موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الأسئلة والفتاوى العلمية 60 : لماذا سُمِّي الفتحُ تفخيمًا ، والإمالةُ ترقيقًا ؟

بسم الله الرحمن الرحيم 
 
س 60 : سألت أخت فاضلة من المغرب ، تقول : في تعريف الفتح  (ضد الامالة) هو عبارة عن فتح القاري لفمه بلفظ الحرف ويقال له التفخيم . لماذا يقال للفتح التفخيم مع أن هناك حروفا نفتح بها فمنا وهي مرققة ؟ أم أنه مجاز في مقابل تسميتهم للامالة بالترقيق عند بعض المتقدمين من أهل الادا،؟
 ج 60 : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فيقول الشيخ الضباع رحمه الله : "الترقيق من الرقة بمعنى النحافة ، فهو عبارة عن نحول يدخل على جسم الحرف ، فلا يملأ صداه الفم، فهو ضد التفخيم والتغليظ وقد يطلق على الإمالة بنوعيها كما مر.‏
والتفخيم من الفخامة، وهي العظمة والكبر ، فهو عبارة عن سمن يدخل الحرف فيمتلئ الفم بصداه .
وقد عبر قوم عن ترقيق الراء بالإمالة بين بين كالداني، وبعض المغاربة، كما عبر قوم بالترقيق عن الإمالة وبالتفخيم عن الفتح ومنه قول ‏الشاطبي :‏
 وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا*** وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا
 وهو تجوز لاختلاف حقيقتيهما، وأيضا يمكن النطق بالراء مرققة غير ممالة، ومفخمة ممالة.‏
 وقال الداني في التجريد: (الترقيق في الحرف دون الحركة، والإمالة في الحركة دون الحرف إذ كانت لعلة أوجبتها، وهي تخفيف ‏كالإدغام سواء) اهـ . وهو حسن جدا".‏ (1)

قلت : ولعل السبب في تسمية بعض العلماء الفتح تفخيمًا ، والإمالة ترقيقًا هو ما بين كل قرينين من تشابه في الصفات وأثناء الأداء ، ومن ذلك : أن الفتح لغةً خلاف الإغلاق ، واصطلاحًا انفراج الفم بلفظ الحرف ، وقال بعضهم النطق بالألف مركبة على فتحة غير ممالة ، وترى هذا الفتح الفموي أثناء التفخيم أكثر من الترقيق والإمالة ، وأما الإمالة لغة فهي التعويج أو الإحناء ، واصطلاحًا تقريب الفتحة من الكسرة ، والألف من الياء (2) ، ويشبه ذلك أن أكثر الحروف المكسورة مرققة ، وكسر القاف والغين والخاء يرققها نسبيًا ، وسماه بعضهم ترقيقًا ، وكسر حروف الإطباق (ص ، ض ، ط ، ظ) يجعلها في أقل مراتب التفخيم على المذهبين (ابن الجزري وابن الطحان) ، فإذا زال موجب الترقيق أو الإمالة أو التقليل ، وهو الكسر رجع الحرف إلى الفتح فقط المعبر عنه بالتفخيم ؛ إذ لا ترد ذات ياء (يجوز فيها الفتح أو الإمالة أو التقليل) أبدا وهي مضمومة الآخر أو مرفوعة ، فلا يجوز في نحو (وليٌ) ، وإنما يجوز في نحو (مَولًى) ، وقد التفت إلى ذلك العلامة ابن الجزري (ت 833 هـ رحمه الله) فقال في النشر :  "ويقال له (أي الفتح المتوسط للفم) الترقيق ، وقد يقال له أيضا التفخيم ، بمعنى أنه ضد الإمالة ، والإمالة أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة وبالألف نحو الياء ( كثيرا وهو المحض . ويقال له : الإضجاع ، ويقال له : البطح ، وربما قيل له الكسر أيضا ) وقليلا وهوبين اللفظين ، ويقال له أيضا التقليل والتلطيف وبين بين " انتهى . (3) قلت : وكما تجوزوا في تسمية الإمالة ترقيقًا أيضًا تجوزوا في تسمية الترقيق إمالة في الراء ، قال في النشر : "وقد عبر قوم عن الترقيق في الراء بالإمالة بين اللفظين كما فعل الداني وبعض المغاربة ، وهو تجوز إذ الإمالة أن تنحو بالفتحة إلى الكسرة وبالألف إلى الياء كما تقدم . والترقيق إنحاف صوت الحرف فيمكن اللفظ بالراء مرققة غير ممالة ومفخمة ممالة ، وذلك واضح في الحسن والعيان وإن كان لا يجوز رواية مع الإمالة إلا الترقيق ، ولو كان الترقيق إمالة لم يدخل على المضموم والساكن ولكانت الراء المكسورة ممالة ، وذلك خلاف إجماعهم . ومن الدليل أيضا على أن الإمالة غير الترقيق أنك إذا أملت ذكرى التي هي فعلى بين بين كان لفظك بها غير لفظك بذكر المذكر وقفا إذا رققت ، ولو كانت الراء في المذكر بين اللفظين لكان اللفظ بهما سواء وليس كذلك ، ولا يقال : إنما كان اللفظ في المؤنث غير اللفظ في المذكر لأن اللفظ بالمؤنث ممال الألف والراء واللفظ بالمذكر ممال الراء فقط فإن الألف حرف هوائي لا يوصف بإمالة ، ولا تفخيم ، بل هو تبع لما قبله فلو ثبت إمالة ما قبله بين اللفظين لكان ممالا بالتبعية كما أملنا الراء قبله في المؤنث بالتبعية ، ولما اختلف اللفظ بهما والحالة ما ذكر ، ولا مزيد على هذا في الوضوح - والله أعلم - . (4) 
 قلت : ولعل من أسباب تسمية بعض العلماء الفتح تفخيمًا ، والإمالة ترقيقًا هو اختلافهم في أصالة كل منهما ، قال في النشر : "وقد اختلف أئمتنا في كون الإمالة فرعا عن الفتح ، أو أن كلا منهما أصل برأسه مع اتفاقهم على أنهما لغتان فصيحتان صحيحتان نزل بهما القرآن . فذهب جماعة إلى أصالة كل منهما وعدم تقدمه على الآخر . وكذلك التفخيم والترقيق وكما أنه لا يكون إمالة إلا بسبب فكذلك لا يكون فتح ولا تفخيم إلا بسبب" . (5) 
وأما قول الإمام أبي القاسم الشاطبي (ت 590 هـ رحمه الله) : "وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا*** وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا" فهو مذهب نحوي أخذ به الشاطبي ، وتبعه صاحبه أبو الحسن السَّخاوي فقال : "وقد فتح قومٌ ذلك كله ، قال في النشر : "ولم أعلم أحدا من أئمة القراءة ذهب إلى هذا القول ولا قال به ولا أشار إليه في كلامه ولا أعلمه في كتاب من كتب القراءات ، وإنما هو مذهب نحوي لا أدائي دعا إليه القياس لا الرواية". (6) 
 قلت : وإذا كان هذا الخلاف لا يعمل به فإن فيه ما يقرر شيئًا مما أشرنا إليه أعلاه (من التشابه بين الترقيق والإمالة ، وبين التفخيم والفتح) ؛ ألا ترى مذهب الفارسي وأصحابه الوقف بالإمالة في الاسم المنون إذا كان مرفوعا أو مجرورا ، والوقف بالفتح إذا كان منصوبًا .  قلت : وهذا الاختلاف الاصطلاحي كثير في كتب القراءات والنحو ، لا سيما وإمامنا الكسائي (ت 189 هـ رحمه الله) هو إمام القراء والنحاة ، ومثال الاختلافات : تسمية الكوفيين (بلى) حرفًا مركبًا من (بل) للإضراب ، وزيدت عليه الياء للتأنيث وحسن الوقف ، قالوا "الياء" رغم كونها ألفًا ؛ لأنهم أصحاب إمالة ، خلافًا للبصريين الذين جعلوها حرفًا بسيطًا . (7)
 وختامًا ننصح طلاب القراءات في كل مكان بأن يتلقَوُا القراءات من أفواه الشيوخ لا من كتب النحاة أو غيرهم ، وقديمًا قال علماؤنا : "لا تأخذ العلم من صُحُفِيٍّ ، ولا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيٍّ" ، هذا ، ونسأل الله الهداية والتوفيق والسداد وحسن الختام ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والله أعلم .        

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    
(1) الإضاءة ص 39 .
(2) (وانظر الإضاءة للعلامة الضباع ص 36) .
(3) (النشر 2/ 30) . 
(4) (النشر 2/ 91) . 
(5) النشر (2/ 31 ، 32) . 
(6) (النشر 2/ 76) .
(7) منار الهدى للعلامة الأشموني (ص 59) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©