موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الردود العلمية - الرد على من أنكر تفسير الصادق الأمين لـ((لمغضوب عليهم ولا الضالين))

بسم الله الرحمن الرحيم
ديباجة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدوآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
ففي الآونة الأخيرة سمعت عددا من المثقفين - في المغرب ومصر وغيرهما - ينكرون تفسير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للمغضوب عليهم - في سورة الفاتحة - بأنهم اليهود ، وتفسيره - عليه الصلاة والسلام - للضالين بأنهم النصارى ، وتعددت الأسباب لهذا الإنكار ، فمنهم من ينكره مداهنةً وتقربًا إلى اليهود والنصارى باعتبارهم شركاء الوطن أو العروبة ، وأبدًا لن يرضيهم هذا عنه ، اللهم إلا إذا اتبع ملتهم ، قال الله - تعالى - : ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)) (البقرة 120) القرآن صريح ، ولا يجامل أحدًا على حساب الدين .
  ومنهم من ينكر الحديث ؛ لأنه ينكر السنة مطلقًا (1) ، ويستثنِي منها القليل (الذي يتوافق مع عقله هو) ، ومنهم ... ومنهم ... ، وليس هذا محل النقاش ، المطلوب من هذا الرد الموجز هو إثبات صحة تفسير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للآية ، بل وترجيحه على سائر التفاسير ؛ لأنه أعلم الخلق بكلام الخالق . وهذا لا يعني أن الإسلام دين إرهاب أو تطرف ، وإنما هو دين صريح وواقعي ، وهناك فرق بين مقام الاعتقاد ومقام الدعوة ومقام البر ، ففي مقام الاعتقاد كما أننا نعتقد أن اليهود والنصارى كفار ، هم أيضًا ينظرون إلينا من نفس المنظار وأننا كفار ، وأتعجب كثيرًا ممن يريد أن يثبت لهم الإيمان في الوقت الذي هم لا يثبتونه لنا ، ونحن نؤمن بأنبيائهم وكتبهم ، وهم لا يؤمنون بنبينا وكتابنا ؟! فأي الفريقين أحق بالأمن ؟! .
وأما مقام الدعوة فيقتضي أن نذكرهم بأصلهم ، وأنهم أتباع كتابين سماويين ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) )) (سورة آل عمران) .
ولما أمرنا القرآن بجدالهم قال الله - تبارك وتعالى - : ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) (النحل 125) ، هو جدال قائم على التَّنَزُّل والإنصاف ، حتى قال الله - عز وجل - :
((قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ)) (سبأ 24 ، 25) . يقول الإمام الشافعي - رحمه الله - : "ما جادلت أحدًا إلا ودعوت الله أن يجري الحق على لسانه" .
 ومهما يكن من أسلوب حسن وكلام بليغ في الدعوة والحِجاج ، فإذا وصلنا إلى نقطة الصفر في الحوار معهم ، ولم نجد سبيلا لهدايتهم نتلو عليهم قول الله - تعالى - : ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) )) (سورة الكافرون) . 
((وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) )) (سورة هود - عليه السلام -) .
وأما مقام البر فيقتضي أن نحسن إليهم - اليهود والنصارى - ، سواء كانوا أقاربنا أم شركاءنا في الوطن أم غير ذلك ، ما لم يعتدوا علينا ، قال الله - عز وجل - :
((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) )) (سورة الممتحنة) .
بل إن الإسلام العظيم ذهب أبعد من ذلك ؛ فأمرنا بأن نحب لهم ما نحب لأنفسنا من الهداية والخير - وإن كان على أَثَرَةٍ منا - كما قال الله - تعالى - : ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)) (الإنسان 8) .
كما أجاز لنا أن نتزوج من نساء اليهود والنصارى مطلقًا (وهو الراجح خلافًا لما روي عن عمر أو ابن عباس رضي الله عنهما) ؛ لقول الله - جل جلاله - :
((الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ)) (المائدة 5) ، وقد تزوج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صفية بنت حيي بن أخطب اليهودية بنت زعيم يهود بني النضير ثم أسلمت ، وكانت مارية القبطية النصرانية من سرارِيّه (جواريه) ثم أسلمت (وقيل إنه تزوجها) (5) .
الرد العلمي 
لم نذهب بعيدًا ، نرجع إلى أصل الموضوع  :
وهو إثبات صحة تفسير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - للآية ((غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) (الفاتحة 7) ، بل وترجيحه على سائر التفاسير ؛ لأنه أعلم الخلق بكلام الخالق .
أولا : متن الحديث الصحيح :
1-عن عَدِيِّ بن حاتم - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : " إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ ، وإنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى "(2) .
2-عن عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عن مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بُلْقِينٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: " هَؤُلَاءِ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ "، فَأَشَارَ إِلَى الْيَهُودِ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: " هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ "، يَعْنِي النَّصَارَى، قَالَ: وَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: اسْتُشْهِدَ مَوْلَاكَ، أَوْ قَالَ: غُلَامُكَ فُلَانٌ ، قَالَ: " بَلْ هُوَ يُجَرُّ إِلَى النَّارِ فِي عَبَاءَةٍ غَلَّهَا " . (3)
ثانيًا : إثبات صحة الحديث نقلًا وعقلًا وأنه لا يتعارض مع القرآن الكريم ، وإثبات ترجيحه على ما سواه من الآراء ، هذه رسالة راسلت بها أحد منكري التفسير الحديثي للآية  :
هناك فرق في أصول التفسير بين العموم والخصوص ، وبين التفسير التنوعي (اختلاف تنوع) والتفسير المتعارض (اختلاف تضاد) ، ولو تدبرت تفسير النبي - صلى الله عليه وآلأه وسلم - لوجدته أفضل من أي تفسير آخر .
لا يوجد تعارض بين أن يكون ((المغضوب عليهم)) هم اليهود ، أو أن يكونوا من عصاة الموحدين في أي زمان ، وكذلك موضوع ((الضالين)) . 
وهل مدلول آية المائدة ((قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ)) (المائدة 60) و((مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) (النحل 106) ، وما ذكر عن اليهود في قصة موسى عليه السلام لا يعني اليهود ؟! إن هذا لشيء عجاب ! فقط أسألك سؤالا : الخطاب في سورة البقرة لبني إسرائيل يراد به اليهود المعاصرون لموسى عليه السلام أم اليهود المعاصرون لمحمد صلى الله عليه وسلم ؟
لو راجعت كلامي من البداية لوجدت أني لم أرفض قولك وإنما قلت لك لو تدبرت لوجدت أن الأفضل ما قال به النبي - صلى الله عليه وسلم - في تفسير هذه الآية . هناك فرق بين أن تنفتح على الآراء الأخرى وأن تحصر نفسك في رأي واحد ، أنا لا أرفض رأيك ، ولكني أرجح قول النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن آيات الفاتحة يا سيدي تتحدث عن الإيمان بمفهوم أركان الإيمان الستة (موجودة في القرآن) فالمقصود بالمغضوب عليهم نوع واحد فقط من البشر ، لأن الله لا يغضب إلا على من ضل ، ولا يزيده الله ضلالة إلا إذا غضب عليه ، قال الله تبارك وتعالى ((قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا)) (مريم ٧٥) وإلا فكيف تكون الفاتحة التي هي السبع المثاني والقرآن العظيم فيها تكرار ، ولو حتى على سبيل عطف الخاص على العام . إن الإيجاز الواضح في الفاتحة يقتضي أن يكون المراد من ((المغضوب عليهم ولا الضالين)) نوعان فقط من البشر ، وهذا لا ينفي من تشبه بهما من غيرهما ، وقد دلت كثير من الآيات القرآنية على أن المشابهة في المخالفة تؤدي إلى المشابهة في المعاقبة ، ومنها قوله - تعالى - ((وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا)) (النساء ١٤٠) ، وأحد الوجهين في قوله - سبحانه - ((قال فإنها محرمة عليهم)) (المائدة ٢٦) . وفي السنة الصحيحة أيضا ما يدل على ذلك ويؤكده كقول النبي - عليه الصلاة والسلام - "من تشبه بقوم فهو منهم" ، والمقصود اتفاقا المشابهة في الاعتقاد (الكفر أو الشرك) ، ولا مجال لسرد الأدلة الآن ، اللهم إلا إذا طلبها أحد وأتيح لي الوقت أذكر بعضها . والله أعلم .
ثم تعال لننظر لو أريد بالمغضوب عليهم كل من وقع فيما يغضب الله عموما دون تخصيص ، لو كان الأمر كذلك لكان المعنى : يا رب نحن المؤمنين (نصيب ونخطئ) ندعوك أن تعافينا من الخطأ مطلقا ، وانعدام الخطأ يعني العصمة ، ولا عصمة إلا للأنبياء . ومن جهة أخرى الآية جاءت بالتعريف (المغضوب ، الضالين) بالعهد الذهني ، إذن هو حديث عن نوع بعينه ، نوع إذا سمعت به عرفته ، كما نقول اقرأ الكتاب ، يعني كتابا معينا ، وهو كتاب استقر في الذهن أنه القرآن . ثم انظر إلى من نقلت من القرآن عموما أن الله غضب عليهم ، هل هم فئة معينة ؟ كلا ، منهم اليهود ومنهم النصارى ، ومنهم عصاة الموحدين ، فمثلا المغضوب عليه في الملاعنة هل تستطيع أن تصفه طوال حياته بأنه مغضوب عليه ؟! أم في كان مطيعا ثم وقع تحت ما يستجلب الغضب ؟! إذن هو موقف واحد فقط ، وهذا الموقف قد يتوب منه ، وتقبل توبته بنص القرآن ، وقد لا يتوب ويموت مصرا على المعصية ويغفر الله له أيضا بنص القرآن ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) (النساء 48 ، 116) (4) ، وحتى لو عوقب لا يخلد في النار ((أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)) (السجدة 18) . 
وأما تفسير الآية كما فسرها النبي عليه الصلاة والسلام بأن المغضوب عليهم هم اليهود فهو واضح الدلالة في أنهم موصوفون بهذا الوصف البشع طوال حياتهم ؛ لأنهم كفروا بالله وأشركوا به ، ويمكنك أن تطالع العهد القديم والتلمود وغيرهما من كتبهم ؛ لتعرف مدى انحرافهم في الاعتقاد مع علمهم بالحق (( يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ)) (البقرة 146)  ، ((وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ)) (الأحقاف 10) ، ((أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ)) (الشعراء 197) ، ومن جهة أخرى يمكنك أن تلاحظ ما وصف به القرآن النصارى من الضلال ، قال الله - تعالى - في سياق الحديث عن النصارى وعبادتهم المسيح - عليه السلام - : ((قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)) (المائدة 77) ، وتاريخ النصارى معروف ، وأنهم ضلوا ضلالا مبينا بعد رفع المسيح ((وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ)) (النساء 157) وما تلا ذلك من تشكيل المجامع المقدسة ... إلخ .
 والنصارى يتشابهون مع مشركي العرب في الضلال وهو العبادة على جهل ، وهذا من أسباب وصفهم بالضلال في سورة النساء ((مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا * إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا ....)) (5) (النساء 116 ، 117)  ، وفي حديث زيد بن عمرو بن نفيل (كان من الحنفاء) في الصحيح ما يؤكد أن اليهود هم المغضوب عليهم ، والنصارى هم الضالون ، هكذا بالترتيب (6) ،عَنْ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ، وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ، فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ: لاَ تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، قَالَ زَيْدٌ مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا، وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ : لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ(7) ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ ، وَلاَ مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا [ص:41]، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ ". (8) .
 وكلمة الضلال لها معاني كثيرة متعددة ، كل معنى يتناسب مع السياق المذكور فيه ، ففي سورة الفاتحة له معنى يختلف عما في سورة يوسف بخلاف ما في الشعراء بخلاف ما في الضحى . هذه السورة أم القرآن فلا يتكلم الله فيها عن ذنب يحتمل المؤاخذة أو الغفران ، وإنما يتحدث عن أصل الأصول ، وهو الاعتقاد . وكل ما يتقدم لا يتعارض مع النهي عن التشبه باليهود والنصارى في المعاصي بعلم (كاليهود) أو بجهل (كالنصارى) ؛ لأن المشابهة في الأصول تقود إلى المشابهة في الفروع ، ويقول سفيان بن عيينة : من ضل من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن ضل من عبادنا ففيه شبه من النصارى . 
 وختاما أقول : لم يقل أحد قديما ولا حديثا ، ولا يوجد دليل عقلي ولا نقلي بأن الاستنباط المذكور في الآية (( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) (النساء 83) جائز لأي إنسان ليست لديه الدراسة الوافية لعلوم القرآن والسنة ، وإلا لاستوى العالم بالجاهل ، واتبع كل إنسان هواه ، يقول الله تعالى في إجماع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان ((وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)) (النساء 115) ، ((وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) (التوبة 100) . 
رأى عمر بن عبد العزيز رجلا يسب الصحابة فقال له يا أخي هل أنت من المهاجرين الذين قال الله فيهم ((أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) (الحشر 8) قال لا ، قال إذن فهل أنت من الأنصار الذين قال الله فيهم ((فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) (الحشر 9) قال لا ، قال عمر : وأنا أشهد أنك لست من الصنف الثالث ، وهم الذين قال الله فيهم ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) (الحشر 10) .
والآن أسألك هؤلاء الذين نقلوا لنا هذا الدين العظيم ، وحافظوا عليه (ونقلة القرآن هم نقلة السنة ، ومنهم الفقهاء والعلماء الذين اتهمتهم بأنهم أضلونا) ألا يستحقون أن نشكرهم وندعو لهم ، وندرس كلامهم جيدا قم نقبل منه ما يوافق القرآن والسنة ونرد ما يخالف ذلك أم نبادر بالطعن فيهم دون الإحاطة بما عندهم ، ودون حل الإشكالات التي تطرأ عند قراءة كلامهم ((بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)) (يونس - عليه السلام - 39) . وإذا سب آخر هذه الأمة أوائلها فذلك هو الضلال المبين .
قولك "فحين تخبرني وانا جاهل ان المغضوب عليهم والضالين هم فقط اليهود والنصارى .. أفهم مباشرة بالمقابل أن الذين انعم الله عليهم هم باقي سكان الكره الأرضيه بما فيهم البوذيين والمجوس والملحدين" أقول : لا يوجد أي خفاء في المعنى ، لو قال الله - تعالى - : ((صراط غير المغضوب عليهم ولا الضالين)) لجاز ما قلت به ، وحاشا لله ؛ فإن كلام الله ((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) (فصلت 42) ، ولكنه قال : ((صراط الذين أنعمت عليهم ....)) فأثبت صراط المهتدين ((الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ)) (النساء 69) ، ونفى صراط المغضوب عليهم وصراط الضالين (وهم اليهود والنصارى كما تقدمت الأدلة على ذلك) ، فهو كلام جامع مانع ، ولا يخفى أن بيان حكم اليهود والنصارى ، وهم أهل كتابين سماويين ورسولين عظيمين (موسى وعيسى - عليهما السلام - ) أولى من بيان حال غيرهما من الذين ليس لهم كتاب ولا نبي كالبوذيين ومشركي العرب .
 أرجو أن تتدبر القرآن مصطحبًا آلات الفهم (من لغة وتفسير وفقه ومنطق ....) بنظرة شمولية ؛ لتدرك المراد ، حتى لو لم تقتنع لا تنكر تفسيرًا معتبرًا ، له أدلته القوية ، فكما نحترم ما ذهبت إليه من عموم المغضوب عليهم والضالين احترم مشكورًا ما ذهب إليه جماهير المفسرين عملا بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأما المربع الذي تريد أن تضعنا فيه (رد على الله) فلك أن تقول هذا إذا كنت أنت الله ، لو القرآن مفسرًا لنفسه تفسيرًا تفصيليًا ، ولا يخفى فهمه على أحد فما فائدة إرسال النبي ، وما فائدة السنة ، ولو فتحنا الباب كما تقول لفهم أي إنسان لضل الناس أجمعون ، لأن لكل إنسان بيئة وفهمًا يختلف بهما عن الآخر ، ومن ثَمَّ فإن السنة المفسرة للقرآن ، والمفصلة لإجماله ، والمقيدة لمطلقه ... هي العاصمة من الأهواء ، وهي الجامعة للناس على صراط مستقيم واحد ، لا أهواءَ متفرقة .
لو استرسلنا في الحديث سندور في حلقة مفرغة ، يبقى أن أدعو الله لي ولك بالهداية ، وأنصح نفسي وإياك بصلاة ركعتين بعد صلاة العشاء (حبذا لو كانتا قبل الفجر) وأن ندعو الله بالهداية إلى الحق ، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء
نسأل الله أن يهدينا وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ، والحمد لله رب العالمين ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

واسمح لي بالتوقف عن الحديث في هذا الموضوع ، وردي عليك موجود في الموضوع السابق بما فيه من هوامش ، وليس عندي غير هذا ، فإن وافقك فالحمد لله ، وإن لم يوافقك فأدعو الله لي ولك بالهداية والتوفيق . والسلام عليكم .

رد على سؤال : هل فسر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - القرآن أم لا ؟
قلت : نعم ، ومعلوم أنها مسألة خلافية بين العلماء قديمًا حديثًا ، والراجح أن النبي - عليه الصلاة والسلام - فسر للصحابة ما خفي عليهم عليهم أو أشكل عليهم فهمه من القرآن الكريم بالسنة ، وهي وحي الله المنزل على رسوله - عليه الصلاة والسلام - معنىً ، واللفظ صاغه النبي - صلوات الله وسلامه عليه - بلسانه ، وهو أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء . فإن قيل فما تفسير طه وق ... إلخ 
قلنا قال ابن عباس - رضي الله عنهما -  :"التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله" .

ثم أقول لمنكر السنة كلها أو بعضها :
هل تلبس الذهب والحرير ؟
 وهل تأكل السُّبُعَ ولحم الحمير ؟
وهل تُقطَعُ يدُ سارق الحقير أو البغرير (طعام في المغرب يصنع من الدقيق ، ويسمى في مصر بالقطايف) ؟
ومن أين القطع ؟ فقل لي يا خبير !  
وهل الكبد حرام كذا الطحال كالخنزير ؟
وكيف تصلي الخمس أو ترفع التكبير ؟
والإجابة بالتحرير والتحبير ، في سنة خير الورى المنذر البشير 

وأنا أسألهم هذه الأسئلة وأعرف أنهم لا ولن يجيبوا . فقط ليجلسوا مع أنفسهم ، ويتفكروا جيدا ، ليعلموا في النهاية أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن الباطل ليست له أقدام يمشي عليها ، بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق .
سيجيب بعضهم قائلين : نحن نصدق البعض (وهو ما وافق عقولهم) ، ونكذب البعض (ما لم يوافق عقولهم أو لم يعرفوا حل مشكِله) ، ونقول لهم :
 إذن أنتم تصدقون الرواة في أشياء (توافق رأيكم المعصوم) وتكذبونهم في أشياء أخرى (لا تعجبكم ؛ لأنها تخالف القرآن بزعمكم) ، لو اختصمنا إلى أصغر قاض لحكم عليكم بالتناقض وألزمك بالاعتذار لهؤلاء الرجال الأبرار (الصادقين الكاذبين) .
وكلما حاصرتهم قالوا التراث مزيف ؟! فالتراث مزيف فيما خالف هواهم ، ومحكم ومحفوظ فيما وافقه ، فأي مقياس هذا ؟!
نقول لهم إما أنكم معصومون ولديكم مقياس تعرفون منه ما يوافق القرآن وما يخالفه ، أو أنكم تجادلون في الباطل ، وإذا قالوا أنهم علماء فقد شتموا أنفسهم ؛ لأنهم لا يعترفون بالعلماء ، فكل إنسان قادر على أن يفهم القرآن ، ويبقى السؤال الحائر : لماذا أفهامهم صحيحة وأفهام غيرهم خاطئة ؟! أليس في هذا تزكية لأفكارهم التي لم تبن على منطق سليم أو عقل راجح ، وهضم لمن أفنوا أعمارهم في سبيل تحصيل العلم وفهمه وتبليغه ؟! فأي الفريقين أحق بالأمن ؟! إن كنتم تعلمون .
ونرجع إلى سؤال متجدد : هل تعرفون الفرق بين الكتابة والتدوين ؟ 
خدعوك فقالوا إن الكتابة هي التدوين ، وأنهما كانا سنة 200 هـ ، وعجبا لماذا صدقتهم ، ولم تصدق من قال لك بالفرق بين الكتابة والتدوين ، وأن الكتابة كانت في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - ؟!
أيها القرآنيون ائتونا بمصادر رواياتكم التي تصدقونها ، ومن علماؤكم الذين ترون أنهم على رشد ؟!  
 اكتبوا لي أسماء ثلاثة من علمائكم القدامي ، وثلاثة من المعاصرين . ومن لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه ، ومن العامي المشهور في مصر : من ليس له كبير يشتري له كبير .

اكتبوا لي ثلاثة كتب تثقون فيها وتأخذون منها الأثر ، ثلاثة قديمة ، وثلاثة حديثة ، وما هو مقياس قبول الأحاديث عندكم ، وهل هذا المقياس متعدد بتعدد الناس وتعدد فهومهم أم هو مقياس واحد ؟

لا يوجد شخص متخصص في أي علم دنيوي إلا وله مرجع وله معلم ، فمن هم معلموكم ؟

وأين الآيات القرآنية التي تدل على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ضلت بعد نبيها ، وليس فيها علماء ، وأين الآيات التي تدل على أن كل الناس يفهمون القرآن وأنهم شيوخ أنفسهم ؟
فإن لم تجيبوا فاعلموا أنكم محاصرون من جميع الجهات ، ولا مخرج لكم إلا بالتخلي عن كلام المضلين الذين بثوا لكم هذا الكلام في كتبهم ، ولن ألوث الصفحة بأسمائهم ، وأنتم تعرفونهم جيدا ، ولكنكم تستحيون أن تذكروا أسماءهم ؛ لأنهم جهلاء وغير متخصصين وكاذبون على الله .  
وإجابة عن الاستدلال بالآية ((إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)) على أن أمة محمد هجرت القرآن وضلت ، قلت :
قلت لك لا ولن تجيب ، كلها كلمات حق أريد بها باطل ،أنتم كأخوة على العين والرأس ، وندعو لكم ، وأما في هذا العلم فأنتم تفهمون النصوص حسب مزاجكم ، وتفعلون كمن يقول : ما قال ربك ويل للألى سكروا ، وإنما قال ويل للمصلين . وليس في كل ما استدللتم به إشارة إلى ضلال الأمة ، ويمكن أي شخص آخر يستدل بها على أي مجموعة أخرى من البشر ، أنا أستدل عليكم بآية واحدة فقط في موضعها : ((وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)) (الأعراف 181) لفظ "من" اسم موصول مشترك يفيد العموم ، يعني من النصارى قوم يهدون بالحق وبه يعدلون ، ومن اليهود قوم ...، ومن أمة محمد أيضًا قوم يهدون بالحق وبه يعدلون . "يهدون ، يعدلون" مضارعان يدلان على التجدد والاستمرار . وأيضا أستدل عليكم بقول الله - تعالى - : (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)) (طه 123) وكثير من أمة محمد - عليه الصلاة والسلام - يحفظون القرآن حدودا وحروفا ، بدليل أنهم نقلوا لنا القرآن بالتواتر سالمًا من الخطإ والتحريف ، (فهم من أسباب حفظه) ، وأستدل عليكم بقول الله - تعالى - : (( وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)) (التوبة 100) وليست محصورة في التابعين (من لقوا الصحابة مؤمنين وماتوا على ذلك) ، وليس عندكم ما يثبت ذلك . وأستدل عليكم بقول الله - تعالى - : ((وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)) (الأعراف 167) وهؤلاء هم من يحاربون اليهود الغاصبين (في بيت المقدس وأكنافها) والواقع يصدق ذلك ، وإذا كانت كل الأمة ضلت بعد التابعين فمن يضمن لي أنكم لا تتبعون هؤلاء الضالين الذين جاءوا بعد التابعين بزعمكم ، أعلم أنكم لن تحيروا جوابًا ، فقط ستهربون بقولكم القرآن كامل ، القرآن معصوم ، ثم تستدلون بما يوافق هواكم . 
عمومًا سيشهد التاريخ عليكم وعلى من يتبع نهجكم أنكم لم تدرسوا القرآن وعلومه ، وأن جل استدلالاتكم في غير محلها . وأما قولكم عن من يأخذ بقول العلماء أنه اتخذ مع الله الشركاء ، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت ... إلخ فهي تهم باطلة ، وتكرار للتهم المعلبة التي يرددها كل من نحاصره بالحجج الدامغة ، وأنا في مقالي لم أستدل عليكم بكلام عالم واحد ، كل كلامي آيات من القرآن ، وهو فهمي أنا شخصيا للقرآن الكريم (فمن وافقني عليه فمرحبا) ، وأنا لا أقدس أحدًا إلا القرآن الكريم والسنة الصحيحة (لأنها كلام المعصوم عليه الصلاة والسلام) . ونفترض أن شخصا استدل عليكم بكلام عالم فالأولى بكن أن تقرؤوا كلامه كاملا قبل أن تحكموا عليه بالصحة أو الخطأ ، لئلا تكونوا من الذين قال الله - تعالى - فيهم : ((بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)) (يونس 39) (والحكم على الشيء فرع عن تصوره) ؛ لأنه أيضا إنسان مثلكم وله فهم ، وله استدلال من القرآن ، ويزيد عليكم بأنه عالم عابد وشهد له معاصروه بذلك . تحياتي لكم . أنا بالي طويل ، ويمكنني أن أناقشك عشرات السنين إن أبقاني الله ، ولكن فقط أجيبوني عن أسئلتي السابقة بإجابات مقنعة ، ليس فيها لف ولا دوران .
ومن عجيب أمركم أني لو قلت لكم قال فلان لقلتم ضال مضل ، ولو نقلت لكم عن السنة قلتم خرافات وأساطير ، ولو قلت لكم أنا تقولون أنت تعلي "الأنا" وتخفض الآخرين (وكأنكم تسيئون الظن بكل من يخالفكم ، رغم أنكم لم تطلعوا على القلوب وما في الصدور) أما قرأتم في القرآن عن الله - سبحانه وتعالى - : ((يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)) أم أن مذهبكم يجوز لكم أن تسبوا كل الناس إلا أنفسكم ؟! ولو كنت أخفض الآخرين ما ناقشتكم أصلا . عمومًا إذا فكرتم بجد في الإجابة عن الأسئلة فأضيفوا إليها هذا السؤال : إذا كان كل العلماء السابقين ضالين مضلين فهل لديكم كتاب واحد يجمع مواضع ضلالهم ، وتحريفهم لفهم القرآن أو هجره كما زعمتم ؟ سواء كانت هذه المواضع قليلة أو كثيرة ، حتى نحدد موضع الداء . شكرا لكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ما أكثرهم في هذا الزمان ، وهو مذهب سهل جدًا : أن تنكر السنة فكلما جاءك حديث تقول لا يلزمني العمل به ؛ لأني لا أصدق بالسنة ، ولكن اللعبة مكشوفة "هذه شِنْشِنَةٌ أعْرِفُها من أَخْزَم" ، والجواب عنها موجود في هذه الروابط فتابعها إن كنت تريد الحق الواضح الذي لا خفاء فيه ؛ كالشمس في ضحاها ، وتذكر أن قسوة الرد تتناسب مع قسوة المخاطَب في إنكاره :
ثلاثية في الرد على الطائفة الشيطانية (المسمَّوْن بالقرآنيين)

http://vb.tafsir.net/tafsir34735/ 
 فيديوهات هامة للعلامة د.أحمد معبد - حفظه الله - :
https://www.youtube.com/watch?v=oFGafpMdiME&index=6&list=PLpho5aD11t7YiLIZZKiPRIEr8n43hTZAd
https://www.youtube.com/watch?v=AmBSl39i9-U&index=7&list=PLpho5aD11t7YiLIZZKiPRIEr8n43hTZAd
https://www.youtube.com/watch?v=EZfz426gZGE&index=9&list=PLpho5aD11t7YiLIZZKiPRIEr8n43hTZAd
https://www.youtube.com/watch?v=zcdc6fTBK3g&index=11&list=PLpho5aD11t7YiLIZZKiPRIEr8n43hTZAd
(2) صحيح ، رواه أحمد  (19381) (32/ 123 ، 124) . وأخرجه مطوَّلاً ومختصراً ابنُ أبي حاتم في "التفسير" (40) ، وابن حبان (6246) ، والطبراني في "الكبير" 17/ (237) ، وأبو نعيم في "الحلية" 7/170، والبيهقي في "دلائل النبوة" 5/339-340، والمزي في "تهذيب الكمال" (في ترجمة عبّاد بن حُبيش) من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. من تحقيق فريق الشيخ شعيب الأرناؤوط - رحمه الله - على المسند .
(3) صحيح ، رواه أحمد (20736) (34/ 339) وأبو يعلى (7179) (13/ 131) وغيرهما . قال الشيخ شعيب الأرناؤوط - رحمه الله - : بني القَين ، وهو حيٌ من بني أَسد، كما قالوا: بَلحارث وبَلهُجَيم، وهو من شواذ التخفيف، قال ابن الجواني: العرب تعتمد ذلك فيما ظهر في واحده النطقُ باللام مثل: الحارث والخزرج والعَجلان، ولا يقولونه فيما لم تظهر لامُه، لذلك لا يقولون: بلنجَّار في بني النجار، لأن اللام لا تظهر في النطق بالنجار، فلا تجوَّزُه العربية. تخريج المسند (20351) (33/ 460) .
(4) قال شيخنا العلامة د.سعيد صالح - حفظه الله - "الأولى ذيلت بقوله - عز وجل - ((وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)) (النساء 48) ، لأنها تتحدث عن اليهود ، وهم مشهورون بالافتراء ، كما دلت عليه الآية التالية (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا)) (النساء 50) ، قلت (الشرقاوي) : وكذلك دلت عليه الآية السابقة ((أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)) (النساء 47)  ، قال شيخنا د.سعيد صالح - حفظه الله - : وأما الآية الثانية فقد ذيلت بقوله - تعالى - : ((وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)) (النساء 116) ؛ لأنها تتحدث عن مشركي العرب ، وهذا ظاهر من خلال الآية التالية : ((إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا)) (النساء 117) " .
(5) لرفع التعارض الظاهري بين النصوص في محبة وكراهية أهل الكتاب تابع الرابط التالي مشكورا :
    http://zdnyilma.blogspot.com/2015/10/62.html
(6) قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - : "قدَّم المغضوب عليهم على الضالِّين؛ لأنَّهم أشدُّ مخالفةً للحقِّ من الضالِّين؛ فإنَّ المخالف عن علم يصعُب رجوعُه، بخلاف المخالِف عن جهل" . تفسير ابن عثيمين (1/ 20) .
(7) واللعنة هي الطرد من رحمة الله ، وهي نوعان : أبدية (للذين ماتوا على الكفر الأكبر أو الشرك الأكبر) ، ولعنة مؤقتة (لعصاة الموحدين) ، واللعنة قرينة الضلال الأكبر (الموت على الكفر أو الشرك) كما قال الله - سبحانه - : ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ)) (البقرة 161 ، 162) ، وقال - عز من قائل - : ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)) (إبراهيم - عليه السلام - 27) .
(8) رواه البخاري (3827) (4/ 50) .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©