موضوع عشوائي

آخر المواضيع

سلسلة الشرح الموجز لـ "حِكَم من مدرسة الحياة" - أيامك ثلاث

بسم الله الرحمن الرحيم سلسلة الشرح الموجز لـ "حِكَم من مدرسة الحياة" : "يا ابن آدم ... أيامك ثلاثة : يوم الرشاد ، ويوم الرَّمَاد ، ويوم الحصاد ، فلا تنس يومَكَ السالِم ، ولا تُضِعْ يومَك الدائم من أجل حُطَامٍ هائم" . الشرح الموجز : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبعد ... فيقول الكاتب - غفر الله له - : "يا ابن آدم ... أيامك ثلاثة : يوم الرشاد" (نسبةً لطريق الرشاد ، وهو الطريق السَّوِيّ الذي لا ترى فيه عِوَجًا ولا أمْتًا (ارتفاعًا) ، ويبدأ منذ خلقك الله روحًا وأشهدك بربوبيته ، كما قال الله - سبحانه وتعالى - : ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)) (الأعراف 172) ، مرورًا بخلقك جسدًا وينتهي عند بلوغك سن التكليف ، وهو يوم طويل) . ثم قال : "ويوم الرَّمَاد" (نسبةً للرماد ، وهو اليابس من الطين ، إشارة لغلبة النوازع الطينية على الإنسان في هذه الحقبة ، أو إشارة إلى المثال القرآني : ((مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)) (إبراهيم - عليه السلام - 18) ، أو تذكيرًا بقول العرب "تنفخ في رماد" بمعنى تتعب نفسك ، وتضيع وقتك فيما لا فائدة من ورائه ، وهكذا أكثر الناس في الدنيا ، ويبدأ ذلك اليوم من سن التكليف وينتهي بالموت ، وهو أقصر الأيام) . ثم قال : "ويوم الحصاد" (نسبةً إلى الحصاد ، وهو اقتطاع الزروع ، وجني الثمار ، ويبدأ ذلك اليوم من الموت ، مرورًا بنعيم القبر أو عذابه ، ثم البعث ، والثواب أو العقاب ، وهو أطول الأيام ؛ لأنه لا ينتهي ، وإنها لجنة أبدًا أو نارٌ أبدًا ، قال الله - تبارك وتعالى - : ((ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا)) (النبأ 39) ) . وبناءً على ما تقدم يقول - وفقه الله - : "فلا تنس يومَكَ السالِم" (أي الأول ؛ فقد سلمت فيه بفضل الله - تعالى - من المعاصي ؛ لأن الروح ظلت في أكثره عُلْوِيَّة ، توحد الله ، ولا تشرك به شيئًا ، وعند تلبسها بالجسد (منذ اليوم 120 وأنت في بطن أمك ، حتى سن التكليف) أيضًا ظلت مؤمنة بباريها ، وشاركها الجسد في التوحيد ببرهان الفطرة ونور الوحي ، كما ثبت في الذكر الحكيم : ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)) (الروم 30) ، وفي الحديث الصحيح : «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ..." . رواه الشيخان . ولم يقل أو يمسلمانه ؛ لأن الفطرة هي الإسلام ، وفي حديث سَمُرَة بن جُنْدُب - الطويل - قال الملكان - جبريل وميكائيل - عليهما السلام - - للنبي - عليه الصلاة والسلام - : "وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا الوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ " . قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ .." . رواه البخاري . وهذا ما نبه عليه يوسف الصِّدِّيق - عليه الصلاة والسلام - حين قال لصاحبَيِ السِّجن : (( مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)) (يوسف - عليه السلام - 38) . قوله : "ولا تُضِعْ يومَك الدائم" (أي اليوم الثالث ، الذي لا ينتهي أبدًا) ، "من أجل حُطَامٍ هائم" (أي حطام الدنيا ، وحطام كل شيء هو ما بقي منه بعد تكسُّره وتحطُّمه) ، والهائم : الحائر الذي لا يعرف له طريقًا ، وهو صفة للحطام ، أو حال من الضمير العائد على المُحَطِّمِ نفسَه ، وقد حذف تنوين النصب على لغة ربيعة . والكاتب يقتبس من القرآن الكريم قول الله - عز وجل - : ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)) (الحديد 20) . هذا ، وبالله التوفيق ، والله أعلم . والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على سيدنا محمد وآلِه وصحبه أجمعين .

الكــاتــب

    • مشاركة

ليست هناك تعليقات:

جميع الحقوق محفوظة لــ مَقْرَأَةُ الدُّرَّة الْمُضِيَّة العالمية للعلوم العربيّة والإسلاميّة 2019 ©