم اختلفوا في حدود نظر المرأة الكافرة إلى المسلمة على قولين :
الأول: ما ذهب إليه الحنفية والمالكية والأصح من مذهب الشافعية ورواية عن أحمد أن المسلمة يجب عليها أن تحتجب عن غير المسلمة إلا لحاجة أو ضرورة [حاشية ابن عابدين6/371، بلغة السالك1/192، مغني المحتاج3/131، المغني 7/464] .
والثاني: أن حكم غير المسلمة في النظر كحكم المسلمة وهذا القول وجه عند الشافعية ورواية عن أحمد وهو المشهور في المذهب الحنبلي[روضة الطالبين 7/25، المغني الموضع السابق] .
وعلة ذلك أن الكافرة قد تصف المسلمة لكافر، فالتحريم لعارض، لا لكونها عورة.
وأما حكم نظر المرأة الفاسقة إلى المسلمة، فالراجح أنه لا يجوز لها النظر إلى غير الوجه واليدين من المرأة الصالحة إذا غلب على الظن أنها تصفها للرجال، قال الإمام العز بن عبد السلام من الشافعية ( والفاسقة مع العفيفة كالكافرة مع المسلمة ) [أسنى المطالب 3/111] وفي الفتاوى الهندية عند الأحناف: ( ولا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها الفاجرة، لأنها تصفها عند الرجال، فلا تضع جلبابها ولا خمارها عندها).
(مسألة: حدود عورة المرأة أمام المرأة - علوي بن عبدالقادر السقاف - موقع الدرر السنية http://www.dorar.net/art/455 ) .
وبناءً على الخلاف السابق اختلفوا في مقدار الحرمة في الملابس الضيقة للمرأة التي تصف أو تشف عورتها ، وإن أجاز بعضهم اللباس الضيق في الصلاة (فتوى 46529 موقع الإسلام سؤال وجواب http://www.islam-qa.com/ar/woman/46529 ) ؛ فإنه من باب ما لا يحترز منه فقد عفا الشرع عنه ، وقد قال بعضهم بصحة الصلاة مع وقوع الإثم لمخالفة الثوب الضيق .
ومما يستدل به على الحرمة عموما ما رواه الإمام أحمد (21786) (36/120) وابن أبي شيبة (164) (1/126) وغيرهما بسند حسن :
عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ، قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا» ، قال ابن الأثير : "القُبْطِيَّة: الثَّوب مِنْ ثِيَابِ مِصْر رَقيقة بَيْضاء، وَكَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى القِبْط، وهُم أَهْلُ مِصر. وضَمُّ الْقَافِ مِنْ تَغْيِيرِ النَّسب. وَهَذَا فِي الثِياب، فَأَمَّا فِي النَّاسِ فقِبْطِيٌّ، بِالْكَسْرِ." ثم قال : "وجَمْعُها القَباطِيّ. وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ «لَا تُلْبِسوا نِسَاءَكُمُ القَباطِيَّ، فَإِنَّهُ إنْ لَا يَشِفُّ فإِنه يَصِفُ» . (النهاية 4 / 6 ، 7) قلت : وأثر عمر رواه عبد الرزاق (9253) (5/164) ، وابن أبي شيبة (24793) (5/164) بلفظ (فَإِنَّهُ إنْ لَا يَشِفَّ يَصِفُ) .
قال ابن منظور : والغِلالَةِ، ككِتابَةٍ: العُظَّامَة، وَهُوَ الثوبُ الَّذِي تشُدُّه المرأةُ على عَجيزَتِها تحتَ إزارِها ، أَيْضا: المِسمارُ الَّذِي يَجْمَعُ بينَ رَأْسَيْ الحَلْقَةِ والجمعُ الغَلائلُ .
(لسان العرب باختصار 30 / 120)
(وانظر فتوى الشيخ السحيم
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t =73869 ) .
ومما يستدل به على حرمة نظر المرأة إلى عورة أختها قوله صلى الله عليه وسلم :
«لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ» رواه مسلم (338) (1/266) . (وانظر فتوى 161855 إسلام ويب) .
"وقد نصّ الفقهاء على حرمة مشاهدة الحرام؛ لما فيه من إقرار له، وتعاون على الإثم والعدوان.‏
قال الإمام الرملي في حاشيته على أسنى المطالب: اعلم أنه يحرم التفرج على الأشياء المحرمة؛ ‏لأن فيه إعانة لهم على المعصية.
قال الشيخ منصور سبط الطبلاوي، في حاشيته على تحفة المحتاج: وكل ما حَرُم حرُم التفرج عليه؛ ‏لأنه إعانة على المعصية. ‏
وقال البيجرمي في حاشيته على تحفة الخطيب: وما هو حرام في نفسه يحرم التفرج عليه؛ لأنه رضًا ‏به، كما قال ابن قاسم على المنهج."
(فتوى رقم 217516 من فتاوى إسلام ويب بتصرف يسير) .
وأما إن شاهدت المرأة حلقات مسجلة للرياضة البدنية النسائية - مع التزام الحدود الشرعية في عورة المرأة مع المرأة وفقًا للتفصيل السابق - عبر الفيديو وما شابه ذلك فلا بأس ، والله أعلم .
س 29 سأل أخ من فرنسا : عندي سؤال فيما يخص الحمامات؟
هي ليست كالحمامات الجماعية المعروفة ولكنها إنفرادية بحيث هناك بيوت كل واحد منها على حدى وليس هناك مجال لكشف العورات أمام النساء، والتي ترغب في الإستحمام تدخل ذاك البيت لوحدها وتستحم ثم تخرج وهي ساترة لنفسها عن أنظار النساء فهل هذه تجوز أم لا وبارك الله فيكم .


ج 29 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد روى الإمام أبو داود الطيالسي (1621) (3/112) وابن ماجه (3750) (2/1234) وغيرهما بأسانيد صحيحة عَنْ أَبِي مَلِيحٍ الْهُذَلِيِّ، أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: أَنْتُنَّ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ نِسَاؤُكُنَّ الْحَمَّامَاتِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتَ زَوْجِهَا إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ»
قال الإمام المناوي رحمه الله : (أيما امرأة) قال في التنقيح: أي مبتدأ في معنى الشرط وما زائدة لتوكيد الشرط وقوله الآتي فقد إلخ جواب الشرط (وضعت ثيابها في غير بيت زوجها) كناية عن تكشفها للأجانب وعدم تسترها منهم (فقد هتكت ستر ما بينها وبين الله عز وجل) لأنه تعالى أنزل لباسا ليوارين به سوءاتهن وهو لباس التقوى وإذا لم تتقين الله وكشفن سوءاتهن هتكن الستر بينهن وبين الله تعالى وكما هتكت نفسها ولم تصن وجهها وخانت زوجها يهتك الله سترها والجزاء من جنس العمل والهتك خرق الستر عما وراءه والهتيكة الفضيحة . فيض القدير (2940) (3/136) .
قلت : وقد قال الله تعالى في كتابه العظيم : ((يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)) (الأعراف 26) قرأ عاصم والبصريان والمكي وحمزة وخلف العاشر (
وَلِبَاسُ التَّقْوَى) بالرفع على أن (لِبَاسُ التَّقْوَى) مبتدأ أول ، وذلك مبتدأ ثان ، و(خيرٌ) خبر المبتدأ الثاني ، وجملة (ذلك خيرٌ)خبر لـلمبتدأ الأول (لباسُ التقوى) والواو استئنافية< b> . وقرأ الباقون (وَلِبَاسَ التَّقْوَى) بالنصب عطفًا على المفعول ( لِبَاسًا) والواو عاطفة (المهذب 1/225 بتصرف وزيادة يسيرة) ؛فقد أنزل الله تعالى لباسين : لباس الأبدان ولباس الجنان (أي القلب) ، وقد تقسم إلى ثلاثة ألبسة ؛ لباس واجب (( لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ)) وهو لباس الأبدان مما يستر عورة المسلم والمسلمة ، ولباس مستحب (( وَرِيشًا)) وهو لباس الأبدان مما يتزين به المسلم والمسلمة في نطاق الحدود الشرعية ، ولباس أوجب ((وَلِبَاسُ التَّقْوَى)) وهو لباس الجنان ، وقد قالوا :
إن المرء لم يلبس ثيابا من التقى ... تجرد عريانا وإن كان كاسيًا
وخير ثياب المرء طاعة ربه ... ولا خير في من كان لله عاصيًا

وسُئِلَ الإمام الشافعي رحمه الله عن واجب وأوجب ، وعجيب وأعجب ، وصعب وأصعب ، وقريب وأقرب
فقال :
من واجب الناس أن يتوبوا ... ولكن ترك الذنوب أوجب
والدهر في صرفه عجيب ... وغفلة الناس عنه أعجب
والصبر في النائبات صعب ... ولكن فوات الثواب أصعب
وكل ما ترتجي قريب ... والموت من دون ذلك أقرب

وبناءً على ما تقدم فإننا نقول إن علة التحريم كما في الحديث هي ما يترتب عليها من كشف العورات أو هتك الأستار ، أما إن روعيت الأمور الشرعية فلا بأس بأن تذهب المرأة للحمام ، وهذه بعض الضوابط الشرعية :
1- أن تتأكد أنه لا يتردد على الحمام إلا النساء سواء من الإدارة أو غير ذلك .
2- أن تتأكد من أنه لا توضع كاميرات للتصوير كما فعل بعض الخبثاء في غرف قياس الملابس للنساء .
3- أن تلتزم بحدود عورة المسلمة مع أختها المسلمة أو غيرها ،
راجع إجابة السؤال السابق 28 (فتوى رقم 4399 من فتاوى الشبكة الإسلامية).
وإن كان الأولى أن تصنع المرأة الحمام الذي تريده في بيتها ولا تذهب لهذه الحمامات أو غيرها ، لاسيما ونحن نعيش في عصر مليء بالفتن والشهوات والشبهات ، نسأل الله أن يستر جميع نساء المؤمنين ، والله أعلم ، وصلّ اللهم وسلّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
س 30 : من أخت مغربية : لماذا يعتبر الإدغام في الأسماء الموصولة إدغاما متماثلا مثل : الذي ، التي ، الذين ؟
ج 30 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فهذه مقدمة مختصرة للام أل بأنواعها ، قال العلامة سعيد الأفغاني في كتابه الموجز :
5- المعرف بـ (ال)
اسم اتصلت به ((ال)) فأَفادته التعريف. وهي قسمان ((ال)) العهدية، و((ال)) الجنسية.
((ال)) العهدية: إذا اتصلت بنكرة صارت معرفة دالة على معين مثل (أَكرم الرجلَ)، فحين تقول (أَكرم رجلاً) لم تحدد لمخاطبك فرداً بعينه، ولكنك في قولك (أَكرم الرجل) قد عينت له من تريد وهو المعروف عنده.
والعهد يكون ذكرياً إِذا سبق للمعهود ذكر في الكلام كقوله تعالى: {إِنّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً، فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}.
ويكون ذهنياً إِذا كان ملحوظاً في أَذهان المخاطبين مثل: {إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}. ويكون حضورياً إِذا كان مصحوبها حاضراً مثل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} أَي في هذا اليوم الذي أَنتم فيه.
((ال)) الجنسية: وهي الداخلة على اسم لا يراد به معين، بل فرد من أفراد الجنس مثل قوله تعالى: {خُلِقَ الإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} وهي إِما أَن ترادف كلمة (كل) حقيقة كالمثال السابق: خلق كل إِنسان من عجل، فتشمل كل أَفراد الجنس.
وإِما أَن ترادف كلمة (كل) مجازاً فتشمل كل خصائص الجنس وتفيد المبالغة مثل: أَنت الإِنسان حقاً.
والتعريف في ((ال)) العهدية حقيقي لفظاً ومعنًى، وفي ((ال)) الجنسية لفظي فقط فما دخلت عليه معرفة لفظاً نكرة معنى، ولذا كانت الجملة بعد المعرف بـ (ال) العهدية حالية دائماً لأَن صاحبها معرفة محضة: (رأَيت الأَمير يعلو جواده)، والجملة بعد المعرف بـ((ال)) الجنسية يجوز أن تكون حالاً مراعاة للفظ وأَن تكون صفة مراعاة للمعنى مثل:
فمضيْتُ ثُمَّتَ قلت: لا يعنيني
ولقد أَمرُّ على اللئيم يسبني
تذييل: هناك ((ال)) زائدة غير معرِّفة، وتكون لازمة وغير لازمة:
فاللازمة: هي التي في أول الأعلام المرتجلة مثل لفظ الجلالة (الله) والسموءل واللات (اسم صنم) والعُزّى، أَو في أول الأسماء الموصولة مثل الذي، التي ، (كذا اللات : جمع التي).
وغير اللازمة: وهي التي وردت شذوذًا كقولهم: (ادخلوا الأولَ فالأَولَ، جاؤوا الجماءَ الغفير، فـ (الأول) و(الجماء) وقعتا حالاً، والحال دائماً نكرة أو في معنى النكرة.
أو التي سمع زيادتها في أول الأعلام المنقولة عن صفة مثل العباس والحارث والحسن والحسين والضحاك، أو عن مصدر مثل الفضل، ومنها ما هو خاص في الضرورات الشعرية كقوله:
ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
وبنا أوبر هي الكمأة الصغار، والداخلة على التمييز كقول الشاعر:
صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو
رأيتك لما أن عرفت وجوهنا
تعريف الأعداد:
إذا أَردت تعريف العدد فإن كان مضافاً عرفت المضاف إليه مثل عندي خمسة الكتب المقررة وتسع الوثائق المطلوبة؛ وإن كان مركباً عرفت الجزءَ الأَول: اشتريت الخمسة عشر كتاباً والسبع عشرة صحيفة.
وإن كان معطوفاً ومعطوفاً عليه عرفت الجزأَين معاً مثل: أَحضر الثلاثة والخمسين ديناراً. ا هـ .
قال العلامة ابن عقيل في شرح الالفية : "ومثل أيضا ب الذين واللات (جمع التي) والمراد بهما ما دخل عليه أل من الموصولات وهو مبني على أن تعريف الموصول بالصلة فتكون الألف واللام زائدة ، وهو مذهب قوم واختاره المصنف ، وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول ب أل إن كانت فيه نحو الذي فإن لم تكن فيه فبنيتها نحو من وما إلا أيا فإنها تتعرف بالإضافة فعلى هذا المذهب لا تكون الألف واللام زائدة وأما حذفها في قراءة من قرأ صراط لذين أنعمت عليهم فلا يدل على أنها زائدة إذ يحتمل أن تكون حذفت شذوذا وإن كانت معرفة كما حذفت من قولهم سلام عليكم من غير تنوين يريدون السلام عليكم." ا هـ (شرح ابن عقيل على الألفية 1 / 180) .

وبناء على ما تقدم أقول : إن أل في الذي والتي والذين وان كانت زائدة معنويا فهي لازمة ولا تحلل بأن الأصل لذي أو لتي أو لذين ثم دخلت عليهما أل ؛ لأن أل هنا من بنية الكلمة، فزيادتها لازمة ، وهذه لغة أكثر العرب ، وهناك لغة أخرى بلام واحدة ، قال ابن مالك في التسهيل : وقد يقال لذي ولذان ولذين ولتي ولتان ولاتي . (حاشية الصبان 1 / 264)(وانظر تفريغ شرح العلامة ابن عثيمين 15) .
وقد قال الإمام ابن مالك رحمه الله :
(أل) حَرْفُ تَعْرِيفٍ أَوِ اللَّامُ فَقَطْ ... فَنَمَطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فِيهِ النَّمَطْ
وَقَدْ تُزَادُ لَازِمًا كَاللَّاتِ ... وَالآنَ وَالَّذِينَ ثُمَّ اللَّاتِي
وَلِاضْطِرَارٍ كَبَنَاتِ الْأَوْبَرِ ... كَذَا وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي

، يرجى متابعة سلسلة بيتًا بيتا لحفظ ألفية ابن مالك ، وسيأتي فيها شرح الأبيات قريبا بإذن الله ، وبالله التوفيق ، والله أعلم.
 
 

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©