موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة بحوث حديثية 2 - "رواية الحديث" شرح وتقديم


 بسم الله الرحمن الرحيم
 "رواية الحديث" شرح وتقديم
الرواية لغة : قال ابن فارس :
(رَوَى) الرَّاءُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ ، ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ. فَالْأَصْلُ مَا كَانَ خِلَافَ الْعَطَشِ، ثُمَّ يُصَرَّفُ فِي الْكَلَامِ لِحَامِلِ مَا يُرْوَى مِنْهُ.
فَالْأَصْلُ رَوِيتُ مِنَ الْمَاءِ رِيًّا. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: رَوَيْتُ عَلَى أَهْلِي أَرْوِي رَيًّا. وَهُوَ رَاوٍ مِنْ قَوْمٍ رُوَاةٍ، وَهُمُ الَّذِينَ يَأْتُونَهُمْ بِالْمَاءِ.
فَالْأَصْلُ هَذَا، ثُمَّ شُبِّهَ بِهِ الَّذِي يَأْتِي الْقَوْمَ بِعِلْمٍ أَوْ خَبَرٍ فَيَرْوِيهِ، كَأَنَّهُ أَتَاهُمْ برِيِّهِمْ مِنْ ذَلِكَ.([1])
والرواية اصطلاحًا : نقل الحديث وإسناده إلى من عُزِيَ أي نسب إليه بصيغة من صيغ الأداء كحدثنا وأخبرنا وسمعت وعن ونحوها, والمناسبة بين المعنى الاصطلاحي واللغوي ظاهرة واضحة. وركناها: التحمل والأداء, ولها طرق وشروط.
شرط الرواية: تحمل راويها لما يرويه بطريق من طرق التحمل المعتبرة عند أئمة النقل وهي: إما سماع من الراوي عن المرْوِيِّ عنه, أو قراءة عليه وعرض, أو إجازة, أو مناولة, أو مكاتبة, أو إعلام, أو وصية، أو وَجَادة .
أقسامها: تنقسم الرواية أولا إلى:
1- متصلة : أن يكون كل راو سمع ممن فوقه مباشرة وروى عنه.
2- ومنقطعة: وهي ما ليست كذلك.
ومرجع معرفة ذلك إلى علم الجرح والتعديل والعلل وتواريخ الرجال ، وتنقسم ثانيا إلى:
1- رواية باللفظ : وهي أن يؤدي الراوي المروي على لفظه الذي سمعه من غير تحريف ولا تغيير, وهذا القسم لا خلاف في جوازه وقبوله إذا توافرت فيه شروط القبول.
2- رواية بالمعنى : وهي أن يؤدي الراوي مرويه بألفاظ من عنده كلا أو بعضا مع المحافظة على المعنى بحيث لا يزيد فيه شيئا ولا ينقص منه شيئا. ولا يحرف ولا يبدل. وهذا النوع مختلف في جوازه وعدمه.
فمنعها بعض المحدثين والفقهاء والأصوليين منعا باتا. والجمهور من العلماء على جوازها بشروط: أن يكون الراوي عالما بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها خبيرا بما يحيل المعاني, بصيرا بمقدار التفاوت بينها, عارفا بالشريعة ومقاصدها وقواعدها, وأما إذا لم يكن عارفا بما ذكر فلا تجوز قط بالإجماع .
تاريخ الرواية:
وجدت الرواية في الأمم الغابرة والأجيال الماضية كالفرس واليونان والرومان والهنود وغيرهم ؛ لنقل وحفظ ما يتعلق بتاريخهم وشعرهم وقصصهم وسير أبطالهم وعظمائهم إلى غير ذلك مما يحتاجون إليه في ربط الحاضر بالماضي. بيد أن هذه الأمم لم تبلغ في الرواية والنقل عن أسلافهم ما بلغت الأمة العربية لأنها كانت أمما أقرب إلى الحضارة منها إلى البداوة, كما كانوا أهل علم بالقراءة والكتابة أكثر من العرب, ولأنهم لم يكن لهم من الخصائص النفسية والبواعث المعنوية مثل ما لأمة العرب.
الرواية عند العرب:
كانت الرواية فاشية في العرب , لأنهم كانوا أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب ، وكان ديدنهم التكاثر، والتنافر، والتفاخر, بالأحساب والأنساب والتنابذ بالمعايب والألقاب.
وكانوا يعتمدون على حفظ تاريخهم - وأنساب قبائلهم وسير أبطالهم - في الذاكرة أكثر من الصحف . وكان الواحد منهم يعظم في قومه بمقدار ما يحفظ من الأنساب والأحساب, وكانوا متفاوتين في الحفظ والضبط على قدر تفاوتهم في الاستعداد والأحوال والملابسات . وكان الشعر سجل العرب وديوانهم ، وكانت القبائل تفتخر بانتساب شاعر مجيد لها .
مميزات الرواية في الإسلام:
كان الرواة قبل الإسلام من العرب وغيرهم لا يهتمون بتصحيح الأخبار والتحري عن رواتها والبحث عن صدقها ومطابقتها للحق والواقع , وذلك لأن تلك المرويات لم يكن لها من القداسة والحرمة والتقدير ما للمرويات الإسلامية ، ولذلك نجد أغلبها أساطير وأحاديث خرافة, يقصد بها إشباع الرغبة أو التسلية أو بث روح الإقدام والشجاعة، واستنهاض الهمم وإثارتها للحروب.
أما الرواة الإسلاميون فهم يعلمون حق العلم أن مرجع الأحكام الشرعية من حلال وحرام وغيرهما إلى القرآن الكريم والسنة النبوية, ويعلمون أن التساهل في زيادة شيء من الدين كالتساهل في نقص شيء منه.
والقرآن الكريم ثابت بالتواتر المفيد للقطع واليقين في نسبته إلى الله جل وعلا, فلا مجال للشك فيه, فكان لا بد لهم من أن يتأكدوا من صحة نسبة الأحاديث والسنن إلى الرسول صلوات الله وسلامه عليه, فمن ثم شددوا في الرواية, ووضعوا لها شروطا وأصلوا لها أصولا وقواعد هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد في القديم والحديث.
الإسناد الصحيح المتصل من خصائص الأمة الإسلامية:
فلا عجب وقد سمعت خصيصة الرواية في الإسلام أن يكون الإسناد الصحيح المتصل من خصائص الأمة الإسلامية, وإليكم كلام رجل عارف بالملل والنحل وتاريخ المذاهب الإسلامية, وهو الإمام أبو محمد علي بن حزم، قال في كتابه "الفصل في الملل والنحل" ما خلاصته: "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الأمم وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود ولكنهم لا يقربون فيه من موسى قربنا من محمد -صلى الله عليه وسلم, بل يقفون بحيث يكون بينهم وبين موسى أزيد من ثلاثين عصرا في أزيد من ألف وخمسمائة عام, وإنما يبلغون بالنقل إلى شمعون ونحوه, وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا النقل إلا تحريم الطلاق وجده فقط على أن مخرجه من كذاب قد ثبت كذبه.[2]





[1] - معجم مقاييس اللغة (2 / 453) للعلامة أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (ت 395هـ)  ت : أ/عبد السلام محمد هارون رحمه الله - دار الفكر - 1399هـ - 1979م.
، وانظر لسان العرب (14 / 348) للعلامة محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (ت 711هـ) - دار صادر – بيروت – ط3 - 1414 هـ .
، وتاج العروس من جواهر القاموس (38 /193 ، 194).
[2] - الوسيط في علوم ومصطلح الحديث (ص: 39-52) للدكتور محمد بن محمد بن سويلم أبو شُهبة رحمه الله (ت 1403هـ) – دار الفكر العربي .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©