رسالة
مفتوحة إلى الرئيس مبارك
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على
أشرف المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد ...
في ظل الأحداث الجارية على الساحة المصرية ،
وبعد أن انفجر الشعب المصري المظلوم ، من شيبه وشبّانه ، ورجاله ونساءه ، وفي
إصرار الرئيس على سياسة : مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ
إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ . تذكرت بعض الأحداث في التاريخ الإسلامي ، ودارت في
ذهني بعض الخواطر ؛ فأردت أن أبثها على عجل .
تعودنا من فخامة الرئيس وحكوماته الموقرة على
استماع الوعود بالإصلاح ، خلال ثلاثين عامًا ، وفي الأيام الماضية خاصة 25 يناير ، قامت وزارة الداخلية بقمع
المتظاهرين العزّل ، وضربهم بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع ، وضربهم
بالعصي ، ومطاردتهم واعتقال الكثير منهم ، بل وقتل بعضهم أحيانًا ، وكانت الداخلية
تعلن بكل سماجة أنها ستتخلص من هذه المظاهرات ، واستمر هذا أربعة أيام بلياليهن ،
إلى أن تخلت الشرطة عن مواقعها في أكثر الأقسام ، بل وفتحت سجون ، وكان في هذه
الفترة الرئيس وحكومته صامتين ، وفي الليلة الرابعة أطلّ علينا سيادة الرئيس ؛ ليقيل
الحكومة ويتفهم مطالب الشباب ؛ ليبدأ مرحلة جديدة في الإصلاح السياسي المزعوم ، ثم
خرج الحزب الوطني الحاكم ؛ ليخبر الشباب أنّهم مناضلون ويستحقون كل شكر ؛ لأنهم
أيقظوا النظام النائم ، ولكن يا سيادة الرئيس يؤسفني أن أقول لكم : لقد ندمتم حيث
لا ينفع الندم ، أبعد أن زورتم الانتخابات واستحوذتم على أغلب المقاعد في مجلس
الشعب بنسبة 86.4 % ، أبعد أن سمحت للمفسدين والسفاحين أن يفعلوا ما يشاءون ، أبعد
أن جوعتم شعوبكم ، أبعد أن ضيعتم اقتصاد بلادكم ، وألجأتم شبابه إلى السفر إلى
المجهول عبر سفن الموت ؟! ، أبعد أن فتحتم لليهود الباب على مصاريعه ، وأغلقتم
الأبواب على أهل فلسطين الشرفاء ؟! ، أبعد أن رأيتموهم يذبحون على مرأى ومسمع من
العالم كله ، ولم تحركوا ساكنًا ؟! أبعد ذلك وغير ذلك استيقظتم على صوت الشباب بعد
أربعة أيام ؟! لقد كان النوم ثقيلا .
لا يا
سيادة الرئيس لقد فات الأوان ، وانقضت الفرص ؛ فإن الذين صبروا على الظلم والتجويع
والاضطهاد ، قد انقضى صبرهم ؛ وهؤلاء الفتية الذين لم تسمحوا لهم بالتعبير عن
رأيهم ، قد فقدوا الثقة فيكم .
لقد سمعنا الوعود وفي نفس الوقت رأينا التعدي
على الشباب الأعزل بالأسلحة البيضاء أحيانا ، وبإلقاء القنابل أحيانا ، بل وبالدهس
بسيارات الدولة أحيانًا أخرى ، كم من أم ثكلى فقدت لها ولدا ، كم من طفل فقد له
أبًا ؛ فصار يتيمًا لا يجد له مأوى ؟؟!!! إن الجرح لم يرقأ ، إن الجرح ينزف دمًا
طاهرًا ، دم الشهداء .
لقد ذكرتني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
: الظلمُ ظلماتٌ يوم القيامة .
لا
تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام
عيناك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنمِ
إن
دعوة المظلوم مستجابة وإن كان كافرًا ، فكيف بدعوات ملايين المظلومين المكلومين ،
رفعت إلى القريب المجيب سبحانه . إنها سهامٌ ليلية قاسية ، سهام لا تخطيء الأهداف
.
أتهزأ بالدعاء
وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاءُ
سهام
الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاءُ
لقد اعتذر الوزير ، ولكن من أي البنوك يصرف هذا
الاعتذار ، ثم قال الرئيس إنه قد فاض به الكيل ، ويريد التنحي ، ولكنه يخشى أن
تندلع الفوضى ، وأي فوضى بعد هذه الفوضى ؟!
كان من الممكن يا سيادة الرئيس أن تترك الرئاسة
؛ ليتسلمها رئيس المحكمة الدستورية العليا ، أو غيره في فترة انتقالية مؤقتة ،
بدلا من أن تصبر أنت ستة شهور ، والشعب يقتل ويحارب بعضه بعضًا ، أما يكفيك هذه
الدماء ؟! أما يكفيك هؤلاء الضحايا ؟! ألا تحقن هذه الدماء ؟!
لقد تذكرت موقف الحسن بن علي بن أبي طالب رضي
الله عنهما ، عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية بن
أبي سفيان رضي الله عنهما ؛ ليحقن دماء المسلمين ، وتتحد الجماعة المسلمة ، إنه
آثر مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد ، رغم أنه لم يمكث في الخلافة ثلاثين سنة ، بل
أيام معدودة ، ولم ينتقص هذا من قدره ، بل كان سيدًا في قومه ، كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : إن ابني هذا سيد .
لقد ناداك العالم بدوله الشرقية والغربية
بالتنحي فلم تستجب .
لقد شكر الكثير لك ما قدمت خلال اثنتين وستين
سنة ، ثم طلبوا منك التنحي ، تنح يا سيادة الرئيس ، حبك لوطنك وشعبك ، يدعوك
للحفاظ على من بقي من الشباب ، ومقدرات الوطن ، لن يحدث فراغ في السلطة ، ولن
تندلع الفوضى ، إذا كان سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد مات ، ثم خرج
أبو بكر الصديق رضي الله عنه ؛ ليقول للناس : أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن
محمدًا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت ، وانتقلت السلطة إلى أبي
بكر رضي الله عنه بعد اجتماع السقيفة ، تأمل يا سيادة الرئيس لو جاءك الموت ، ماذا
يحدث ؟! هل ستقول : لا حتى لا تندلع الفوضى ؟!
هذه دعوة من ناصح أمين ، إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ
مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ
.
ليست هناك تعليقات: