موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة اخترت لكم 11 من أعظم ما شوهه الاستعمار من حقائق الإسلام

(*) بسم الله الرحمن الرحيم (*)
(*) سلسلة اخترت لكم 11 (*)


من أعظم ما شوهه الاستعمار من حقائق الإسلام وتاريخه ، تشويههم لمعنى الجهاد في الإسلام ، وللأغراض التي توخّاها الإسلام في فتوحاته ، وللأهداف التي كان يسعى إليها قادتنا الحربيون وحكّامنا الإداريون . وإنهم يشيعون فيما يكتبون ويحاضرون أن معنى الجهاد في سبيل الله عند المسلمين هو حملهم السيف لإكراه الشعوب على الإسلام ، وقبل أن نتعرض للوقائع التاريخية للجهاد الإسلامي يجب أن نذكر مبادئ الإسلام في حرية العقيدة وعدم جواز إكراه أحد على الإسلام ، يقول تعالى : (( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ )) (البقرة : 256) ، ويقول مخاطبًا رسوله لتهدئة عواطفه المتأججة ورغبته الشديدة في إيمان قومه ودخولهم في الإسلام : (( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )) (يونس : 99) ، ويقول : (( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ . لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ )) ( الغاشية : 21 ، 22) ، ويقول : (( لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ )) (البقرة : 272) . وهكذا تتوالى الآيات على معنى واحد من أنه لا إكراه في الدين ؛ لأن مقر الدين والعقيدة هو القلب ، ولا يمكن لأي قوة في الدنيا أن تسيطر على عواطف القلب وميوله واعتقاداته .
ولقد قرر فقهاء الإسلام أنه لا يصح إيمان المكره . وحدث في التاريخ الإسلامي أن بعض الأمراء المسلمين في إحدى مقاطعات الأندلس خطر له أن يحمل اليهود على الدخول في الإسلام ففر فريق منهم بعد إعلانهم الإسلام خارج الأندلس ، وكان فيمن فرّ إلى مصر بعد إعلان إسلامه الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون ، واتفق أن كان مارًّا بأحد شوارع القاهرة فرآه اثنان من الأندلسيين ممن كانوا عرفوا دخوله في الإسلام ، رأياه في هيئة اليهود وزيهم فأمسكا بتلابيبه وأخذاه رأسًا إلى قاضي القضاة ؛ ليقيم فيه حكم الإسلام في المرتد ، فاستفتى القاضي علماء القاهرة ، وكان فيهم الإمام العالم ابن دقيق العيد ، وكان أشهر علماء زمانه وأتقاهم وأبصرهم بدين الله ، فأفتى العلماء جميعًا وفيهم الشيخ الإمام ابن دقيق العيد بأنه لا ينفذ في موسى بن ميمون اليهودي حكم المرتد ولو أعلن إسلامه في الأندلس ؛ لأن دخوله في الإسلام كان اضطرارًا فلا عبرة بإسلامه .
وهنا نقطة لا بد من التعرض لها وهي : أنه إذا كان الإسلام لا يكره الناس على الدخول فيه فلماذا يحكم بقتل المسلم إذا ارتد عن الإسلام ؟
والجواب أن الإسلام ليس مجرد عقيدة في القلب ، بل هو نظام اجتماعي شامل لكل شئون الحياة ، وتقوم عليه الدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي ، فإعلان الخروج عليه ثورة على النظام الإجتماعي ، الذي تقوم عليه الدولة . وترك المرتد دون عقوبة يشجع ضعاف الإيمان على الخروج على النظام هذا النظام الاجتماعي ، ويؤدي إلى الفساد والفتنة ، فكان من الواجب حسم الشر من أساسه ، فإذا أعلن مسلم ردته عن الإسلام وأصر على ردته بعد أن يُتْرَكَ ثلاثة أيام على رأي جمهور الفقهاء ؛ ليناقش علماء الإسلام كل شبهة فكرية له حول الإسلام ، ثم أصرّ على عناده وإعلان ردته كان معنى ذلك أنه لم يرتد عن شبهة ؛ بل إثارة للفتنة وزعزعة للنظام الاجتماعي القائم ، فلا يلام الإسلام حينئذ إذا حكم بقتله ، ونحن نسأل المنتقدين على هذا الحكم : لو أن رجلًا في أي بلد مثلًا أعلن ثورته وتمرده على نظامها ، وبدأ يدعو الناس إلى ذلك مبينًا فساد النظام القائم فيها أيكون مصيره أقل من القتل ؟!!
إن استقرار النظام الاجتماعي في كل مجتمع هو أساس سعادته ورخائه ، ونقد ما لا يمس بالنظام الأساسي يبينه الإسلام في حدود القوانين والآداب العامة ؛ ولذلك لا يحكم الإسلام بقتل من لا يعلن ردته أو لم يدع الناس إلى الخروج عن الإسلام ؛ لأن الإسلام لا يبيح التفتيش عن الضمائر والقلوب بالحديد والنار .
ولا يمنع الإسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل يوجب وجود فئة في الأمة تقوم بهذا الواجب ؛ عملًا بقوله تعالى : (( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ )) (آل عمران : 104) . وهذا على رأي جمهور المفسرين من أن في قوله تعالى : (منكم) للتبعيض ، أي هذا الواجب يكفي فيه أن يقوم به بعض أبناء الأمة ، أما على الرأي الآخر الذي يفسر الآية بأنه يجب أن تكون أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فيصبح ذلك واجبًا على كل من يستطيع ؛ وفقًا للحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم : (( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فقلبه ، وذلك اضعف الإيمان )) (رواه مسلم) .
إن الإسلام لا يجيز إكراه غير المسلمين على الدخول في الإسلام ؛ ولذلك كان من مبادئه في قتال الأعداء أن يبدأ بدعوتهم إلى الإسلام ، فإن أبوا فالجزية ، وهو مبلغ ضئيل يرمز إلى اشتراك غير المسلمين في نفقات الدولة مع الخضوع لسلطاتها وسيطرتها ، فان أبوا فالقتال ، ولو كان الجهاد في الإسلام لإجبار غير المسلمين على الدخول فيه لاكتفى بأحد أمرين : إما الإسلام وإما القتال ، ولكن جعل بينهما دفع الجزية ؛ لتكون فرصة للتعرف على الإسلام لمن لم يعرفه من قبل ، وليكون إسهامًا في نفقات الدولة لمن غُلِبَ على أمره ، وليشترك مع بقية المسلمين في حق التكافل الاجتماعي الذي يفرضه الإسلام لكل عاجز عن العمل ، لمرض أو شيخوخة أو بطالة ، يقول أعداء الإسلام : إن إلزام غير المسلم بدفع الجزية يؤدي حتمًا إلى دخوله في الإسلام فرارًا من دفعها ، ونحن نقول لهم : إن الجزية كانت نظامًا سائدًا في العالم كله ، يدفعه المغلوب إلى الغالب ، ولم يكن فيه من معنى الإنسانية شيء ، بل كان عنوان الإذلال والقهر ووسيلة ابتزاز لأموال المغلوبين ، فحولها الإسلام إلى معنى نبيل ، إلى أنها ثمن الحماية لأعراض المغلوبين وأموالهم ودمائهم وعقائدهم وتعويض عن عدم اشتراكهم في الحروب الإسلامية ، وهذا من أظهر عدالة الإسلام ، فالجيش الإسلامي يحارب من أجل عقيدة فكيف يجبر من لا يؤمن بتلك العقيدة ، على أن يبذل في سبيلها دمه ، ويفارق أهله وأمواله ؟
والجزية تلزم الدولة الإسلامية بأن تجعل للذمي حقًا في التكافل الاجتماعي كالمسلم الذي يدفع الزكاة ، وهي التي لا حد لها بالنسبة للموسر ؛ إذ هي اثنان ونصف بالمائة من ماله ، بينما الجزية أعلاها ثمانية وأربعون درهمًا (*) ، ويقول أعداء الإسلام إن الواقع الثابت أن كثيرًا من أهل الذمة دخلوا في الإسلام لئلا يدفعوا الجزية ، وجوابنا على ذلك أن ربط دخولهم في الإسلام بعدم رغبتهم في دفع الجزية أمر ظاهري ، والحقيقة أنهم كانوا غير راضين عن دياناتهم ، خصوصًا وأنهم بدخولهم في الإسلام تؤخذ منهم الزكاة ، وهي أضعاف مضاعفة بالنسبة إلى الجزية ، فدخولهم في الإسلام يزيد في أعبائهم المالية ولا يخفف منها . وقد أكد لي هذا المعنى ما شاهدته بنفسي في أوروبا خلال رحلاتي المتعددة فقد رأيته في كل بلد تأخذ فيه الحكومة ضريبة من الشعب باسم الكنيسة ؛ كألمانيا الغربية والنمسا ، ولقد تأكد لي أن عددًا كبيرًا من سكان هاتين الدولتين سجلوا أسماءهم في سجلات الدولة بأنهم لا يدينون بدين ؛ وذلك فرارًا من دفعهم ضريبة الكنيسة ، أترى أن هؤلاء لو كانوا راضين عن دينهم ، مقتنعة به عقولهم وضمائرهم ، أكانوا يتهربون من دفع تلك الضريبة وهي مبلغ زهيد ويسجلون أنفسهم لا دينيين ؟!!
(*) ويقول أستاذنا الدكتور جمال فوزي حفظه الله : وإذا أردنا أن ندلل على هذا الكلام ببرهان عملي فلنفترض أن جارَيْن مسلم وغير مسلم ، يملك كل واحد منهما مليون جنيه ، فإن غاية ما سوف يدفعه غير المسلم الموسر كجزية هو خمسون جنيهًا في العام . أما المسلم فإن أمواله هذه إن حال عليها الحول سوف يدفع زكاة عنها خمسة وعشرين ألف جنيه - أي خمسمائة ضعف ما دفعه جاره غير المسلم . فإن كنا نعاقب غير المسلم على عدم اعتناقه الإسلام بدفع هذا المبلغ الهين ، فإننا نفجع المسلم بسبب إسلامه ؛ لما يتكبده من أموال يدفعها كزكاة . فأين مفهوم العقاب ؟!! (تاريخ مصر الإسلامية ص 16) .
وبعد ، فإن الإسلام دين الحياة الكريمة السعيدة ، وقد بعث الله به رسوله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رحمةً للعالمين ؛ لينقذهم من الضلال إلى الحق ، ومن الظلام إلى النور ، فكانت رسالة الجيوش الإسلامية في فتوحاتها رسالة إنقاذ وتحرير ، وقد كان الملوك والرؤساء ورجال الدين في تلك العصور هم الذين يحولون بين شعوبهم وتحررهم بالإسلام ، فكانت الحروب الإسلامية في الحقيقة لإزاحة العقبات من طريق الشعوب ؛ حتى لا يكون بينها وبين رؤية الحق حائل .. وهذا هو الذي كان .
فقد كانت رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى كسرى : أسلم تسلم ، وإن توليت فإنما عليك إثم المجوس ؛ وذلك لأنه كل شيء في حياتهم ويسخرهم لأهوائه وشهواته ، ولا رأي لهم في قبول دعوة الإسلام أو رفضها ، بل كان يمنعهم من النظر فيها ، وكذلك كان قيصر ، فكانت حروبنا مع فارس والروم حربًا مع كسرى وقيصر ، لا مع شعبي فارس والروم ، فلما زال كسرى أسلم الفرس ، ولما انهزم قيصر دخل أكثر روم سوريا ومصر وإفريقية وغيرها في الإسلام .
إن أوروبا في العصر الحديث استباحت احتلال الشعوب الضعيفة بحجة تمدينها ، ثم كان تاريخ احتلالها لها إذلالًا وإفقارًا وإفناءً ، فلماذا لا يستحيون من ذلك ويشنعون علينا فكرة الجهاد في الإسلام ، وهي في الحق للتحرير والإنقاذ كما أثبت التاريخ ؟ إنهم يتعمدون قول الزور عنا لأنهم أقوياء ، فمتى نصبح نحن أقوياء لنقول مقالة الحق فيهم ؟ إن أول القوة ألا نخجل من حقنا ولا نفزع من افتراءاتهم وأن نكون واثقين من ديننا وحقنا ، فافعلوا ذلك يا شباب الإسلام وفتيانه ، والسلام عليكم ورحمة الله .

د.مصطفى السباعي رحمه الله - (إسلامنا - ص 121 : 127)


الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©