موضوع عشوائي

آخر المواضيع

رسالة حب وشكر للشعب المغربي الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فمن بلدة آمِنَةٍ مُطْمَئِنَّةٍ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ، من مغرب الخيرات والمسرات أكتب مُذَكِّرًاهذه الكلمات :
 حدثنا شيوخنا بأسانيدهم الصحيحة مسلسلةً بالمحبة عَن معَاذِ بن جبل - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : "إِنِّي أُحِبُّكَ فََقُلِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ" وفي رواية لأبي داود أَنَّ رَسُولَ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ - معاذ - ، وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ» ، فَقَالَ: " أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ "(1)
فيا أهل المغرب إني أحبكم في الله ، فقولوا اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ، لَمْ يَشْكُرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ " . (2)
أكتب هذه الكلمات القصيرة تعبيرًا عن مشاعري الخالصة تجاه المغرب وشعبه الكريم ، وأنا أعلم - يقينا - أن كلماتي قاصرة عن التعبير عن حبي لهذا البلد الطيب ، فمُذْ كنت أرتقي مدارج العلم وأنا أتشوق لزيارة هذا البلد الطيب ، حتى رُسِمَتْ في ذهني صورة أسطورية لحياة طيبة فيه (3) ، وليس ذلك كثيرا على بلد قرآني من الطراز الأول ، فالقرآن يترَدَّدُ في كل مكان بأعذب الأصوات ، والسُّنَّةُ تُسْمَعُ في كل ميدان بأَرْصَنِ الكلمات ، شعب كريم على الفطرة في اللغة والمأكل والمشرب والملبس ، مستمسكين بالعادات والتقاليد العتيقة رغم عواصف التحضر والتغير ، والمساجد عامرة ولا أحياء القاهرة ...
 وأما الطبيعة فلا لغة تدور أو تحور لوصف آثار رحمة الشكور ،  فيا أهل المغرب : ((كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)) (4)
، من عيون الشاون وخيرات العرائش إلى أطلس طاطا ومَرَّاكِش ، من وَجْدِ (5) وِجْدَه إلى رباط الرباط ، ومن ثلج إِفْرَان لدِفْءِ طَانْطَان ، ومن سَلْوَةِ (6) سَلَا لحَسْمِ الحُسَيمَة ، ومن عراقة تازَه إلى حَضَارَة كَازَا ، ومن أصالة مكناس لصحراء الْمَاسْ ، ومن عِلْمِ فاس لماء أُولْمَاس ...
  وحينما تعانق السحب شَعَفَ الجِبَالِ ، وكأنك بين الحقيقة والخيال ، ويجتمع الحب والحنان ، لِيَزْهُوَ دَارْسَهْ وَبُوعْنَانْ ... فاعلمَ انك أسيرُ تِطْوَانْ (7) ، والحمد لمن يَسَّرْ بها المُقام (8) .

حبيبتي تطوان ... منذ عانقتك ، وأنا في دِفءٍ وحب ووِجْدان .
مُتَيَّمٌ ، ولم لا ؟! ولك في القلب  رسمٌ ، وإن مرت بي الأزمان .
 عندما دعيت للحضور امتلأ القلب بالحبور ، ولا أخفيكم سرا ... عندما وضعت رجلي شعرت أني بين أهلي ، فلقد استقبلوني بغاية الترحيب ، وكأني قريب  لا غريب ، فهذا ينقلني بأفضل أوتمبيل ، وذلك يحضر فراشًا ليس له مثيل  ، إخوة وأخوات يقرءون القرآن بإتقان وإمعان ، وآخرون يحضرون أشهى الطعام ، وقد طيبوا المَاكْلَة مزيان، لا أعرف منهم أحدا ولا يعرفون .
 ما جمعنا إلا القرآن وحب الرحمن ، اللهم إنك جمعتني بإخوان لي - أحببتهم فيك - وأنت تعلم قدر ما بذلوا فأكرمهم كما أكرمون ، وارزقهم من حيث لا يحتسبون . 

رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البلدَ آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ، واحفظ شعبه وملكه وحكومته من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح ، رواه أبو داود (1522) (2 / 86) وغيره ، وانظر إسناده لشيخ شيوخنا  العلامة علم الدين أبي الفيض محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي - (ت 1411هـ) رحمه الله - في العجالة في الأحاديث المسلسلة (27 ، 28)، وقد حدثني به جماعة من العلماء من المشرق والمغرب ، ومنهم العلامة الشيخ محمد عبد الرحيم جاد بدر الدين عن العلامة الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري محدث المغرب ، فهو إسناد مغربي ثم مشرقي ، وهذه بضاعتكم ردت إليكم ، والحديث المسلسل هو الحديث المنقول بصيغة معينة، أو حال معينة ، قال الإمام البيقوني - (ت نحو 1080هـ) رحمه الله - :
10 -مُسَلْسَلٌ قُلْ مَا عَلَى وَصْفٍ أَتَى ... مِثْلُ أَمَا وَاللهِ أنْبأنِي الْفَتَى
11 - كذَاكَ قَدْ حَدَّثَنِيهِ قَائما ... أَوْ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي تَبَسَّمَا

(2) صحيح ، رواه أحمد (7504) (12 / 472) ، والترمذي (1955) (4 / 339) وغيرهما .
(3) وليس معنى هذا أني أكره بلدي ، معاذ الله ، بلدي وإن جارت عليّ عزيزةٌ ... وأهلي وإن ضَنَوْا عليّ كرامُ ، ولكن إن كان حب الوطن من الإيمان فإن الحب في الله هو الإيمان .
(4) (سبأ 15)، وفي الآية إشارة إلى أنه مع تعدد النعم وكثرتها تزداد الذنوب ، ولكن لا ضير إن استغفر العباد ربهم وتابوا إليه ، ولا جرم أن الاستغفار أفضل من الشكر - وإن كانا واجبين - ، وذلك ظاهر من الآيتين العظيمتين : "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (سورة إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - 34 -مكية ، وترتيبها رقم 14) ، "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ" (النحل 18 - مكية ، وترتيبها رقم 16) ، وسبحان الله فالترتيب عجيب ، ولقصور العباد عن أداء الشكر الواجب نقول : "لا يجبر الشكرَ الْكَسِيرَ إلا استغفارٌ كثيرٌ ، وفي الحديث : «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا» . صحيح ، رواه ابن ماجه (381) (2 / 1254) وابن أبي شيبة أبو بكر (29446) (6 / 57) ، وغيرهما ، والله أعلم .
(5) الوَجَدَ هو الشغف ، واسم المدينة أمازيغي ، و"وِجْدَةٌ"  في العربية فهو تأنيث للسعة في المال ، يُقَالُ وجَدْتُ فِي المالِ وُجْداً ووَجْداً ووِجْداً ووِجْداناً وجِدَةً أَي صِرْتُ ذَا مَالٍ . (انظر لسان العرب لابن منظور (3/ 445) ) ، وتقع مدينة وِجْدَة أقصى الشرق مع الحدود الجزائرية .
(6)  السَّلْوَة الرَغَد وطيب العيش الذي يُسَلب الْهَمَّ ،  واسم المدينة أمازيغي ،  و"السَّلَا" في العربية هو ما يَكُونُ فِيهِ الْوَلَدُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِنَعْمَتِهُ وَرِقَّتِهِ وَلِينِهِ . انظر (مقاييس اللغة لابن فارس (3 / 91 ، 92) ) ، وتقع مدينة "سَلَا" وسط المغرب ، ولا يفصل بينها وبين الرباط إلا نهر أبي رَقْرَاقٍ . 
(7)  تقع في الشمال الغربي للمغرب ، وهي من أقرب المدن للطابع الأندلسي القديم ، واسمها فيه طرق ثمانية : تِطْوَان وهي الأشهر وعليها العمل الآن ، وتِطَّاون ، وتِطَاوِين ، وتطاوين ، وتيطاوين ، وتِطَّاوان ، وتِيطَاوان ، وتِيطاون ، وهذه الصيغ كلها أمازيغية صرفة ولا يعرف لها معنى في اللغة العربية؛ أما في اللغة الأمازيغية فمعناها عين أو عيون ولعل سكانها الأقدمين من الأمازيغ سموها بذلك لكثرة العيون التي بها . (انظر الموسوعة الحرة على الشبكة الدولية) .
(8) مصدر من أقَامَ مُقَامًا بمعنى الإقامة كما قرأ حفص ((مُقَامَ)) بحرف الأحزاب (13) ، أرجو من القارئ الكريم أن يحسن الظن ؛ فإني ما كتبت هذا المقال تملقًا أو مجاملة لأحد ، أو لنيل غرض دنيوي زائل ، فالحمد لله الذي أغنانا بكلامه عمن سواه ، وإنما الأعمال بالنيات ، وبالله التوفيق .  

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©