موضوع عشوائي

آخر المواضيع

نصيحة مُفَنْقََلَة للمقبلين على فيس بوك وتويتر دون عَرْقَلَة

 بسم الله الرحمن الرحيم 




نصيحة مُفَنْقََلَة (1) للمقبلين على فيس بوك وتويتر دون عَرْقَلَة

الحمد لله رب العالمين القائل :
 ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) (2)  ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد القائل : " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ " (3) .
 اعلم - رحمني الله وإياك - أن هاتين الوسيلتين فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعها ، فإن قلتَ : وما إثمها ؟! قلتُ لك وأيُّ إثمٍ أكبر من إضاعة رأس مال الإنسان في هذه الحياة ، وهو الوقت !!!
ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَزُولُ قَدِمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمُرُهِ فِيمَا أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ؟ وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟ " (*)
لقد رأيت بعيني من رغبوا في حفظ القرآن الكريم أو تحصيل علم من العلوم وقد ضيعوا أوقاتهم وسألتهم عن أعمارهم ، فلما عرفتُ انقلب إليَّ بصري خاسئا وهو حسير ، أين كنتم طوال هذه السنوات ؟!
 وما فتحت كتابًا ينفع ولا قلت قولا يشفع ،
، نظر هنا وإعجاب هناك ، تعليق فلان ومشاركة علان وحذف أو إضافة تلتان ، وتمر الساعات تِلْوَ الساعات ......
 والأيام والليالي ، .....................
 ..........................
بل والسنون ..........
........................
......................
 وَاللَّيل فَاعْلَم وَالنَّهَار كِلاهما ... أَنْفَاسُنا فِيْهَا تُعَدُّ وَتُحْسَبُ (4)  . 
إنّ الشبابَ و الفـراغَ و الـجِـدَة *** مَفْسَدَةٌ للمَـرْءِ أَيُّ مَـفْـسَـدَة (5)
قال الحسن البصري : "يا ابن آدم ، إنما أنت أيام ، إذا ذهب يوم ذهب بعضك"
وقد قلت في ذلك كما علمنا شيوخنا : يومُك مركبك إلى الجنة إن شئت أو النار فتنبه يا صاحِ وأحسن فنَّ الإبحار .
فإن قلت نعرف من خلاله - الفيس بوك وتويتر - الأخبار بليل أو نهار ، قلتُ : ما أكثر الشائعات والأخبار الكاذبة التي تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي ، وللأخبار مصادرها الموثوقة من قنوات إخبارية معتمدة أو صحف حيادية فاطلب الأخبار ثَمَّ تجدها ، أضف إلى ذلك استخدام عدد من المحترفين (الهاكرز) مانشيتات عريضة في فيس بوك وتويتر ؛ لإيقاع المستخدمين فريسة لهم لإتلاف ملفاتهم الشخصية أو التجسس عليهم .
فإن قلتَ : هو وسيلة لنشر الخير والعلم ، قلتُ : طلاب العلم يبحثون عن العلم في مظَانِّه : الجامعات والمعاهد المعتمدة (التعليم النظامي) ، المساجد وبيوت العلماء (التعليم الأصيل) ، ولا أقلل من شأن التعليم الإلكتروني : بل هو من أفضل الوسائل كما ذكرت ذلك مفصلا في موضوع التعليم الإلكتروني - مَيْزَات وآفات فراجعه إن شئت (6) . أضف إلى ذلك أن مجال العلم قد دخل فيه كل من هبَّ ودَبَّ ، والواقع خير شاهد كأن الدين نَهْبٌ يأكله من شاء، أي علم تنشر وأين ومن سيتابعه ؟! أكثر المتابعين لا يعرفون أصول العلم الذي تتكلم فيه ، وناشر العلم بين الجاهلين به ... كموقد الشمع في بيت لعميان
ولا تنس أن الإنترنت يجعل الكبير صغيرًا والصغير كبيرًا ، فيا من ألقيت بنفسك في هذا الأتون لا تحزن إن سبك أحد أو تطاول عليك غِرٌّ ؛ لأنه كما نقول بالعامية (اللي ما يعرفك يجهلك) ، وفي ذات الوقت لا تعلق آمالا على أشخاص مضافين عندك لأن يعجبوا بكلامك أو يعلقوا على أفكارك .
وأنا شخصيًا لا أرجم بالغيب من أن الهدف الذي من أجله أنشأت أمريكا هذه الوسائل هو صرف المسلمين عن دينهم وشغل أوقاتهم بما لا يفيد ، لكني أحكم بغلبة الظن ؛ لأن هؤلاء القوم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، وهم حريصون كل الحرص على إفساد دنيا المسلمين وآخرتهم ، قال الله - تعالى - ((وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (7) ،
فإن قلتَ :  ألم تقل القاعدة الفقهية الأمور بمقاصدها (8) ، قلتُ : نعم لكن القاعدة لا تعني أن تضيع أوقاتك في وسائل حتى تتحول إلى غايات كحب الظهور وجمع الإعجابات وقيل وقال ... إلخ ؛ ولذا أقول :  إذا تحولت الوسائل إلى مقاصد فسد بها حال القاصد .
ثم يا طلاب العلم لا تنسوا أنه إذا وجب على جماعة من المكلفين فعل أمر وجوبًا كِفائيًا (9) ثم قام به شخص مؤهلا لأدائه أصبح واجبًا وجوبًا عينيًا عليه بحيث إذا قصر فيه أَثِمَ (10) ، يعجبني كثيرًا ما سطره العلامة بكر أبو زيد - (ت 1429 هـ) رحمه الله - في حلية طالب العلم إذ يقول :
الوقت الوقت للتحصيل، فكن حلف عمل لا حلف بطالة وبطر وحلس معمل لا حلس تله وسمر فالحفظ على الوقت بالجد والاجتهاد وملازمة الطلب ومُثَافَنَة - أي مجالسة - الأشياخ، والاشتغال بالعلم قراءة وإقراء ومطالعة وتدبراً وحفظا وبحثا، لا سيما في أوقات شرخ الشباب ومقتبل العمر، ومعدن العاقبة، فاغتنم هذه الفرصة الغالية، لتنال رتب العلم العالية، فإنها "وقت جمع القلب، واجتماع الفكر"، لقلة الشواغل والصوارف عن التزامات الحياة والترؤس، ولخفة الظهر والعيال (11) .

وليس معنى كلامي أني أنهى عن دخول الفيس بوك وتويتر مطلقًا ، كلا ، بل أنا شخصيًا أطبق نموذجًا عمليًا - بفضل الله -  ألا وهو أن لا أدخل إلا يوم الجمعة فأطالع الجديد وأنشر ما يفيد من غير استغراق يضيع الأوقات أو يؤثر على الواجبات ، هذا ما يسر الكريم ذكره في هذه العجالة باختصار ، والله أعلم ، نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما وأن يجعله حجة لنا لا علينا ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الْفَنْقَلَةُ : مصدر منحوت لقولنا : فإن قلتَ كذا قلنا كذا أو قيل كذا ، وهو فن أصيل في النقاش والجدل والمناظرة يعتمد على قواعد المنطق مع الاستدلال ، وقد برع فيه علماؤنا الأزهريون - نفعنا الله بعلومهم في الدارين - .
(2) (الحشر 18 ، 19) .
(3) رواه البخاري (6412) (8/ 88) .
(*) صحيح رواه الطبراني في الكبير (111) (20/ 60) واللفظ له ، وابن أبي شيبة (34694) (7/ 125) وغيرهما .
 (4) ينسب لعلي بن أبي طالب - (ت 40 هـ)  رضي الله عنه - وقيل لـصالح بن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس الأزدي الجذامي من شعراء العصر العباسي - (ت 160 هـ) - .
(5) قاله رأس الشعراء  أبو الْعَتَاهِيَة - (ت 211 هـ) رحمه الله - كما لقبه الذهبي - (748 هـ) رحمه الله - .
(6) رابط الموضوع في المدونة : http://zdnyilma.blogspot.com/2014/10/blog-post_16.html
(7) (البقرة 109) .
(8) للمزيد : http://uqu.edu.sa/page/ar/10486
(9) بحيث إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقي وإذا لم يقم به أحد أَثِمُوا جميعًا .
(10) انظر كتاب أستاذنا د/حسين سمرة "أصول الفقه الإسلامي" ص 186 ، قال : "فإذا لم يكن في البلد إلا طبيب واحد أو مفت واحد أو مسعف واحد تعين الفرض عليهم وأصبح واجبا عينيا على كل واحد منهم الطبيب والمفتي والمسعف" ا هـ .
(11) حلية طالب العلم (1/ 184) .

الكــاتــب

    • مشاركة

هناك 3 تعليقات:

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله عنا خيرا شيخنا

    ردحذف
  2. لقد كنت غافلة جزاكم الله خيرا حنين طيبة

    ردحذف
  3. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، بارك الله فيكم وفي أوقاتكم ونفع بكم .

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©