موضوع عشوائي

آخر المواضيع

شرح "مختصر تيسير النحو" للعلامة الشيخ محمد بدر الدين - رحمه الله - مع "حاشية الشرقاوي" ، الجزء الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم 
قال شيخنا العلامة المتفنن أبو المعارف محمد عبد الرحيم جاد بدر الدين - رحمه الله ونفع بعلومه في الدارين ... آمين - :
 والخبر الجزء المتم الفائدة ... كالله بَرٌّ والأيادي شاهدة

فإذا أنت أتيت بكلام مهما طال سرده ، ولكن لا يفيد معنًى يحسن السكوت عليه لا يسمى جملة ، وإنما شبه جملة .

" ويُنْسَخُ حكمُ الرفع من المبتدأ والخبر بنواسخَ منها ما تجعل المبتدأَ اسمًا لها مرفوعًا بها(1) ، وهي كان وأخواتها(2) وأفعال الرجاء والمقاربة والشروع(3) مثل كاد وعسى (4) واخلولق ، وكلها تنصب الخبر".

قال شيخنا - رحمه الله - معلقًا :

"ترفع الاسم وتنصب الخبر ، يعني الجملة الاسمية إذا دخلت عليها كان(5) وأخواتها أو كاد وكَرَبَ وأخواتها ، كان هذه وأخواتها المعروفة ، وكاد وكَرِبَ يسمونها أفعال الرجاء والمقاربة والشروع(6) ، هذه أو هذه الحكم واحدة ؛ وهو أنها ترفع الاسم وتنصب  الخبر ، لماذا كرروها ؟! فليجعلوها شيئا واحدا .

قالوا لأن كان وأخواتها يأتي الخبر مفردًا مثل كان محمد مجتهدًا ، وجملة مثل كان محمد أخوه في الدار (جملة اسمية) ، كان محمد يأكل ويلعب (فعلية) ، كان محمد عندك (ظرف ، شبه جملة) يأتي ذلك ، إنما كاد وكَرَبَ وأخواتها لا يقع خبرها إلا جملة فعلية فعلها مضارع(7) ، وهذا الفرق بينهما ، ولذلك جعلوهما نوعين من النواسخ لا نوعا واحدًا ، كان وأخواتها تدخل على أي جملة اسمية ، وتدخل على الجملة الفعلية ، الجملة التي خبرها فعل ، كان محمد يأكل ... إنما كاد وكَرِب وأخواتها لا تدخل إلا على جملة اسمية خبرها فعل مضارع ، لا أقول كاد محمد جاء ،  وإنما أقول كاد محمد – مثلا – ينام ؛ فإذًا هذه العملية هي التي جعلت النواسخ بدلًا من أن يكونوا كان وأخواتها وكاد وأخواتها (يعني متحدين) لأن عملهم واحد : يرفع المبتدأ ويسميه اسمًا ، وينصب الخبر ، العمل واحد ، إنما الآن هناك شرط في جملة خبر أحد النوعين جعلهما نوعين .

النوع الثاني إن وأخواتها ، إن وأن ولكن وكأن وليت ولعل إذا دخلت على الجملة الاسمية نصب المبتدأ اسمًا لها ورفعت الخبر خبرا لها ، محمدٌ مجتهدٌ ، الاثنان مرفوعان ، بدخول "إن" أقول : "إن محمدًا مجتهدٌ" لكن وأنا أعرب أقول "إن" حرف توكيد ونصب ، "محمدًا" اسم "إن" منصوب بالفتحة الظاهرة ، "مجتهدٌ" خبر "إن" مرفوع بالضمة الظاهرة (8) .

النوع الثالث هو ظن وأخواتها تدخل على الجملة الاسمية فتجعل المبتدأ والخبر ، هذا مفعولا أولا وذلك مفعولا ثانيًا (9) ، محمدًا مجتهدٌ ، ظننت محمدًا مجتهدًا ، فالرفع للاثنين تجعلهما منصوبين ، الأول تجعله مفعولا أولا والثاني مفعولا ثانيا (10) .

إذًن عرفنا النواسخ .

سأل الأخ : ما هي أفعال المقاربة والرجاء والشروع ؟

قال الشيخ : يسمونها الاعتدالية ، يعني لما أقول ليت تدل على أني ليس لي أمل في هذا الأمر ؛ لأن ليت للتمني ، والتمني هو طلب الأمر المستحيل الوقوع أو البعيد أن يحدث ، إنما لما أستعمل عسى فإن عسى تؤذن بالوقوع ، ولذلك يقول : ((وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)) (الإسراء 79) فتكون عسى هنا تؤذن بالوقوع ؛ لأن الكريم إذا أرجاك أعطاك(11) ، فعسى(12) وحَرَى واخْلَوْلَق وطفق وكاد وكَرِبَ ، كل واحدة من هؤلاء تعطيك رجاءً في شيء مثل كَرِبَت الشمس أن تغرب ، هل أنت تريد أن الشمس تغرب أم لا تغرب ؟! لا إنما هو يخبر عن أنه قَرُبَ وقت غروبها ، هذا معنى أفعال المقاربة ، طفقت أقول يعني ابتدأت ، هذا هو الشروع ، هل عرفت ما المقاربة والرجاء والشروع ؟

الرجاء الأمر الذي فيه أمل في قرب وقوعه ، وإذا جاء على لسان القرآن الكريم يؤذن بوقوعه ؛ لأن الكريم إذا أرجى أعطى ووهب ، وأما الشروع فهي طفق وما في معناها منها ، وحتى نكون قد أنهينا الكلام فيها ريثما يأتي وقتها ونتكلم فيها ، خبر أفعال المقاربة والرجاء والشروع قد تأتي في أوله أن : عسى أن يبعثك ، وقد تأتي بغير هذا ، وبعضها يكثر أن يأتي معه أن ، وبعضها يَقِل(13) ، ولكن هذه لا علاقة لها بعملها ، بل عملها كما هو ، أنها تعمل عمل كان وأخواتها ؛ فترفع المبتدأ على أنه اسمها وتنصب الخبر على أنه خبرها ، أما إن وأخواتها فإنها تصب المبتدأ وترفع الخبر ، وكذا الرجاء والمقاربة والشروع ، وأما ظن وأخواتها فتنصب الاثنين  .

" وأفعال المقاربة والرجاء والشروع مثل كاد وعسى واخلولق وكلها تنصب الخبر غير أن خبر كاد وأخواتِها يكون دائما جملةً فعليةً فعلها مضارع ، وقد تدخل عليه أن : كادت السماء أن تمطر ، عسى أن يكون قريبا ، ومن النواسخ ما يعمل عكس ذلك فينصب المبتدأ اسمًا له ، ويرفع الخبر خبرًا له ، وهي : إن وأن ولكن وكأن وليت ولعل وأمثالها : إن الله غفور رحيم ، ومن النواصب ما ينصب المبتدأ مفعولا أولا ، وينصب الخبر كذلك مفعولا ثانيًا ، وهي ظن وأخواتها : ظننت محمدا حاضرا ، وقد يتقدم الخبر على المبتدأ لدواعٍ ؛ ككون المبتدأ نكرةً مثل : في الدار رجلٌ ".

قال شيخنا - رحمه الله - معلقًا : ولذلك حيثما وجدت جملة تقدمها الجار والمجرور أو المضاف والمضاف إليه وأعرب المتقدم خبرًا مقدما وأعرب ما بعدها المبتدأ إذا لم يكن نواسخ أو في مكان المبتدأ إذا كان هناك نواسخ ، ولم يمنعوا هذا التقدم إلا إن وأخواتها ، هي التي لا يجوز فيها تقديم الخبر ؛ لأنك لو قلت : في الدار إن رجلا لا يصح ، ولذلك قالوا : (كَأَنِّي من أَخْبَار إِن وَلم يجز ... لَهُ أحد فِي النَّحْو أَن يتقدما) (14) فلا يتقدم على إن ولا يتقدم على الخبر ، عندما نقول إن في الدار رجلا ، ذا جائز ، إنما لا يتقدم نحو : في الدار إن رجلا كلام يكاد يلتحق بكلام العامة أو بسطاء العجم .
قال الأخ نتوقف يا سيدي عند الجملة الفعلية ، ونكمل في لقاء آخر ...
فصمت شيخنا - رحمه الله - ثم قال "إن شاء الله" .
قال الأخ الفاضل : وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على سيدنا ومولانا محمد ، والحمد لله رب العالمين أولًّا وآخرًا ودوامًا ، وجزاكم الله خيرا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) والنواسخ من حيث العمل ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر. وهو "كان وأخواتها"، وما حمل على (ليس) من الحروف النافية، وأفعال المقاربة .
النوع الثاني : ما ينصب المبتدأ ويرفع الخبر  ، وهو إن وأخواتها ، ولا النافية للجنس.
النوع الثالث : ما ينصبهما معاً ، وهو ظن وأخواتها.

النوع الأول من النواسخ : أما كان وأخواتها فعلى ثلاثة أقسام : الأول ما يرفع الاسم وينصب الخبر بلا شرط ، وهو ثمانية (كان وأمسى وأصبح وأضحى وظل وصار وبات وليس) ، وتختص الخمس الأول بمرادفة "صار" الدالة على التحول والانتقال .
والثاني : ما يعمل بشرط أن يتقدمه نفي أو نهي أو دعاء وهو أربعة : (زال ، وبرح وفتئ وانفك) .
والثالث : ما يعمل بشرط أن تتقدمه (ما) المصدرية الظرفية، وهو (دام) .
وكلها أفعال ناقصة يجوز أن تستعمل تامة إلا (ليس ، زال ، فتئ) فليس فيها إلا النقص .
وأما الحروف العاملة عمل (ليس) فهي  (ما الحجازية) و (لا النافية للوَحْدَة) و (لات) ، ويشترط في عمل (ما الحجازية) أن يتقدم اسمها على خبرها ، وألا يقترن اسمها بـ (إنْ) الزائدة ، ألا يتقدم معمول خبرها على اسمها ، وألا يقترن الخبر بـ (إلا) .
ويشترط في عمل (لا النافية للوَحْدَة)  ألا يتقدم خبرها على اسمها ، ولا ينتقض نفيها بـ (إلا) ، ويجب تنكير معموليها (الاسم والخبر) .
ويشترط في عمل (لاتَ)
أن يكون اسمها وخبرها لفظ (الحين) وما رادفه، كالساعة والوقت ونحوهما، وإعمالها في (الحين) أكثر ، ويجب أن يحذف أحدهما ، والغالب حذف اسمها ، ومنه قوله - تعالى - {فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} (ص 3) .
وأما أفعال المقاربة فسيأتي ذكرها في موضعها .
وسيأتي ذكر النوع الثاني والثالث من النواسخ في محله . تعجيل الندى للشيخ عبد الله الفوزان - حفظه الله - (1/ 136 : 141) باختصار ، وأوضح المسالك للعلامة ابن هشام مع عدة السالك للعلامة محيي الدين (2/ 26 : 60).

 قال العلامة ابن مالك - رحمه الله - في الألفية :


إِعْمَالَ  لَيْسَ  أُعْمِلَتْ  مَا  دُوْنَ  إِنْ                 مَعَ بَقَا   الْنَّفْي   وَتَرْتِيْبٍ   زُكِنْ
وَسَبْقَ  حَرْفِ  جَرَ  أوْ  ظَرْفٍ كَمَا                     بِي أَنْتَ  مَعْنِيًّا   أَجَازَ   الْعُلَمَا
وَرَفْعَ   مَعْطُوْفٍ   بِلكِنْ أَوْ  بِبَلْ                 مِنْ بَعْدِ مَنْصُوْبٍ بِمَا الْزَمْ حَيْثُ حَل
وبَعْدَ   مَا  وَلَيْسَ  جَرَّ  الْبَا  الْخَبَرْ                     وَبعَدْ لا ونَفْي   كَانَ   قَد  يجر
في   النَّكِرَاتِ   أعْمِلَنْ   كَلَيْسَ  لا                     وَقَدْ تَلِي  لَاتَ وَإِنْ ذَا  العَمَلَا
وَمَا  لِلاَتَ  فِي  سِوَى  حِيْنٍ  عَمَلْ              وَحَذْف ذِي الْرَّفْعِ فَشَا وَالْعَكْسُ قَل

(2) قال العلامة ابن مالك - رحمه الله -  في الخلاصة :


تَرْفَعُ  كَانَ  الْمُبْتَدَا  اسْمَاً وَالْخَبَرْ                    تَنْصِبُهُ    كَكَانَ    سَيِّدَاً    عُمَرْ
ومن العجيب أن بعض الشيعة غضب لقولة ابن مالك - رحمه الله - كان سيدًا عمر فقال كان الأولى أن يقول ابن مالك : تَرْفَعُ  كَانَ  الْمُبْتَدَا  اسْمَاً وَما يلي ... تنصبه ككان سيدا علي
مذهب البصريين نسخ المبتدأ اسمًا لكان ، ورُبمَا يُسمى هذا الاسم فَاعِلا مجَازًا لشبهه بِهِ (الْمبرد) ، أو اسم الْفَاعِل (سِيبَوَيْهٍ) ، وَمذهب الْكُوفِيّين أَنَّهَا لم تعْمل فِيهِ شَيْئا وَأَنه بَاقٍ على رَفعه ، وَينصب الْخَبَر بِاتِّفَاق الْفَرِيقَيْنِ وَيُسمى خَبَرهَا وَرُبمَا يُسمى مَفْعُولا مجَازًا لشبهه بِهِ (الْمبرد) أو اسم الْمَفْعُول (سِيبَوَيْهٍ) ، وَكَانَ القِيَاس أَلا تعْمل هذه الأفعال شَيْئا ، وَإِنَّمَا عملت تَشْبِيها لَهَا بِمَا يطْلب من الْأَفْعَال الصَّحِيحَة اسْمَيْنِ نَحْو ضرب فَرفع اسْمهَا تَشْبِيها بالفاعل من حَيْثُ هُوَ مُحدث عَنهُ وَنصب الْخَبَر تَشْبِيها بالمفعول (سِيبَوَيْهٍ)  أو ارْتَفع الاسم لشبهه بالفاعل وَأَن الْخَبَر انتصب لشبهه بِالْحَال (الْفراء) ف كَانَ زيد ضَاحِكا مشبه عِنْده ب جَاءَ زيد ضَاحِكا ، وَذهب الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنه انتصب على الْحَال ، ولكلٍ دليلُه . همع الهوامع للعلامة السيوطي - رحمه الله - بتصرف (1/ 408 ، 409) .
(3) تنقسم هذه الأفعال من حيث المعنى إلى ثلاثة أقسام :
أفعال المقاربة : ( كاد – كَرَبَ – أوشك ): ( أوشكَ الصيفُ أن ينتهيَ ) .
    أفعال الرجاء : ( عسى – حرى – اخلولق ) : ( اخلولقَ الكسلانُ أنْ يجتهدَ ).
أفعال الشروع : ( شرع – أنشأ – أخذ – طفق – علق – قام – هب – جعل ): ( أخذَ الطفلُ يحبو ). ، فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض" ، وتلازم الأفعال السابقة صيغة الماضي إلا: ( كاد – أوشك – طفق – جعل).
  أ/كاملة الكواري - حفظها الله - ،  شرح الألفية (1/ 323) . 
(4) كل أفعال المقاربة جامدة لا يشتق منها إلا كاد وأوشك ، منهما المضارع ، وكل أفعال المقاربة أفعال إلا "عسى" فقد اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال :
الأول : ذهب الكوفيون وابن السَّرَّاج وثعلب إلى أن "عسى" حرف ترج ؛ تشبيها لها بـ"لعل" ، فهي حرف سواء اتصل بها ضمير الرفع أم لا  .
الثاني : ذهب البصريون إلى أن "عسى" فعل في كل حال ، سواء اتصل بها ضمير الرفع أو ضمير النصب أم لم يتصل بها أي منهما .
الثالث : ذهب سيبويه إلى أن "عسى" على ضربين : الأول : حرف ترج (تنصب الاسم وترفع الخبر كأخوات إنَّ) إذا اتصل بها ضمير نصب ، والثاني : فعل جامد يدل على المقاربة (يرفع المبتدأ وينصب الخبر) ، واستدلوا على فعليتها بقبولها تاءَ الفاعل في نحو ((عسيتم)) (البقرة 246 ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - 22)  وهو المقصود هنا في كلام شيخنا بدر الدين - رحمه الله - . النحو الوافي أ/عباس حسن - رحمه الله - (1/ 625) ، وعدة السالك للعلامة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد - رحمه الله - (1/ 265 ، 266) ، وشرح ابن عقيل على الألفية مع منحة الجليل للعلامة محيي الدين (1/ 322 ، 323) .
(5) فإن قيل لم جعلوها "كان وأخواتها" ولم يقولوا ليس أو أصبح وأخواتها قلنا  لاختصاص "كان" بأمور ليست في سواها ، وهي : 1-كثرة أنواعها (كما سيأتي ذِكْرُه) . 2-حَذْفِ نُونِ مُضَارِعَها المَجْزُومِ وصْلاً إنْ لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ ولاَ ضَمِيرُ نَصْبٍ مُتَّصِلٌ . 3-جواز حذفها وبقاء اسمها وخبرها. وذلك بعد (أن) المصدرية، في كل موضع: أريد فيه تعليل شيء بشيء نحو قولك : أمَّا أنت غنياً فتصدق ؛ أي تصدق لأن كنتَ غنيًا . 4-جواز حذفها مع اسمها وبقاء خبرها وذلك بعد (إن) و (لو) الشرطيتين ، فمثال "لو" قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : «التَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ» . متفق عليه ؛ أي ولو كان المُلْتَمَسُ خاتَمًا من حديد  ، ومثال "إن" قولك : "المرء محاسب على عمله إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر" .
وأما أنواع "كان" فهي أربعة :
الأول : ناقصة فقيرة تحتاج إلى الخبر المنصوب ، ولا يتم معناها إلا به ، وهي المقصودة هنا ، وهي تدل على الزمان المجرد عن الحدث ، وفيها ستة معان :
* معنى الماضي الدائم (الأزل مع الأبد) : كقوله تعالى (وكان اللهُ عليمًا حكيمًا).
* معنى الماضي المُنقطع : كقوله تعالى (وكان في المدينةِ تسعةُ رهطٍ)وهو الأصل في معاني كان ..
* معنى الحال : كقوله تعالى (كنتم خيرَ أمة) وقوله (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتًا).
* معنى الاستقبال : كقوله تعالى (ويخافون يومًا كان شرّه مستطيرًا).
* معنى صار : كقوله تعالى (إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) ، وحمله بعضهم على قول الله - تعالى - {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}  أي: صار، وقال عمرو بن أحمر : [الطويل]
بتيهاءَ قَفْرٍ والمطيُّ كَأَنَّهَا ... قطا الْحَزْن قَدْ كانت فراخًا بُيُوضُها
أي: صارت فراخًا بيوضها.

* معنى لا يستقيم (لنفي صحة الخبر مع امكانية وقوعه) : كقوله تعالى (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض) أي لا يصح ولا يستقيم أن يكون لنبي أسرى مع إمكانية حصول ذلك ليعني أنه إذا حصل ينبغي إنفاذ الشريعة بهم ، وقوله تعالى (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) أي لا يستقيم ولا يصح أن يعمر مشرك مساجد الله سواءٌ حصل ذلك أم لم يحصل.. 
الثاني : شأنية ، وهي من معاني كان وتعد من صور كان الناقصة ، وتكون مع جملة القول (بأسلوب الإخبار) وتضم فيها ضمير الشأن أو الحديث فتقول (كان زيدٌ قائمٌ) عوضاً عن كان زيدٌ قائماً فيفهم أنك تنقل قولاً ، فيكون التقدير ، كان الشأن والحديث : ( زيدٌ قائمٌ ) ويعتبر ضمير الشأن اسمها ، وتعتبر الجملة بعده (زيدٌ قائمٌ) في محل نصب خبرها ،  قال العُجَير بن عبد الله السلولي (من شعراء الدولة الأُمَوِيَّة) : إذا متُّ كَانَ النَّاس صِنْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ مُثْنٍ بالذي كُنْتُ أَصْنَعُ
أي: كان الشأن والحديث الناس صنفان ، ورويت كان الناس صنفين .

الثالث : تامة مستغنية بمرفوعها عن الخبر ، وهي حينئذ بمعنى "تحدث أو تقع أو توجد" على اختلاف أزمانها ؛ فهي تدل على الزمان والحدث معًا  ، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 3 أي: حدث ووقع، وقال تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} 4 وقال تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} 5 في قراءة من قرأ بالرفع، وقال تعالى: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} ، وعلى هذا قولهم: أنا مذ كنت صديقك ؛ أي وجدت ؛ قال  مقاس العائذيّ : [الطويل]
فِدَىً لِبَنِي ذُهْلِ بنِ شَيْبَانَ نَاقَتِي ... إذا كان يومٌ ذو كَوَاكِبَ أَشْهَبُ

أي حدث يوم، وقال الربيع بن ضبع : [الوافر]
إذا كان الشتاءُ فأَدْفِئُونِي ... فإن الشَّيخ يَهْدِمُه الشِّتَاءُ
أي: حدث الشِّتاء.

الرابع :  زائدة (غير عاملة) ، وشرط زيادتها أمران:
1-أن تكون بلفظ الماضي على الراجح وأجاز البعض أن تكون بلفظ المضارع
كقول أم عقيل : أنتَ تكونُ ماجدٌ نبيلٌ ... إذا تَهُبُّ شمألٌ بليلُ

 2-أن تكون متوسطة بين شيئين متلازمين ، وهي في ذلك على قسمين :
الأول : قياسي ، وذلك حال زيادتها في أسلوب التعجب : بين ما وفعل التعجب
نحو: (ما كان أحسن زيدًا) فـ (ما) تعجيبة مبتدأ و (كان) زائدة ، و (أحسن) فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر وجوباً تقديره: هو، يعود على (ما) و (زيدًا) مفعول به، والجملة خبر ، ومنه قول الشاعر :
أرى أمَّ عمرو دمعها قد تحدَّرا ... بكاءً على عمرو وما كان أصبرا

الثاني : سماعي ، وذلك حال زيادتها بين المبتدأ والخبر نحو: (الكتابُ كان مفيدٌ) . وحال زيادتها بين الجار والمجرور كما قال الشاعر: [الوافر]
سَرَاةُ بني أبي بكر تَسَامَى ... عَلَى كَانَ المسَوَّمةِ العِرَابِ

(أي: على المسومة) ، ومنهم من شذذ هذا الوجه .
وحال زيادتها بين الصفة والموصوف كما قال الفرزدق : [الوافر]
فَكَيفَ إذا مَرَرْتُ بِدَارِ قَومٍ ... وَجِيرَانٍ لنَا كَانوا كِرَامِ

 ويلاحظ زيادتها مع مرفوعها (كانوا) .
وحال زيادتها بين الفعل ومرفوعه (الفاعل) ، كقول قيس بن غالب :
 وَلدت فاطمة الأنمارية الكَمَلَةَ من بني عبس لم يوجدْ كان أفضلُ منهم.
(أي: جيران كرام) . أسرار العربية للعلامة الأنباري - رحمه الله - (1/ 113 : 115) ، وتعجيل الندى للشيخ عبد الله الفوزان - حفظه الله - (1/ 115) بتصرف مع مقال أنواع كان للأستاذ/هاشم الصوافطة - شاعر أردني ، حفظه الله - (صفحته الإلكترونية) .
قال ابن مالك - رحمه الله - :

تَرْفَعُ  كَانَ  الْمُبْتَدَا  اسْمَاً وَالْخَبَرْ                    تَنْصِبُهُ    كَكَانَ    سَيِّدَاً    عُمَرْ

كَكَانَ  ظَلَّ  بَاتَ أَضْحَى أَصْبَحا                     أَمْسَى  وَصَارَ  لَيْسَ  زَالَ  بَرِحَا

فَتىء   وَانْفَكَّ   وَهذِي   الأَرْبَعَهْ                    لِشِبْهِ    نَفْي   أوْ   لِنَفْي   مُتْبَعَهْ
وَمِثْلُ   كَانَ   دَامَ   مَسْبُوْقَاً  بِمَا                    كَأَعْطِ  مَا  دُمْتَ  مُصِيْبَاً  دِرْهَمَاً
وَغَيْرُ   مَاضٍ   مِثْلَهُ   قَدْ  عَمِلاَ                      إِنْ كَانَ غَيْرُ الْمَاضِ مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ
وَفِي    جَمِيْعهَا   تَوَسُّطَ   الْخَبَرْ                    أَجِزْ   وَكُلٌّ   سَبْقَهُ   دَامَ   حَظَرْ
كَذَاكَ   سَبْقُ   خَبَرٍ   مَا  الْنَّافِيَهْ                      فَجِيء   بِهَا   مَتْلُوَّةً   لاَ   تَالِيَهْ
وَمَنْعُ  سَبْقِ  خَبَرٍ  لَيْسَ اصْطُفِي                     وَذُو   تَمَامٍ   مَا   بِرَفْعٍ   يَكْتَفِي
وَمَا  سِوَاهُ  نَاقِصٌ  وَالْنَّقْصُ  في                      فَتِىءَ   لَيْسَ   زَالَ   دَائِمَاً  قُفِي
وَلاَ  يَلِي  العَامِلَ  مَعْمُولَ  الخَبَرْ                     إِلَّا  إِذَا  ظَرْفاً أَتَى أَوْ حَرْفَ  جَرّ
وَمُضْمَرَ  الْشانِ اسْمَاً انْوِ إنْ وَقَع                     مُوْهِمُ   مَا   اسْتَبَانَ  أَنَّهُ  امْتَنَعْ
وَقَدْ   تُزَادُ  كَانَ  فِي  حَشْوٍ  كَمَا                  كَانَ    أَصَحَّ   عِلْمَ   مَنْ   تَقَدَّمَا
وَيَحْذِفُوْنَهَا     وَيُبْقُوْنَ     الْخَبَر                      وَبَعْدَ  إِنْ  وَلَوْ  كَثِيْرَاً ذَا اشْتَهَرْ
وَبَعْدَ أَنْ تَعْوِيْضُ مَا عَنْهَا ارْتُكِبْ                     كَمِثْلِ   أَمَّا   أَنْتَ  بَرًّا  فَاقْتَرِبْ
وَمِنْ    مُضَارِعٍ   لِكَانَ   مُنْجَزِمْ                    تُحُذَفُ  نُوْنٌ وَهْوَ حَذْفٌ مَا الْتُزِمْ 
(6) يجب تقديم أفعال الرجاء والمقاربة والشروع على معموليها ، كما يجب - فى رأى دون آخر تأخير الخبر المقرون بأن عن الاسم ، والأغلب في استعمال هذه الأفعال هو النقصان إلا "عسى" و"اخلولق" و"أوشك" فيجوز أن تكون تامة بشرط أن يكون فاعلها مصدراً مؤولا من "أنْ" وما دخلت عليه من جملة مضارعة نحو الرجل عسى أن يكون ، والزرع اخلولق أو أوشك أن يتفتح ،  فالمصدر المؤول في المثالين فاعل ، وفي حالة التمام تلزم "عسى" و "اخلولق" و"أوشك" صورة واحدة ، ولا تلحقها علامة تثنية ولا جمع - لأن فاعلها مذكور بعدها - ... نحو الرجل عسى أن يقوم - الرجلان عسى أن يقوما - الرجال عسى أن يقوموا.... وهكذا.
أما عند النقص فى : "عسى" و"اخلولق" و"أوشك" ، فلا بد أن يتصل بآخرها ضمير مطابق للاسم السابق ، فإن لم يتصل بها ضمير، وأسْندت إلى: "أنْ" والمضارع الذى فاعله ضمير، فهي تامتان ، - كما سلف - والمصدر المؤول
فاعلها ، نحو : الرجل عسى أن يقوم - الرجلان عسيا أن يقوما - الرجال عَسَوْا أن يقوموا. البنت عست أن تقوم. البنتان عَسَتا أن تقوما - النساء عَسيْن أن يقمن ..  فإن كان فاعل المضارع "أومرفوعه" اسماً ظاهراً جاز فى كل منها أن تكون تامة ، وأن تكون ناقصة ؛ فعند التمام يكون المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه الظاهر - فاعلا للناسخ، وعند النقص لا يكون الاسم الظاهر المتأخر مرفوعاً للمضارع ، بل يصير هو اسم الناسخ ويكون الخبر هو : المصدر المؤول من "أنْ" والمضارع مع مرفوعه الفاعل أوما يغنى عن الفاعل . أوضح المسالك لابن هشام (1/ 284 ، 285) ،
والنحو الوافي أ/عباس حسن - رحمه الله - باختصار (1/ 623 ، 624) .

(7) يَعِزُّ أن يكون خبر "كاد" و"عسى" جملة غير مضارعية ، ويجب كونه (الخبر) جملة مضارعية في باقي أفعال المقاربة . النحو الوافي بتصرف (1/ 624 ، 625) .
(8) النوع الثاني من النواسخ :  (إن وأخواتها) وهي تنصب الاسم وترفع الخبر، وهي ستة أحرف: إِنَّ وأَنَّ لِلتَّأْكِيدِ ، ولكِنَّ لِلاسْتِدْرَاكِ ، وكَأَنَّ لِلَّتشْبِيهِ أَو الظَّنِّ ، ولَيْتَ لِلتَّمَنِّي ، ولَعَلْ لِلتَّرَجِّيِ أَو الإِشْفَاقِ أَو التَّعْلِيلِ ، وتعمل هذه الحروف بشرط ألا تتصل بهن (ما) الحرفية الزائدة ، فإذا اتصلت بهن كَفَّتْهُنَّ عن العمل ، ولذا تسمى (ما الكافة) أو أزالت اختصاصهن بالأسماء ، وهيأتهن للدخول على الجملة الفعلية، ولذا تسمى (ما المُهَيِّئَة) ، ويستثنى من ذلك : (ليت) فيجوز فيها الإعمال والإهمال تقول : ليتما الحياةٌ خاليةٌ من الكدر، بنصب (الحياة) على الإعمال، ورفعها على الإهمال ،
ويقل إسناد "ليت" للمتكلم بغير نون الوقاية ، والعكس في "لعل" ، قال ابن مالك - رحمه الله - :

وَقَبْلَ  يَا  الْنَّفْسِ  مَعَ الْفِعْلِ الْتُزِمْ                 نُوْنُ   وِقَايَةٍ   وَلَيْسِي   قَدْ   نُظِمْ
وَليْتَنيِ     فَشَا    وَلَيْتي    نَدَرَا                     وَمَعْ   لَعَلَّ  اعْكِسْ  ، ......  وأما "لكن" المخففة فهي حرف  استدراك مهمل وجوبًا على قول الجمهور خلافًا للأخفش ويونس فقد أجازا إعماله ، وتأتي (لكن) المخففة على وجهين : الأول : الابتداء ، إذا جاء بعدها كلام مستأنف ، ويجوز أن تستعمل بالواو ، نحو قول الله - تعالى - (( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ)) (الأحزاب 40) "رسول الله" معطوف على خبر كان "أبا أحد" أي ولكن كان رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في تقدير الله .
والثاني : العطف ، بثلاثة شروط : أحدها : أن يليها مفرد .
ثانيها : أن يتقدمها نفي أو نهي ، وأجاز الكوفيون استعمالها عاطفة مع الإثبات . ثالثها : ألا تقترن بالواو كما قال الفارسي وأكثر النحويين . الجدول للعلامة محمود صافي - 1376 هـ رحمه الله - (6/ 239) ، وإعراب القرآن للعلامة محيي الدين درويش - ت 1403 هـ رحمه الله - (8/ 27) .
وَأَمَّا أَنْ المخففة فتعمل عمل "إنّ" المثقلة عند الجمهور ، ويترتب على ذلك : حذف اسمها وهو ضمير الشأن ، وكون خبرها جملةً اسمية أو فعلية ، ووجود فاصل في الأغلب بينها وبين خبرها ، إذا كان جملة فعلية فعلها متصرف لا يقصد به الدعاء.
مثال الجملة الاسمية : قال الله - سبحانه - : {وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يونس 10) .
مثال الجملة الفعلية : قال الله - عز وجل - : {وَالْخَامِسَةَ أَنْ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا} (النور 9) على قراءة نافع ففي هذه المواضع لا تحتاج (أن) المخففة إلى فاصل. وأما إذا كان خبرها جملة فعلية فعلها متصرف غير دعاء فإنه يؤتى - في الغالب - بفاصل من هذه الأشياء الأربعة :
1-(قد) نحو قوله - تعالى - : {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} (المائدة 113) .
2-أحد حرفي التنفيس أو الاستقبال (س ، سوف) قال تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} (المزمل 20) . ونحو قولك : علمت أنْ سوف يأتي ما قضى الله .
3-أحد حروف النفي الثلاثة التي استعملتها العرب في هذا الموضع وهي: (لا، لن، لم) نحو قوله -
تعالى - : {أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا} (طه 89) .
4-(لو) نحو قوله - تعالى - : {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (الجن 16) .
وأما (كأن) فتعمل مخففة ، ويترتب على تخفيفها : جواز إظهار اسمها  (وهذا قليل) ، والأغلب أنه ضمير الشأن محذوف ، ويترتب عليه أن خبرها لا بد أن يكون جملة 

 فإن كانت اسمية لم تحتج لفاصل - كما تقدم في (أنْ) - وإن كانت فعلية فُصِلَ بـ (لم) مع المضارع، و (قد) مع الماضي.
مثال (لم) : قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} ونس - عليه الصلاة والسلام - 24) .
ومثال (قد) : قولك "كأن قد طلع الفجر".


قال ابن مالك - رحمه الله - :

لإِنَّ     أَنَّ     لَيْتَ    لكِنَّ    لَعَلَّ               كَأَنَّ   عَكْسٌ   مَا  لِكَانَ  مِنْ  عَمَلْ

كَإِنَّ       زَيْدَاً      عَالِمٌ      بِأَنِّي                كُفءٌ    وَلكِنَّ   ابْنَهُ   ذُو   ضِغْنِ

وَرَاعِ   ذَا  الْتَّرْتِيْبَ  إلاَّ  فِي  الَّذِي              كَلَيْتَ   فِيْهَا   أَوْ  هُنَا  غَيْرَ  البَذِي
وَهَمْزَ    إِنَّ   افْتَحْ   لِسَدِّ   مَصْدَرِ              مَسَدَّهَا   وَفِي   سِوَى   ذَاكَ  اكْسِرِ
فَاكْسِرْ  فِي  الابْتِدَا  وَفِي  بَدْءِ صِلَهْ              وَحَيْثُ     إِنَّ     لِيَمِينٍ     مُكْمِلَهْ
أَوْ  حُكِيَتْ  بِالْقَوْلِ  أَوْ  حَلَّتْ مَحَلَّ              حَالٍ    كَزُرْتُهُ    وَإِنِّي   ذُو   أَمَلْ
وَكَسَرُوا    مِنْ   بَعْدِ   فِعْلٍ   عُلِّقَا               بِالَّلاَمِ    كَاعْلَمْ    إنَّهُ    لَذُو   تُقَى
بَعْدَ     إذَا     فَجَاءةٍ    أَوْ    قَسَمِ               لاَ    لاَمَ    بَعْدَهُ    بِوَجْهَيْنِ   نُمِي
مَعْ   تِلْوِ   فَا   الْجَزَا   وَذَا  يَطَّرِدُ               فِي   نَحْوِ  خَيْرُ  الْقَوْلِ  إِنِّي  أَحْمَدُ
وَبَعْدَ  ذَاتِ  الْكَسْرِ  تَصْحَبُ  الْخَبَرْ              لاَمُ    ابِتْدَاءٍ    نَحْوُ   إنِّي   لَوَزَرْ
وَلاَ   يَلِي   ذِي  الَّلامَ  مَا  قَدْ  نُفِيَا               وَلاَ    مِنَ   الأَفْعَالِ   مَا   كَرَضِيَا
وَقَدْ    يَلِيْهَا    مَعَ   قَدْ   كَإِنَّ   ذَا             لَقَدْ   سَمَا   عَلَى   الْعِدَا   مُسْتَحْوِذَا
وَتَصْحَبُ   الْوَاسِطَ  مَعْمُوْلَ  الْخَبَرْ             وَالْفَصْلَ   وَاسْمَاً  حَلَّ  قَبْلَهُ  الْخَبَرْ
وَوَصْلُ  مَا  بِذِي  الْحُرُوِف  مُبْطِلُ               إعْمَالَهَا     وَقَدْ     يُبَقَّى     الْعَمَلُ
وَجَائِزٌ    رَفْعُكَ    مَعْطُوْفَاً    عَلَى               مَنْصُوبِ   إِنَّ   بَعْدَ   أَنْ  تَسْتَكْمِلاَ
وَأُلْحِقَتْ      بِإِنَّ      لكِنَّ     وَأَنْ              مِنْ    دُوْنِ    لَيْتَ   وَلَعَلَّ   وَكَأَنْ
وَخُفِّفَتْ      إِنَّ     فَقَلَّ     الْعَمَلُ              وَتَلْزَمُ    الَّلاَمُ    إِذَا    مَا    تُهْمَلُ
وَرُبَّمَا    اسْتُغْنِيَ   عَنْهَا   إِنْ   بَدَا                مَا      نَاطِقٌ      أَرَادَهُ     مُعْتَمِدَاً
وَالْفِعْلُ   إِنْ   لَمْ   يَكُ  نَاسِخَاً  فَلاَ               تُلْفِيْهِ   غَالِبَاً   بِإِنْ   ذِي   مُوصَلاَ
وَإِنْ   تُخَفَّفْ   أَنَّ  فَاسْمُهَا  اسْتَكَنّ           وَالْخَبَرَ  اجْعَلْ  جُمْلَةً  مِنْ  بَعْدِ  أَنّ
وَإِنْ   يَكُنْ   فِعْلاً   وَلَمْ  يَكُنْ  دُعَا               وَلَمْ     يَكُنْ     تَصْرِيْفُهُ    مُمْتَنِعَا
فَالأَحْسَنُ  الْفَصْلُ  بِقَدْ  أوْ  نَفْي  أوْ             تَنْفِيْسٍ   أوْ   لَوْ   وَقَلِيْلٌ  ذِكْرُ  لَوْ
وَخُفِّفَتْ     كَأَنَّ     أَيْضَاً    فَنُوِي                 مَنْصُوْبُهَا    وَثَابِتَاً    أَيْضَاً   رُوِي
وأما لا النافية للجنس فتعمل عمل "إن"  بشروط : الأول: أن يكون اسمها وخبرها نكرتين: فلا تعمل في المعرفة. فإن دخلت على معرفة وجب تكرارها نحو: لا خالد في المسجد ولا هشام.
الثاني: أن يكون الاسم مقدمًا والخبر مؤخرًا. فإن تقدم الخبر بطل عملها ووجب تكرارها، نحو: لا في المعهد طلاب ولا مدرسون، ومنه قوله تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} (الصافات 47) فـ (لا) نافية ملغاة. (فيها) خبر مقدم (غول) مبتدأ مؤخر (ولا) الواو عاطفة. و (لا) مؤكدة للنفي. (هم) مبتدأ. وجملة (ينزفون) خبر. والواو نائب فاعل.

واسم لا النافية للجنس إما أن يكون مفردًا نحو : لا سرورَ دائمٌ ، أو مضافا نحو : لا طالبَ علم ممقوتٌ ، أو شبيها بالمضاف نحو : لا عاصيًا أباه موفق .
 لا النافية للوحدة فتنفي الشيء عن فرد واحد دون جميع الجنس ، مثال : (لا رجلٌ في الدار) أي لا يوجد رجل ، لكن ربما هناك رجال ، وهذه تعمل عمل ليس فترفع المبتدأ وتنصب الخبر ، وأما لا النافية للجنس فتنفي عن جميع أفراد الجنس ، مثال "لا رجلَ في الدار" هكذا نفيت جنس الرجال من البيت ، أي لا يوجد أي رجل ولو كان رُجَيْلًا ، وهذه تعمل عمل إن (فاسمها مبني على الفتح في محل نصب ، وخبرها مرفوع) ، والآن وقد علمتَ الفرق بين اللاءين فاعلم - يرحمك الله - أنه يجوز لَكَ في نَحْوِ : "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلا بالله" إفرادًا وتركيبًا هي : "لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلا بالله" على النافية للجنس ، و"لاَ حَوْلٌ وَلاَ قُوَّةٌ إلا بالله" على النافية للوحدة ، و"لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةٌ إلا بالله" ، "لاَ حَوْلٌ وَلاَ قُوَّةَ إلا بالله" تركيبًا بينهما ، و"لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةً إلا بالله" عطفًا على محل اسم إن (النصب) ، ولا يجوز "لاَ حَوْلٌ وَلاَ قُوَّةً إلا بالله" ؛ لأن "حولٌ" هنا مرفوعة فلا يجوز العطف عليها إلا بالرفع ، وإن أردت الاستئناف بلا النافية للجنس فليس لك إلا البناء على الفتح (ولا قوةَ) .
أما إذا وقع بعد اسم (لا) نعت فإنه يجوز فيه ثلاثة أوجه: البناء على الفتح، أو النصب، أو الرفع، وذلك بثلاثة شروط:
1-أن يكون النعت مفرداً أي ليس مضافًا ولا شبيهًا به.
2-أن يكون اسم (لا) مفردًا.
3-ألا يفصل بين النعت والمنعوت بفاصل.
مثال ذلك: لا مدرسَ مهمل ناجحٌ. فيجوز في النعت (مهمل) البناء على الفتح لتركبه مع اسم (لا) ، والنصب مراعاة لمحل اسم (لا) ، والرفع لمحلها مع اسمها؛ لأنهما بمنزلة المبتدأ المرفوع. فإذا تخلف شرط امتنع البناء، وجاز النصب أو الرفع. على التوجيه السابق.
تعجيل الندى للشيخ عبد الله الفوزان - حفظه الله - (1/ 106 : 136) وشذور الذهب للعلامة ابن هشام - ت 761 هـ رحمه الله - (91 : 93) .

قال ابن مالك - رحمه الله - :

عَمَلَ   إِنَّ   اجْعَلْ   لِلا  فِي  نَكِرَهْ             مُفْرَدَةً     جَاءتْكَ     أَوْ     مُكَرَّرَهْ

فَانْصِبْ  بِهَا  مُضَافَاً  أَوْ  مُضَارِعَهْ              وَبَعْدَ   ذَاكَ   الْخَبَرَ   اذْكُرْ   رَافِعَهْ

وَرَكّبِ     الْمُفْرَدَ     فَاتِحَاً     كَلاَ            حَوْلَ    وَلاَ   قُوَّةَ   وَالْثَّانِ   اجْعَلاَ
مَرْفُوْعَاً   أوْ   مَنْصُوباً  أوْ  مُرَكَّباً                  وَإِنْ    رَفَعْتَ    أَوَّلاً   لاَ   تَنْصِبَا
وَمُفْرَدَاً      نَعْتَاً     لِمَبْنِيّ     يَلِي                فَافْتَحْ  أَوِ  انْصِبَنْ  أَوِ  ارْفَعْ  تَعْدِلِ
وَغَيْرَ    مَا   يَلِي   وَغَيْرَ   الْمُفْرَدِ                 لاَ  تَبْنِ  وَانْصِبْهُ  أَوِ  الْرَّفْعَ  اقْصِدِ
وَالْعَطْفُ  إِنْ  لَمْ  تَتَكَرَّرْ  لاَ احْكُمَا              لَهُ  بِمَا  لِلْنَّعْتِ  ذِي  الْفَصْلِ انْتَمَى
وَأَعْطِ    لاَ   مَعْ   هَمْزَةِ   اسْتِفْهَامِ             مَا     تَسْتَحِقُّ    دُوْنَ    الاسْتِفْهَامِ
وَشَاعَ  فِي  ذَا  الْبَابِ  إِسْقَاطُ الْخَبَرْ             إِذَا   الْمُرَادُ   مَعْ   سُقُوْطِهِ   ظَهَرْ
(9) القسم الثالث من نواسخ الابتداء (ظن وأخواتها) وهي أفعال تنصب المبتدأ والخبر على أنهما مفعولان. وهي ظَنَّ ورَأَى وحَسِبَ ودَرَى وخَالَ وزَعَمَ ووَجَدَ وعَلِمَ القَلْبِيَّاتُ ، وأفعال هذا الباب نوعان: أفعال القلوب وأفعال التحويل . أولا : أفعال القلوب ، معانيها قائمة بالقلب متصلة به كالعلم والظن والزعم ونحوها ، وهي (ظَنَّ وحَسِبَ ودَرَى وخَالَ وزَعَمَ ووَجَدَ وعَلِمَ ورَأَى (على الراجح في رأى خلافًا للفراء الذي جعله بصرية لها مفعول واحد وحال) )
وأفعال هذا الباب لها ثلاثة أحكام : 

1- الإعمال ، وهو الأصل . وذلك إذا تقدم الفعل .
2-الإلغاء ، وهو إبطال العمل لفظًا ومحلاً ؛ لضعف العامل بتوسطه ، أو تأخره ، وإلغاء العامل المتأخر أقوى من إعماله ، نحو: الصدقُ نافعٌ علمتُ، وأما المتوسط فقيل: إعماله أولى، لأنه الأصل، وقيل: إعماله وإلغاؤه سواء، نحو: الصدقُ - علمت - نافعٌ .
3-التعليق ، وهو إبطال العمل لفظًا لا محلاً ، لمجيء ماله صدر الكلام بعد الفعل.والمعلِّق عن العمل أنواع:
1-حروف النفي (ما، لا، إن) نحو: علمت ما التحيلُ شجاعةٌ، وجدت لا الإفراطُ محمودٌ ولا التفريطُ، رأيت إنِ التَحَيُّلُ جائزٌ أي: ما التحيل جائز.
2-لام الابتداء نحو: علمت لزوال النعمة بكفرها.
3-لام القسم نحو: علمت ليحاسبن المرء على عمله.
4-الاستفهام وله صورتان.
الأولى: أن تدخل همزة الاستفهام على أحد المفعولين، نحو: علمت أعليُّ مسافر أم مقيم.
الثانية: أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام، نحو: علمت أيُّهم مواظب على الحضور، ومنه قوله تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى} (الكهف 12) فاللام للتعليل، والمضارع بعدها منصوب بـ (أن) مضمرة جوازاً (أيُّ الحزبين) مبتدأ ومضاف إليه (أحصى) خبره. والجملة في محل نصب سدَّت مسد مفعولي (نعلم) ، ويلحق بهذه الأفعال ما ينصب ثلاثة مفاعيل أو أكثر توسعًا مثل (أَرى) و(أَعْلَمَ) ، نحو قول الله - تعالى - (( إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا)) (الأنفال 43) .

 ثانيًا : أفعال التحويل ، تدل على تحول الشيء من حالة إلى أخرى مثل: جعل ، صيَّر، نحو: جعلت الذهب خاتمًا. صيرت الزجاج لامعًا ، ولا يصح إهمالها أو إلغاؤها . تعجيل الندى للشيخ عبد الله الفوزان - حفظه الله - (1/ 136 : 141) باختصار ، وأوضح المسالك للعلامة ابن هشام مع عدة السالك للعلامة محيي الدين (2/ 26 : 60) .
قال ابن مالك - رحمه الله - :

اِنْصِبْ  بِفِعْلِ  الْقَلْبِ جُزْأَي ابْتِدَا               أَعْنِي   رَأَى  خَالَ  عَلِمْتُ  وَجَدَا

ظَنَّ   حَسِبْتُ  وَزَعَمْتُ  مَعَ  عَدّ                حَجَا   دَرَى  وَجَعَلَ  اللَّذْ  كَاعْتَقَدْ

وَهَبْ    تَعَلَّمْ    وَالَّتِي   كَصَيَّرَا                     أَيْضَاً  بِهَا  انْصِبْ  مُبْتَداً  وَخَبَرَا
وَخُصَّ   بِالْتَّعْلِيْقِ   وَالإِلْغَاء   مَا                   مِنْ قَبْلِ هَبْ وَالأَمْرَ هَبْ قَدْ أُلْزِمَا
كَذَا   تَعَلَّمْ   وَلِغَيْرِ   الْمَاضِ  مِنْ                 سِوَاهُمَا  اجْعَلْ  كُلَّ  مَا  لَهُ زُكِنْ
وَجَوِّزِ   الإِلْغَاء   لاَ  فِي  الإبْتِدَا                    وَانْوِ  ضَمِيْرَ  الشَّانِ  أَوْ لاَمَ ابْتِدَا
فِي    مُوهِمٍ    إِلْغَاء   مَا   تَقَدَّمَا                   وَالْتَزِمِ   الْتَّعْلِيْقَ   قَبْلَ   نَفْي  مَا
وَإِنْ   وَلاَ   لاَمُ  ابْتِدَاءٍ  أَوْ  قَسَمْ                كَذَا   وَالاسْتِفْهَامُ   ذَا   لَهُ  انْحَتَمْ
لِعِلْمِ     عِرْفَانٍ    وَظَنَ    تُهَمَهْ                    تَعْدِيَةٌ        لِوَاحِدٍ       مُلْتَزَمَهْ
وَلِرَأَى   الْرُّؤيَا   انْمِ   مَا   لِعَلِمَا                   طَالِبَ  مَفْعُوْلَيْنِ  مِنْ  قَبْلُ  انْتَمَى
وَلاَ    تُجِزْ    هُنَا    بِلاَ   دَلِيْلٍ                    سُقُوْطَ    مَفْعُوْلَيْنِ    أَوْ   مَفْعُوْلِ
وَكَتَظُنُّ   اجْعَلْ  تَقُوْلُ  إِنْ  وَلِي                    مُسْتَفْهَماً     بِهِ    وَلَمْ    يَنْفَصِلِ
بِغَيْرِ  ظَرْفٍ  أَوْ كَظَرْفٍ أَوْ عَمَلْ                   وَإِنْ  بِبَعْضِ  ذِي  فَصَلْتَ يُحْتَمَلْ
وَأُجْرِيَ    الْقَوْلُ   كَظَنَ   مُطْلَقَا                  عِنْدَ   سُلَيْمٍ  نَحْو  قُلْ  ذَا  مُشْفِقَا
إِلَى     ثَلاَثَةٍ     رَأَى     وَعَلِمَا                    عَدَّوْا   إذَا  صَارَا  أَرَى  وَأَعْلَمَا
وَمَا    لِمَفْعُوْلَيْ   عَلِمْتُ   مُطْلَقَا                  لِلْثَّانِ    وَالْثَالِثِ    أَيْضَاً    حُقِّقَا
وَإِنْ      تَعَدَّيَا     لِوَاحِدٍ     بِلاَ                     هَمْزٍ     فَلِاثنَيْنِ    بِهِ    تَوَصَّلاَ
وَالْثَانِ  مِنْهُمَا  كَثَانِي  اثْنَيْ  كَسَا               فَهْوَ  بِهِ  فِي  كُلِّ  حُكْمٍ  ذُو ائْتِسَا
وَكَأَرَى    الْسَّابِقِ    نَبَّا    أَخْبَرَا                  حَدَّثَ     أَنْبأَ     كَذَاكَ     خبَّرَا
(10) ويجوز حذف المفعولين إجماعًا ؛ للاختصار (لدليل) نحو قول الله - تعالى - ((وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)) (القصص 62 ، 74) أي تزعمونهم شركائي ، وأما حذفهما اقتصارًا (لغير دليل) فأجازه الجمهور - خلافًا لسيبويه والأخفش - نحو قول الله - عز وجل - ((وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) (البقرة 216 ، 232 ، النحل 74 ، النور 19) ، وأجازه بعضهم في أفعال الظن دون أفعال العلم ، ويمتنع إجماعًا حذف أحدهما اقتصارًا ، وأما اختصارًا فمنعه ابن مَلْكُون وأجازه الجمهور كقول عنترة : ولقد نزلتِ فلا تظُنِّي غيرَه ... مني بمنزلة المحب المُكْرَمِ . أوضح المسالك للعلامة ابن هشام مع عدة السالك للعلامة محيي الدين (2/ 59 ، 60) .  

(11) من اللطائف أن كل "عسى" من الله - تعالى - في القرآن تفيد تحقق الوقوع إلا في موضعين : الأول قول الله - عز وجل - لبني إسرائيل ((عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)) (الإسراء 8) ، والثاني قوله - جل ثناؤه - لأزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم ، ورضي الله عنهن - : ((عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ)) (التحريم 5) ، ولله دَرٌّ من قال :
عسى فرَجٌ يكونُ عسى = نعلل النفسَ بعسى
فلا تجزع إن حُمّلتَ = هَمّاً يقطع النفسا
فأقربُ ما يكونُ المرءُ = مِن فرَجٍ إذا يئسا

 تفسير ابن أبي حاتم الرازي - ت 327 هـ رحمه الله - (2016) (2/ 383) والسيوطي - ت 911 هـ رحمه الله - في الدر المنثور (1/ 587) وأضواء البيان للشنقيطي - ت 1393 هـ رحمه الله - (5/ 521) .
(12) "ويجوز كسر سين "عسَى" خلافًا لأبي عبيدة ، بشرط إسنادها إلى التاء أو النون أو نا نحو سِيتُم) (البقرة 246 ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - 22) كما قرأ نافعٌ وحده". أوضح المسالك (1/ 285) .
(13) يجمل بنا أن نذكر هنا أن أخبار أفعال الرجاء والمقاربة والشروع من حيث دخول "أن" المصدرية عليها على أربعة أقسام :
1-يقترن بـ أن وجوباً مع ( حرى – اخلولق ): ( اخلولقتِ السماءُ أنْ تمطرَ ) .  
2-يجرد من ( أن ) وجوباً مع أفعال الشروع:  ( شرع – أنشأ – أخذ – طفق – علق – قام – هب – جعل ) : (و طَفِقَا يَخْصِفَانِ عليهما مِنْ وَرَقِ الجَنَّةِ). [ طه :121].
3-يقترن بـ أن غالباً مع ( عسى – أوشك ): (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا) (النساء 84) .
4-مجرد من أن غالباً مع ( كاد – كرب ): ( مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (التوبة 117) .  النحو الوافي بتصرف (1/ 624 ، 625) ،  أ/كاملة الكواري - حفظها الله - (موقعها الإلكتروني) .  
قال ابن مالك - رحمه الله - :

كَكَانَ    كَادَ    وَعَسَى   لكِنْ   نَدَرْ                   غَيْرُ مُضَارِعٍ    لِهذَيْنِ    خَبَرْ

وَكَوْنُهُ    بِدُونِ   أَنْ   بَعْدَ   عَسَى                نَزْرٌ    وَكَادَ   الأَمْرُ   فِيْهِ   عُكِسَا
وَكَعَسَى     حَرَى    وَلكِنْ    جُعِلاَ               خَبَرُهَا     حَتْمَاً     بِأَنْ    مُتَّصِلاَ
وَأَلْزَمُوا   اخْلَوْلَقَ  أَنْ  مِثْلَ  حَرَى               وَبَعْدَ    أَوْشَكَ    انْتِفَا   أَنْ   نَزُرَا
وَمِثْلُ   كَادَ   في   الأَصَحِّ   كَرَبَ                أوِ تَرْكُ  أَنْ  مَعْ ذِي الْشُّرُوع وَجَبَا
كَأَنْشَأَ    الْسَّائِقُ    يَحْدُو    وَطَفِقْ               كَذَا   جَعَلْتُ    وَأَخَذْتُ    وَعَلِقْ
وَاسْتَعْمَلُوا     مُضَارِعَاً     لأَوْشَكَا               وَكَادَ   لاَ   غَيْرُ   وَزَادُوا   مُوْشِكَا
بَعْدَ   عَسَى   اخْلَوْلَقَ   أَوْشَكَ   قَدْ              يَرِدْ غِنًى  بِأَنْ  يَفْعَلَ  عَنْ  ثَانٍ فُقِدْ
وَجَرِّدَنْ  عَسَى  أَوْ  ارْفَعْ  مُضْمَرَا               بِهَا    إذَا   اسْمٌ   قَبْلَهَا   قَدْ   ذُكِرَا
وَالْفَتْحَ  وَالْكَسْر  أَجِزْ فِي الْسِّيْنِ مِنْ            نَحْوِ   عَسَيْتُ   وَانْتِقَا  الْفَتْحِ  زُكِن
(14) من النكات الظريفة أن ابن عنين تأخر عن شيخه فسأله شيخه ما أخرك فقال "كَأَنِّي من أَخْبَار إِن وَلم يجز لَهُ أحد فِي النَّحْو أَن يتقدما" . شرح قطر الندى للعلامة ابن هشام (1/ 162) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©