موضوع عشوائي

آخر المواضيع

عادة الغافلين وضعاف الفهم في ازدراء وانتقاص أهل العلم (بعض الآثار الطيبة)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فقد جرت عادة الغافلين وضعاف الفهم في كل زمان ومكان أن يستهزؤوا بأهل العلم ، ولا غروَ فقد استهزؤوا بالأنبياء وسخروا منهم ، بدءًا من أول الرسل نوح - عليه الصلاة والسلام - ومرورًا بإبراهيم أبي الأنبياء ، وموسى وعيسى - عليهما الصلاة والسلام - وانتهاءً بإمام الأنبياء وسيد الأصفياء محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، يقول الله - تعالى - في كتابه العظيم : ((وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ)) (الأنعام 10 ،  الأنعام 41)) .
وكلمة "الغافلين" لها دلالات كبرى ، منها غفلة الآيات كما قال الله - تعالى - : ((وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)) (سورة يونس - عليه الصلاة والسلام - آية : 92) ، وغفلة الحساب كما قال الله - سبحانه - : ((اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ . مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)) (سورة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - آية 1 ، 2) ، وغفلة اللقاء ، قال ربنا - تباركت أسماؤه وجل ثناؤه ولا إله غيره - : ((وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ . وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ  . وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ . لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)) (سورة ق 19 : 22) ، وموضوع الغفلة أعظم من أن يُحْصَى أو يستقصى في سطور معدودات ، فيكفى ما مضى من الآيات ، فبها حصل المقصود بحمد الله .
وكلمة "ضعاف الفهم" حقيقة لا امتراء ؛ فهؤلاء القوم لا يفقهون إلا قليلا ، فهم متناقضون في فكرهم ، فها هم قوم شعيب ، لما نصحهم بفصاحته وحكمته ودعاهم إلى توحيد الله - تعالى - شهدوا له بالحلم والرشد : ((قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)) (سورة هود - عليه الصلاة والسلام - آية 87) على اختيار الماوَرْدي وابن كَيْسَانَ ، ثم لم ينشبوا أن انقلبوا على أعقابهم القهقرى ، فقالوا : ((قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ)) (هود 91) ، قال ابن الأنباري: معناه: ما نفقه صحة كثير مما تقول، لأنهم كانوا يتديَّنون بغيره، ويجوز أن يكونوا لاستثقالهم ذلك كأنهم لا يفقهونه (1) ، قلت : وذلك لأنهم قوم حمقى يسارعون بتكذيب ما لم يحيطوا به علمًا (( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)) (يونس 39) ، والتاريخ أمر مكرر ، قوم شعيب يكررون أنفسهم في كل زمان ، في البداية يزعمون أنهم يحبون العلم والخير ويشهدون للمعلمين بالحلم والرشد ، ثم ينقلبون عليهم ويُعلِّبُون لهم التهم . وقد قابلت هؤلاء وأمثالهم ، وبفضل الله ثم من خلال خبرتي في الحياة أستطيع معرفة أنماط شخصياتهم اللئيمة ، ألا فاحذروهم يا دعاة الإسلام .
وإذا كان الدعاة إلى الله قد حددوا هِويَّتَهم ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) (فصلت 33) ، وعرفوا سبيلهم وقائدهم ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) (يوسف 108) ، فليتزودوا بخير زاد ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)) (البقرة 197) ، وليشربوا أمصال الرشاد ، وليتأهبوا للبلوى ، ولا يلجؤوا للشكوى ، فأتباع الأنبياء يرثون عنهم العلم وشيئًا من البلاء ، ومن هذا البلاء استهزاء الحمقى والمغفلين بهم ، ولله في خلقه شؤون وحكم ، ومن فوائد هذا البلاء :
1-يضاعف الله لهم الثواب ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , مَنْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً؟ قَالَ: " الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ , ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ , يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ , فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ , وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ , فَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ " (2) ، 
وقد بوب البخاري - رحمه الله - بابا بهذا الاسم "أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل" وروى الحديث : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،  قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ قَالَ: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا» (3) .
2-يدافع الله عنهم ، قال الله - تبارك وتعالى - : ((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)) (الحج 38) ، وقال - عز مِن قائل - ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) (الزمر 36) ، ومن تلك المدافعة والكفاية ما ورد في الحديث عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَ: أَنَّهُ غَزَا مَعَ  رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَفَلَ مَعَهُ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ، وَنِمْنَا نَوْمَةً، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَا، وَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: " إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيْفِي، وَأَنَا نَائِمٌ، فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ فَقُلْتُ: اللَّهُ، - ثَلاَثًا - " وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَجَلَسَ (4) .
وعَن أبي هُرَيرة، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم جالسا ومعه أَبْو بَكْر فجعل رجل يشتم أبا بكر ورسول الله يبتسم فلما أكثر رد عليه أَبْو بَكْر بعض قوله فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم مغضبا فلحقه أَبْو بَكْر فقال يا رَسولَ اللهِ شتمني وأنت تسمع فلما رددت عليه قمت وتركتني قال: إن الملك كان يرد عليه فلما رددت عليه وقع الشيطان وما كنت لأجلس مع الشيطان. (5) .
3-يحملهم البلاء على زيادة الخوف والرجاء ، كما قال الله - سبحانه وتعالى - : ((وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا . وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا . إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)) (الإسراء 73 : 75) .
4-يحملهم البلاء على التقييم المستمر ؛ ابتغاء مرضات الله ؛ لئلا يكون للناس عليهم حجة ، قال الله - تعالى - : ((وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) (البقرة 150) (6) .
5-يكسبهم البلاء خصالا كالحلم والصبر ؛ وهما لا ينالان إلا بلقاء الجهلاء والحلم عنهم ، ولقاء المؤذين والصبر على أذاهم ، وتلك من أبدع فوائد التنمية القرآنية ، وأمثلة ذلك كثيرة ، منها : 
ما رواه أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَثَّرَتْ بِهِ حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ «أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ» . (7)
كما ذكر الدكتور طارق حبيب - حفظه الله - "أن الموقف الإيجابي "Positive attitude" هو حالة من الرضا التام ، وهذا ما تمثله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في تعامله مع الناس ؛ لأن تحكمه في أفعاله وتصرفاته - صلى الله عليه وآله وسلم - يصدر عن الداخل لا عن العالم الخارجي ، ولهذا أخطأ نيوتن عندما قال "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار مضاد له في الاتجاه" ؛ لأن هذا الكلام لا ينطبق على البشر ، وإنما على الجمادات ، وأما ما ينطبق على بني البشر فهو :
"لكل سبب فعل رد فعل" ففعل الأعرابي قبيح جدًا ، واستقبال النبي للفعل رائع جدًا ، فإذا شتمني شخص "يا نذل يا خسيس" هذا الكلام كإرسال قبيح ، ولكن أنا شخصيًا كاستقبال رائع ، أقول "لم يضف شيئًا" ولا ألتفت لكلام الشاتم" . (8)
فلتكن ردود أفعالكم - يا دعاة الإسلام - منبعثةً عن الداخل لا الخارج ، وفكروا في الأسباب والحلول ، ولا تفكروا في المشاكل والظواهر .
 وروى أبو هريرة - رضي الله عنه - أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» . (9)
ويجسد إمامنا الشافعي - رحمه الله - هذا المعنى الجميل فيقول :
يُخَاطِبني السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ ... فأكرهُ أن أكونَ له مجيبا
 يزيدُ سفاهة ً فأزيدُ حلماً ... كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيبا 
، ويقول أيضًا - رحمه الله - :
إذا نطق السفيه فلا تجبه ..... فخير من إجابته السكوتُ
 فإن كلمته فرجت عنـه ..... وإن خليته كمداً يمـوت 
6-لعل التزامهم الأخلاق الكريمة في معاملة الجاهلين يكون سببا في هدايتهم .
 فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -  قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَعْطِنِي، فَإِنَّكَ لَا تُعْطِي مِنْ مَالِكِ وَلَا مِنْ مَالِ أَبِيكَ، وَأَغْلَظَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَثَبَ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: يَا عَدُوَّ اللَّهِ تَقُولُ هَذَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: «عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ لَمَّا أَمْسَكْتُمْ» . فَدَعَاهُ فَدَخَلَ بَيْتَهُ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ: «أَرَضِيتَ؟» قَالَ: لَا، ثُمَّ أَعْطَاهُ أَيْضًا، فَقَالَ: «أَرَضِيتَ؟» قَالَ: لَا، ثُمَّ أَعْطَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «أَرَضِيتَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاخْرُجْ إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّكَ قَدْ رَضِيتَ؛ فَإِنَّ فِي قُلُوبِهِمْ عَلَيْكَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَدْرُونَ مَا مَثَلِي وَمَثَلُ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ؟، مَثَلُ رَجُلٍ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، مَعَهُ زَادُهُ وَرَاحِلَتُهُ فَنَفَرَتْ رَاحِلَتُهُ فَاتَّبَعَهَا النَّاسُ، فَمَا زَادُوهَا إِلَّا نُفُورًا، فَقَالَ: دَعُونِي فَإِنِّي أَعْلَمُ بِنَاقَتِي مِنْكُمْ، فَعَمَدَ إِلَى قُمَامِ الْأَرْضِ - يَعْنِي الْحَشِيشَ - فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: هُوِّي هُوِّي، حَتَّى رَجَعَتْ، فَأَنَاخَهَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا زَادَهُ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى مَتْنِهَا، فَلَوْ تَرَكْتُكُمْ حِينَ قَالَ مَا قَالَ فَقَتَلْتُمُوهُ، دَخَلَ النَّارَ فَمَا زِلْتُ حَتَّى فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ وَقَالَ مَا قَالَ " (10)
وفي رواية أَنَسٍ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: «أَيْ قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ» فَقَالَ أَنَسٌ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا» (11) .
وهناك فوائدُ كثيرة في هذا الباب ، يضيق بذكرها الكتاب ، فشكرًا لكل من أساء إلى أهل العلم ؛ لأنه كان سببًا في تكفير السيئات وزيادة الحسنات ورفعة الدرجات ، والسهم الذي يصيبك يقويك ، والعظم المكسور إذا جُبِرَ رجع أقوى مما كان ، نسأل الله اليقين والعافية ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين . 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) زاد المسير (2/ 397) .
(2) حسن ، رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار (2203) (5/ 455) والشاشي في مسنده (67) (1/ 130) وغيرهما .
(3) رواه البخاري (5648) (7/ 115) .
(4) رواه البخاري (2910) (4/ 39) ومسلم (2281) (4/ 1786) ، وهناك روايات أخرى تصريح بأنه كان في غزوة ذات الرقاع البخاري (4136) (5/ 115) ومسلم (843) (1/ 576) .
(5) حسن ، رواه البزَّار (8495) (15/ 157) وأبو داود (4896) (4/ 274) وغيرهما .
(6) قوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ، في «الناس» قولان: أحدهما: أنهم أهل الكتاب، قاله ابن عباس، وأبو العالية، وقتادة، ومقاتل. والثاني: مشركو العرب، رواه السدي عن أشياخه. فمن قال بالأول قال: احتجاج أهل الكتاب أنهم قالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما لك تركت قبلة بيت المقدس؟! إن كانت ضلالة فقد دنت الله بها، وإن كانت هدى، فقد نقلت عنها. وقال قتادة: قالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه. ومن قال بالثاني قال: احتجاج المشركين أنهم قالوا: قد رجع إلى قبلتكم، ويوشك أن يعود إلى دينكم. زاد المسير (1/ 123) . 
(7) رواه البخاري (3149) (4/ 94) .
(8) للمزيد تابع الرابط :
https://www.youtube.com/watch?v=e9cvy_g0EWQ
(9) رواه مسلم (2558) (4/ 1982) .
(10) ضعيف ، رواه أبو الشيخ الأصبهاني في الأمثال (257) (1/ 300) وأصله في الصحيح كما مر في حديث أنس .
(11) رواه مسلم (2312) (4/ 1806) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©