موضوع عشوائي

آخر المواضيع

رسالة مفتوحة إلى السادة العلماء المشاهير الذين لا يجيبون عن رسائل وسائل التواصل

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فيقول الله - تعالى - في كتابه الكريم :
((فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)) (آل عمران 159) .

هذه رسالتي إلى إخواني الأحبة ، السادة العلماء ، لا سِيَّمَا المشاهيرَ منهم ، الذين لا يجيبون عن رسائل وسائل التواصل ...
ساداتُنا العلماء ... حياكم الله وبارك الله فيكم ونفع بكم ، نحن نحسن الظن بكم ونعذركم لكثرة مشاغلكم ، ولكن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان أكثر انشغالا منكم ، ومع ذلك كان متواضعًا ، يخاطب الناس ويتواصل معهم ، ولم يحبس نفسه في صومعة مغلقة يخاطب الناس من ورائها ...

عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال : «إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ المَدِينَةِ ، لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ» . رواه البخاري .
فلا قيمة لما ترددون من التواضع وحسن المعاشرة وأنتم تجافون من يراسلكم ، على الأقل خصصوا وقتا كل شهر للإجابة عن الرسائل أو متابعة الاتصالات ، ومن الأسباب الميسرة لذلك أن تكتبوا الإجابات المعتادة في ملف - كما أفعل أنا شخصيا - ثم تنسخون وتلصقون ، أمثلة لرد السلام :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حياكم الله ، مرحبا بالقوم غير خزايا ولا ندامى .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حياكم الله ، مرحبا بك أخي الحبيب .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حياكم الله ، مرحبا بك أختي الكريمة .
مثال للرد على كيف حالكم ؟
الحمد لله رب العالمين . كيف حالكم ؟
مثال للرد على رسالة لم يكتب فيها السائل المطلوب :
أرجو أن تكتب رسالتك أو ما تطلب مشكورا ، وسأقوم بالرد في أقرب فرصة بإذن الله . مرحبا بكم .
ثم تكون الإجابة بالقبول أو الرفض أو الله أعلم ، ولا تترك الأمور معلقة ، واعلموا - رحمني الله وإياكم - أن الغلظة والجفاء في المعاملة تصرف الناس عنكم ، وتُنَفِّرُ الناس منكم كما قال الحبيب - صلى الله عليه وآله وسلم - : "إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ" . رواه الشيخان .

فموقف واحد شديد أو كلمة واحدة في غير موضعها كفيلة بأن تجعل من تخاطبون ينفرون منكم مدى الدهر ؛ لأنها أحدثت رابطًا سلبيًّا أو انطباعًا أولَ ، يصعب تغييره مع تقادم الزمان ؛ ((فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) (الأنفال 1) ، ((اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) (الأحزاب 70 ، 71) . أعلم يقينًا أنكم تعلمون ما أقول ، ولكن ((وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)) (الذاريات 55) ؛ فليست العبرة بمن عَلِمَ ، وإنما من عَمِلَ بما عَلِمَ .
ومن تلبيس إبليس أن يتوهم العالم أنه يبلغ الدرجات العلى بكثرة العلم مع إهمال حسن الخلق ، وهيهاتَ هيهاتَ ؛ فقد قال النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
«مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ» . صحيح ، رواه الترمذي والحميدي وغيرهما .

فعِلْمٌ بغير خُلُق ثَوْبٌ خَلَق أي قديم بالٍ كما قال علماؤنا - رحمهم الله - ، ولله دَرُّ شاعر النيل إذ يقول :
لا تحسـبنَّ العـلمَ ينفـعُ وحدَه *** مـا لـم يتـوَّج ربُّـه بخــلاقِ
والعلـمُ إِن لم تكتـنفهُ شـمـائلٌ *** تُعْـليهِ كان مطيـةَ الإِخـفـاقِ
كـم عالمٍ مدَّ العـلومَ حبائـلاً *** لوقـيعـةٍ وقـطيـعـةِ وفــراقِ
وفقيـهِ قـومٍ ظل يرصدُ فقـهُ *** لمـكيدةٍ أو مُسْتـَحِـلِّ طــلاقِ
وطبيـبِ قـومٍ قد أحلَّ لطبـهِ *** ما لا تـحلُّ شـريعـةُ الخــلاقِ
وأديـبِ قومٍ تستحـقُّ يمينـهُ *** قطـعَ الأنامـلِ أو لظى الإِحـراقِ
إن أنسى لا أنسى يوم اتصلت بأحد الدعاة والعلماء المشاهير فكلمني بغلظة وجفاء ، ولولا ما أكرمني الله به من الخلق لذكرت اسمه ولشنعت عليه ، ولكني سامحته وعذرته ، وكان الأجدرَ به أن لا يجيب على هاتف إن كان مشغولا أو متعصبًا ، حتى يحدد وقتا مناسبا لهذا الغرض ، ويكون الكلام بتواضع ولين لا بكبر واستعلاء ، وكأني أخاطبه ؛ لأسرق أمواله ؟!! أليس حسن الظن هو الأصل ؟! ألم يقل الله - سبحانه وتعالى - لموسى وهارون - عليهما الصلاة والسلام - :
((اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)) (طه 43 ، 44) مع علمه بكفر فرعون وعاقبته ؟!

وقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : "«لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» . رواه مسلم .

وقال - صلوات ربي وسلامه عليه - :
" أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً ، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا ، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا ، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ كَتَمَ غَيْظَهُ ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ ، مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رِضًا ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا ، أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامُ" . صحيح ، رواه الطبراني وابن أبي الدنيا وغيرهما .
وكذلك بمفهوم المخالفة من أكبر السيئات أن تدخل الهم والغم على رجل يحسن بك الظن ، ويشكو إليك ؛ لِتُسْعِفَه لا لتزعجه . فما قيمة العلم بغير عمل ، وقد هتف العلم بالعمل فإن أجابه ، وإلا ارتحل ...
يقول الشاعر :
لَو كانَ لِلعِلمِ دونَ التُقى شَرَفٌ ... لَكانَ أشرَفَ خَلقِ اللهِ إبليسُ
وقال آخر :
إبليس أعلمُ أهلِ الأرض قاطبةً ... والناسُ تلعنُه في البدوِ والحضرِ

لقد كان الكسائي وهو إمام النحاة وشيخ القراء يعلم الأطفال القرآن الكريم ، ورُوِيَ أن الإمام أحمد رُئِيَ بعد موته فقيل له "ماذا فعل الله بك؟" فقال "أكرمني وأدخلني الجنة بتعليم طفلٍ سورةَ الإخلاص" . «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ» كما قال سيد المتواضعين - صلى الله عليه وآله وسلم - .


لقد كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، وكان - صلوات الله وسلامه عليه - يخاطب كل الناس حتى المجانين ، ولم يكن لبيته بواب ، ولم تكن له حراسة خاصة ...
ولم يكن متميزًا على أصحابه في شيء من الملبس أو المظهر ، فالأعرابي يدخل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو وسطَ أصحابه فيقول : " أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟" كما في الصحيح .
اليوم نرى بعض ورثة علم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يكلمون أحدًا ، حتى من وكلوهم ؛ للرد على الرسائل لا يجيبون ، هل أنتم أفضل من صاحب الروضة - صلى الله عليه وسلم - ؟! أم أنكم خلقتم من طينة غير طينتنا ؟! قال النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» . رواه مسلم .
أعجبتني كلمة أحد إخواننا "الشيخ بوخبزة - حفظه الله - من يكلمه يحسبه من العوام" . حفظ الله علماءنا أئمة الأدب ، وهدى الله المتكبرين .
هذه نصيحة من باب قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . رواه مسلم .
فلا خير في إن لم أقلها ، ولا خير فيكم إن لم تقبلوها . ولا أرى قسوةً فيما قلت ؛ لأني من أرق الكلام اقتبست وإلى أعذب الأفكار أشرت ، غفر الله لي ولكم ، وتقبل الله منا ومنكم . أرجو الله - سبحانه وتعالى - أن ينفعني وإياكم بالقرآن الكريم وسنة خير المرسلين . هذا ، وبالله التوفيق ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم سلِّم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©