موضوع عشوائي

آخر المواضيع

رسالتي إلى الظالمين وأعوانهم

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالتي إلى الظالمين وأعوانهم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ...
أما بعد فأيها الظالمون ... يا من قتلتم الأحرار وسجنتم الأبرار ودمرتم الديار ، ورملتم النساء ويتمتم الأطفال ، إياكم أن تظنوا أن الله غافل عن جرائمكم ، قال الله تعالى : ((وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)) (إبراهيم 42) ،
قال الإمام البخاري - (ت 256 هـ) رحمه الله - : حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الفَضْلِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] . (1)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ: دِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَدِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ، فَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللهُ: فَالشِّرْكُ بِاللهِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ، فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72] وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَعْبَأُ اللهُ بِهِ شَيْئًا: فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ تَرَكَهُ، أَوْ صَلَاةٍ تَرَكَهَا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَغْفِرُ ذَلِكَ وَيَتَجَاوَزُ إِنْ شَاءَ، وَأَمَّا الدِّيوَانُ الَّذِي لَا يَتْرُكُ اللهُ مِنْهُ شَيْئًا: فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، الْقِصَاصُ لَا مَحَالَةَ " .
(2)
قال الإمام الْحُمَيْدِيُّ - (ت 219 هـ) رحمه الله - : ثنا سُفْيَانُ قَالَ: ثنا أَبُو الْمُحَيَّاةِ، عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ : لَمَّا قَتَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ دَخَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّهْ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْصَانِي بِكِ، فَهَلْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَتْ: مَالِي مِنْ حَاجَةٍ وَلَسْتُ لَكَ بِأُمٍّ وَلَكِنِّي أُمُّ الْمَصْلُوبِ عَلَى رَأْسِ الثَّنِيَّةِ وَلَكِنِ انْتَظِرْ أُحَدِّثْكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ» فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ يَعْنِي الْمُخْتَارَ وَأَمَّا الْمُبِيرُ (أي المُهْلِكُ) فَأَنْتَ فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مُبِيرٌ لِلْمُنَافِقِينَ .
(3)
وخاتمة الحجاج وغيره من الظالمين معروفة سارت بها الركبان ، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ وأشَقُّ ، لو كنتم تعلمون .
 قَالَ أَشْعَث الْحُدَّانِيُّ : رَأَيْتُ الْحَجَّاجَ فِي مَنَامِي بحالٍ سَيِّئَةٍ، قُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: مَا قَتَلْتُ أَحَدًا قَتْلَةً، إِلا قَتَلَنِي بِهَا. (4)
فمن تاب ورد المظالم إلى أهلها تاب الله عليه ، قال الله تبارك وتعالى :
((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) (الزمر 53).
ومن أصر فأسأل الله أن يجعله عبرة للعالمين ، ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)) (الشعراء 227) .
رسالتي لكل مخدوع بالإعلام المضلل الذي صوّر الحق باطلا والباطل حقًّا :
قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)) (الحجرات 12) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ، أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ، أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ " . (5)
وعن أَبي بَكْرٍ الصديق - رضي الله عنه - أنه قال : بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ، وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ» ، وفي رواية : «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا، ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا، إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ»" .
(6)

((فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)) (غافر 44) .

أسأل الله أن يصلح بلاد المسلمين ، وأن يفك الأسرى ويُضَمِّدَ الجرحى ، وينصر المظلومين ويقصم ظهور الظالمين ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِِّ اللهم وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

(1) صحيح البخاري (4686) (6 / 74) .
(2) رواه أحمد (26031) (43 / 155 ، 156) ، والدينوري في المجالسة (6) (1 / 292) وغيرهما وصححه العلامة الشيخ أحمد شاكر والعلامة السيوطي رحمهما الله ، وضعفه الألباني ولا خلاف على صحة معناه .
(3) صحيح رواه الحميدي (328) (1 / 325) ، وأحمد (26967) (44 / 528 ، 529) وغيرهما .
(4) (تاريخ الإسلام للذهبي 6 / 179) .
(5) صحيح رواه أحمد (11474) (18 / 53 ، 54) وأبو يعلى (1411) (2 / 536) وغيرهما .
(6) صحيح رواه أبو داود (4338) (4 / 122) ، والترمذي (2168) (4 / 467) ، وغيرهما .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©