موضوع عشوائي

آخر المواضيع

دولة البيت

بسم الله الرحمن الرحيم

دولة البيت

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد كان خبر اليوم متوَقَّعًا ، وكم تحدثت في أكثر من مناسبة لأحرار مصر أن ارجعوا إلى بيوتكم ، أظننتم أن نظامًا تربى على الفساد عشرات السنين يمكنه بسهولة أن يتنازل عن قياداته وقناعاته ، اختلفت آراؤكم وتشعبت وجهاتكم ، فمن قائل : قضاء ، وقائلِ : سلمية ، وقائلٍ : جهاد ، وكلها آراء تُشْعِرُ بالتخبط وضبابية الرؤية . أين أنتم أيها الناس من كتاب ربكم ؟! هل قرأتموه لتعرفوه المخرج من الأزمات ؟!
إن الأمر لا يحتاج إلى تنظير وتحذير ومؤامرات . بل هو آياتٌ بيناتٌ كافيات شافيات :
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) (الأحزاب 70 ، 71) .
((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) (الأنفال 53) .
((إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)) (الرعد 11) .
((فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) (الأنفال 1 : 4).
هل وَعَيْتُم الدرس ؟!
الحلُّ أن يسأل كلٌّ منا نفسه ماذا أعددت للقاء ربي ؟!  
هل سيسألني الله عن الدولة والحكومة والشعب ؟! أم يسألني عن نفسي ومن أعول فقط ؟!
هل فكرت أخي المسلم في قول الله - تعالى - : 
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)) (التحريم 6) .
وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . (1) وقال - صلى الله عليه وسلم - : ((ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)) . (2)  أي من تجب عليك نفقتُهُم ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» . (3)
لن يحاسبك الله إلا على نفسك ومن تعول : ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ )) (البقرة 286) .
أيها الأخ المسلم أنت حاكم لدولة عُظْمَى ، كثيرةُ المَزَايَا ، تتولى فيها وزارات سيادية ، الداخلية والدفاع والنقل والمواصلات والإسكان والخارجية ،  والمرأة مسؤولة في تلكم الدولة عن وزارة التموين والغذاء ، وقد تكون المرأة مسؤولة عن وزارة الداخلية والدفاع ، أنت ورزقك !
فإذا أصلحت نفسك كحاكم وأصلحت رعيتك في بيتك ، فأصبحت قدوةً لغيرك من الدول المجاورة (البيوت) مع التواصل والتناصح أصلحَ الله على يديك الشارع ثم الحي ثم المدينة ثم الدولة ثم المجتمع ، وحينئذ يأتي الحاكم الصالح المناسب في الوقت المناسب ، وكما تكونوا يولى عليكم ، هذه فلسفة التغيير باختصار فالدُّوَل بيوتٌ كبيرة ، والبيوت دولٌ صغيرة .
وأما اهتمامك - كمواطن عادي - بأمر المسلمين في حدود استطاعتك فهو أمر طيب يجازيك الله عليه خيرًا ، أما إن كنت عالمًا وسئلت فيجب عليك بيان الحق مع النظر إلى المصالح والمفاسد المترتبة على كلامك ، والنظر إلى مآلات الأمور معتبر شرعًا .
ومن خلال دراستي المتواضعة للتاريخِ الإسلاميِ أقول إن كل ما يدور للمسلمين اليوم هو تكرار لأحداث سابقة في تاريخهم المجيد ، اقرؤوا إن شئتم قول الله - سبحانه وتعالى - : 
((وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) (آل عمران 139 ، 140) .
نسأل الله أن يصلح البلاد والعباد ، وأن يقي بلادنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يحفظنا وأبناءَنا وأحبابَنا من طوارق الليل والنهار إلا طارقًا يطْرُقُ بخير يا رحمن ، والحمد لله رب العالمنين ، وصلِّ اللهمّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه البخاري (893) (2/ 5) ومسلم (1829) (3/ 1459) .
(2) رواه البخاري (1426) (2/ 112) ومسلم (1034) (2/ 717) .
(3) حسن ، رواه أبو داود (1692) (2/ 132) والحميدي (610) (1/ 508) بلفظ ((مَنْ يَعُولُ)) ، ورواه غيرهما . 

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©