موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة نقولات وذكريات في فضل من علّم الناس ومات 8-العلامة الشيخ محمود أمين طنطاوي رحمه الله

الحلقة الثامنة :

العلامة الشيخ محمود أمين طنطاوي رحمه الله


حوار أجرته مع فضيلته مجلة الفرقان الاردنية فى العدد40 لسنة 2005

الفرقان: أهلاً وسهلاً بكم فضيلة الشيخ ضيفاً عزيزاً على مجلة الفرقان. بداية نرغب أن تقدموا أنفسكم لقراء المجلة.

الشيخ محمود: أشكر مجلة الفرقان على هذه الاستضافة، وأسأل الله أن ينفع بها أهل القرآن والمسلمين. أما عنّي فاسمي محمود أمين طنطاوي من مواليد الثلاثين من نوفمبر عام (1930) بمدينة (منيا القمح) إحدى مدن محافظة الشرقية بمصر.

الفرقان: كيف كانت بدايتكم مع القرآن وحفظه؟
الشيخ محمود: كما تعلم فإن العادة جرت أن يرسل الأهالي أولادهم إلى الكُتّاب لتعلم القرآن الكريم وحفظه ، وكنت والحمد لله ممن اعتنى أهلي بي فأرسلوني صغيراً إلى كتّاب الشيخ عبدالغفار محمد- أشهر كتاب بمدينتي- لحفظ القرآن الكريم، فمنَّ الله عليَّ بحفظ القرآن كاملاً وأنا دون العاشرة من عمري، وبعد ذلك درست أحكام القرآن، حتى انتهيت من تحصيلها في سن الحادية عشرة.

الفرقان: ما هي المرحلة التي تلت حفظك القرآن الكريم والأعمال التي قمت بها؟
الشيخ محمود: بعد ذلك تقدمت للدراسة بمعهد القراءات، وبعد أن حصلت على عالمية القراءات عام (1964) اتجهت للعمل بالتدريس في أحد المعاهد الأزهرية، وفي تلك الفترة تلقيت عرضاً من المملكة العربية السعودية للعمل مدرساً للقراءات والتجويد في مدرسة معهد المعلمين في المدينة المنورة، وبعد ثماني سنوات قضيتها فى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قررت العودة إلى القاهرة ، وعُيّنت مدرِّساً بمعهد القراءات بشبرا فى عام (1973) ثم بمعهد القاهرة الأزهري الثانوي عام (1974). وفي نفس هذا العام أنشأ الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر -رحمه الله- إدارة شؤون القرآن بالأزهر واختارني كأول مفتش لها، كما اختارني الشيخ عبدالفتاح القاضي -رئيس لجنة تصحيح المصحف في ذلك الوقت- عضواً في اللجنة في العام نفسه، وتدرجت بين مواقع اللجنة القيادية حتى أصبحت رئيساً لها منذ عام (1998) وحتى عام (2004).

الفرقان: ذكرت -فضيلتك- أنك التحقت بمعهد القراءات بالأزهر، حبذا لو حدثتنا عن هذه المرحلة.
الشيخ محمود: كما هو معلوم فإن المعهد كان له منهج ونظام معين في تدريس القراءات؛ فأذكر أننا كنا نقرأ على المشايخ القراءات العشر من الشاطبية والدرة، وحفظنا متونها ودرسنا شروحها، ودرسنا أيضاً الرسم والوقف والابتداء وما له علاقة بهذا العلم.

وأذكر من شيوخنا الذين أخذنا عنهم بالأزهر الشيخ محمد الهمذاني والشيخ محمد سليمان صالح وغيرهم جزاهم الله عنا كل خير .
الفرقان : هل قرأت القراءات على أحد شيوخ الإقراء خارج المعهد، أو أفردت عليه إحدى الروايات وحصلت على السند منه ؟
الشيخ محمود: لا، لم أقرأ على شيوخ من خارج المعهد حيث إنني لما تخرجت تعاقدت مع السعودية، والحقيقة التي تذكر أنني استفدت كثيراً من حفظي الأول ودراستي للتجويد بالكُتّاب.

الفرقان: ذكرت -فضيلتك- أنك قمت بتصحيح المصحف بالأزهر فهل لك مراجعات وتصحيحات لمصاحف أخرى؟
الشيخ محمود: نعم والحمد لله، ففى سنة (1992) اختارني الشيخ جاد الحق علي جاد الحق -رحمه الله- شيخ الأزهر آنذاك، لأكون رئيساً للجنة من خمسة أعضاء كان معي منهم شيخي محمود حافظ برانق -رحمه الله- وهذه اللجنة تم إعدادها خصّيصاً لتصحيح المصحف الشريف الخاص بدولة بروناي بناءً على طلب سلطانها، الذى تعهد بطبع المصحف تحت إشراف الأزهر الشريف.

وفى عام (2003) تلقيت دعوة من الشيخ مكتوم بن راشد حاكم دبي للمشاركة في لجنة تصحيح مصحف دبي، وكنت بحمد الله رئيس اللجنة، وقد خرج المصحف على مستوى عالٍ من الطباعة الفاخرة والدقة في التصحيح، ومنحني الشيخ مكتوم وسام التقدير للجهود المخلصة في إخراج المصحف بهذا الشكل الجيد.

الفرقان: ماذا عن دوركم في الإذاعة، وهل لك تسجيلات معينة؟
الشيخ محمود: بالنسبة لي لم أسجل لنفسي شيئاً في الإذاعة، لكنني والحمد لله أشرفت على كثير من الختمات المسجلة. كما أعمل ممتحناً للقراء منذ (21) سنة. ومن المصاحف التي أشرفت على تسجيلها ومراجعتها ، مصحف الشيخ عبدالباسط عبد الصمد –رحمه الله- برواية ورش، والشيخ محمود صدّيق المنشاوي، والشيخ الشحات أنور، والشيخ محمود حسين منصور -رحمه الله-، والشيخ القارئ أحمد عامر، والدكتور أحمد نعينع.

الفرقان: شيخنا الكريم، لك خبرة واسعة في تحكيم المسابقات؛ فهذه المشاركة الثانية والعشرون في تحكيم مسابقة ماليزيا. هلا حدثتنا عن المسابقات التي حكّمت فيها؟
الشيخ محمود: الحمد لله، لقد شاركت في تحكيم مسابقات كثيرة، حيث اختارتني دولة ماليزيا على مدى اثنين وعشرين عاماً محكِّماً لمعظم المسابقات التى كانت تنظمها، لاختيار أفضل قراء القرآن الكريم بالعالم الإسلامي، وكذلك شاركت في الممكلة العربية السعودية عضواً في لجان تحكيم مسابقاتها على مدى ثلاث سنوات متتالية، وعلى مدى عامين في مسابقات بانكوك وتايلند بالإضافة إلى قطر بدعوة شخصية من أميرها، والأردن وإيران وأندونيسيا وليبيا . والحقيقة أن هذه المسابقات لها فوائد كثيرة تشجع على الحفظ والمنافسة على الخير .

الفرقان: هل للشيخ الطنطاوي أي مؤلفات في التجويد أو القراءات ؟
الشيخ محمود: وفقني الله لتأليف خمسة كتب وسادس لم يكتمل بعد. أما المؤلفات الخمسة الأولى فهي:
المؤنس فى ضبط كلام الله المعجز، قراءة الإمام ابن عامر، رواية شعبة عن عاصم، قراءة الإمام خلف، قراءة الإمام الكسائي، والسادس الذي لم يكتمل بعد هو قراءة الإمام ابن كثير أكتبه الآن.

الفرقان: شيخنا الكريم، لدينا بعض المسائل التجويدية، نحب أن نسألكم عنها. بالنسبة لحكم الإقلاب والإخفاء الشفهي عند أدائه هل يكون بالفرجة البسيطة أم بإطباق الشفتين ؟
الشيخ محمود: الفرجة في القراءة خطأ، والصحيح أنه بالإطباق دون كزّ للشفاه شديد، كما تلقيناه عن مشايخنا، وهذه مشكلة قديمة نشرها أحد المشايخ بمصر -سامحه الله- ونحن نعالج هذا الأمر. والله تعالى أعلم.

الفرقان: نلاحظ أن بعض المشايخ في تسجيلاتهم أو تدريسهم يقرأون التسهيل في الهمزة الثانية مثل (ءأعجمي) بالهاء، أي يُسَهِّلون بالهاء ! فما الصحيح؟
الشيخ محمود: هذا أيضاً غير صحيح، والتسهيل كما نعلم بَيْنَ بَيْن لا علاقة لصوت الهاء به.

الفرقان: ما رأي الشيخ في الذي يقرأ القراءات وهو ليس بحافظ للقرآن؟
الشيخ محمود: هذا الشخص نعتبره مقلداً فقط، أي لا يعتبر من القراء المعتبرين.

الفرقان: جزاكم الله خيراً على هذه المعلومات، هل من كلمة تحب أن توجهها لطلاب القراءات والقرآن؟
الشيخ محمود: أوصيهم بتقوى الله أولاً، وبأن يهتموا بحفظ المتون؛ فالقراءات دون حفظ متونها لا تمكّن، وأن يجتهدوا في أخذ القرآن من فم الشيوخ والدراسة عليهم وتطبيقها بشكل عملي. والله الموفق لكل خير. انتهى الحوار .

كلمة موجزة في وفاة شيخنا محمود طنطاوي رحمه الله ...... كتبها إسماعيل الشرقاوي
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين القائل : "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" (آل عمران 185) ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه الصحيح : «إذا أصاب أحدَكم مصيبةٌ فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب» صحيح رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما ، {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] ، اللهُمَّ أْجُرْنَا فِي مُصِيبَتِنَا، وَأَخْلِفْ لَنَا خَيْرًا مِنْهَا ،
إلى أقارب الشيخ وطلابه وأحبابه :

إني معزيكم لا أني عَلَى ثقةٍ ... من الخلود وَلَكِنْ سنةُ الدين
فما الْمُعَزَّي بباق بعد صاحبه ... ولا الْمُعَزِّى وإن عاشا إلى حينِ

رحل العلامة الشيخ محمود طنطاوي ، وهو الشيخ الفذَّ الذي يعرفه طلاب علم التجويد والقراءات ، كيف لا ؟! وقد كان رئيسًا للجنة مراجعة المصحف لسنين ، ولا أحب أن أذكر أشياء قد تؤرق مضاجع قوم بخسوه حقه ، لكن إلى الله المشتكى ، سأذكر في عجالة بعض الفوائد الأدبية التي تعلمتها من فضيلته ، رحمه الله رحمةً واسعة :
1- عندما زرت الشيخ أول مرة وطلبت منه تحقيق كتابي المختصر المفيد في علم التجويد رحّب بي وأكرمني ، في الوقت الذي يغلق كثير من الشيوخ أبوابهم أمام طلاب العلم .
2- كان الشيخ رحمه الله متواضعًا ، فلا يجلس معه أحد إلا شهد بذلك ، حتى قال لنا مرة أثناء زيارته : "من يجلس معي يتصدق عليّ" .
3- صدق الشيخ فلم يكذب ويدعي أنه قرأ القرآن كاملا على شيوخ خارج المعهد بأسانيد عالية ، بل قال لي بكل صراحة : "ليس معنا إجازة نحن الثلاثة أنا والشيخ برانق والشيخ رزق حبه" ، وهل هذا يطعن في علم هؤلاء الشيوخ ؟! للأسف نحن في عصر يتاهفت فيه الكثير على الإجازات بإتقان وبغير إتقان ، مذهب أغلب طلاب العلم اليوم كما قال أحد الفضلاء "إجازة في شهر ظلمُ وقهر" ، يحدثني بعض الطلاب أريد أن أجمع عليك القراءات العشر ، فأقول له : هل تحفظ القرآن ؟ يقول لا ، أقول : هل تحفظ الشاطبية والدرة أو الطيبة ؟! يقول : لا ، فقلت سبحان الله ، وكيف تقرأ وماذا تقرأ ؟! للأسف أهان كثير من الشيوخ هذا العلم فجعلوا الإجازة ذا القيمة العالية بضاعة رديئة تباع بثمن بخس دراهم معدودة .
قديما كانت لمعاهد القراءات قيمتها العالية ؛ لما فيها من اهتمام وحرص من الطالب والمعلم ، اليوم أقول بإنصاف أكثر معاهد القراءات - إن لم يكن كلها - مشحونة بالغش من الكتب ، وشهادتها لا تدل على علم حاملها ، وقليل من خريجيها علماء ؛ ليس لأجل الشهادة ، وإنما لأنهم قرءوا على شيوخ خارج المعهد وتعلموا منهم ، ولكل مجتهد نصيب .
4- موقف الشيخ من موضوع اشتراط مبالغ كبيرة في تعليم القرآن أو مراجعة الكتب : حدثني شيخي محمد عبيد حفظه الله أنه عندما زار الشيخ محمود طنطاوي ، وطلب منه أن يقرأ عليه ويتعلم منه ، وسأله كم تريد من المال ؟ قال الشيخ محمود : " يا بني أنا لا أشترط على أحد ، ادفع ما تريد" ، اليوم نقلب أكفنا على أكثر الشيوخ الذين يطلبون الآلاف المؤلفة ، ويسعرون القراءات ، هذه بكذا ، وهذه بكذا ، وكأنها تجارة ؛ وصدق النبي صلى الله عليه وسلم : " يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ " . رواه مسلم (1047) (2/724) .
ارتحل طالب لزيارة شيخ ما (بدون أسماء) فرحب به الشيخ ، وقرأ على الشيخ متنا في علم التجويد ، ثم دفع ما تيسر من مال لحبس وقت الشيخ ، ثم طلب أن يقرأ عليه متنًا آخر مختصرا في علم التجويد ، فقال الشيخ : "المتن الأول الذي قرأته فيه كل شيء" - مع اختلاف النَّظْمَيْن والنَّاظِمَيْن - ؛ وكأنه يريد أن يقول له بالعامية المصرية "على أد فلوسك يا حبيبي" ،
والله إن واقعنا لَمُخْجِلٌ ، وكلما سمعت بهؤلاء ذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم :
"إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ" . رواه البخاري (1472) (2/123) ، (1035) (2/717) .
وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم :
"إِذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا المَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ، فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ" . رواه البخاري (1473) (2/123) ، ومسلم (1045) (2/723) .
وفي ذات الوقت بعض الطلاب يلعبون بأوقات الشيوخ ولا يلتزمون ؛ لأنهم لم يفرضوا عليهم مالا ؛ ولهذا لو تأملنا كلمة الشيخ محمود طنطاوي رحمه الله لوجدناها وسطًا ، وخير الأمور الوسط . رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته ، وألحقنا وإياه بالصالحين ، وجمعنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©