موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة والفتاوى العلمية 40 - هل رواية حفص فقط هي القرآن وما سواها فلا ؟ وما أوجه اختلاف الأحرف ؟ والاستفهام المكرر

بسم الله الرحمن الرحيم 

س 40 : من أخ كيني ، عن كيفية قراءة قول الله تعالى : (((يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ)) (النازعات 10) وفقًا لرواية دوري أبي عمرو ، وأن بعض الناس يظنون أن رواية حفص عن عاصم فقط هي القرآن الكريم ، وأن ما سواها ليس قرآنا .
ج 40 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ قِرَاءَةً سِوَى قَرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَلَمَّا قَضَيْنَا الصَّلَاةَ دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَرَأَ قِرَاءَةً أَنْكَرْتُهَا عَلَيْهِ، وَدَخَلَ آخَرُ فَقَرَأَ سِوَى قِرَاءَةِ صَاحِبِهِ، فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَآ، فَحَسَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَأْنَهُمَا، فَسَقَطَ فِي نَفْسِي مِنَ التَّكْذِيبِ، وَلَا إِذْ كُنْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدْ غَشِيَنِي، ضَرَبَ فِي صَدْرِي، فَفِضْتُ عَرَقًا وَكَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَرَقًا، فَقَالَ لِي: " يَا أُبَيُّ أُرْسِلَ إِلَيَّ أَنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّانِيَةَ اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ، فَرَدَدْتُ إِلَيْهِ أَنْ هَوِّنْ عَلَى أُمَّتِي، فَرَدَّ إِلَيَّ الثَّالِثَةَ اقْرَأْهُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَلَكَ بِكُلِّ رَدَّةٍ رَدَدْتُكَهَا مَسْأَلَةٌ تَسْأَلُنِيهَا، فَقُلْتُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". (1)
قال الإمام ابن الجزري - رحمه الله - في الطيبة :

18- وأَصْلُ الاخْتِلافِ أنَّ رَبَّنًا ... أْنزَلَهُ بِسَبْعَةٍ مُهَوِّنَا
19- وَقِيلَ فِي الْمُرَادِ مِنْهَا أَوْجُهُ * * * وَكَونُهُ اخْتِلاَفَ لَفْظٍ أوْجَهُ ا هــ ،
وهو يشير بذلك إلى اختلاف العلماء في المقصود بالأحرف السبعة ؛ فقد اختلفوا على خمسة وثلاثين قولاً، نقلها السيوطي رحمه الله في الإتقان (1/164) ، وأجود الأقوال قول أبي الفضل الرازي والإمام ابن الْجَزَرِيِّ رحمهما الله ، قال في النشر : تَتَبَّعْتُ الْقِرَاءَاتِ صَحِيحَهَا وَشَاذَّهَا وَضَعِيفَهَا وَمُنْكَرَهَا، فَإِذَا هُوَ يَرْجِعُ اخْتِلَافُهَا إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ مِنَ الِاخْتِلَافِ لَا يَخْرُجُ عَنْهَا، وَذَلِكَ إِمَّا فِي الْحَرَكَاتِ بِلَا تَغْيِيرٍ فِي الْمَعْنَى وَالصُّورَةِ: نَحْوَ (الْبُخْلِ) بِأَرْبَعَةٍ (وَيَحْسَبُ) بِوَجْهَيْنِ، أَوْ بِتَغَيُّرٍ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ نَحْوَ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ، وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ، وَ (أَمَهٍ) ، وَإِمَّا فِي الْحُرُوفِ بِتَغَيُّرِ الْمَعْنَى لَا الصُّورَةِ نَحْوَ (تَبْلُوا وَتَتْلُوا) وَ (نُنَحِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ) وَنُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ، أَوْ عَكْسِ ذَلِكَ نَحْوَ (بَصْطَةً وَبَسْطَةً) وَ (الصِّرَاطَ وَالسِّرَاطَ) ، أَوْ بِتَغَيُّرِهِمَا نَحْوَ (أَشَدَّ مِنْكُمْ، وَمِنْهُمْ) وَ (يَأْتَلِ وَيَتَأَلَّ) وَ (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) ، وَإِمَّا فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ نَحْوَ (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) (وَجَاءَتْ سَكْرَتُ الْحَقِّ بِالْمَوْتِ) ، أَوْ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ نَحْوَ (وَأَوْصَى وَوَصَّى) وَ (الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) فَهَذِهِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ لَا يَخْرُجُ الِاخْتِلَافُ عَنْهَا، وَأَمَّا نَحْوُ اخْتِلَافِ الْإِظْهَارِ، وَالْإِدْغَامِ، وَالرَّوْمِ، وَالْإِشْمَامِ، وَالتَّفْخِيمِ، وَالتَّرْقِيقِ، وَالْمَدِّ، وَالْقَصْرِ، وَالْإِمَالَةِ، وَالْفَتْحِ، وَالتَّحْقِيقِ، وَالتَّسْهِيلِ، وَالْإِبْدَالِ، وَالنَّقْلِ مِمَّا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْأُصُولِ، فَهَذَا لَيْسَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يَتَنَوَّعُ فِيهِ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى ; لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمُتَنَوِّعَةَ فِي أَدَائِهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَاحِدًا، وَلَئِنْ فُرِضَ فَيَكُونُ مِنَ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ رَأَيْتُ الْإِمَامَ الْكَبِيرَ أَبَا الْفَضْلِ الرَّازِيَّ حَاوَلَ مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ: إِنَّ الْكَلَامَ لَا يَخْرُجُ اخْتِلَافُهُ عَنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ : (الْأَوَّلُ) اخْتِلَافُ الْأَسْمَاءِ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ وَالْمُبَالَغَةِ وَغَيْرِهَا ، كما في قوله تعالى :
((وَالَّذِينَ هُمْ لآمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)) [المؤمنون : 8] .(2)
(الثَّانِي) اخْتِلَافُ تَصْرِيفِ الْأَفْعَالِ وَمَا يُسْنَدُ إِلَيْهِ مِنْ نَحْوِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَالْأَمْرِ وَالْإِسْنَادِ إِلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِه ِ، كما في قوله تعالى : ((فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا)) [سبأ : 19] .(3)
(الثَّالِثُ) وُجُوهُ الْإِعْرَابِ، كما في قوله تعالى: ((وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ)) [المائدة : 6] . (4)
(الرَّابِعُ) الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ ، كما في قوله تعالى : ((وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)) [الشورى : 30] . (5)
(الْخَامِسُ) التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ ، كما في قوله تعالى : ((يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)) [التوبة : 111] . (6)
(السَّادِسُ) الْقَلْبُ وَالْإِبْدَالُ فِي كَلِمَةٍ بِأُخْرَى وَفِي حَرْفٍ بِآخَرَ ، كما في قوله تعالى : ((وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا )) . [البقرة : 259] . (7)
(السَّابِعُ) اخْتِلَافُ اللُّغَاتِ مِنْ فَتْحٍ وَإِمَالَةٍ وَتَرْقِيقٍ وَتَفْخِيمٍ وَتَحْقِيقٍ وَتَسْهِيلٍ وَإِدْغَامٍ وَإِظْهَارٍ، وَنَحْوِ ذَلِك َ. (8) (9)

وقد نظمتها بترتيب آخر في هذا البيت :
إعرابُ ، اسمٍ ، تصريف ، لغةِ ، أفعال ... زيادةُ نقصٍ ، ترتيبُ ، قَلْبِ ، إبدال
ونقول إن أصحاب القراءات العشر (المتضمنة للأحرف السبعة) اشتهروا بهذه القراءات فقط ، فهي ليست من تأليفهم ، وإنما كانوا يختارون هذه الطرق الأدائية بناءً على ما تلقوه من شيوخهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم قراء عشرة لأمصار خمسة : (المدينة ومكة والبصرة والشام والكوفة) ، المدنيان (نافع وأبوجعفر) ، والمكي (ابن كثير) ، والبصريان (أبو عمرو ويعقوب) ، والشامي (ابن عامر) ، والكوفيون (عاصم وحمزة والكسائي وخلف العاشر) ، ولكل قارئ تلاميذ كثيرون متقنون ، واختار العلماء لكل قارئ راويين إلا نافعًا فقد اختير له أربعة رواة ، فيكون مجموع الروايات اثنتين وعشرين : (قالون وورش وإسحاق وإسماعيل (*) عن نافع) ، (ابن وردان وابن جماز عن أبي جعفر) ، (البزي وقنبل عن ابن كثير) ، (الدوري والسوسي عن أبي عمرو) ، (رويس ورَوْحٌ عن يعقوب) ، (هشام وابن ذَكْوَانَ عن ابن عامر) ، (شعبة وحفص عن عاصم) ، (خلف وخلاد عن حمزة) ، (أبو الحارث والدوري عن الكسائي) ، (إسحاق وإدريس عن خلف العاشر) . والله أعلم .

وأما سؤالكم - وفقكم الله - عن قوله تعالى ((يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ)) (النازعات 10)
فأقول مستعينا بالله :
أحوال تلاصق الهمزتين من كلمة ثلاث : مفتوحتان نحو : (ءَأَنْذَرْتَهُمْ) (10) ، ومفتوحة فمكسورة نحو : ( أَئِنَّا) (11) ، أو مفتوحة فمضمومة نحو : (أَءُنْزِلَ) (12) .
فالهمزة الأولى ، وهي همزة الاستفهام مفتوحة دائما ، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي - (ت 590 هـ) رحمه الله - في الشاطبية :
195 - وَأَضْرُبُ جَمْعِ الْهَمْزَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ ... ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ ، أَئِنَّا ، أَءُنْزِلَا
وقد قرأ أبو عمرو البصري بتسهيل الهمزة الثانية مع الإدخال في الحالة الأولى والثانية (مفتوحتان ، مفتوحة فمكسورة) وأما الحالة الثالثة (مفتوحة فمضمومة) فقد قرأها بوجهين : تسهيل الهمزة الثانية مع الإدخال ، وتسهيل الهمزة الثانية بلا إدخال ، قال الإمام الشاطبي :
183 - وَتَسْهِيلُ أُخْرَى هَمْزَتَيْنِ بِكِلْمةٍ ... سَمَا ، وَبِذَاتِ الْفَتْحِ خُلْفٌ لِتَجْمُلَا
196 - وَمَدُّكَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ حُجَّةٌ ... بِهَا لُذُّ ، وَقَبْلَ الْكَسْرِ خُلْفٌ لَهُ وَلَا
200 - وَمَدُّكَ قَبْلَ الضَّمِّ لَبَّى حَبِيبُهُ ... بِخُلْفِهِمَا بَرًّا ، وَجَاءَ لِيَفْصِلَا

وتتميمًا للفائدة هذا باب الاستفهام المكرر نحو :- (ءَائِذَا ..... أَئِنَّا) ، وقد ورد في القرآن الكريم في أحد عشر موضعا في تسع سور : موضع بالرعد ، وموضعان بالإسراء ، وموضع بالسجدة ، وموضع بالمؤمنون ، وموضعان بالصافات ، وموضع بالنمل ، وموضع بالنازعات ، وموضع بالواقعة ، وموضع بالعنكبوت ، وتفصيلها :
1- قوله تعالى :- (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (الرعد: 5) .
3،2- قوله تعالى :- (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (الإسراء : 49، 98).
4- قوله تعالى :- (وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (السجدة: 10) .

5- قوله تعالى :- (قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (المؤمنون: 82).
6 ، 7- قوله تعالى :- (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) (الصافات: 16 ، 53) .
8 - قوله تعالى :- (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) (النمل 67) .
9- قوله تعالى : - (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً) (النازعات : 11،10) .
10- قوله تعالى :- (وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (الواقعة 47) .
11- قوله تعالى : - (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (العنكبوت 29،28) .

قرأها جميعا أبو عمرو بالاستفهام في الموضعين ، وهو على أصله من تسهيل الهمزة الثانية مع الإدخال ، وقد نظمت - بتوفيق الله - بعض الكلمات أثناء كلام الإمام ابن الجزري للاختصار والتيسير ؛ فالأبيات جميعًا توضح ما للقراء العشرة ،
قال الإمام ابن الجزري - (ت 833 هـ) رحمه الله -
في الطيبة :

185 ، 186 - وَأَخْبِرَا بِنَحْوِ أَئِذَا أَئِنَّا كُرِّرَا ... أَوَّلُهُ ثَبْتٌ كَمَا ، الثَّانِ رُدِ .. إِذْ ظَهَرُوا
وقلت : رعد لاسرا سجدة المؤمنونْ ، وثان ذبحْ ... خُذَ اوَّلًا وثانٍ تَهُونْ ، نِلْتَ الرِّبْح
وأولُ النمل مدَا ... فإننا رمنا كَدَا (13)
وأول النَّزْعِ ثَرَا ... وظُبًى إذ رُم كَرَه

قال ابن الجزري : وأولَ الأولِ من ذِبْحٍ كَوَى ... ثانيَهُ مع وقعت رُدْ إِذ ثَوَى
وقلت مختتما : وأخبرن بأول العنكبا ... عالِمَ حِرمٍ ظَهْرُهُ كَـبَـا
وقد فصَّل ما للقراء السبعة العلامةُ الشيخ المُتَوَلِّي - (ت 1313 هـ) رحمه الله - (14) فقال ما ملخصه :
1- الإمام نافع : قرأ كل المواضع بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني إلا موضعي النمل والعنكبوت ، فإنه قرأهما بالعكس ؛ أي بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني .
2- الإمام ابن كثير وحفص : قرءا جميع المواضع بالاستفهام في الأول وفي الثاني إلا موضع العنكبوت ، فإنهما قرءاه بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني .
3- الإمام ابن عامر : قرأ جميع المواضع بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني إلا ثلاثة مواضع : موضعان بالنمل والنازعات ، فإنه قرأهما بالعكس ؛ أي بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني مع زيادة نون في ثان النمل ((إنَّنَا لمخرجون)) (67) ، والموضع الثالث : بالواقعة ، قرأه بالاستفهام في الأول والثاني .
4- الإمام الكسائي : قرأ كل المواضع بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني إلا موضع العنكبوت ؛ فإنه قرأه بالاستفهام في الأول والثاني ، مع زيادة نون في ثان النمل ((إنَّنَا لمخرجون)) (67).
5- الإمامان أبو عمرو وحمزة وشعبة (قلت : والإمام خلف العاشر) : قرؤوا جميع المواضع بالاستفهام في الأول والثاني .
قلت : 6- الإمام يعقوب الحضرمي : قرأ جميع المواضع بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني إلا موضعي العنكبوت والنمل ؛ فإنه قرأ موضع العنكبوت بالعكس ؛ أي بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني ، وقرأ موضع النمل بالاستفهام فيهما .
7- الإمام أبو جعفر المدني : قرأ جميع المواضع بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني إلا الموضع الأول الصافات وموضع الواقعة ؛ فإنه قرأهما بالعكس ؛ أي بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني ، وهم على أصولهم من تسهيل وتحقيق وإدخال وغير ذلك مما لا يخفى على أهل القراءات ، وهذا بيان موجز لما للقراء العشرة في المواضع السابقة :
1-
قرأ الكوفيون وروح وابن ذكوان بتحقيق الهمزتين بغير إدخال .
2- قرأ ابن كثير ورويس وورش بالتسهيل بغير إدخال .
3- قرأ الأبوان (أبو عمرو وأبو جعفر) وقالون بالتسهيل مع الإدخال .
4- قرأ هشام بالتحقيق مع الإدخال
(وهو ما في طريق الشاطبية على توسط المدين) ، وبالتحقيق بغير الإدخال (وهو من زيادات الطيبة) .
نسأل الله أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح المقبول ، والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .



(1) رواه مسلم (820-1/561) .
(2) (قَرَأَهَا الْمَكِّيُّ بحذف الألف التي بعد النون: لأَمَانَتِهِمُ على الْإفراد ، وهو مصدر يراد به جنس الأمانة ، وقرأ الباقون بالجمع على إرادة كثرة الأمانات ، قال ابن الجزري: ... أَمَانَاتٍ مَعًا وَحِّدْ دَعَمْ) .
(3) (قرأ يعقوب : ربُّنَا بَاعَدَ على الابتداء والخبر ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام : ربَّنَا بَعِّدْ ، على حذف أداة النداء مع الدعاء بتضعيف الفعل ليدل على التكثير والتكرار ، والباقون كحفص على الدعاء مع تخفيف الفعل ، قال ابن الجزري : وَرَبَّنَا ارْفَعْ ظُلْمَنَا وَبَاعَدَا ... فَافْتَحْ وَحَرِّكْ عَنْهُ وَاقْصُرْ شَدِّدَا . حَبْرٌ لِوًى) .
(4) (قرأ يعقوب وحفص والشامي ونافع والكسائي بنصب أرجلكم عطفًا على الممسوح ؛ للترتيب كما قال الشافعي والحنابلة ، وقرأ الباقون بالخفض عطفًا على الممسوح ، والمقصود الرجلان فوقهما الخفان أو الجوربان الصفيقان ، وإن كان هناك آثار تدل على المسح على الرجلين فإن آخر الأمرين الغسل ، وهو الأصل ، قال ابن الجزري : (أَرْجُلِكُمْ نَصْبُ ظُبىً عَنْ كَمْ أَضَا ... رُدْ).
(5) (قرأ المدنيان والشامي بدون فاء على أن ما الأولى موصولة (مبتدأ) والثانية خبر فلا تحتاج إلى فاء ، وهكذا رسم المصحف الشامي والمدني ، وأما الباقون فبالفاء على اعتبار أن ما الأولى شرطية والفاء واقعة في جواب الشرط ، وهكذا رسم مصاحف الكوفة ومكة والبصرة ، قال ابن الجزري : بِمَا فِي فَبِمَا مَعْ يَعْلَمَ . بِالرَّفْعِ عَمَّ).
(6) (قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر (فَيُقْتَلُونَ وَيَقْتُلُونَ) على أن الواو لا تفيد الترتيب ، والباقون كحفص على الترتيب ، قال ابن الجزري : قُتِّلوُا ... قَدِّمْ وَفِى التَّوْبَةِ أَخِّرْ يَقْتُلُوا . شَفَا) .
(7) (قرأ البصريان والمدنيان والمكي (نُنْشِرُهَا) أي نحييها من النَشْرِ ، والباقون كحفص من النَّشْزِ أي نرفعها ، قال ابن الجزري : وَرَا فِى نُنْشِزُ ... سَمَا) .
(8) ومثال ذلك (وآتاكم) بالإمالة لحمزة والكسائي وخلف العاشر ، والتقليل للأزرق ، والإمالة لغة نجد من تميم وقيس وأسد ، والباقون بالفتح وهو لغة أهل الحجاز ، واختلف في أيهما الأصل ، ومثال الترقيق للأزرق (بصيرُ بما) ؛ لمناسبة ما قبلها ، والباقون بالتفخيم وهو الوجه الثاني للأزرق من الطيبة ، والتفخيم الأصل ، وهما لغتان ، ومثال التسهيل (ءَأَنْذَرْتَهُم) قَرَأَ قالون وأبو جعفر وأبو عمرو وهشام في وجه بتسهيل الهمزة الثانية وإدخال ألف بينهما.وقرأ ابن كثير ورويس والاصبهاني والأزرق في وجه بتسهيل الثانية من غير إدخال ويوافقهم حمزة وقفًا ، وقرأ الأزرق في وجهه الثاني بإبدال الثانية ألفًا مدّيّة مع الإشباع ، وقرأ هشام بوجهين آخرين : التحقيق مع الإدخال وعدمه ، وقرأ الباقون بالتحقيق بغير إدخال ، والتسهيل والإبدال تخفيفًا ، والتحقيق على الأصل ، وكلها لغات ، ومثال الإدغام (لَقَدْ صَدَقَ) أدغم الدال في الصاد أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف العاشر وهشام ؛ تخفيفًا ، والباقون بالإظهار على الأصل ، وهما لغتان .
(9) خلاصة الفكر شرح طيبة النشر لإسماعيل الشرقاوي ص 11 ، ورسالة الإمتاع ملحقة بكتاب المختصر المفيد في علم التجويد س 50 (ص 201 : 204) .
لمعرفة المزيد في قضية جمع القرآن وكتابة المصاحف يرجى فتح الرابط :
http://zdnyilma.com/vb/index.php?page=topic& amp;amp;show=1&id=568&count=12#3024
 (*) قريبا بإذن الله وتوفيقه تكون بين يديك رسالة الطرق النافعية ، وسترى فيها سر عدم اشتهار هاتين الروايتين (إسماعيل وإسحاق) .
(10) قال ابن الجزري : "فَالْمَفْتُوحَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ، ضَرْبٌ اتَّفَقُوا عَلَى قِرَاءَتِهِ بِالِاسْتِفْهَامِ، وَضَرْبٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ. فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ يَأْتِي بَعْدَهُ سَاكِنٌ وَمُتَحَرِّكٌ. فَالسَّاكِنُ يَكُونُ صَحِيحًا وَحَرْفَ مَدٍّ.
أَمَّا الَّذِي بَعْدَ سَاكِنٍ صَحِيحٍ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَهُوَ عَشْرُ كَلِمٍ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ (أَأَنْذَرْتَهُمْ) فِي الْبَقَرَةِ وَيس (وَأَأَنْتُمْ) فِي الْبَقَرَةِ وَالْفُرْقَانِ، وَأَرْبَعَةُ مَوَاضِعَ فِي الْوَاقِعَةِ، وَمَوْضِعٌ فِي النَّازِعَاتِ وَ (أَأَسْلَمْتُمْ) فِي آلِ عِمْرَانَ وَ (أَأَقْرَرْتُمْ) فِيهَا أَيْضًا، وَ (أَأَنْتَ) فِي الْمَائِدَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَ (أَأَرْبَابٌ) فِي يُوسُفَ، وَ (أَأَسْجُدُ) فِي الْإِسْرَاءِ، وَ (أَأَشْكُرُ) فِي النَّمْلِ، وَ (أَأَتَّخِذُ) فِي يس، وَ (أَأَشْفَقْتُمْ) فِي الْمُجَادَلَةِ". (النشر 1 / 362 ، 363) .
(11) قال ابن الجزري : "وَأَمَّا الْهَمْزَةُ الْمَكْسُورَةُ فَتَأْتِي أَيْضًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بِالِاسْتِفْهَامِ وَمُخْتَلَفًا فِيهِ، فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ سَبْعُ كَلِمٍ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ (أَيِنَّكُمْ) فِي الْأَنْعَامِ وَالنَّمْلِ وَفُصِّلَتْ وَ (أَيِنَّ لَنَا لَأَجْرًا) فِي الشُّعَرَاءِ وَ (أَإِلَهٌ) فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: النَّمْلُ وَ (أَيِنَّا لَتَارِكُوا، وَأَيِنَّكَ لَمِنَ، وَأَيِفْكًا) ثَلَاثَتُهَا فِي الصَّافَّاتِ وَ (أَيِذَا مِتْنَا) فِي ق". (النشر 1 / 369 ، 370) .
(12) قال ابن الجزري : "وَأَمَّا الْهَمْزَةُ الْمَضْمُومَةُ فَلَمْ تَأْتِ إِلَّا بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَأَتَتْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَوَاحِدٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَالْمَوَاضِعُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فِي آلِ عِمْرَانَ (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ) وَفِي ص: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) ، وَفِي الْقَمَرِ أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ" . (النشر 1 / 374) . هذا ، وقد ضربنا صفحًا عن ذكر مواضع الخلاف بين القراء ؛ لضيق الوقت ، والله المستعان .
(13) كَدَا : جبل بأعلى مكة أصله "كَدَاء" ، وحذفت الهمزة تخفيفًا ، ويقال له كُدًى ، جاءَ ذِكْرُه فِي حدِيثِ حجَّةِ الوَدَاعِ: يقالُ باتَ بِهِ النبيُّ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دَخَلَ مكَّةَ . (انظر مشارق الأنوار للقاضي عياض (1 / 350) ، تاج العروس للزَّبِيدي (35 / 258) ، لسان العرب لابن منظور (15 / 217) ) .
قلت : وهو بخلاف كُدَا على الصحيح كما روت عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَامَ الفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ، وَخَرَجَ مِنْ كُدًا مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ» . البخاري (1578) (2 / 145) بهذا اللفظ ، ومسلم (1258) (2 / 919) قال الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي - رحمه الله - (من كَدَاء) كذا ضبطناه بفتح الكاف والمد هكذا هو نسخ بلادنا وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الجمهور انتهى ، والله أعلم ، لمعرفة ما للقراء من خلال طيبة النشر يرجى متابعة خلاصة الفكر - باب الهمزتين من كلمة :
http://zdnyilma.com/vb/index.php?page=topic& amp;amp;show=1&id=620&password=&coun t=12
(14) فتح المعطي وغُنْيَةُ المقري (180 : 182) .
 
  


الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©